[البينة : 3] فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ
3 - (فيها كتب) أحكام مكتوبة (قيمة) مستقيمة أي يتلو مضمون ذلك وهو القرآن فمنهم من آمن به ومنهم من كفر
قوله : " فيها كتب قيمة " يقول : في الصحف المطهرة كتب من الله قيمة عادلة مستقيمة ، ليس فيها خطأ ، لأنها من عند الله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " رسول من الله يتلو صحفا مطهرة " يذكر القرآن بأحسن الذكر ، ويثني عليه بأحسن الثناء .
قوله تعالى:" فيها كتب قيمة" أي مستقيمة مستوية محمكة، من قول العرب: قام يقوم: إذا استوى وصح. وقال بعض اهل العلم : الصحف هي الكتب، فكيف قال في صحف فيها كتب؟ فالجواب: أن الكتب هنا: بمعنى الأحكام، قال الله عز وجل:" كتب الله لأغلبن" [المجادلة:21] بمعنى حكم" وقال صلى الله عليه وسلم:
(والله لأقضين بينكما بكتاب الله ) ثم قضى بالرجم " ، وليس ذكر الرجم
مسطوراً في الكتاب، فالمعنى لأقضين بينكما بحكم الله تعالى. وقال الشاعر:
وما الولاء بالبلاء فملتم وما ذاك قال الله إذ هو يكتب
وقيل : الكتب القيمة: هي القرآن، فجعله كتباً لأنه يشتمل على أنواع من البيان.
أما أهل الكتاب فهم اليهود والنصارى والمشركون عبدة الأوثان والنيران من العرب ومن العجم, وقال مجاهد : لم يكونوا "منفكين" يعني منتهين حتى يتبين لهم الحق وهكذا قال قتادة "حتى تأتيهم البينة" أي هذا القرآن, ولهذا قال تعالى: "لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة". ثم فسر البينة بقوله: "رسول من الله يتلو صحفاً مطهرة" يعني محمداً صلى الله عليه وسلم وما يتلوه من القرآن العظيم الذي هو مكتتب في الملأ الأعلى في صحف مطهرة, كقوله: "في صحف مكرمة * مرفوعة مطهرة * بأيدي سفرة * كرام بررة", وقوله تعالى: "فيها كتب قيمة" قال ابن جرير : أي في الصحف المطهرة كتب من الله قيمة عادلة مستقيمة ليس فيها خطأ لأنها من عند الله عز وجل.
قال قتادة : "رسول من الله يتلو صحفاً مطهرة" يذكر القرآن بأحسن الذكر, ويثني عليه بأحسن الثناء, وقال ابن زيد "فيها كتب قيمة" مستقيمة معتدلة, وقوله تعالى: "وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة" كقوله: " ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم " يعني بذلك أهل الكتب المنزلة على الأمم قبلنا, بعد ما أقام الله عليهم الحجج والبينات تفرقوا واختلفوا في الذي أراده الله من كتبهم واختلفوا اختلافاً كثيراً, كما جاء في الحديث المروي من طرق: "إن اليهود اختلفوا على إحدى وسبعين فرقة, وإن النصارى اختلفوا على ثنتين وسبعين فرقة, وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قالوا: من هم يا رسول الله ؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي".
وقوله تعالى: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين" كقوله: "وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون" ولهذا قال: "حنفاء" أي متحنفين عن الشرك إلى التوحيد كقوله: " ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت " وقد تقدم تقرير الحنيف في سورة الأنعام بما أغنى عن إعادته ههنا "ويقيموا الصلاة" وهي أشرف عبادات البدن "ويؤتوا الزكاة" وهي الإحسان إلى الفقراء والمحاويج "وذلك دين القيمة" أي الملة القائمة العادلة أو الأمة المستقيمة المعتدلة, وقد استدل كثير من الأئمة كالزهري والشافعي بهذه الاية الكريمة أن الأعمال داخلة في الإيمان, ولهذا قال: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة".
وقوله: 3-"فيها كتب قيمة" صفة لصحفاً، ضميرها، والمراد الآيات والأحكام المكتوبة فيها، والقيمة المستقيمة المستوية المحكمة، من قول العرب: قام الشيء: إذا استوى وصح. وقال صاحب النظم: الكتب بمعنى الحكم كقوله: "كتب الله لأغلبن أنا ورسلي" أي حكم، وقوله صلى الله عليه وسلم في قصة العسيف: لأقضين بينكما بكتاب الله ثم قضى بالرجم، وليس الرجم في كتاب الله، فالمعنى: لأقضين بينكما بحكم الله، وبهذا يندفع ما قيل إن الصحف هي الكتب، فكيف قال " صحفا مطهرة * فيها كتب قيمة " وقال الحسن: يعني بالصحف المطهرة التي في السماء، يعني في اللوح المحفوظ كما في قوله: " بل هو قرآن مجيد * في لوح محفوظ " "وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة" هذه الجملة مستأنفة لتوبيخ أهل الكتاب وتقريعهم، وبيان أن ما نسب إليهم من عدم الانفكاك لم يكن لاشتباه الأمر، بل كان بعد وضوح الحق وظهور الصواب. قال المفسرون: لم يزل أهل الكتاب مجتمعين حتى بعث الله محمداً، فلما بعث تفرقوا في أمره واختلفوا، فآمن به بعضهم وكفر آخرون. وخص أهل الكتاب، وإن كان غيرهم مثلهم في التفرق بعد مجيء البينة لأنهم كانوا أهل علم، فإذا تفرقوا كان غيرهم ممن لا كتاب له أدخل في هذا الوصف، والاستثناء في قوله: "إلا من بعد ما جاءتهم البينة" مفرغ من أعم الأوقات: أي وما تفرقوا في وقت من الأوقات إلا من بعد ما جاءتهم الحجة الواضحة، وهي بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشريعة الغراء والمحجة البيضاء. وقيل البينة: البيان الذي في كتبهم أنه نبي مرسل كقوله: "وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم" قال القرطبي: قال العلماء: من أو السورة إلى قوله: "كتب قيمة" حكمها فيمن آمن من أهل الكتاب والمشركين.
3- "فيها"، أي في الصحف، "كتب"، يعني الآيات والأحكام المكتوبة فيها، "قيمة"، عادلة مستقيمة غير ذات عوج.
3-" فيها كتب قيمة " مكتوبات مستقيمة ناطقة بالحق .
3. Containing correct scriptures.
3 - Wherein are laws (or decrees) right and straight.