[الليل : 3] وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى
3 - (وما) بمعنى من أو مصدرية (خلق الذكر والأنثى) آدم وحواء وكل ذكر وكل أنثى والخنثى المشكل عندنا ذكر أو أنثى عند الله تعالى فيحنث بتكليمه من حلف لا يكلم ذكرا ولا أنثى
وقوله : " وما خلق الذكر والأنثى " يحتمل الوجهن اللذين وصفت في قوله " والسماء وما بناها * والأرض وما طحاها " [ الشمس : 5،6] وهو أن يجعل ( ما ) بمعنى ( من ) فيكون ذلك قسماً من الله جل ثناؤه بخالق الذكر والأنثى ، وهو ذلك الخالق ، وأن تجعل ( ما ) مع ما بعدها بمعنى المصدر ، ويكون قسماً بخلقه الذكر والأنثى .
وقد ذكر من عبد الله بن مسعود و أبي الدرداء : أنهما كانا يقرآن ذلك ( والذكر والأنثى ) ويأثره أبو الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ذكر الخبر بذلك :
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي إسحاق قال : في قراءة عبد الله : ( والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى )
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا هشام بن عبد الملك ، قل : ثنا شعبة ، قال : أخبرني المغيرة ، قال : سمعت إبراهيم يقول : أتى علقمة الشأم ، فقعد إلى أبي الدرداء ، فقال : ممن أنت ؟ فقالت : من أهل الكوفة ، فقال : كيف كان عبد الله يقرأ هذه الآية " والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى " فقلت : ( والذكر والأنثى ) قل : فما زال هؤلاء حتى كادوا يستضلونني وقد سمعتها من رسول اله صلى الله عليه وسلم .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا حاتم بن وردان ، قال : ثنا أبو حمزة ، عن إبراهيم ، عن علقمة قال : أتينا الشأم ، فدخلت على أبي الدرداء ، فسألهني فقال : كيف سمعت ابن مسعود يقرأ هذه الآية : " والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى " قلا : قلت ( والذكر والأنثى ) قل : كفاك ، سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها .
حدثني يعقوب قال : ثنا ابن علية ، وحدثني إسحاق بن شاهين الواسطي ، قال : ثنا خالد بن عبد الله ، عن داود ، عن عامر ، عن علقمة ، قال : قدت الشأم ، فلقيت أبا الدرداء ، فقال : من أين أنت ؟ فقلت من أهل العراق ؟ قال : من ايها ؟ قلعت : من أهل الكوفة ، قال : هل تقرؤه قرءاة ابن أم عبد قلت : نعم ، قال : اقرأ " والليل إذا يغشى " قال : فقرأت ( والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى ) قال : فضحك ، ثم قال : هكذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حدثنا ابن المثنى ، قل : ثني عبد الأعلى ، قال : ثني داود ، عن عامر ، عن علقمة ، عن أبي الدراداء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .
حدثني أبو السائب ، قال : ثنا معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم عن عقلمة ، قال : قدمت الشأم ، فأتى أبو الدرداء ، فقال : فيكم أحد يقرأ على قراءة عبد الله ؟ قال : فأشاروا إلي ، قال : قلت أنا ، قال : فكيف سمعت عبد الله يقرأ هذه الآية ( والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى ) قال : وأنا هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول . فهؤلاء يريدوني على أقرأ" وما خلق الذكر والأنثى " فلا أنا أتابعهم .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " وما خلق الذكر والأنثى " قال في بعض الحروف ( والذكر والأنثى ) .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، مثله .
حدثني أحمد بن يوسف ، قال : ثنا القاسم ، قال ، ثنا حجاج ، عن هارون ، عن إسماعيل ، عن الحسن أنه كان يقرؤها " وما خلق الذكر والأنثى " يقول : والذي خلق الذكر والأنثى ، قال هارون قال أبو عمرو : وأهل مكة يقولون للرعد : سبحان ما سبحت له .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن مغيرة عن مقسم الضبي ، عن إبراهيم بن يزيد بن أبي عمران ، عن علقمة بن قيس أبي شبل : أنه أتى الشام ، فدخل المسجد فصلى فيه ، ثم قام إلى حلقة فجلس فيها ، قال : فجاء رجل إلي ، فعرفت فيه تحوش القوم وهيبتهم له ، فجلس إلى جنبي ، فقلت : الحمد لله إني لأرجو أن يكون الله قد استجاب دعوتي ، فإذا ذلك الرجل أبو الدرداء ، قال : وما ذاك ؟ فقال علقمة : دعوت الله أن يرزقني جليساً صالحاً ، فأرجو أن يكون أنت ، قال : من أين أنت ؟ قلت من الكوفة ، أو من أهل العراق من الكوفة . قال أبو الدرداء : ألم يكن فيكم صاحب النعلين والوساد والمطهرة، يعني ابن مسعود ، أو لم يكن فيكم من أجير على لسان النبي صلى الله عليه وسلم من الشيطان الرجيم ؟ يعني عمار بن ياسر ، أو لم يكن فيكم صاحب السر الذي لا يعلمه غيره ، أو أحد غيره ؟ يعني حذيفة بن اليمان ، ثم قال أيكم يحفظ كما كان عبد الله يقرأ ؟قال : فقلت : أنا ، قال : اقرأ " والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى " قال علقمة : فقرأت الذكر والأنثى ، فقال أبو الدرداء : والذي لا إله إلا هو ، كذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فوه إلى في ، فما زال هؤلاء حتى كادوا يردونني عنها .
قوله تعالى:" وما خلق الذكر والأنثى" قال الحسن: معناه والذي خل الذكر والأنثى، فيكون قد أقسم بنفسه عز وجل. وقيل : معناه وخلق الذكر والأنثى، فـ(ما): مصدرية على ماتقدم.وأهل مكة يقولون للرعد: سبحان ما سبحت له! فـ(ما) على هذا بمعنى(من)، وهو قول
أبي عبيدة وغيره. وقد تقدم. وقيل: المعنى وما خلق من الذكر والأنثى، فتكون(من)مضمرة، ويكون القسم منه بأهل طاعته، من أنبيائه وأوليائه، ويكون قسمه بهم تكرمة لهم وتشريفاً. وقال أبو عبيدة:(وما خلق)أي من خلق. وكذا قوله (والسماء وما بناها)، (ونفس وما سواها)، (ما)في هذه المواضع بمعنى من. وروي عن ابن مسعود أنه كان يقرأ (والنهار إذا تجلى. والذكر والأنثى) ويسقط (وما خلق). وفي صحيح مسلم عن علقمة قال:
قدمنا الشام، فأنانا أبو الدرداء، فقال : فيكم أحد يقرأ علي قراءة عبد الله؟ فقلت: نعم، أنا. قال: فكيف سمعت عبد الله يقرأ هذه الآية " والليل إذا يغشى" ؟ قال: سمعته يقرأ(والليل إذا يغشى. والذكر والأنثى)قال: وأنا والله هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها، ولكن هؤلاء يريدون أن أقرأ (وما خلق )فلا أتابعهم. قال أبو بكر الأنباري: وحدثنا محمد بن يحي المروزي قال حدثنا محمد قال حدثنا ابو أحمد الزبيري قال حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبدالرحمن بن يزيد عن عبد الله قال:
أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني أنا الرازق ذو القوة المتين) قال أبو بكر: كل من هذين الحديثين مردود، بخلاف الإجماع له، وأن حمزة وعاصماً يرويان عن عبد الله بن مسعود ما عليه جماعة المسلمين، والبناء على سندين يوافقان الإجماع أولى من الأخذ بواحد يخالفه الإجماع والأمة، وما يبنى على رواية واحد إذا حاذاه رواية جماعة تخالفه، أخذ برواية الجماعة، وأبطل نقل الواحد، لما يجوز عليه من النسيان والإغفال. ولو صح الحديث عن أبي الدرداء وكان إسناده مقبولاً معروفاً، ثم كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة رضي الله عنهم يخالفونه، لكان الحكم العمل بما روته الجماعة، ورفض ما يحكيه الواحد المنفرد، الذي يسرع إليه من النسيان ما لايسرع إلى الجماعة، وجميع أهل الملة. وفي المراد بالذكر والأنثى قولان: أحدهما : آدم وحواء، قاله ابن عباس والحسن والكلبي. الثاني: يعني جميع الذكور والإناث من بني آدم والبهائم، لأن الله تعالى خلق جميعهم من ذكر وأنثى من نوعهم. قيل: كل وأنثى من الآدميين دون البهائم لاختصاصهم بولاية الله وطاعته.
قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون , حدثنا شعبة عن المغيرة عن إبراهيم , عن علقة أنه قدم الشام, فدخل مسجد دمشق فصلى فيه ركعتين وقال: اللهم ارزقني جليساً صالحاً قال فجلس له أبو الدرداء فقال له أبو الدرداء : ممن أنت ؟ قال: من أهل الكوفة, قال: كيف سمعت ابن أم عبد يقرأ "والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى" قال علقمة : " الذكر والأنثى " فقال أبو الدرداء : لقد سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فما زال هؤلاء حتى شككوني ثم قال ألم يكن فيكم صاحب الوساد وصاحب السر الذي لا يعلمه أحد غيره, والذي أجير من الشيطان على لسان محمد صلى الله عليه وسلم, وقد رواه البخاري ههنا ومسلم من طريق الأعمش عن إبراهيم قال قدم أصحاب عبد الله على أ بي الدرداء فطلبهم فوجدهم فقال: أيكم يقرأ علي قراءة عبد الله ؟ قالوا كلنا, قال: أيكم أحفظ ؟ فأشاروا إلى علقمة فقال: كيف سمعته يقرأ "والليل إذا يغشى" ـ قال ـ " الذكر والأنثى " قال: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هكذا, وهؤلاء يريدون أن أقرأ "وما خلق الذكر والأنثى" والله لا أتابعهم, هذا لفظ البخاري . وهكذا قرأ ذلك ابن مسعود وأبو الدرداء ورفعه أبو الدرداء , وأما الجمهور فقرأوا ذلك كما هو المثبت في المصحف الإمام العثماني في سائر الافاق "وما خلق الذكر والأنثى" فأقسم تعالى بـ "الليل إذا يغشى" أي إذا غشى الخليقة بظلامه "والنهار إذا تجلى" أي بضيائه وإشراقه.
"وما خلق الذكر والأنثى" كقوله تعالى: "وخلقناكم أزواجاً" وكقوله: "ومن كل شيء خلقنا زوجين" ولما كان القسم بهذه الأشياء المتضادة كان المقسم عليه أيضاً متضاداً, ولهذا قال تعالى: "إن سعيكم لشتى" أي أعمال العباد التي اكتسبوها متضادة أيضاً ومتخالفة فمن فاعل خيراً ومن فاعل شراً. قال الله تعالى: "فأما من أعطى واتقى" أي أعطى ما أمر بإخراجه واتقى الله في أموره "وصدق بالحسنى" أي بالمجازاة على ذلك قاله قتادة , وقال خصيف بالثواب, وقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وأبو صالح وزيد بن أسلم "وصدق بالحسنى" أي بالخلف. وقال أبو عبد الرحمن السلمي والضحاك "وصدق بالحسنى" أي بلا إله إلا الله وفي رواية عن عكرمة "وصدق بالحسنى" أي بما أنعم الله عليه, وفي رواية عن زيد بن أسلم "وصدق بالحسنى" قال: الصلاة والزكاة والصوم وقال مرة وصدقة الفطر. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة , حدثنا صفوان بن صالح الدمشقي , حدثنا الوليد بن مسلم , حدثنا زهير بن محمد , حدثني من سمع أبا العالية الرياحي يحدث عن أبي بن كعب قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسنى قال: "الحسنى: الجنة".
وقوله تعالى: "فسنيسره لليسرى" قال ابن عباس : يعني للخير, وقال زيد بن أسلم : يعني للجنة, وقال بعض السلف: من ثواب الحسنة الحسنة بعدها, ومن جزاء السيئة السيئة بعدها, ولهذا قال تعالى: "وأما من بخل" أي بما عنده "واستغنى" قال عكرمة عن ابن عباس : أي بخل بماله واستغنى عن ربه عز وجل. رواه ابن أبي حاتم "وكذب بالحسنى" أي بالجزاء في الدار الاخرة "فسنيسره للعسرى" أي لطريق الشر كما قال تعالى: "ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون" والايات في هذا المعنى كثيرة دالة على أن الله عز وجل يجازي من قصد الخير بالتوفيق له, ومن قصد الشر بالخذلان, وكل ذلك بقدر مقدر والأحاديث الدالة على هذا المعنى كثيرة.
(رواية أبي بكر الصديق رضي الله عنه) قال الإمام أحمد : حدثنا علي بن عياش , حدثني العطاف بن خالد , حدثني رجل من أهل البصرة عن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق عن أبيه قال: سمعت أبي يذكر أن أباه سمع أبا بكر وهو يقول: " قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أنعمل على ما فرغ منه أو على أمر مؤتنف ؟ قال :بل على أمر قد فرغ منه قال: ففيم العمل يا رسول الله ؟ قال: كل ميسر لما خلق له".
(رواية علي رضي الله عنه) قال البخاري : حدثنا أبو نعيم , حدثنا سفيان عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بقيع الغرقد في جنازة فقال: ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار فقالوا: يا رسول الله أفلا نتكل ؟ فقال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له ثم قرأ " فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى " " وكذا رواه من طريق شعبة ووكيع عن الأعمش بنحوه. ثم رواه عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير عن منصور عن سعيد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: " كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة فنكس, فجعل ينكت بمخصرته ثم قال: ما منكم من أحد ـ أو ما من نفس منفوسة ـ إلا كتب مكانها من الجنة والنار وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة فقال رجل: يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل ؟ فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى أهل السعادة, ومن كان منا من أهل الشقاء فسيصير إلى أهل الشقاء ؟ فقال: أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة, وأما أهل الشقاء فييسرون إلى عمل أهل الشقاء, ثم قرأ " فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى " " وقد أخرجه بقية الجماعة من طرق عن سعيد بن عبيدة به.
(رواية عبد الله بن عمر ) قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن , حدثنا شعبة عن عاصم بن عبيد الله قال سمعت سالم بن عبد الله يحدث عن ابن عمر قال: قال عمر : " يا رسول الله أرأيت ما نعمل فيه أفي أمر قد فرغ أو مبتدأ أو مبتدع ؟ قال: فيما قد فرغ منه, فاعمل يا ابن الخطاب , فإن كلاً ميسر, أما من كان من أهل السعادة فإنه يعمل للسعادة وأما من كان من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء " , ورواه الترمذي في القدر عن بندار عن ابن مهدي به, وقال: حسن صحيح.
(حديث آخر من رواية جابر ) قال ابن جرير : حدثني يونس , أخبرنا ابن وهب , أخبرني عمرو بن الحارث عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أنه قال: " يا رسول الله أنعمل لأمر قد فرغ منه أو لأمر نستأنفه ؟ فقال: لأمر قد فرغ منه فقال سراقة : ففيم العمل إذاً ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل عامل ميسر لعمله" ورواه مسلم عن أبي الظاهر عن ابن وهب به.
(حديث آخر) قال ابن جرير : حدثني يونس , حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طلق بن حبيب عن بشير بن كعب العدوي قال: سأل غلامان شابان النبي صلى الله عليه وسلم فقالا: " يا رسول الله أنعمل فيما جفت الأقلام وجرت به المقادير أو في شيء يستأنف ؟ فقال: بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير قالا: ففيم العمل إذاً ؟ قال: اعملوا فكل عامل ميسر لعمله الذي خلق له قالا: فالان نجد ونعمل " .
(رواية أبي الدرداء ) قال الإمام أحمد : حدثنا هشيم بن خارجة , حدثنا أبو الربيع سليمان بن عتبة السلمي عن يونس بن ميسرة بن حلبس عن أبي إدريس عن أبي الدرداء قال: " قالوا يا رسول الله أرأيت ما نعمل أمر قد فرغ منه أم شيء نستأنفه ؟ قال : بل أمر قد فرغ منه فقالوا: فكيف بالعمل يا رسول الله ؟ قال: كل امرىء مهيأ لما خلق له" تفرد به أحمد من هذا الوجه.
(حديث آخر) قال ابن جرير : حدثني الحسن بن سلمة بن أبي كبشة , حدثنا عبد الملك بن عمرو , حدثنا عباد بن راشد عن قتادة , حدثني خليد العصري عن أبي الدرداء قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من يوم غربت فيه شمسه إلا وبجنبتيها ملكان يناديان يسمعهما خلق الله كلهم إلا الثقلين: اللهم أعط منفقاً خلفاً وأعط ممسكاً تلفاً" وأنزل الله في ذلك القرآن " فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى " ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن ابن أبي كبشة بإسناده مثله.
(حديث آخر) قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو عبد الله الطهراني , حدثنا حفص بن عمر العدني , حدثني الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس " أن رجلاً كان له نخيل, ومنها نخلة فرعها في دار رجل صالح فقير ذي عيال, فإذا جاء الرجل فدخل داره فيأخذ التمرة من نخلته فتسقط التمرة, فيأخذها صبيان الرجل الفقير, فينزل من نخلته فينزع التمرة من أيديهم, وإن أدخل أحدهم التمرة في فمه أدخل أصبعه في حلق الغلام ونزع الثمرة من حلقه, فشكا ذلك الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بما هو فيه من صاحب النخلة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اذهب ولقي النبي صلى الله عليه وسلم صاحب النخلة فقال له: أعطني نخلتك التي فرعها في دار فلان ولك بها نخلة في الجنة فقال له: لقد أعطيت ولكن يعجبني ثمرها وإن لي لنخلاً كثيراً ما فيها نخلة أعجب إلي ثمرة من ثمرها, فذهب النبي صلى الله عليه وسلم فتبعه رجل كان يسمع الكلام من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صاحب النخلة فقال الرجل: يا رسول الله إن أنا أخذت النخلة فصارت لي النخلة فأعطيتك إياها أتعطيني ما أعطيته بها نخلة في الجنة ؟ قال: نعم .
ثم إن الرجل لقي صاحب النخلة ولكلاهما نخل, فقال له: أخبرك أن محمداً أعطاني بنخلتي المائلة في دار فلان نخلة في الجنة, فقلت له قد أعطيت ولكن يعجبني ثمرها, فسكت عنه الرجل فقال له: أراك إذاً بعتها, قال لا إلا أن أعطى بها شيئاً ولا أظنني أعطاه, قال: وما مناك ؟ قال: أربعون نخلة, فقال الرجل: لقد جئت بأمر عظيم, نخلتك تطلب بها أربعين نخلة ؟ ثم سكتا وأنشآ في كلام آخر, ثم قال: أنا أعطيتك أربعين نخلة, فقال: أشهد لي إن كنت صادقاً, فأمر بأناس فدعاهم فقال: اشهدوا إني قد أعطيته من نخلي أربعين نخلة بنخلته التي فرعها في دار فلان بن فلان, ثم قال: ما تقول ؟ فقال صاحب النخلة: قد رضيت, ثم قال بعد ليس بيني وبينك بيع لم نفترق, فقال له: قد أقالك الله ولست بأحمق حين أعطيتك أربعين نخلة بنخلتك المائلة, فقال صاحب النخلة: قد رضيت على أن تعطيني الأربعين على ما أريد, قال: تعطينيها على ساق, ثم مكث ساعة ثم قال: هي لك على ساق, وأوقف له شهوداً وعد له أربعين نخلة على ساق, فتفرقا, فذهب الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن النخلة المائلة في دار فلان قد صارت لي فهي لك, فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرجل صاحب الدار فقال له النخلة لك ولعيالك" قال عكرمة : قال ابن عباس فأنزل الله عز وجل: " والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى * وما خلق الذكر والأنثى * إن سعيكم لشتى * فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى " إلى آخر السورة, هكذا رواه ابن أبي حاتم وهو حديث غريب جداً.
قال ابن جرير : وذكر أن هذه الاية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه: حدثنا هارون بن إدريس الأصم , حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي , حدثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه, عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال: كان أبو بكر رضي الله عنه يعتق على الإسلام بمكة, فكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن, فقال له أبوه: أي بني أراك تعتق أناساً ضعفاء فلو أنك تعتق رجالاً جلداء يقومون معك ويمنعونك ويدفعون عنك, فقال: أي أبت إنما أريد ـ أظنه قال ـ ما عند الله, قال: فحدثني بعض أهل بيتي أن هذه الاية أنزلت فيه " فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى ". وقوله تعالى: "وما يغني عنه ماله إذا تردى" قال مجاهد : أي إذا مات وقال أبو صالح ومالك عن زيد بن أسلم : إذا تردى في النار.
3- "وما خلق الذكر والأنثى" ما هنا هي الموصولة: أي والذي خلق الذكر والأنثى، وعبر عن من بما للدلالة على الوصفية ولقصد التفخيم: أي والقادر العظيم الذي خلق صنفي الذكر والأنثى. قال الحسن والكلبي: معناه والذي خلق الذكر والأنثى فيكون قد أقسم بنفسه. قال أبو عبيدة: وما خلق: أي ومن خلق. قال مقاتل: يعني وخلق الذكر والأنثى فتكون ما على هذا مصدرية. قال الكلبي ومقاتل: يعني آدم وحواء، والظاهر العموم. قرأ الجمهور وما خلق الذكر والأنثى وقرأ ابن مسعود والذكر والأنثى بدون ما خلق.
3- "وما خلق الذكر والأنثى"، يعني: ومن خلق، قيل هي ما المصدرية / أي: وخلق الذكر والأنثى، قال مقاتل والكلبي: يعني آدم وحواء.وفي قراءة ابن مسعود، وأبي الدرداء: والذكر والأنثى.
3-" وما خلق الذكر والأنثى " والقادر الذي خلق صنفي الذكر والأنثى من كل نوع له توالد ، أو آدم وحواء وقيل " ما " مصدرية .
3. And Him Who hath created male and female,
3 - By (the mystery of) the creation of male and female;