[التوبة : 43] عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ
43 - وكان صلى الله عليه وسلم أذن لجماعة في التخلف باجتهاد منه ، فنزل عتاباً له وقدم العفو تطميناً لقلبه (عفا الله عنك لم أذنت لهم) في التخلف وهلا تركتهم (حتى يتبين لك الذين صدقوا) في العذر (وتعلم الكاذبين) فيه
قوله تعالى عفا الله عنك الآية أخرج ابن جرير عن عمرو بن ميمون الأزدي قال إثنتان فعلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤمر فيها بشيء إذنه للمنافقين وأخذه الفداء من الآسارى فأنزل الله عفا الله عنك لم أذنت لهم
قال أبو جعفر: وهذا عتاب من الله تعالى ذكره: عاتب به نبيه صلى الله عليه وسلم في إذنه لمن أذن له في التخلف عنه، حين شخص إلى تبوك لغزو الروم، من المنافقين.
يقول جل ثناؤه: " عفا الله عنك "، يا محمد، ما كان منك في إذن لهؤلاء المنافقين الذين استأذنوك في ترك الخروج معك، وفي التخلف عنك، من قبل أن تعلم صدقه من كذبه، " لم أذنت لهم "، لأي شيء أذنت لهم؟
" حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين "، يقول: ما كان ينبغي لك أن تأذن لهم في التخلف عنك إذ قالوا لك: " لو استطعنا لخرجنا معك "، حتى تعرف من له العذر منهم في تخلفه ومن لا عذر له منهم، فيكون إذنك لمن أذنت له منهم على علم منك بعذره، وتعلم من الكاذب والمتخلف نفاقاً وشكاً في دين الله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : " عفا الله عنك لم أذنت لهم "، قال: ناس قالوا: استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أذن لكم فاقعدوا وإن لم يأذن لكم فاقعدوا.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا "، الآية، عاتبه كما تسمعون، ثم أنزل الله التي في ((سورة النور))، فرخص له في أن يأذن لهم إن شاء، فقال: " فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم "، [النور: 62]، فجعله الله رخصة في ذلك من ذلك.
حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عمرو بن ميمون الأودي قال: اثنتان فعلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤمر فيهما بشيء: إذنه للمنافقين، وأخذه من الأسارى، فأنزل الله: " عفا الله عنك لم أذنت لهم "، الآية.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، قرأت على سعيد بن أبي عروبة، قال: هكذا سمعته من قتادة ، قوله:" عفا الله عنك لم أذنت لهم "، الآية، ثم أنزل الله بعد ذلك في ((سورة النور)): " فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم " الآية، [النور: 62].
حدثنا صالح بن مسمار قال، حدثنا لنضر بن شميل قال، أخبرنا موسى بن سروان، قال: سألت مورقاً عن قوله: " عفا الله عنك "، قال: عاتبه ربه.
قوله تعالى: "عفا الله عنك لم أذنت لهم" قيل: هو افتتاح كلام، كما تقول أصلحك الله وأعزك ورحمك! كان كذا وكذا. وعلى هذا التأويل يحسن الوقف على قوله: "عفا الله عنك"، حكاه مكي والمهدوي والنحاس. وأخبره بالعفو قبل الذنب لئلا يطير قلبه فرقاً. وقيل: المعنى عفا الله عنك ما كان من ذنبك في أن أذنت لهم، فلا يحسن الوقف على قوله: "عفا الله عنك" على هذا التقدير، حكاه المهدوي واختاره النحاس. ثم قيل: في الإذن قولان: الأول- "لم أذنت لهم" في الخروج معك، وفي خروجهم بلا عدة ونية صادقة فساد. الثاني- "لم أذنت لهم" في القعود لما اعتلوا بأعذار، ذكرهما القشيري قال: وهذا عتاب تلطف، إذ قال: "عفا الله عنك". وكان عليه السلام أذن من غير وحي نزل فيه. قال قتادة وعمر بن ميمون: ثنتان فعلهما النبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤمر بهما: إذنه لطائفة من المنافقين في التخلف عنه ولم يكن له أن يمضي شيئاً إلا بوحي، وأخذه من الأسارى الفدية، فعاتبه الله كما تسمعون. قال بعض العلماء إنما بدر منه ترك الأولى، فقدم الله له العفو على الخطاب الذي هو في صورة العتاب.
قوله تعالى: "حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين" أي ليتبين لك من صدق ممن نافق. قال ابن عباس: وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يومئذ يعرف المنافقين، وإنما عرفهم بعد نزول سورة التوبة. وقال مجاهد: هؤلاء قوم قالوا: نستأذن في الجلوس، فإن أذن لنا جلسنا. وإن لم يؤذن لنا جلسنا. وقال قتادة: نسخ هذه الآية بقوله في سورة النور "فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم" [النور: 62]. ذكره النحاس في معاني القرآن له.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أبو حصين بن سليمان الرازي حدثنا سفيان بن عيينة عن مسعر عن عون قال: هل سمعتم بمعاتبة أحسن من هذا ؟ نداء بالعفو قبل المعاتبة فقال "عفا الله عنك لم أذنت لهم" وكذا قال مورق العجلي وغيره. وقال قتادة: عاتبه كما تسمعون ثم أنزل التي في سورة النور فرخص له في أن يأذن لهم إن شاء فقال "فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم" الاية. وكذا روي عن عطاء الخراساني, وقال مجاهد: نزلت هذه الاية في أناس قالوا: استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أذن لكم فاقعدوا وإن لم يأذن لكم فاقعدوا, ولهذا قال تعالى: "حتى يتبين لك الذين صدقوا" أي في إبداء الأعذار "وتعلم الكاذبين" يقول تعالى هلا تركتهم لما استأذنوك فلم تأذن لأحد منهم في القعود لتعلم الصادق منهم في إظهار طاعتك من الكاذب فإنهم قد كانوا مصرين على القعود عن الغزو وإن لم تأذن لهم فيه .
ولهذا أخبر تعالى أنه لا يستأذنه في القعود عن الغزو أحد يؤمن بالله ورسوله فقال: " لا يستأذنك " أي في القعود عن الغزو " الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم " لأنهم يرون الجهاد قربة ولما ندبهم إليه بادروا وامتثلوا "والله عليم بالمتقين * إنما يستأذنك" أي في القعود ممن لا عذر له " الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر " أي لا يرجون ثواب الله في الدار الاخرة على أعمالهم "وارتابت قلوبهم" أي شكت في صحة ما جئتهم به "فهم في ريبهم يترددون" أي يتحيرون يقدمون رجلاً ويؤخرون أخرى وليست لهم قدم ثابتة في شيء فهم قوم حيارى هلكى لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلاً .
الاستفهام في 43- "عفا الله عنك لم أذنت لهم" للإنكار من الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم حيث وقع منه اإذن لمن استأذنه في القعود قبل أن يتبين من هو صادق منهم في عذره الذي أبداه، ومن هو كاذب فيه. وفي ذكر العفو عنه صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن هذا الإذن الصادر منه كان خلاف الأولى، وفي هذا عتاب لطيف من الله سبحانه، وقيل إن هذا عتاب له صلى الله عليه وسلم في إذنه للمنافقين بالخروج معه، لا في إذنه لهم بالقعود عن الخروج. والأول أولى، وقد رخص له سبحانه في سورة النور بقوله: "فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم" ويمكن أن يجمع بين الآيتين بأن العتاب هنا موجه إلى الإذن قبل الاستثبات حتى يتبين الصادق من الكاذب، والإذن هنالك متوجه إلى الإذن بعد الاستثبات والله أعلم. وقيل: إن قوله: "عفا الله عنك" هي افتتاح كلام كما تقول: أصلحك الله وأعزك ورحمك كيف فعلت كذا، وكذا حكاه مكي والنحاس والمهدوي، وعلى هذا التأويل يحسن الوقف على "عفا الله عنك"، وعلى التأويل الأول لا يحسن. ولا يخافك أن التفسير الأول هو المطابق لما يقتضيه اللفظ على حسب اللغة العربية، ولا وجه لإخراجه عن معناه العربي. وفي الآية دليل على جواز الاجتهاد منه صلى الله عليه وسلم، والمسألة مدونة في الأصول، وفيها أيضاً دلالة على مشروعية الاحتراز عن العجلة والاغترار بظواهر الأمور، و حتى في "حتى يتبين لك الذين صدقوا" للغاية، كأنه قيل: لما سارعت إلى الإذن لهم، وهلا تأنيث حتى يتبين لك صدق من هو صادق منهم في العذر الذي أبداه، وكذب من هو كاذب منهم في ذلك؟.
43-"عفا الله عنك"، قال عمرو بن ميمون: اثنان فعلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يؤمر بهما: إذنه للمنافقين، وأخذه الفدية من أسارى بدر، فعاتبه الله كما تسمعون.
قال سفيان بن عيينة: انظروا إلى هذا اللطف بدأ بالعفو قبل أن يعيره بالذنب.
وقيل: إن الله عز وجل وقرة ورفع محله بافتتاح الكلام بالدعاء له، كما يقول الرجل لمن يخاطبه إذا كان كريما عنده: عفا الله عنك ما صنعت في حاجتي؟ ورضي الله عنك ألا زرتني. وقيل معناه: أدام الله لك العفو.
"لم أذنت لهم"، أي: في التخلف عنك "حتى يتبين لك الذين صدقوا"، في أعذارهم، "وتعلم الكاذبين"، فيها، أي: تعلم من لا عذر له. قال ابن عباس رضي الله عنه: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف المنافقين يومئذ.
43. "عفا الله عنك" كناية عن خطئه في الإذن فأن العفو من رواد فه . " لم أذنت لهم " بيان لما كني عنه بالعفو ومعاتبة عليه ، والمعنى لأي شيء أذنت لهم في القعود حين استأذنوك واعتلوا بأكاذيب وهلا توقفت . " حتى يتبين لك الذين صدقوا " في الاعتذار . " وتعلم الكاذبين " فيه . قيل إنما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئين لم يؤمر بهما ، أخذه للفداء وإذنه للمنافقين فعاتبه الله عليهما .
43. Allah forgive thee (O Muhammad)! Wherefore didst thou grant them leave ere those who told the truth were manifest to thee and thou didst know the liars?
43 - God give thee grace why didst thou grant them exemption until those who told the truth were seen by thee in a clear light, and thou hadst proved the liars?