[التوبة : 113] مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ
113 - ونزل في استغفاره صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب واستغفار بعض الصحابة لأبويه المشركين (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى) ذوي قرابة (من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) النار بأن ماتوا على الكفر
قوله تعالى ما كان للنبي الآية أخرج الشيخان من طريق سعيد ابن المسيب عن أبيه قال لما لنبي أبا طالب الوفاة دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية فقال أي عم قل لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبد الله يا ابا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزالا يكلمانه حتى آخر شيء كلمهم به هو على ملة عبد المطلب فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فنزلت ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين الآية وأنزل في أبي طالب إنك لا تهدي من أحببت الآية وظاهر أن الآية نزلت بمكة
ك وأخرج الترمذي وحسنة الحاكم عن علي قال سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان فقلت له أتستغفر لأبويك وهما مشركان فقال استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم

فنزلت ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين
وأخرج الحاكم والبيهقي في الدلائل وغيرهما عن ابن مسعود قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما إلى المقابر فجلس إلى قبر منها فناجاه طويلا ثم بكى فبكيت لبكائه فقال إن القبر الذي جلست عنده قبر أمي وإني استأذنت ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي فأنزل الله ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين
وأخرج احمد وابن مردويه واللفظ له من حديث بريدة قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ وقف على عسفان فأبصر قبر أمه فتوضأ وصلى وبكى ثم قال إني استأذنت ربي أن أستغفر لها فنهيت فأنزل الله ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين الآية
وأخرج الطبراني وابن مردويه نحوه من حديث ابن عباس وأن ذلك بعد أن رجع من تبوك وسافر إلى مكة معتمرا فهبط عند ثنية عسفان قال الحافظ بن حجر يحتمل أن يكون لنزول الآية أسباب متقدم وهو أمر أبي طالب ومتأخر وهو أمر آمنة وقصة علي وجمع غيره بتعدد النزول
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ما كان ينبغي للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، والذين آمنوا به، " أن يستغفروا "، يقول: أن يدعوا بالمغفرة للمشركين، ولو كان المشركون الذين يستغفرون لهم، " أولي قربى "، ذوي قرابة لهم، " من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم "، يقول: من بعد ما ماتوا على شركهم بالله وعبادة الأوثان، وتبين لهم أنهم من أهل النار، لأن الله قد قضى أن لا يغفر لمشرك، فلا ينبغي لهم أن يسألوا ربهم أن يفعل ما قد علموا أنه لا يفعله. فإن قالوا: فإن إبراهيم قد استغفر لأبيه وهو مشرك؟ فلم يكن استغفار إبراهيم لأبيه إلا لموعدة وعدها إياه. فلما تبين له وعلم أنه لله عدو، خلاه وتركه، وترك الاستغفار له، وآثر الله وأمره عليه، فتبرأ منه حين تبين له أمره.
واختلف أهل التأويل في السبب الذي نزلت هذه الآية فيه.
فقال بعضهم: نزلت في شأن أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يستغفر له بعد موته، فنهاه الله عن ذلك.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر قال: " لما حضرت أبا طالب الوفاة، دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعند أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية، فقال: يا عم، قل: لا إله إلا الله، كلمةً أحاج لك بها عند الله! فقال له أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لأستغفرن لك ما لم أنه عنك! فنزلت: " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين "، ونزلت: " إنك لا تهدي من أحببت "، [القصص: 56] ".
حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال، حدثنا عمي عبد الله بن وهب قال، حدثني يونس، عن الزهري قال، أخبرني سعيد بن المسيب، عن أبيه قال: " لما حضرت أبا طالب الوفاة، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عم، قل: لا إله إلا الله، كلمةً أشهد لك بها عند الله! قال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيد له تلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: ((هو على ملة عبد المطلب))، وأبى أن يقول: ((لا إله إلا الله))، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك! فأنزل الله: " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين "، وأنزل الله في أبي طالب، فقال لرسول الله: " إنك لا تهدي من أحببت " الآية [القصص: 56] ".
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين "، قال: يقول المؤمنون: ألا نستغفر لآبائنا، وقد استغفر إبراهيم لأبيه كافراً؟ فأنزل الله: " وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه "، الآية.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن عمرو بن دينار: " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك، فلا أزال أستغفر لأبي طالب حتى ينهاني عنه ربي! فقال أصحابه: لنستغفرن لآبائنا كما استغفر النبي صلى الله عليه وسلم لعمه! فأنزل الله: " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين "، إلى قوله: " تبرأ منه " ".
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يزيد بن هرون، عن سفيان بن عيينة، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب قال: " لما حضر أبا طالب الوفاة، أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده عبد الله بن أبي أمية وأبو جهل بن هشام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي عم، إنك أعظم الناس علي حقاً، وأحسنهم عندي يداً، ولأنت أعظم علي حقاً من والدي، فقل كلمة تجب لي بها الشفاعة يوم القيامة، قل: لا إله إلا الله " ثم ذكر نحو حديث ابن عبد الأعلى، عن محمد بن ثور.
وقال آخرون: بل نزلت في سبب أم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه أراد أن يستغفر لها، فمنع من ذلك.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أحمد بن إسحق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا فضيل، عن عطية قال: " لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، وقف على قبر أمه حتى سخنت عليه الشمس، رجاء أن يؤذن له فيستغفر لها، حتى نزلت: " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى "، إلى قوله: " تبرأ منه "" .
... قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا قيس، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه: " أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى رسم، قال: وأكثر ظني أنه قال: قبر، فجلس إليه، فجعل يخاطب، ثم قال مستعبراً، فقلت: يا رسول الله، إنا رأينا ما صنعت! قال: إني استأذنت ربي في زيارة قبر أمي، فأذن لي، واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي. فما رؤي باكياً أكثر من يومئذ ".
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " ما كان للنبي والذين آمنوا "، إلى: " أنهم أصحاب الجحيم "، " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يستغفر لأمه، فنهاه الله عن ذلك، فقال: وإن إبراهيم خليل الله قد استغفر لأبيه! فأنزل الله: " ما كان استغفار إبراهيم "، إلى " لأواه حليم " ".
وقال آخرون: بل نزلت من أجل أن قوماً من أهل الإيمان كانوا يستغفرون لموتاهم من المشركين، فنهوا عن ذلك.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثني عبد الله بن صالح قال، حدثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين "، الآية، فكانوا يستغفرون لهم، حتى نزلت هذه الآية. فلما نزلت، أمسكوا عن الاستغفار لأمواتهم، ولم ينههم أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا، ثم أنزل الله: " وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه "، الآية.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين "، الآية، " ذكر لنا أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا نبي الله، إن من آبائنا من كان يحسن الجوار، ويصل الأرحام، ويفك العاني، ويوفي بالذمم، أفلا نستغفر لهم؟ قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بلى! والله لأستغفرن لأبي، كما استغفر إبراهيم لأبيه! قال: فأنزل الله: " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين " حتى بلغ: " الجحيم "، ثم عذر الله إبراهيم فقال: " وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ". قال: وذكر لنا أن نبي الله قال: أوحي إلي كلمات فدخلن في أذني، ووقرن في قلبي: أمرت أن لا أستغفر لمن مات مشركاً، ومن أعطى فضل ماله فهو خير له، ومن أمسك فهو شر له، ولا يلوم الله على كفاف ".
واختلف أهل العربية في معنى قوله: " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ".
فقال بعض نحويي البصرة: معنى ذلك: ما كان لهم الاستغفار، وكذلك معنى قوله: " وما كان لنفس أن تؤمن "، وما كان لنفس الإيمان، " إلا بإذن الله " [يونس: 100].
وقال بعض نحويي الكوفة: معناه: ما كان ينبغي لهم أن يستغفروا لهم. قال: وكذلك إذا جاءت ((أن)) مع ((كان))، فكلها بتأويل: ينبغي، " ما كان لنبي أن يغل " [آل عمران: 161]، ما كان ينبغي له، ليس هذا من أخلاقه. قال: فلذلك دخلت ((أن)) لتدل على الاستقبال، لأن ((ينبغي)) تطلب الاستقبال.
فيه ثلاث مسائل:
الأولى- روى مسلم عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال:
"لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عم، قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبد المطلب. فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيد له تلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم، هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول لا إله إلا الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك" فأنزل الله عز وجل: "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم" وأنزل الله في أبي طالب فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين" [القصص: 56]. فالآية على هذا ناسخة لاستغفار النبي صلى الله عليه وسلم لعمه، فإنه استغفر له بعد موته على ما روي في غير الصحيح. وقال الحسين بن الفضل: وهذا بعيد، لأن السورة من آخر ما نزل من القرآن، ومات أبو طالب في عنفوان الإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم بمكة.
الثانية- هذه الآية تضمنت قطع موالاة الكفار حيهم وميتهم، فإن الله لم يجعل للمؤمنين أن يستغفروا للمشركين، فطلب الغفران للمشرك مما لا يجوز. فإن قيل: "فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد حين كسروا رباعيته وشجوا وجهه: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" فكيف يجتمع هذا مع منع الله تعالى رسوله والمؤمنين من طلب المغفرة للمشركين. قيل له: إن ذلك القول من النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان على سبيل الحكاية عمن تقدمه من الأنبياء، والدليل عليه ما رواه مسلم عن عبد الله قال:
"كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء ضربه قومه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون". وفي البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر نبياً قبله شجه قومه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يخبر عنه بأنه قال: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون".
قلت: وهذا صريح في الحكاية عمن قبله، لا أنه قاله ابتداء عن نفسه كما ظنه بعضهم. والله أعلم. والنبي الذي حكاه نوح عليه السلام، على ما يأتي بيانه في سورة هود إن شاء الله. وقيل: إن المراد بالاستغفار في الآية الصلاة. قال بعضهم: ما كنت لأدع الصلاة على أحد من أهل القبلة ولو كانت حبشية حبلى من الزنى، لأني لم أسمع الله حجب الصلاة إلا عن المشركين بقوله: "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين" الآية. قال عطاء بن أبي رباح، الآية في النهي عن الصلاة على المشركين، والاستغفار هنا يراد به الصلاة. جواب ثالث- وهو أن الاستغفار للأحياء جائز، لأنه مرجو إيمانهم، ويمكن تألفهم بالقول الجميل وترغيبهم في الدين. وقد قال كثير من العلماء: لا بأس أن يدعو الرجل لأبويه الكافرين ويستغفر لهما ما داما حيين. فأما من مات فقد انقطع عنه الرجاء فلا يدعا له. قال ابن عباس: كانوا يستغفرون لموتاهم فنزلت، فأمسكوا عن الاستغفار ولم ينههم أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا.
الثالثة- قال أهل المعاني: "ما كان" في القرآن يأتي على وجهين: على النفي نحو قوله: "كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله" [النمل: 60]، "وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله" [آل عمران: 145]. والآخر بمعنى النهي كقوله: "وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله" [الأحزاب: 53]، و"ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين".
قال الإمام أحمد: حدثنا عبدالرزاق, حدثنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية, فقال "أي عم, قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله عز وجل" فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فقال: أنا على ملة عبد المطلب, فقال النبي صلى الله عليه وسلم "لأستغفرن لك ما لم أنه عنك" فنزلت "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم" قال ونزلت فيه "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء" أخرجاه. وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن آدم, أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الخليل عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رجلاً يستغفر لأبويه وهما مشركان, فقلت: أيستغفر الرجل لأبويه وهما مشركان ؟ فقال: أو لم يستغفر إبراهيم لأبيه ؟ فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين" الاية, قال لما مات فلا أدري, قاله سفيان أو قاله إسرائيل أو هو في الحديث لما مات, (قلت): هذا ثابت عن مجاهد أنه قال لما مات. وقال الإمام أحمد: حدثنا الحسن بن موسى, حدثنا زهير, حدثنا زبيد بن الحارث اليامي عن محارب بن دثار عن ابن بريدة عن أبيه قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن في سفر, فنزل بنا ونحن قريب من ألف راكب, فصلى ركعتين ثم أقبل علينا بوجهه وعيناه تذرفان, فقام إليه عمر بن الخطاب وفداه بالأب والأم وقال: يا رسول الله مالك ؟ قال "إني سألت ربي عز وجل في الاستغفار لأمي فلم يأذن لي فدمعت عيناي رحمة لها من النار, وإني كنت نهيتكم عن ثلاث: نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها لتذكركم زيارتها خيراً. ونهيتكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث فكلوا وأمسكوا ما شئتم, ونهيتكم عن الأشربة في الأوعية فاشربوا في أي وعاء شئتم ولا تشربوا مسكراً".
وروى ابن جرير من حديث علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة, أتى رسم قبر فجلس إليه فجعل يخاطب ثم قام مستعبراً, فقلنا يا رسول الله إنا رأينا ما صنعت. قال: "إني استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي" فما رئي باكياً أكثر من يومئذ. وقال ابن أبي حاتم في تفسيره: حدثنا أبي, حدثنا خالد بن خداش, حدثنا عبد الله بن وهب عن ابن جريج عن أيوب بن هانىء عن مسروق عن عبد الله بن مسعود, قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً إلى المقابر فاتبعناه فجاء حتى جلس إلى قبر منها, فناجاه طويلاً ثم بكى فبكينا لبكائه, ثم قام فقام إليه عمر بن الخطاب فدعاه ثم دعانا, فقال "ما أبكاكم ؟" فقلنا بكينا لبكائك. قال: "إن القبر الذي جلست عنده قبر آمنة, وإني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي" ثم أورده من وجه آخر, ثم ذكر من حديث ابن مسعود قريباً منه, وفيه "وإني استأذنت ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي وأنزل علي "ما كان للنبي والذين آمنوا" الاية, فأخذني ما يأخذ الولد للوالد, وكنت نهيتكم عن زيارة القبور, فزوروها فإنها تذكر الاخرة".
(حديث آخر) في معناه. قال الطبراني: حدثنا محمد بن علي المروزي, حدثنا أبو الدرداء عبد العزيز بن منيب, حدثنا إسحاق بن عبد الله بن كيسان, عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أقبل من غزوة تبوك واعتمر, فلما هبط من ثنية عسفان أمر أصحابه أن استندوا إلى العقبة حتى أرجع إليكم, فذهب فنزل على قبر أمه فناجى ربه طويلاً, ثم إنه بكى فاشتد بكاؤه وبكى هؤلاء لبكائه, وقالوا ما بكى نبي الله بهذا المكان إلا وقد أحدث الله في أمته شيئاً لا تطيقه, فلما بكى هؤلاء قام فرجع إليهم فقال: "ما يبكيكم ؟" قالوا يا نبي الله بكينا لبكائك, فقلنا لعله أحدث في أمتك شيء لا تطيقه, قال: "لا, وقد كان بعضه, ولكن نزلت على قبر أمي فسألت الله أن يأذن لي في شفاعتها يوم القيامة فأبى الله أن يأذن لي فرحمتها وهي أمي فبكيت, ثم جاءني جبريل فقال: " وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه " فتبرأ أنت من أمك كما تبرأ إبراهيم من أبيه, فرحمتها وهي أمي ودعوت ربي أن يرفع عن أمتي أربعاً فرفع عنهم اثنتين وأبى أن يرفع عنهم اثنتين, ودعوت ربي أن يرفع عنهم الرجم من السماء والغرق من الأرض وأن لا يلبسهم شيعاً وأن لا يذيق بعضهم بأس بعض, فرفع الله عنهم الرجم من السماء والغرق من الأرض وأبى الله أن يرفع عنهم القتل والهرج" وإنما عدل إلى قبر أمه لأنها كانت مدفونة تحت كداء وكانت عسفان لهم, وهذا حديث غريب وسياق عجيب, وأغرب منه وأشد نكارة ما رواه الخطيب البغدادي في كتاب السابق واللاحق بسند مجهول عن عائشة في حديث فيه قصة, أن الله أحيا أمه فآمنت ثم عادت, وكذلك ما رواه السهيلي في الروض بسند فيه جماعة مجهولون: إن الله أحيا له أباه وأمه فآمنا به. وقد قال الحافظ ابن دحية في هذا الاستدلال, بما حاصله أن هذه حياة جديدة كما رجعت الشمس بعد غيبوبتها, فصلى علي العصر, قال الطحاوي: وهو حديث ثابت يعني حديث الشمس, قال القرطبي: فليس إحياؤهما يمتنع عقلاً ولا شرعاً, قال وقد سمعت أن الله أحيا عمه أبا طالب فآمن به, (قلت) وهذا كله متوقف على صحة الحديث فإذا صح فلا مانع منه, والله أعلم .
وقال العوفي عن ابن عباس في قوله: "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين" الاية, أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يستغفر لأمه فنهاه الله عز وجل عن ذلك, فقال "إن إبراهيم خليل الله قد استغفر لأبيه" فأنزل الله "وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه" الاية, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الاية, كانوا يستغفرون لهم حتى نزلت هذه الاية, فأمسكوا عن الاستغفار لأمواتهم ولم ينهوا أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا, ثم أنزل الله "وما كان استغفار إبراهيم لأبيه" الاية, وقال قتادة في الاية: ذكر لنا أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: قالوا: يا نبي الله إن من آبائنا من كان يحسن الجوار ويصل الأرحام ويفك العاني ويوفي بالذمم أفلا نستغفر لهم ؟ قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم "بلى والله إني لأستغفر لأبي كما استغفر إبراهيم لأبيه" فأنزل الله "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين" حتى بلغ قوله "الجحيم" ثم عذر الله تعالى إبراهيم عليه السلام, فقال: "وما كان استغفار إبراهيم لأبيه" الاية, قال: وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "قد أوحى الله إلي كلمات فدخلن في أذني وقرن في قلبي: أمرت أن لا أستغفر لمن مات مشركاً, ومن أعطى فضل ماله فهو خير له, ومن أمسك فهو شر له, ولا يلوم الله على كفاف".
وقال الثوري عن الشيباني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: مات رجل يهودي وله ابن مسلم فلم يخرج معه, فذكر ذلك لابن عباس فقال: فكان ينبغي له أن يمشي معه ويدفنه ويدعو له بالصلاح ما دام حياً, فإذا مات وكله إلى شأنه, ثم قال: " وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه " لم يدع. ويشهد له بالصحة ما رواه أبو داود وغيره عن علي رضي الله عنه, لما مات أبو طالب قلت يا رسول الله: إن عمك الشيخ الضال قد مات, قال: "اذهب فواره ولا تحدثن شيئاً حتى تأتيني" فذكر تمام الحديث, وروي أنه صلى الله عليه وسلم لما مرت به جنازة عمه أبي طالب قال: "وصلتك رحمة يا عم" وقال عطاء بن أبي رباح: ما كنت لأدع الصلاة على أحد من أهل القبلة, ولو كانت حبشية حبلى من الزنا, لأني لم أسمع الله حجب الصلاة إلا عن المشركين, يقول الله عز وجل: "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين" الاية.
وروى ابن جرير, عن ابن وكيع عن أبيه عن عصمة بن زامل عن أبيه, قال: سمعت أبا هريرة يقول رحم الله رجلاً استغفر لأبي هريرة ولأمه, قلت ولأبيه. قال لا. قال إن أبي مات مشركاً, وقوله: "فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه" قال ابن عباس: ما زال إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات, فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه, وفي رواية لما مات تبين له أنه عدو لله, وكذا قال مجاهد والضحاك وقتادة وغيرهم رحمهم الله, وقال عبيد بن عمير وسعيد بن جبير: إنه يتبرأ منه يوم القيامة حتى يلقى أباه, وعلى وجه أبيه القترة والغبرة, فيقول: يا إبراهيم إني كنت أعصيك وإني اليوم لا أعصيك, فيقول أي رب ألم تعدني أن لا تخزني يوم يبعثون, فأي خزي أخزى من أبي الأبعد, فيقال انظر إلى ما وراءك فإذا هو بذيخ متلطخ, أي قد مسخ ضبعاً ثم يسحب بقوائمه ويلقى في النار. وقوله: "إن إبراهيم لأواه حليم" قال سفيان الثوري وغير واحد: عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود, أنه قال الأواه الدعاء, وكذا روي من غير وجه: عن ابن مسعود, وقال ابن جرير: حدثني المثنى, حدثنا الحجاج بن منهال, حدثني عبد الحميد بن بهرام, حدثنا شهر بن حوشب عن عبد الله بن شداد بن الهاد, قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس قال: رجل يا رسول الله ما الأواه ؟ قال: "المتضرع" قال: "إن إبراهيم لأواه حليم" ورواه ابن أبي حاتم: من حديث ابن المبارك عن عبد الحميد بن بهرام به, ولفظه قال الأواه المتضرع الدعاء. وقال الثوري عن سلمة بن كهيل عن مسلم البطين عن أبي الغدير, أنه سأل ابن مسعود عن الأواه فقال هو الرحيم, وبه قال مجاهد وأبو ميسرة عمر بن شرحبيل والحسن البصري وقتادة وغيرهما أي الرحيم أي بعباد الله.
وقال ابن المبارك عن خالد عن عكرمة عن ابن عباس, قال: الأواه الموقن بلسان الحبشة, وكذا قال العوفي عن ابن عباس أنه الموقن, وكذا قال مجاهد والضحاك, وقال علي بن أبي طلحة ومجاهد عن ابن عباس: الأواه المؤمن, زاد علي بن أبي طلحة عنه: هو المؤمن التواب, وقال العوفي عنه هو المؤمن بلسان الحبشة. وكذا قال ابن جريج هو المؤمن بلسان الحبشة.
وقال الإمام أحمد: حدثنا موسى, حدثنا ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن علي بن رباح عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل يقال له ذو البجادين "إنه أواه" وذلك أنه رجل كان إذا ذكر الله في القرآن رفع صوته بالدعاء, ورواه ابن جرير. وقال سعيد بن جبير والشعبي: الأواه المسبح, وقال ابن وهب عن معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: لا يحافظ على سبحة الضحى إلا الأواه, وقال شفي بن مانع عن أبي أيوب, الأواه الذي إذا ذكر خطاياه استغفر منها, وعن مجاهد الأواه الحفيظ الوجل يذنب الذنب سراً ثم يتوب منه سراً, ذكر ذلك كله ابن أبي حاتم رحمه الله. وقال ابن جرير: حدثنا ابن وكيع, حدثنا المحاربي عن حجاج عن الحكم عن الحسن بن مسلم بن بيان, أن رجلاً كان يكثر ذكر الله ويسبح, فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال "إنه أواه".
وقال أيضاً: حدثنا أبو كريب, حدثنا ابن هانىء, حدثنا المنهال بن خليفة عن حجاج بن أرطاة عن عطاء عن ابن عباس, أن النبي صلى الله عليه وسلم دفن ميتاً فقال: "رحمك الله إن كنت لأواها" يعني تلاء للقرآن, وقال شعبة عن أبي يونس الباهلي, قال سمعت رجلاً بمكة وكان أصله رومياً وكان قاصاً يحدث عن أبي ذر, قال: كان رجل يطوف بالبيت الحرام ويقول في دعائه: أوه أوه فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم, فقال: "إنه أواه" قال: فخرجت ذات ليلة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدفن ذلك الرجل ليلاً ومعه المصباح, هذا حديث غريب رواه ابن جرير. وروي عن كعب الأحبار أنه قال: سمعت "إن إبراهيم لأواه" قال كان إذا ذكر النار قال: أوه من النار, وقال ابن جريج عن ابن عباس "إن إبراهيم لأواه" قال: فقيه. قال الإمام أبو جعفر بن جرير: وأولى الأقوال قول من قال إنه الدعاء وهو المناسب للسياق, وذلك أن الله تعالى لما ذكر أن إبراهيم إنما استغفر لأبيه عن موعدة وعدها إياه, وقد كان إبراهيم كثير الدعاء حليماً عمن ظلمه وأناله مكروهاً, ولهذا استغفر لأبيه مع شدة أذاه له في قوله "أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم ؟ لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني ملياً * قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفياً" فحلم عنه مع أذاه له ودعا له واستغفر, ولهذا قال تعالى: "إن إبراهيم لأواه حليم".
لما بين الله سبحانه في أول السورة وما بعده أن البراءة من المشركين والمنافقين واجبة بين سبحانه هنا ما يزيد ذلك تأكيداً، وصرح بأن ذلك متحتم، ولوكانوا أولي قربى، وأن القرابة في مثل هذا الحكم لا تأثير لها. وقد ذكر أهل التفسير أن ما كان في القرآن يأتي على وجهين: الأول: على النفي نحو "ما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله". والآخر: على معنى النهي نحو "ما كان لكم أن تؤذوا رسول الله" و 113- "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين" وهذه الآية متضمنة لقطع الموالاة للكفار، وتحريم الاستغفار لهم، والدعاء بما لا يجوز لمن كان كافراً، ولا ينافي هذا ماثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه" قال يوم أحد حين كسر المشركون رباعيته وشجوا وجهه:اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون"، لأنه يمكن أن يكون ذلك قبل أن يبلغه تحريم الاستغفار للمشركين، وعلى فرض أنه قد كان بلغه كما يفيده سبب النزول، فإنه قبل يوم أحد بمدة طويلة، وسيأتي، فصدور هذا الاستغفار منه لقومه إنما كان على سبيل الحكاية عمن تقدمه من الأنبياء كما في صحيح مسلم عن عبد الله، قال:" كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء ضربه قومه وهو يمسح
الدم عن وجهه ويقول: رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون". وفي البخاري "أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر نبياً قبله شجه قومه، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يخبر عنه بأنه قال:اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون". قوله: "من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم" هذه الجملة تتضمن التعليل للنهي عن الاستغفار. والمعنى أن هذا التبين موجب لقطع الموالاة لمن كان هكذا، وعدم الاعتداد بالقرابة لأنهم ماتوا على الشرك. وقد قال سبحانه: "إن الله لا يغفر أن يشرك به" فطلب المغفرة لهم في حكم المخالفة لوعد الله ووعيده.
113-"ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين"، اختلفوا في سبب نزول هذه الآية.
قال قوم: سبب نزولها: ما أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا أبو اليمان، أنبأنا شعيب، عن الزهري، حدثني سعيد بن المسيب عن أبيه. قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد عنده أبا جهل، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة. فقال: أي عم قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله.
فقال أبو جهل، وعبد الله بن أمية: أترغب عن ملة عبد المطلب. فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيدان بتلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك"، فأنزل الله تعالى: "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم"، وأنزل في أبي طالب:"إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء".
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أنبأنا عبد الغافر بن محمد، أنبأنا محمد بن عيسى، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثني محمد بن حاتم بن ميمون، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا يزيد بن كيسان، حدثني أبو حازم الأشجعي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله لعمه: "قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامةقال: لولا أن تعيرني قريش، فيقولون: إنما حمله على ذلك الجزع، لأقررت بها عينك. فأنزل الله عز وجل: "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء"".
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنبأنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل [ثنا عبد الله بن يوسف] حدثني الليث حدثني يزيد بن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر عنده عمه فقال: "لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه".
وقال أبو هريرة وبريدة: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة أتى قبر أمه آمنة فوقف عليه حتى حميت الشمس رجاء أن يؤذن له فيستغفر لها فنزلت: "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين" الآية.
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، حدثنا عبد الغافر بن محمد، حدثنا محمد بن عيسى الجلودي، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، أنبأنا محمد بن عبيد، عن يزيد كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال:" زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال:استأذنت ربي عز وجل في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي فزوروا القبور، فإنها تذكر الموت".
قال قتادة قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لأستغفرن لأبي. كما استغفر إبراهيم لأبيه فأنزل الله تعالى هذه الآية: "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم"".
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لما أنزل الله عز وجل خبرا عن إبراهيم عليه السلام قال لأبيه: "سلام عليك سأستغفر لك ربي" سمعت رجلا يستغفر لوالديه وهما مشركان، فقلت له:/ تستغفر لهما وهما مشركان؟ فقال: أو لم يستغفر إبراهيم لأبيه؟ فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فأنزل الله عز وجل: "قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم"، إلى قوله: "إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك" (الممتحنة -4).
113"ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين"روي:" أنه صلى لله عليه وسلم قال لأبي طالب لما حضرته الوفاة:(قل كلمة أحاج لك بها عند الله) فأبى فقال عليه الصلاة والسلام : لا أزال أستغفر لك ما لم أنه عنه)فنزلت" وقيل "لما افتتح مكة خرج إلى الإيواء فزار قبر أمه ثم قام مستعبراً فقال: إني استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي وأنزل علي الآيتين)"."ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم" بأن ماتوا على الكفر، وفيه دليل على جواز الاستغفار لأحيائهم فإنه طلب توفيقهم للإيمان وبه دفع النقيض باستغفار إبراهيم عليه الصلاة والسلام لأبيه الكافر فقال
113. It is not for the Prophet, and those who believe, to pray for the forgiveness of idolaters even though they may be near of kin (to them) after it hath become clear that they are people of hell fire.
113 - It is not fitting, for the prophet and those who believe, that they should pray for forgiveness for pagans, even though they be of kin, after it is clear to them that they are companions of the fire.