[التوبة : 112] التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ
112 - (التائبون) رفع على المدح بتقدير مبتدأ من الشرك والنفاق (العابدون) المخلصون العبادة لله (الحامدون) له على كل حال (السائحون) الصائمون (الراكعون الساجدون) أي المصلون (الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله) لأحكامه بالعمل بها (وبشر المؤمنين) بالجنة
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره:إن الله اشترى من المؤمنين التائبين العابدين أنفسهم وأموالهم، ولكنه رفع، إذ كان مبتدأ به بعد تمام أخرى مثلها. والعرب تفعل ذلك، وقد تقدم بياننا ذلك في قوله: " صم بكم عمي " [البقرة: 18]، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
ومعنى: " التائبون "، الراجعون مما كرهه الله وسخطه إلى ما يحبه ويرضاه، كما:
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام بن سلم، عن ثعلبة بن سهيل قال، قال الحسن في قول الله: " التائبون "، قال:تابوا إلى الله من الذنوب كلها.
حدثنا سوار بن عبد الله العنبري قال، حدثني أبي، عن أبي الأشهب، عن الحسن : أنه قرأ " التائبون العابدون "، قال: تابوا من الشرك، وبرئوا من النفاق.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن أبي الأشهب قال: قرأ الحسن : " التائبون العابدون "، قال: تابوا من الشرك، وبرئوا من النفاق.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا منصور بن هرون، عن أبي إسحق الفزاري، عن أبي رجاء، عن الحسن قال: التائبون من الشرك.
حدثنا الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا جرير بن حازم قال: سمعت الحسن قرأن هذه الآية: " التائبون العابدون "، قال الحسن : تابوا والله من الشرك، وبرئوا من النفاق.
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " التائبون ". قال: تابوا من الشرك، ثم لم ينافقوا في الإسلام.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج : " التائبون "، قال: الذين تابوا من الذنوب، ثم لم يعودوا فيها.
وأما قوله: " العابدون "، فهم الذين ذلوا خشيةً لله وتواضعاً له، فجدوا في خدمته، كما:
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة : " العابدون "، قوم أخذوا من أبدانهم في ليلهم ونهارهم.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن ثعلبة بن سهيل قال، قال الحسن في قول الله: " العابدون "، قال: عبدوا الله على أحايينهم كلها، في السراء والضراء.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني منصور بن هرون، عن أبي إسحق الفزاري، عن أبي رجاء، عن الحسن : " العابدون "، قال: العابدون لربهم.
وأما قوله: " الحامدون "، فإنهم الذين يحمدون الله على كل ما امتحنهم به من خير وشر، كما:
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة : " الحامدون "، قوم حمدوا الله على كل حال.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن ثعلبة قال، قال الحسن : " الحامدون "، الذين حمدوا الله على أحايينهم كلها، في السراء والضراء.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني منصور بن هرون، عن أبي إسحق الفزاري، عن أبي رجاء، عن الحسن : " الحامدون "، قال: الحامدون على الإسلام.
وأما قوله: " السائحون "، فإنه الصائمون، كما:
حدثني محمد بن عيسى الدامغاني وابن وكيع قالا، حدثنا سفيان، عن عمرو، عن عبيد بن عمير.
وحدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث، عن عمرو، عن عبيد بن عمير قال: " سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ((السائحين)) فقال: هم الصائمون ".
حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع قال، حدثنا حكيم بن حزام قال، حدثنا سليمان، عن أبي صالح، " عن أبي هرون قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " السائحون "، هم الصائمون " .
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا إسرائيل، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: " السائحون "، الصائمون.
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله قال: " السائحون "، الصائمون.
... قال، حدثنا يحيى قال، حدثنا سفيان قال، حدثني عاصم، عن زر، عن عبد الله، بمثله.
حدثني محمد بن عمارة الأسدي قال، حدثنا عبيد الله قال، أخبرنا شيبان، عن أبي إسحق، عن أبي عبد الرحمن قال: السياحة الصيام.
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن عطية قال، حدثنا إسرائيل، عن أشعث، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: " السائحون "، الصائمون.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبيه - وإسرائيل، عن أشعث - عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: " السائحون "، الصائمون.
حدثنا المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا إسرائيل، عن أشعث، عن سعيد بن جبير قال: " السائحون "، الصائمون.
حدثنا أحمد بن إسحق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مثله.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، مثله.
... قال، حدثنا أبي، عن أبيه، عن أبي إسحق، عن عبد الرحمن قال: " السائحون "، هم الصائمون.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " السائحون "، قال: يعني بالسائحين، الصائمين.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال:" السائحون "، هم الصائمون.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : " السائحون "، الصائمون.
... قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قال: كل ما ذكر الله في القرآن ذكر السياحة، هم الصائمون.
... قال، حدثنا أبي، عن المسعودي ، عن أبي سنان، عن ابن أبي الهذيل، عن أبي عمرو العبدي قال: " السائحون "، الذين يديمون الصيام من المؤمنين.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن ثعلبة بن سهيل قال، قال الحسن : " السائحون "، الصائمون.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني منصور بن هرون، عن أبي إسحق، عن أبي رجاء، عن الحسن قال: " السائحون "، الصائمون شهر رمضان.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد، عن جويبر، عن الضحاك قال: " السائحون "، الصائمون.
... قال، حدثنا أبو أسامة، عن جويبر، عن الضحاك قال: كل شيء في القرآن " السائحون "، فإنه الصائمون.
حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك : " السائحون "، الصائمون.
حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " السائحون "، يعني الصائمين.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، ويعلى، وأبو أسامة، عن عبد الملك، عن عطاء قال: " السائحون "، الصائمون.
حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن عبد الملك، عن عطاء ، مثله.
... قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة قال، حدثنا عمرو: وأنه سمع وهب بن منبه يقول: كانت السياحة في بني إسرائيل، وكان الرجل إذا ساح أربعين سنةً، رأى ما كان يرى السائحون قبله. فساح ولد بغي أربعين سنة، فلم ير شيئاً، فقال: أي رب، أرأيت إن أساء أبواي وأحسنت أنا؟ قال: فأري ما رأى السائحون قبله. قال ابن عيينة : إذا ترك الطعام والشراب والنساء، فهو السائح.
حدثنا بشر قال،حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة " السائحون "، قوم أخذوا من أبدانهم، صوماً لله.
حدثنا أحمد بن إسحق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إبراهيم بن يزيد، عن الوليد بن عبد الله، عن عائشة قالت: سياحة هذه الأمة الصيام.
وقوله: " الراكعون الساجدون "، يعني المصلين، الراكعين في صلاتهم، الساجدين فيها، كما:
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني منصور بن هرون عن أبي إسحق الفزاري، عن أبي رجاء، عن الحسن : " الراكعون الساجدون "، قال: الصلاة المفروضة.
وأما قوله: " الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر "، فإنه يعني أنهم يأمرون الناس بالحق في أديانهم، واتباع الرشد والهدى، والعمل، وينهونهم عن المنكر، وذلك نهيهم الناس عن كل فعل وقول نهى الله عباده عنه.
وقد روي عن الحسن في ذلك ما:
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني منصور بن هرون، عن أبي إسحق الفزاري، عن أبي رجاء، عن الحسن : " الآمرون بالمعروف "، لا إله إلا الله، " والناهون عن المنكر "، عن الشرك.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن ثعلبة بن سهيل قال، قال الحسن في قوله: " الآمرون بالمعروف "، قال: أما إنهم لم يأمروا الناس حتى كانوا من أهلها، " والناهون عن المنكر "، قال: أما إنهم لم ينهوا عن المنكر حتى انتهوا عنه.
حدثني المثنى قال، حدثني إسحق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، عن أبي العالية ، قال: كل ما ذكر في القرآن ((الأمر بالمعروف))، و((النهي عن المنكر))، فالأمر بالمعروف، دعاء من الشرك إلى الإسلام، والنهي عن المنكر، نهي عن عبادة الأوثان والشياطين.
قال أبو جعفر: وقد دللنا فيما مضى قبل على صحة ما قلنا: من أن ((الأمر بالمعروف)) هو كل ما أمر الله به عباده أو رسوله صلى الله عليه وسلم، و((النهي عن المنكر))، هو كل ما نهى الله عنه عباده أو رسوله، وإذ كان ذلك كذلك، ولم يكن في الآية دلالة على أنها عني بها خصوص دون عموم، ولا خبر عن الرسول، ولا في فطرة عقل، فالعموم بها أولى، لما قد بينا في غير موضع من كتبنا.
وأما قوله: " والحافظون لحدود الله "، فإنه يعني: المؤدون فرائض الله، المنتهون إلى أمره ونهيه الذين لا يضيعون شيئاً ألزمهم العمل به، ولا يركبون شيئاً نهاهم عن ارتكابه، كالذي:
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: " والحافظون لحدود الله "، يعني القائمين على طاعة الله. وهو شرط اشترطه على أهل الجهاد، إذا وفوا لله بشرطه، وفى لهم بشرطهم.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " والحافظون لحدود الله "، قال: القائمون على طاعة الله.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن ثعلبة بن سهيل قال، قال الحسن في قوله: " والحافظون لحدود الله "، قال: القائمون على أمر الله.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني منصور بن هرون، عن أبي إسحق الفزاري، عن أبي رجاء، عن الحسن : " والحافظون لحدود الله "، قال: لفرائض الله.
وأما قوله: " وبشر المؤمنين "، فإنه يعني: وبشر المصدقين بما وعدهم الله إذا هم وفوا الله بعهده، أنه موف لهم بما وعدهم من إدخالهم الجنة، كما:
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا هوذة بن خليفة قال، حدثنا عوف، عن الحسن : " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم "، حتى ختم الآية، قال: الذين وفوا ببيعتهم، " التائبون العابدون الحامدون "، حتى ختم الآية، فقال: هذا عملهم وسيرهم في الرخاء، ثم لقوا العدو فصدقوا ما عاهدوا الله عليه.
وقال بعضهم: معنى ذلك: وبشر من فعل هذه الأفعال - يعني قوله: " التائبون العابدون "، إلى آخر الآية - وإن لم يغزوا.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني منصور بن هرون، عن أبي إسحق الفزاري، عن أبي رجاء، عن الحسن : " وبشر المؤمنين "، قال: الذين لم يغزوا.
فيه ثلاث مسائل:
الأولى- قوله تعالى: "التائبون العابدون" التائبون هم الراجعون عن الحالة المذمومة في معصية الله إلى الحالة المحمودة في طاعة الله. والتائب هو الراجع. والراجع إلى الطاعة هو أفضل من الراجع عن المعصية لجمعه بين الأمرين. "العابدون" أي المطيعون الذين قصدوا بطاعتهم الله سبحانه. "الحامدون" أي الراضون بقضائه المصرفون نعمته في طاعته، الذين يحمدون الله على كل حال. "السائحون" الصائمون، عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهما. ومنه قوله تعالى: "عابدات سائحات" [التحريم: 5]. وقال سفيان بن عيينة: إنما قيل للصائم سائح لأنه يترك اللذات كلها من المطعم والمشرب والمنكح. وقال أبو طالب:
وبالسائحين لا يذوقون قطرة لربهم والذاكرات العوامل
وقال آخر:
براً يصلي ليله ونهاره يظل كثير الذكر لله سائحاً
وروي عن عائشة أنها قالت: سياحة هذه الأمة الصيام، أسنده الطبري. ورواه أبو هريرة مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"سياحة أمتي الصيام". قال الزجاج: ومذهب الحسن أنهم الذين يصومون الفرض. وقد قيل: إنهم الذين يديمون الصيام. وقال عطاء: السائحون المجاهدون. وروى أبو أمامة أن رجلاً استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في السياحة فقال:
"إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله". صححه أبو محمد عبد الحق. وقيل: السائحون المهاجرون، قاله عبد الرحمن بن زيد. وقيل: هم الذين يسافرون لطلب الحديث والعلم، قاله عكرمة. وقيل: هم الجائلون بأفكارهم في توحيد ربهم وملكوته، وما خلق من العبر والعلامات الدالة على توحيده وتعظيمه، حكاه النقاش. وحكي أن بعض العباد أخذ القدح ليتوضأ لصلاة الليل فأدخل أصبعه في أذن القدح وقعد يتفكر حتى طلع الفجر، فقيل له في ذلك فقال:أدخلت أصبعي في أذن القدح فتذكرت قول الله تعالى: "إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل" [غافر: 71] وذكرت كيف أتلقى الغل وبقيت ليلي في ذلك أجمع.
قلت: لفظ س ي ح يدل على صحة هذه الأقوال، فإن السياحة أصلها الذهاب على وجه الأرض كما يسيح الماء، فالصائم مستمر على الطاعة في ترك ما يتركه من الطعام وغيره، فهو بمنزلة السائح. والمتفكرون تجول قلوبهم فيما ذكروا. وفي الحديث:
"إن لله ملائكة سياحين مشائين في الآفاق يبلغونني صلاة أمتي" ويروى صياحين بالصاد، من الصياح. "الراكعون الساجدون" يعني في الصلاة المكتوبة وغيرها. "الآمرون بالمعروف" أي بالسنة: وقيل: بالإيمان. "والناهون عن المنكر" قيل: عن البدعة. وقيل: عن الكفر. وقيل: هو عموم في كل معروف ومنكر. "والحافظون لحدود الله" أي القائمون بما أمر به والمنتهون عما نهى عنه.
الثانية- واختلف أهل التأويل في هذه الآية، هل هي متصلة بما قبل أو منفصلة؟ فقال جماعة: الآية الأولى مستقلة بنفسها، يقع تحت تلك المبايعة كل موحد قاتل في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا، وإن لم يتصف بهذه الصفات في هذه الآية الثانية أو بأكثرها. وقالت فرقة: هذه الأوصاف جاءت على جهة الشرط، والآيتان مرتبطتان، فلا يدخل تحت المبايعة إلا المؤمنون الذين هم على هذه الأوصاف ويبذلون أنفسهم في سبيل الله، قال الضحاك. قال ابن عطية. وهذا القول تحريج وتضييق، ومعنى الآية على ما تقتضيه أقوال العلماء والشرع أنها أوصاف الكملة من المؤمنين، ذكرها الله ليستبق إليها أهل التوحيد حتى يكونوا في أعلى مرتبة. وقال الزجاج: الذي عندي أن قوله: "التائبون العابدون" رفع بالابتداء وخبره مضمر، أي التائبون العابدون -إلى آخر الآية- لهم الجنة أيضاً وإن لم يجاهدوا، إذا لم يكن منهم عناد وقصد إلى ترك الجهاد، لأن بعض المسلمين يجزي عن بعض في الجهاد. واختار هذا القول القشيري وقال: هذا حسن، إذا لو كان صفة للمؤمنين المذكورين في قوله: "اشترى من المؤمنين" لكان الوعد خاصاً للمجاهدين. وفي مصحف عبد الله التائبين العابدين إلى آخرها، ولذلك وجهان: أحدهما الصفة للمؤمنين على الإتباع. والثاني النصب على المدح.
الثالثة- واختلف العلماء في الواو في قوله: "والناهون عن المنكر" فقيل: دخلت في صفة الناهين كما دخلت في قوله تعالى: "حم * تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم * غافر الذنب وقابل التوب" [غافر: 3] فذكر بعضها بالواو والبعض بغيرها. وهذا سائغ معتاد في الكلام ولا يطلب لمثله حكمة ولا علة. وقيل: دخلت لمصاحبة الناهي عن المنكر الآمر بالمعروف فلا يكاد يذكر واحد منهما مفرداً. وكذلك قوله: "ثيبات وأبكارا" [التحريم: 5]. ودخلت في قوله: "والحافظون" لقربه من المعطوف. وقد قيل إنها زائدة، وهذا ضعيف لا معنى له. وقيل: هي واو الثمانية لأن السبعة عند العرب عدد كامل صحيح. وكذلك قالوا في قوله: "ثيبات وأبكارا". وقوله في أبواب الجنة: "وفتحت أبوابها" [الزمر: 73] وقوله: "ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم" [الكهف: 22] وقد ذكرها ابن خالويه في مناظرته لأبي علي الفارسي في معنى قوله: "وفتحت أبوابها" وأنكرها أبو علي. قال ابن عطية وحدثني أبي رضي الله عنه عن الأستاذ النحوي أبي عبد الله الكفيف المالقي، وكان ممن استوطن غرناطة وأقرأ فيها في مدة ابن حبوس أنه قال: هي لغة فصيحة لبعض العرب، من شأنهم أن يقولوا إذا عدوا: واحد اثنان ثلاثة أربعة خمسة ستة سبعة وثمانية تسعة عشرة، وهكذا هي لغتهم. ومتى جاء في كلامهم أمر ثمانية أدخلوا الواو. قلت: هي لغة قريش. وسيأتي بيانه ونقضه في سورة الكهف إن شاء الله تعالى وفي الزمر أيضاً بحول الله تعالى.
هذا نعت المؤمنين الذين اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم بهذه الصفات الجميلة والخلال الجليلة "التائبون" من الذنوب كلها التاركون للفواحش "العابدون" أي القائمون بعبادة ربهم محافظين عليها وهي الأقوال والأفعال, فمن أخص الأقوال الحمد, فلهذا قال: "الحامدون" ومن أفضل الأعمال الصيام وهو ترك الملاذ من الطعام والشراب والجماع, وهو المراد بالسياحة ههنا, ولهذا قال: "السائحون" كما وصف أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله تعالى: "سائحات" أي صائمات, وكذا الركوع والسجود وهما عبارة عن الصلاة, ولهذا قال: "الراكعون الساجدون" وهم مع ذلك ينفعون خلق الله ويرشدونهم إلى طاعة الله بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر مع العلم بما ينبغي فعله ويجب تركه, وهو حفظ حدود الله في تحليله وتحريمه علماً وعملاً, فقاموا بعبادة الحق ونصح الخلق, ولهذا قال: "وبشر المؤمنين" لأن الإيمان يشمل هذا كله, والسعادة كل السعادة لمن اتصف به.
(بيان أن المراد بالسياحة الصيام) قال سفيان الثوري: عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود قال "السائحون" الصائمون وكذا روي عن سعيد بن جبير والعوفي عن ابن عباس, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس كل ما ذكر الله في القرآن السياحة هم الصائمون, وكذا قال الضحاك رحمه الله, وقال ابن جرير: حدثنا أحمد بن إسحاق, حدثنا أبو أحمد, حدثنا إبراهيم بن يزيد عن الوليد بن عبد الله عن عائشة رضي الله عنها قالت: سياحة هذه الأمة الصيام, وهكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء وأبو عبد الرحمن السلمي والضحاك بن مزاحم وسفيان بن عيينة وغيرهم, أن المراد بالسائحين الصائمون, وقال الحسن البصري: "السائحون" الصائمون شهر رمضان, وقال أبو عمرو العبدي: "السائحون" الذين يديمون الصيام من المؤمنين, وقد ورد في حديث مرفوع نحو هذا, وقال ابن جرير: حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع, حدثنا حكيم بن حزام, حدثنا سليمان عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "السائحون هم الصائمون" وهذا الموقوف أصح, وقال أيضاً حدثني يونس عن ابن وهب عن عمر بن الحارث عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير, قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن السائحين, فقال "هم الصائمون" وهذا مرسل جيد وهذا أصح الأقوال وأشهرها.
وجاء ما يدل على أن السياحة الجهاد وهو ما روى أبو داود في سننه من حديث أبي أمامة أن رجلاً قال: يا رسول الله ائذن لي في السياحة, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله" وقال ابن المبارك عن ابن لهيعة, أخبرني عمارة بن غزية أن السياحة ذكرت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبدلنا الله بذلك الجهاد في سبيل الله والتكبير على كل شرف" وعن عكرمة أنه قال: هم طلبة العلم, وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هم المهاجرون, رواهما ابن أبي حاتم, وليس المراد من السياحة ما قد يفهمه بعض من يتعبد بمجرد السياحة في الأرض والتفرد في شواهق الجبال والكهوف والبراري, فإن هذا ليس بمشروع إلا في أيام الفتن والزلازل في الدين, كما ثبت في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يوشك أن يكون خير مال الرجل غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن" وقال العوفي وعلي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: "والحافظون لحدود الله" قال القائمون بطاعة الله, وكذا قال الحسن البصري وعنه رواية "الحافظون لحدود الله" قال: لفرائض الله, وفي رواية القائمون على أمر الله.
قوله: 112- "التائبون" خبر مبتدأ محذوف: أي هم التائبون، يعني المؤمنون، والتائب الراجع: أي هم الراجعون إلى طاعة الله عن الحالة المخالفة للطاعة. وقال الزجاج: الذي عندي أن قوله: "التائبون العابدون" رفع بالابتداء وخبره مضمر: أي التائبون ومن بعدهم إلى آخر الآية لهم الجنة أيضاً وإن لم يجاهدوا. قال: وهذا أحسن، إذ لو كانت هذه أوصافاً للمؤمنين المذكورين في قوله: "اشترى من المؤمنين" لكان الوعد خاصاً بمجاهدين. وقد ذهب إلى ما ذهب إليه الزجاج من أن هذا الكلام منفصل عما قبله طائفة من المفسرين، وذهب آخرون إلى أن هذه الأوصاف راجعة إلى المؤمنين في الآية الأولى. وأنها على جهة الشرط: أي لا يستحق الجنة بتلك المبايعة إلا من كان من المؤمنين على هذه الأوصاف. وفي مصحف عبد الله بن مسعود: التائبين العابدين إلى آخرها. وفيه وجهان: أحدهما: أنها أوصاف للمؤمنين. الثاني: أن النصب على المدح. وقيل: إن ارتفاع هذه الأوصاف على البدل من ضمير يقاتلون، وجوز صاحب الكشاف أن يكون التائبون مبتدأ، وخبره العابدون، وما بعده أخبار كذلك: أي التائبون من الكفر على الحقيقة الجامعون لهذه الخصال، وفيه من البعد ما لا يخفى، والعابدون القائمون بما أمروا به من عبادة الله مع الإخلاص، و "الحامدون" الذين يحمدون الله سبحانه على السراء والضراء، و "السائحون" قيل: هم الصائمون، وإليه ذهب جمهور المفسرين، ومنه قوله تعالى: "عابدات سائحات" وإنما قيل للصائم سائح، لأنه يترك اللذات كما يتركها السائح في الأرض، ومنه قول أبي طالب بن عبد المطلب:
وبالسائحين لا يذوقون فطرة لربهم والراكدات العوامل
وقال آخر:
تراه يصلي ليله ونهاره يظل كثير الذكر لله سائحا
قال الزجاج: ومذهب الحسن أن السائحين هاهنا هم الذين يصومون الفرض، وقيل: إنهم الذين يديمون الصيام. وقال عطاء: السائحون المجاهدون. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: السائحون المهاجرون. وقال عكرمة: هم الذين يسافرون لطلب الحديث والعلم. وقيل: هم الجائلون بأفكارهم في توحيد ربهم وملكوته وما خلق من العبر. والسياحة في اللغة أصلها الذهاب على وجه الأرض كما يسيح الماء، وهي مما يعين العبد على الطاعة لانقطاعه عن الخلق، ولما يحصل له من الاعتبار بالتفكر في مخلوقات الله سبحانه، و "الراكعون الساجدون" معناه المصلون، و " الآمرون بالمعروف " القائمون بأمر الناس بما هو معروف في الشريعة "والناهون عن المنكر" القائمون بالإنكار على من فعل منكراً: أي شيئاً ينكره الشرع "والحافظون لحدود الله" القائمون بحفظ شرائعه التي أنزلها في كتبه وعلى لسان رسله، وإنما أدخل الواو في الوصفين الآخرين، وهما "والناهون عن المنكر والحافظون" إلخ، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنزلة خصلة واحدة، ثم عطف عليه الحافظون بالواو لقربه، وقيل: إن العطف في الصفات يجيء بالواو وبغيرها كقوله: "غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب"، وقيل: إن الواو زائدة، وقيل: هي واو الثمانية المعروفة عند النحاة، كما في قوله تعالى: "ثيبات وأبكاراً" وقوله: "وفتحت أبوابها"، وقوله: "سبعة وثامنهم كلبهم"، وقد أنكر واو الثمانية أبو علي الفارسي وناظره في ذلك ابن خالويه "وبشر المؤمنين" الموصوفين بالصفات السابقة.
وقد أخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا: "قال عبد الله بن رواحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: اشترط لربك ولنفسك ما شئت، قال: أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم. قالوا: فإذا فعلنا ذلك فما لنا؟ قال: الجنة، قال: ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل، فنزلت: "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم" الآية". وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال:" أنزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم" فكبر الناس في المسجد، فأقبل رجل من الأنصار ثانياً طرفي ردائه على عاتقه فقال: يا رسول الله أنزلت هذه الآية؟ قال: نعم، فقال الأنصاري: بيع ربيح لا نقيل ولا نستقيل". وقد أخرج ابن سعد عن عبادة بن الصامت "أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترط في بيعة العقبة على من بايعه من الأنصار: أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأنه رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، والسمع والطاعة، ولا ينازعوا في الأمر أهله، ويمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأهليهم، قالوا: نعم، قال قائل الأنصار: نعم، هذا لك يا رسول الله، فما لنا؟
قال:الجنة". وأخرجه ابن سعد أيضاً من وجه آخر وليس في قصة العقبة ما يدل على أنها سبب نزول الآية. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس قال: من مات على هذه التسع فهو في سبيل الله "التائبون العابدون" إلى آخر الآية. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ وابن المنذر عن ابن عباس قال: الشهيد من كان فيه التسع الخصال المذكورة في هذه الآية. وأخرج أبو الشيخ عنه قال: العابدون الذين يقيمون الصلاة. وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أول من يدعى إلى الجنة الحمادون الذين يحمدون الله على السراء والضراء". وأخرج ابن جرير عن عبيد بن عمير قال: "سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن السائحين فقال:هم الصائمون". وأخرج الفريابي وابن جرير والبيهقي في شعب الإيمان من طريق عبيد بن عمير عن أبي هريرة مرفوعاً مثله. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه وابن النجار من طريق أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً مثله. وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود مرفوعاً مثله. وقد روي عن أبي هريرة موقوفاً، وهو أصح من المرفوع من طريقه، وحديث عبيد بن عمير مرسل، وقد أسنده منطريق أبي هريرة في الرواية الثانية. وقد روي من قول جماعة من الصحابة مثل هذا: منهم عائشة عند ابن جرير وابن المنذر، ومنهم ابن عباس عند ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ، ومنهم ابن مسعود عند هؤلاء المذكورين قبله. وروي نحو ذلك عن جماعة من التابعين. وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي أمامة "أن رجلاً استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في السياحة فقال:إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله" وصححه عبد الحق. وأخرج أبو الشيخ عن الربيع في هذه الآية قال: هذه أعمال قال فيها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله قضى على نفسه في التوراة والإنجيل والقرآن لهذه الأمة أن من قتل منهم على هذه الأعمال كان عند الله شهيداً، ومن مات منهم عليها فقد وجب أجره على الله. وأخرج ابن المنذر عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: الشهيد من لو مات على فراشه دخل الجنة. قال: وقال ابن عباس من مات وفيه تسع فهو شهيد. وقرأ هذه الآية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم" يعني بالجنة، ثم قال: "التائبون"
إلى قوله: "والحافظون لحدود الله" يعني القائمون على طاعة الله، وهو شرط اشترطه الله على أهل الجهاد، وإذا وفوا لله بشرطه وفي لهم بشرطهم.
112-ثم وصفهم فقال: "التائبون"، قال الفراء: استؤنفت بالرفع لتمام الآية وانقطاع الكلام. وقال الزجاج: التائبون رفع للابتداء وخبره مضمر. المعنى: التائبون - إلى آخر الآية - لهم الجنة أيضا. أي: من لم يجاهد غير معاند ولا قاصد لترك الجهاد، لأن بعض المسلمين يجزي عن بعض في الجهاد، [فمن كانت هذه صفته]فله الجنة أيضا، وهذا أحسن، فكأنه وعد الجنة لجميع المؤمنين، كما قال: "وكلا وعد الله الحسنى" (النساء-95)، فمن جعله تابعا للأول كان الوعد بالجنة خاصا للمجاهدين الموصوفين بهذه الصفة.
قوله تعالى: "التائبون" أي: الذين تابوا من الشرك وبرؤوا من النفاق، "العابدون" المطيعون الذين أخلصوا العبادة لله عز وجل "الحامدون"، الذين يحمدون الله على كل حال في السراء والضراء.
وروينا عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أول من يدعى إلى الجنة يوم القيامة الذين يحمدون الله في السراء والضراء". "السائحون"، قال ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما: هم الصائمون.
وقال سفيان بن عيينة: إنما سمي الصائم سائحا لتركه اللذات كلها من المطعم والمشرب والنكاح.
وقال عطاء: السائحون الغزاة المجاهدون في سبيل الله. روي عن " عثمان بن مظعون، رضي الله عنه، أنه قال: يا رسول الله ائذن لي في السياحة، فقال:إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله".
"الراكعون الساجدون"، يعنى: المصلين، "الآمرون بالمعروف"، بالإيمان، "والناهون عن المنكر" عن الشرك. وقيل: المعروف السنة والمنكر البدعة. "والحافظون لحدود الله"، القائمون بأوامر الله . وقال الحسن: أهل الوفاء ببيعة الله. "وبشر المؤمنين".
112."التائبون" رفع على المدح أي هم التائبون، والمراد بهم المؤمنون المذكورون ويجوز أن يكون مبتدأ خيره محذوف تقديره التائبون من أهل الجنة وإن لم يجاهدوا لقوله : "وكلاً وعد الله الحسنى"أو خبره ما بعده أي التائبون عن الكفر على الحقيقة هم الجامعون لهذه الخصال . وقرئ بالياء نصباً على المدح أو جراً صفة للمؤمنين. "العابدون" الذين عبدوا الله مخلصين له الدين . "الحامدون" لنعمائه أو لما نابهم من السراء والضراء ."السائحون"الصائمون لقوله صلى الله عليه وسلم" سياحة أمتي الصوم"شبه بها لأنه يعوق عن الشهوات أو لأنه رياضة نفسانية يتوصل بها إلى الاطلاع على حفايا الملك والملكوت ، أو السائحون للجهاد أو لطلب العلم . " الراكعون الساجدون" في الصلاة." الآمرون بالمعروف" بالإيمان والطاعة" والناهون عن المنكر" عن الشرك والمعصية . والعاطف فيه للدلالة على أنه بما عطف عليه في حكم خصلة واحدة كأنه قال: الجامعون بين الوصفين ، وفي قوله تعالى : "والحافظون لحدود الله"أي فيما بينه وعينه من الحقائق والشرائع للتنبيه على أن قبل مفصل الفضائل وهذا مجملها . وقيل إنه للإيذان بأن التعداد قد تم بالسابع من حيث أن السبعة هو العدد التام والثامن ابتداء تعداد آخر معطوف عليه ولذلك سمي واو الثمانية ."وبشر المؤمنين"يعني به هؤلاء الموصوفين بتلك الفضائل،ووضع "المؤمنين" موضع ضميرهم للتنبيه على أن إيمانهم دعاهم إلى ذلك ، وأن المؤمن الكامل من كان كذلك وحذف المبشر به للتعظيم كأنه قيل: وبشرهم بما يجل عن إحاطة الأفهام وتعبير الكلام.
112. (Triumphant) are those who turn repentant (to Allah), those who serve (Him), those who praise (Him), those who fast, these who bow down, those who fall prostrate (in worship), those who enjoin the right and who forbid the wrong and those who keep the limits (ordained) of Allah And give glad tidings to believers!
112 - Those that turn (to God) in repentance; that serve him, and praise him; that wander in devotion to the cause of God; that bow down and prostrate themselves in prayer; that enjoin good and forbid evil; and observe the limits set by God; (these do rejoice). so proclaim the glad tidings to the believers.