[التوبة : 108] لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ
108 - (لا تقم) تصل (فيه أبداً) فأرسل جماعة هدموه وحرقوه وجعلوا مكانه كناسة تلقى فيها الجيف (لمسجد أسس) بنيت قواعده (على التقوى من أول يوم) وضع يوم حللت بدار الهجرة ، وهو مسجد قباء كما في البخاري (أحق) منه (أن) أي بأن (تقوم) تصلي (فيه فيه رجال) هم الأنصار (يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) أي يثيبهم ، فيه إدغام التاء في الأصل في الطاء ، روى ابن خزيمة في صحيحه عن عويمر بن ساعدة أنه صلى الله عليه وسلم أتاهم في مسجد قباء فقال : إن الله تعالى قد أحسن عليكم الثناء في الطهور في قصة مسجدكم فما هذا الطهور الذي تطهرون به ، قالوا : والله يا رسول الله ما نعلم شيئا إلا أنه كان لنا جيران من اليهود وكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط فغسلنا كما غسلوا وفي حديث رواه البزار فقالوا : نتبع الحجارة بالماء فقال : هو ذاك فعليكموه
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا تقم، يا محمد، في المسجد الذي بناه هؤلاء المنافقون، ضراراً وتفريقاً بين المؤمنين، وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله. ثم أقسم جل ثناؤه، فقال: " لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم "، أنت، " فيه ".
يعني بقوله: " أسس على التقوى "، ابتدىء أساسه وأصله على تقوى الله وطاعته، " من أول يوم "، ايتدىء في بنائه، " أحق أن تقوم فيه "، يقول: أولى أن تقوم فيه مصلياً.
وقيل معنى قوله: " من أول يوم " مبدأ أول يوم كما تقول العرب: ((لم أره من يوم كذا))، بمعنى مبدؤه، و" من أول يوم "، يراد به: من أول الأيام، كقول القائل: ((لقيت كل رجل))، بمعنى كل الرجال.
واختلف أهل التأويل في المسجد الذي عناه بقوله: " لمسجد أسس على التقوى من أول يوم ".
فقال بعضهم: هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي فيه منبره وقبره اليوم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو معاوية، عن إبراهيم بن طهمان، عن عثمان بن عبيد الله قال: أرسلني محمد بن أبي هريرة إلى ابن عمر، أسأله عن المسجد الذي أسس على التقوى، أي مسجد هو؟ مسجد المدينة، أو مسجد قباء؟ قال: لا، مسجد المدينة.
... قال، حدثنا القاسم بن عمرو العنقزي، عن الدراوردي ، عن عثمان بن عبيد الله، عن ابن عمر، وزيد بن ثابت، وأبي سعيد قالوا: المسجد الذي أسس على التقوى، مسجد الرسول.
... قال، حدثنا أبي، عن ربيعة بن عثمان، عن عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع قال: سألت ابن عمر عن المسجد الذي أسس على التقوى، قال: هو مسجد الرسول.
... قال، حدثنا ابن عيينة ، عن أبي الزناد ، عن خارجة بن زيد، عن زيد قال: هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
... قال، حدثنا أبي، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن ذكوان، عن أبيه، عن خارجة بن زيد، عن زيد قال: هو مسجد الرسول.
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعد، حدثنا حميد الخراط المدني قال: " سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن قال: مر بي عبد الرحمن بن أبي سعيد فقلت: كيف سمعت أباك يقول في المسجد الذي أسس على التقوى؟ فقال لي: قال أبي: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخلت عليه في بيت بعض نسائه، فقلت: يا رسول الله، أي مسجد الذي أسس على التقوى؟ قال: فأخذ كفاً من حصباء فضرب به الأرض، ثم قال: هو مسجدكم هذا!، فقلت: هكذا سمعت أباك يذكر؟ ".
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أسامة بن زيد، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه قال: المسجد الذي أسس على التقوى، هو مسجد النبي الأعظم.
حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا داود، عن سعيد بن المسيب قال: إن المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم، هو مسجد المدينة الأكبر.
حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن داود قال، قال سعيد بن المسيب، فذكر مثله، إلا أنه قال: الأعظم.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن سعيد القطان، عن ابن حرملة، عن سعيد بن المسيب قال: هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة ، عن أبي الزناد ، عن خارجة بن زيد - قال: أحسبه عن أبيه - قال: مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، الذي أسس على التقوى.
وقال آخرون: بل عني بذلك مسجد قباء.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: " لمسجد أسس على التقوى من أول يوم "، يعني مسجد قباء.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، نحوه.
حدثنا أحمد بن إسحق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا فضيل بن مرزوق، عن عطية: " لمسجد أسس على التقوى من أول يوم "، هو مسجد قباء.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن صالح بن حيان عن ابن بريدة قال: مسجد قباء، الذي أسس على التقوى، بناه نبي الله صلى الله عليه وسلم.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: المسجد الذي أسس على التقوى، مسجد قباء.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري ، عن عروة بن الزبير، الذين بني فيهم المسجد الذي أسس على التقوى، بنو عمرو بن عوف.
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب، قول من قال: هو مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، لصحة الخبر بذلك عن رسول الله.
ذكر الرواية بذلك:
حدثنا أبو كريب وابن وكيع - قال أبو كريب: حدثنا وكيع، وقال ابن وكيع: حدثنا أبي - عن ربيعة بن عثمان التيمي، عن عمران بن أبي أنس، رجل من الأنصار، عن سهل بن سعد قال: " اختلف رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الذي أسس على التقوى، فقال أحدهما: هو مسجد النبي! وقال الآخر: هو مسجد قباء! فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه، فقال: هو مسجدي هذا ". اللفظ لحديث أبي كريب، وحديث سفيان نحوه.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو نعيم، عن عبد الله بن عامر الأسلمي، عن عمران بن أبي أنس، عن سهل بن سعد، عن أبي كعب: " أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى فقال: مسجدي هذا ".
حدثني يونس قال: أخبرني ابن وهب قال، حدثني الليث ، عن عمران بن أبي أنس، عن ابن أبي سعيد، عن أبيه، قال: " تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم، فقال رجل: هو مسجد قباء! وقال آخر:هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم! فقال رسول الله: هو مسجدي هذا ".
حدثني بحر بن نصر الخولاني قال، قرىء على شعيب بن الليث، عن أبيه، عن عمران ابن أبي أنس، عن سعيد بن أبي سعيد الخدري قال: تمارى رجلان، فذكر مثله.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثني سحبل بن محمد بن أبي يحيى قال، سمعت عمي أنيس بن أبي يحيى يحدث، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المسجد الذي أسس على التقوى، مسجدي هذا، وفي كل خير ".
حدثني المثنى قال، حدثني الحماني قال، حدثنا عبد العزيز، عن أنيس، عن أبيه، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحوه.
حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا صفوان بن عيسى قال، أخبرنا أنيس بن أبي يحيى، عن أبيه، عن أبي سعيد: " أن رجلاً من بني خدرة ورجلاً من بني عمرو بن عوف، امتريا في المسجد الذي أسس على التقوى، فقال الخدري: هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال العوفي: هو مسجد قباء، فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هو مسجدي هذا، وفي كل خير ".
القول في تأويل قوله: " فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ".
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: في حاضري المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم، رجال يحبون أن ينظفوا مقاعدهم بالماء إذا أتوا الغائط، والله يحب المتطهرين بالماء.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا همام بن يحيى، عن قتادة ، عن شهر بن حوشب قال: " لما نزل: " فيه رجال يحبون أن يتطهروا "، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الطهور الذي أثنى الله عليكم؟ قالوا: يا رسول الله، نغسل أثر الغائط ".
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: " ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لأهل قباء: إن الله قد أحسن عليكم الثناء في الطهور، فما تصنعون؟ قالوا: نغسل عنا أثر الغائط والبول ".
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: " لما نزلت: " فيه رجال يحبون أن يتطهروا "، قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معشر الأنصار، ما هذا الطهور الذي أثنى الله عليكم فيه؟ قالوا: إنا نستطيب بالماء إذا جئنا من الغائط ".
حدثني جابر بن الكردي قال، حدثنا محمد بن سابق قال، حدثنا مالك بن مغول، عن سيار أبي الحكم، عن شهر بن حوشب، عن محمد بن عبد الله بن سلام قال: " قام علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألا أخبروني، فإن الله قد أثنى عليكم بالطهور خيراً؟ فقالوا: يا رسول الله، إنا نجد عندنا مكتوباً في التوراة، الاستنجاء بالماء ".
حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا يحيى بن رافع، عن مالك بن مغول قال، سمعت سياراً أبا الحكم غير مرة يحدث، عن شهر بن حوشب، عن محمد بن عبد الله بن سلام قال: " لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم على أهل قباء قال: إن الله قد أثنى عليكم بالطهور خيراً - يعني قوله: " فيه رجال يحبون أن يتطهروا " - قالوا: إنا نجده مكتوباً عندنا في التوراة، الاستنجاء بالماء ".
حدثنا أبو هشام الرفاعي قال، حدثنا يحيى بن رافع، قال، حدثنا مالك بن مغول، عن سيار، عن شهر بن حوشب، عن محمد بن عبد الله بن سلام - قال يحيى: ولا أعلمه إلا عن أبيه - قال " قال النبي صلى الله عليه وسلم لأهل قباء: إن الله قد أثنى عليكم في الطهور خيراً! قالوا: إنا نجده مكتوباً علينا في التوراة، الاستنجاء بالماء ". وفيه نزلت: " فيه رجال يحبون أن يتطهروا ".
حدثني عبد الأعلى بن واصل قال، حدثنا إسمعيل بن صبيح اليشكري قال، حدثنا أبو أويس المدني، عن شرحبيل بن سعد، عن عويم بن ساعدة، وكان من أهل بدر قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل قباء: إني أسمع الله قد أثنى عليكم الثناء في الطهور، فما هذا الطهور؟ قالوا: يا رسول الله، ما نعلم شيئاً، إلا أن جيراناً لنا من اليهود رأيناهم يغسلون أدبارهم من الغائط، فغسلنا كما غسلوا ".
حدثني محمد بن عمارة قال، حدثنا محمد بن سعيد قال، حدثنا إبراهيم بن محمد، عن شرحبيل بن سعد قال: سمعت خزيمة بن ثابت يقول: نزلت هذه الآية: " فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين "، قال: كانوا يغسلون أدبارهم من الغائط.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن ابن أبي ليلى ، عن عامر قال: كان ناس من أهل قباء يستنجون بالماء، فنزلت: " فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ".
حدثنا الحسن بن عرفة قال، حدثنا شبابة بن سوار، عن شعبة، عن مسلم القري قال: قلت لابن عباس: أصب على رأسي؟ - وهو محرم - قال: ألم تسمع الله يقول: ((إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين))؟
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حفص، عن داود، و ابن أبي ليلى ، عن الشعبي ، قال، " لما نزلت: " فيه رجال يحبون أن يتطهروا "، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل قباء: ما هذا الذي أثنى الله عليكم؟ قالوا: ما منا من أحد إلا وهو يستنجي من الخلاء ".
حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن عبد الحميد المدني، عن ابراهيم بن إسمعيل الأنصاري: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعويم بن ساعدة: ما هذا الذي أثنى الله عليكم: " فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين "؟ قال: نوشك أن نغسل الأدبار بالماء! "
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال، أخبرنا أبو جعفر، عن حصين، عن موسى بن أبي كثير قال: " بدء حديث هذه الآية في رجال من الأنصار من أهل قباء: " فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين "، فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: نستنجي بالماء ".
حدثني المثنى قال، حدثنا أصبغ بن الفرج قال، أخبرني ابن وهب قال، أخبرني يونس، عن أبي الزناد قال: أخبرني عروة بن الزبير، عن عويم بن ساعدة، من بني عمرو بن عوف، ومعن بن عدي، من بني العجلان، وأبي الدحداح، فأما عويم بن ساعدة، فهو الذي بلغنا أنه " قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: من الذين قال الله فيهم: " فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين "؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم الرجال، منهم عويم بن ساعدة ".لم يبلغنا أنه سمى منهم رجلاً غير عويم.
حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك ، عن هشام بن حسان قال، حدثنا الحسن قال: " لما نزلت هذه الآية: " فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين "، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا الذي ذكركم الله به في أمر الطهور، فأثنى به عليكم؟ قالوا: نغسل أثر الغائط والبول ".
حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك ، عن مالك بن مغول قال، سمعت سياراً أبا الحكم يحدث، عن شهر بن حوشب، عن محمد بن عبد الله بن سلام قال: " لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة - أو قال: قدم علينا رسول الله - فقال: إن الله قد أثنى عليكم في الطهور خيراً، أفلا تخبروني؟ قالوا: يا رسول الله، إنا نجد علينا مكتوباً في التوراة، الاستنجاء بالماء ". قال مالك : يعني قوله: " فيه رجال يحبون أن يتطهروا ".
حدثني أحمد بن إسحق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا فضيل بن مرزوق، عن عطية قال: لما نزلت هذه الآية: " فيه رجال يحبون أن يتطهروا "، سألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما طهوركم هذا الذي ذكر الله؟ قالوا: يا رسول الله، كنا نستنجي بالماء في الجاهلية، فلما جاء الإسلام لم ندعه قال: فلا تدعوه.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: كان في مسجد قباء رجال من الأنصار يوضئون سفلتهم بالماء، يدخلون النخل والماء يجري فيتوضئون، فأثنى الله بذلك عليهم فقال: " فيه رجال يحبون أن يتطهروا " الآية.
حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا طلحة بن عمرو، عن عطاء قال: أحدث قوم الوضوء بالماء من أهل قباء، فنزلت فيهم: " فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ".
وقيل: " والله يحب المطهرين "، وإنما هو: ((المتطهرين)). ولكن أدغمت التاء في الطاء، فجعلت طاء مشددة، لقرب مخرج إحداهما من الأخرى.


فيه إحدى عشرة مسألة:
الأولى- قوله تعالى: "لا تقم فيه أبدا" يعني مسجد الضرار، أي لا تقم فيه للصلاة. وقد يعبر عن الصلاة بالقيام، يقال: فلان يقوم الليل أي يصلي، ومنه الحديث الصحيح:
"من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه". أخرجه البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ...، فذكره. وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية كان لا يمر بالطريق التي فيها المسجد، وأمر بموضعه أن يتخذ كناسة تلقى فيها الجيف والأقذار والقمامات.
الثانية- قوله تعالى: "أبدا" أبدا ظرف زمان. وظرف الزمان على قسمين: ظرف مقدر كاليوم، وظرف مبهم كالحين والوقت، والأبد من هذا القسم، وكذلك الدهر.
وتنشأ هنا مسألة أصولية، وهي أن أبدا وإن كانت ظرفاً مبهماً لا عموم فيه ولكنه إذا اتصل بلا النافية أفاد العموم، فلو قال: لا تقم، لكفى في الانكفاف المطلق. فإذا قال: أبداً فكأنه قال في وقت من الأوقات ولا في حين من الأحيان. فأما النكرة في الإثبات إذا كانت خبراً عن واقع لم تعم، وقد فهم ذلك أهل اللسان وقضى به فقهاء الإسلام فقالوا: لو قال رجل لامرأته أنت طالق أبداً طلقت طلقة واحدة.
الثالثة- قوله تعالى: "لمسجد أسس على التقوى" أي بنيت جدره ورفعت قواعده. والأس أصل البناء، وكذلك الأساس. والأسس مقصور منه. وجمع الأس إساس، مثل عس وعساس. وجمع الأساس أسس، مثل قذال وقذل. وجمع الأسس آساس، مثل سبب وأسباب. وقد أسست البناء تأسيساً. وقولهم: كان ذلك على أس الدهر، وأس الدهر، وإس الدهر، ثلاث لغات، أي على قدم الدهر ووجه الدهر. واللام في قوله "لمسجد" لام قسم. وقيل لام الابتداء، كما تقول: لزيد أحسن الناس فعلاً، وهي مقتضية تأكيداً. "أسس على التقوى" نعت لمسجد. "أحق" خبر الابتداء الذي هو "لمسجد" ومعنى التقوى هنا الخصال التي تتقى بها العقوبة، وهي فعلى من وقيت، وقد تقدم.
الرابعة- واختلف العلماء في المسجد الذي أسس على التقوى، فقالت طائفة: هو مسجد قباء، يروى عن ابن عباس والضحاك والحسن. وتعلقوا بقوله: "من أول يوم"، ومسجد قباء كان أسس بالمدينة أو يوم، فإنه بني قبل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، قاله ابن عمر وابن المسيب، ومالك فيما رواه عنه ابن وهب وأشهب وابن القاسم.وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري:
"قال تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم، فقال رجل هو مسجد قباء، وقال آخر هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو مسجدي هذا". قال حديث صحيح. والقول الأول أليق بالقصة، لقوله: فيه وضمير الظرف يقتضي الرجال المتطهرين، فهو مسجد قباء. والدليل على ذلك حديث أبي هريرة قال: نزلت هذه الآية في أهل قباء "فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين" قال: كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الآية. قال الشعبي: هم أهل مسجد قباء، أنزل الله فيهم هذا. وقال قتادة: لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل قباء:
"إن الله سبحانه قد أحسن عليكم الثناء في التطهر فما تصنعون؟ قالوا: إنا نغسل أثر الغائط والبول بالماء"، رواه أبو داود. وروى الدارقطني عن طلحة بن نافع قال: حدثني أبو أيوب وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك الأنصاريون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية "فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين" فقال:
"يا معشر الأنصار إن الله قد أثنى عليكم خيراً في الطهور فما طهوركم هذا؟ قالوا: يا رسول الله، نتوضأ للصلاة ونغتسل من الجنابة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهل مع ذلك من غيره؟ فقالوا: لا غير، إن أحدنا إذا خرج من الغائط أحب أن يستنجي بالماء. قال: هو ذاك فعليكموه". وهذا الحديث يقتضي أن المسجد المذكور في الآية هو مسجد قباء، إلا أن حديث أبي سعيد الخدري نص فيه النبي صلى الله عليه وسلم على أنه مسجده فلا نظر معه. وقد روى أبو كريب قال: حدثنا أو أسامة قال حدثنا صالح بن حيان قال حدثنا عبد الله بن بريدة في قوله عز وجل: "في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه" [النور: 36] قال: إنما هي أربعة مساجد لم يبنهن إلا نبي: الكعبة بناها إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وبيت أريحا بيت المقدس بناه داود وسليمان عليهما السلام، ومسجد المدينة ومسجد قباء اللذين أسسا على التقوى، بناهما رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الخامسة- "من أول يوم" من عند النحويين مقابلة منذ، فمنذ في الزمان بمنزلة من في المكان. فقيل: إن معناها هنا معنى منذ، والتقدير: منذ أول يوم ابتدئ بنيانه. وقيل: المعنى من تأسيس أول الأيام، فدخلت على مصدر الفعل الذي هو أسس، كما قال:
لمن الديار بقنة الحجر أقوين من حجج ومن دهر
أي من مر حجج ومن مر دهر. وإنما دعا إلى هذا أن من أصول النحويين أن من لا يجر بها الأزمان، وإنما تجر الازمان بمنذ. تقول ما رأيته منذ شهر أو سنة أو يوم، ولا تقول: من شهر ولا من سنة ولا من يوم. فإذا وقعت في الكلام وهي يليها زمن فيقدر مضمر يليق أن يجر بمن، كما ذكرنا في تقدير البيت. ابن عطية. ويحسن عندي أن يستغنى في هذه الآية عن تقدير، وأن تكون من تجر لفظة أول لأنها بمعنى البداءة، كأنه قال: من مبتدأ الأيام.
السادسة- قوله تعالى: "أحق أن تقوم فيه" أي بأن تقوم، فهو في موضع نصب. و أحق هو أفعل من الحق، وأفعل لا يدخل إلا بين شيئين مشتركين، لأحدهما في المعنى الذي اشتركا فيه مزية على الآخر، فمسجد الضرار وإن كان باطلاً لا حق فيه، فقد اشتركا في الحق من جهة اعتقاد بانيه، أو من جهة اعتقاد من كان يظن أن القيام فيه جائز للمسجدية، لكن أحد الاعتقادين باطل باطناً عند الله، والآخر حق باطناً وظاهراً، ومثل هذا قوله تعالى: "أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا" [الفرقان: 24] ومعلوم أن الخيرية من النار مبعودة، ولكنه جرى على اعتقاد كل فرقة أنها على خير وأن مصيرها إليه خير، إذ كل حزب بما ليدهم فرحون. وليس هذا من قبيل: العسل أحلى من الخل، فإن العسل! وإن كان حلواً فكل شيء ملائم فهو حلو، ألا ترى أن من الناس من يقدم الخل على العسل مفرداً بمفرد ومضافاً إلى غيره بمضاف.
السابعة- قوله تعالى: "فيه" من قال: إن المسجد يراد به مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فالهاء في "أحق أن تقوم فيه" عائد إليه. و"فيه رجال" له أيضاً. ومن قال: إنه مسجد قباء، فالضمير في فيه عائد إليه على الخلاف المتقدم.
الثامنة- أثنى الله سبحانه وتعالى في هذه الآية على من أحب الطهارة وآثر النظافة وهي مروءة آدمية ووظيفة شرعية، وفي الترمذي عن عائشة رضوان الله عليها أنها قالت: مرن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء فإني أستحييهم. قال: حديث صحيح. وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحمل الماء معه في الاستنجاء، فكان يستعمل الحجارة تخفيفاً والماء تطهيراً. ابن العربي: وقد كان علماء القيروان يتخذون في متوضآتهم أحجاراً في تراب ينقون بها ثم يستنجون بالماء.
التاسعة- اللازم من نجاسة المخرج التخفيف، وفي نجاسة سائر البدن والثوب التطهير. وذلك رخصة من الله لعبادة في حالتي وجود الماء وعدمه، وبه قال عامة العلماء. وشذ ابن حبيب فقال: لا يستجمر بالأحجار إلا عند عدم الماء. والأخبار الثابتة في الاستجمار بالأحجار مع وجود الماء ترده.
العاشرة- واختلف العلماء من هذا الباب في إزالة النجاسة من الأبدان والثياب، بعد إجماعهم على التجاوز والعفو عن دم البراغيث ما لم يتفاحش على ثلاثة أقوال: الأول- أنه واجب فرض، ولا تجوز صلاة من صلى بثوب نجس عالماً كان بذلك أو ساهياً، روي عن ابن عباس والحسن وابن سيرين، وهو قول الشافعي وأحمد وأبي ثور، ورواه ابن وهب عن مالك، وهو قول أبي الفرج المالكي والطبري إلا أن الطبري قال: إن كانت النجاسة قدر الدرهم أعاد الصلاة. وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف في مراعاة قدر الدرهم قياساً على حلقة الدبر. وقالت طائفة: إزالة النجاسة واجبة بالسنة من الثياب والأبدان، وجوب سنة وليس بفرض. قالوا: ومن صلى بثوب نجس أعاد الصلاة في الوقت فإن خرج الوقت فلا شيء عليه، هذا قول مالك وأصحابه إلا أبا الفرج، ورواية ابن وهب عنه. وقال مالك في يسير الدم، لا تعاد منه الصلاة في الوقت ولا بعده، وتعاد من يسير البول والغائط، ونحو هذا كله من مذهب مالك قول الليث. وقال ابن القاسم عنه: تجب إزالتها في حالة الذكر دون النسيان، وهي من مفرداته. والقول الأول أصح إن شاء الله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قبرين فقال:
"إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير: أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله". الحديث، خرجه البخاري ومسلم، وحسبك. وسيأتي في سورة سبحان. قالوا: ولا يعذب الإنسان إلا على ترك واجب، وهذا ظاهر. وروى أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"أكثر عذاب القبر من البول". احتج الآخرون بخلع النبي صلى الله عليه وسلم نعليه في الصلاة لما أعلمه جبريل عليه السلام أن فيهما قذراً وأذى... الحديث. خرجه أبو داود وغيره من حديث أبي سعيد الخدري، وسيأتي في سورة طه إن شاء الله تعالى. قالوا: ولما لم يعد ما صلى دل على أن إزالتها سنة وصلاته صحيحة، ويعيد ما دام في الوقت طلباً للكمال. والله أعلم.
الحادية عشر- قال القاضي أبو بكر بن العربي: وأما الفرق بين القليل والكثير بقدر الدرهم البغلي، -يعني كبار الدراهم التي هي على قدر استدارة الدينار- قياساً على المسربة ففساد من وجهين، أحدهما -أن المقدرات لا تثبت قياساً فلا يقبل هذا التقدير. الثاني -أن هذا الذي خفف عنه في المسربة رخصة للضرورة، والحاجة والرخص لا يقاس عليها، لأنها خارجة عن القياس فلا ترد إليه.
سبب نزول هذه الايات الكريمات, أنه كان بالمدينة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها رجل من الخزرج يقال له أبو عامر الراهب, وكان قد تنصر في الجاهلية وقرأ علم أهل الكتاب, وكان فيه عبادة في الجاهلية وله شرف في الخزرج كبير, فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجراً إلى المدينة واجتمع المسلمون عليه وصارت للإسلام كلمة عالية وأظهرهم الله يوم بدر, شرق اللعين أبو عامر بريقه وبارز بالعداوة وظاهر بها, وخرج فاراً إلى كفار مكة من مشركي قريش, يمالئهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمعوا بمن وافقهم من أحياء العرب وقدموا عام أحد, فكان من أمر المسلمين ما كان وامتحنهم الله عز وجل, وكانت العاقبة للمتقين, وكان هذا الفاسق قد حفر حفائر فيما بين الصفين, فوقع في إحداهن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصيب ذلك اليوم فجرح وجهه وكسرت رباعيته اليمنى السفلى وشج رأسه صلوات الله وسلامه عليه, وتقدم أبو عامر في أول المبارزة إلى قومه من الأنصار فخاطبهم واستمالهم إلى نصره وموافقته, فلما عرفوا كلامه قالوا: لا أنعم الله بك عيناً يا فاسق يا عدو الله, ونالوا منه وسبوه فرجع وهو يقول: والله لقد أصاب قومي بعدي شر, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعاه إلى الله قبل فراره وقرأ عليه من القرآن, فأبى أن يسلم وتمرد, فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يموت بعيداً طريداً فنالته هذه الدعوة, وذلك أنه لما فرغ الناس من أحد, ورأى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم في ارتفاع وظهور, ذهب إلى هرقل ملك الروم يستنصره على النبي صلى الله عليه وسلم فوعده ومناه وأقام عنده, وكتب إلى جماعة من قومه من الأنصار من أهل النفاق والريب يعدهم ويمنيهم أنه سيقدم بجيش يقاتل به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويغلبه ويرده عما هو فيه, وأمرهم أن يتخذوا له معقلاً يقدم عليهم فيه من يقدم من عنده لأداء كتبه ويكون مرصداً له إذا قدم عليهم بعد ذلك, فشرعوا في بناء مسجد مجاور لمسجد قباء فبنوه وأحكموه وفرغوا منه قبل خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك, وجاءوا فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي إليهم فيصلي في مسجدهم ليحتجوا بصلاته فيه على تقريره وإثباته, وذكروا أنهم إنما بنوه للضعفاء منهم وأهل العلة في الليلة الشاتية, فعصمه الله من الصلاة فيه فقال: "إنا على سفر ولكن إذا رجعنا إن شاء الله" فلما قفل عليه السلام راجعاً إلى المدينة من تبوك ولم يبق بينه وبينها إلا يوم أو بعض يوم, نزل عليه جبريل بخبر مسجد الضرار وما اعتمده بانوه من الكفر والتفريق بين جماعة المؤمنين في مسجدهم مسجد قباء الذي أسس من أول يوم على التقوى. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك المسجد من هدمه قبل مقدمه المدينة, كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في الاية, هم أناس من الأنصار بنوا مسجداً فقال لهم أبو عامر: ابنوا مسجداً واستعدوا بما استطعتم من قوة ومن سلاح فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم فآتي بجنود من الروم وأخرج محمداً وأصحابه, فلما فرغوا من مسجدهم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له: قد فرغنا من بناء مسجدنا فنحب أن تصلي فيه وتدعو لنا بالبركة, فأنزل الله عز وجل "لا تقم فيه أبداً" إلى قوله: "الظالمين" وكذا روي عن سعيد بن جبير ومجاهد وعروة بن الزبير وقتادة وغير واحد من العلماء, وقال محمد بن إسحاق بن يسار, عن الزهري ويزيد بن رومان وعبد الله بن أبي بكر وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم, قالوا: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني من تبوك حتى نزل بذي أوان بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار, وكان أصحاب مسجد الضرار قد كانوا أتوه وهو يتجهز إلى تبوك فقالوا: يا رسول الله إنا قد بنينا مسجداً لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية, وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه, فقال: "إني على جناح سفر وحال شغل" أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ولو قد قدمنا إن شاء الله تعالى أتيناكم فصلينا لكم فيه" فلما نزل بذي أوان أتاه خبر المسجد فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن الدخشم أخا بني سالم بن عوف, ومعن بن عدي أو أخاه عامر بن عدي أخا بلعجلان فقال: "انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وحرقاه" فخرجا سريعين حتى أتيا بني سالم بن عوف, وهم رهط مالك بن الدخشم. فقال مالك لمعن: أنظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي, فدخل أهله فأخذ سعفاً من النخل فأشعل فيه ناراً ثم خرجا يشتدان حتى دخلا المسجد وفيه أهله, فحرقاه وهدماه وتفرقوا عنه, ونزل فيهم من القرآن ما نزل "والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً" إلى آخر القصة. وكان الذين بنوه اثني عشر رجلاً: خذام بن خالد من بني عبيد بن زيد أحد بني عمرو بن عوف, ومن داره أخرج مسجد الشقاق, وثعلبة بن حاطب من بني عبيد وموالي بني أمية بن زيد, ومعتب بن قشير من بني ضبيعة بن زيد, وأبو حبيبة بن الأزعر من بني ضبيعة بن زيد, وعباد بن حنيف أخو سهل بن حنيف من بني عمرو بن عوف, وحارثة بن عامر وابناه مجمع بن حارثة وزيد بن حارثة ونبتل الحارث وهم من بني ضبيعة ومخرج, وهم من بني ضبيعة, وبجاد بن عثمان وهو من بني ضبيعة, ووديعة بن ثابت, وموالي بني أمية رهط أبي لبابة بن عبد المنذر. وقوله "وليحلفن" أي الذين بنوه "إن أردنا إلا الحسنى" أي ما أردنا ببنيانه إلا خيراً ورفقاً بالناس, قال الله تعالى: "والله يشهد إنهم لكاذبون" أي فيما قصدوا وفيما نووا, وإنما بنوه ضراراً لمسجد قباء وكفراً بالله وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل, وهو أبو عامر الفاسق الذي يقال له الراهب لعنه الله, وقوله "لا تقم فيه أبداً" نهي له صلى الله عليه وسلم والأمة تبع له في ذلك عن أن يقوم فيه أي يصلي فيه أبداً. ثم حثه على الصلاة بمسجد قباء الذي أسس من أول يوم بنيانه على التقوى, وهي طاعة الله وطاعة رسوله وجمعاً لكلمة المؤمنين ومعقلاً وموئلاً للإسلام وأهله, ولهذا قال تعالى: "لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه" والسياق إنما هو في معرض مسجد قباء, ولهذا جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة في مسجد قباء كعمرة", وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يزور مسجد قباء راكباً وماشياً, وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بناه وأسسه أول قدومه ونزوله على بني عمرو بن عوف كان جبريل هو الذي عين له جهة القبلة, فالله أعلم.
وقال أبو داود: حدثنا محمد بن العلاء, حدثنا معاوية بن هشام عن يونس بن الحارث عن إبراهيم بن أبي ميمونة عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نزلت هذه الاية في أهل قباء "فيه رجال يحبون أن يتطهروا" ـ قال ـ كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الاية". ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث يونس بن الحارث وهو ضعيف, وقال الترمذي غريب من هذا الوجه, وقال الطبراني: حدثنا الحسن بن علي المعمري, حدثنا محمد بن حميد الرازي, حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الاية "فيه رجال يحبون أن يتطهروا" بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عويم بن ساعدة فقال: "ما هذا الطهور الذي أثنى الله عليكم ؟" فقال: يا رسول الله ما خرج منا رجل ولا امرأة من الغائط إلا وغسل فرجه أو قال مقعدته, فقال النبي صلى الله عليه وسلم "هو هذا".
وقال الإمام أحمد: حدثنا حسين بن محمد, حدثنا أبو أويس, حدثنا شرحبيل عن عويم بن ساعدة الأنصاري, أنه حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم في مسجد قباء فقال: "إن الله تعالى قد أحسن عليكم الثناء في الطهور في قصة مسجدكم, فما هذا الطهور الذي تطهرون به ؟" فقالوا: والله يا رسول الله ما نعلم شيئاً, إلا أنه كان لنا جيران من اليهود فكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط فغسلنا كما غسلوا, ورواه ابن خزيمة في صحيحه, وقال هشيم عن عبد الحميد المدني عن إبراهيم بن إسماعيل الأنصاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعويم بن ساعدة: "ما هذا الذي أثنى الله عليكم " فيه رجال يحبون أن يتطهروا " الاية, قالوا: يا رسول الله إنا نغسل الأدبار بالماء ", وقال ابن جرير: حدثني محمد بن عمارة الأسدي, حدثنا محمد بن سعد عن إبراهيم بن محمد عن شرحبيل بن سعد قال: سمعت خزيمة بن ثابت يقول: نزلت هذه الاية "فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين" قال كانوا يغسلون أدبارهم من الغائط.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا يحيى بن آدم, حدثنا مالك يعني ابن مغول, سمعت سياراً أبا الحكم عن شهر بن حوشب عن محمد بن عبد الله بن سلام قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني قباء, فقال "إن الله عز وجل قد أثنى عليكم في الطهور خيراً أفلا تخبروني ؟" يعني قوله "فيه رجال يحبون أن يتطهروا" فقالوا يا رسول الله إنا نجده مكتوباً علينا في التوراة الاستنجاء بالماء.
وقد صرح بأنه مسجد قباء جماعة من السلف, رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس, ورواه عبد الرزاق عن معمر الزهري عن عروة بن الزبير, وقال عطية العوفي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم والشعبي والحسن البصري ونقله البغوي عن سعيد بن جبير وقتادة, وقد ورد في الحديث الصحيح أن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي في جوف المدينة هو المسجد الذي أسس على التقوى, وهذا صحيح. ولا منافاة بين الاية وبين هذا, لأنه إذا كان مسجد قباء قد أسس على التقوى من أول يوم, فمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق الأولى والأحرى, ولهذا قال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده: حدثنا أبو نعيم, حدثنا عبد الله بن عامر الأسلمي عن عمران بن أبي أنس, عن سهل بن سعد عن أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المسجد الذي أسس على التقوى مسجدي هذا" تفرد به أحمد.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع, حدثنا ربيعة بن عثمان التيمي عن عمران بن أبي أنس عن سهل بن سعد الساعدي قال: اختلف رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الذي أسس على التقوى فقال أحدهما هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقال الاخر هو مسجد قباء, فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فسألاه فقال: "هو مسجدي هذا" تفرد به أحمد أيضاً.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا موسى بن داود, حدثنا ليث عن عمران بن أبي أنس عن سعيد بن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم, فقال أحدهما هو مسجد قباء, وقال الاخر هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "هو مسجدي هذا" تفرد به أحمد.
(طريق أخرى) قال الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن عيسى, حدثنا ليث حدثني عمران بن أبي أنس عن ابن أبي سعيد عن أبيه أنه قال: تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم, فقال رجل هو مسجد قباء, وقال الاخر هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "هو مسجدي" وكذا رواه الترمذي والنسائي عن قتيبة عن الليث وصححه الترمذي ورواه مسلم كما سيأتي.
(طريق أخرى) قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى عن أنيس بن أبي يحيى, حدثني أبي قال: سمعت أبا سعيد الخدري قال: اختلف رجلان رجل من بني خدرة ورجل من بني عمرو بن عوف, في المسجد الذي أسس على التقوى, فقال الخدري هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقال العمري هو مسجد قباء, فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن ذلك فقال: "هو هذا المسجد" لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقال في ذلك يعني مسجد قباء.
(طريق أخرى) قال الإمام أحمد: قال أبو جعفر بن جرير: حدثنا ابن بشار, حدثنا يحيى بن سعيد, حدثنا حميد الخراط المدني سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن بن أبي سعيد فقلت كيف سمعت أباك يقول في المسجد الذي أسس على التقوى ؟ فقال إني أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت عليه في بيت لبعض نسائه فقلت: يا رسول الله أين المسجد الذي أسس على التقوى ؟ قال: فأخذ كفاً من حصباء فضرب به الأرض ثم قال: "هو مسجدكم هذا" ثم قال سمعت أباك يذكره, رواه مسلم منفرداً به عن محمد بن حاتم عن يحيى بن سعيد به, ورواه عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره عن حاتم بن إسماعيل عن حميد الخراط به, وقد قال بأنه مسجد النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من السلف والخلف, وهو مروي عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وزيد بن ثابت وسعيد بن المسيب, واختاره ابن جرير, وقوله: "لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين" دليل على استحباب الصلاة في المساجد القديمة المؤسسة من أول بنائها على عبادة الله وحده لا شريك له, وعلى استحباب الصلاة مع الجماعة الصالحين والعباد العاملين المحافظين على إسباغ الوضوء والتنزه عن ملابسة القاذورات.
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن عبد الملك بن عمير, سمعت شبيباً أبا روح يحدث عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم الصبح فقرأ الروم فيها فأوهم فلما انصرف قال: "إنه يلبس علينا القرآن إن أقواماً منكم يصلون معنا لا يحسنون الوضوء, فمن شهد الصلاة معنا فليحسن الوضوء" ثم رواه من طريقين آخرين عن عبد الملك بن عمير عن شبيب أبي روح من ذي الكلاع, أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فذكره, فدل هذا على أن إكمال الطهارة يسهل القيام في العبادة ويعين على إتمامها وإكمالها والقيام بمشروعاتها. وقال أبو العالية في قوله تعالى: "والله يحب المطهرين" إن الطهور بالماء لحسن ولكنهم المطهرون من الذنوب. وقال الأعمش التوبة من الذنوب والتطهر من الشرك, وقد ورد في الحديث المروي من طرق في السنن وغيرها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأهل قباء: "قد أثنى الله عليكم في الطهور فماذا تصنعون ؟" فقالوا نستنجي بالماء, وقد قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا عبد الله بن شبيب, حدثنا أحمد بن عبد العزيز قال: وجدته في كتاب أبي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال نزلت هذه الاية في أهل قباء "فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين" فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالوا إنا نتبع الحجارة بالماء رواه البزار, ثم قال: تفرد به محمد بن عبد العزيز عن الزهري ولم يرو عنه سوى ابنه, "قلت" وإنما ذكرته بهذا اللفظ لأنه مشهور بين الفقهاء ولم يعرفه كثير من المحدثين المتأخرين أو كلهم, والله أعلم.
ثم نهى الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في مسجد الضرار، فقال: 108- "لا تقم فيه أبداً" أي في وقت من الأوقات، والنهي عن القيام فيه يستلزم النهي عن الصلاة فيه. وقد يعبر عن الصلاة بالقيام، يقال فلان يقوم الليل: أي يصلي، ومنه الحديث الصحيح: "من قام رمضان إيماناً به واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه". ثم ذكر الله سبحانه علة النهي عن القيام فيه بقوله: "لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه" واللام في "لمسجد" لام القسم، وقيل لام الابتداء، وفي ذلك تأكيد لمضمون الجملة، وتأسيس البناء: تثبيته ورفعه. ومعنى تأسيسه على التقوى: تأسيسه على الخصال التي تتقي بها العقوبة.
واختلف العلماء في المسجد الذي أسس على التقوى، فقالت طائفة: هو مسجد قباء كما روي عن ابن عباس والضحاك والحسن والشعبي وغيرهم. وذهب آخرون إلى أنه مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. والأول: أرجح لما سيأتي قريباً إن شاء الله، و "من أول يوم" متعلق بأسس: أي أسس على التقوى من أول يوم من أيام تأسيسه. قال بعض النحاة: إن "من" هنا بمعنى منذ: أي منذ أول يوم ابتدئ ببنائه، وقوله: "أحق أن تقوم فيه" خبر المبتدأ. والمعنى: لو كان القيام في غيره جائزاً لكان هذا أولى بقيامك فيه للصلاة ولذكر الله، لكونه أسس على التقوى من أول يوم، ولكون "فيه رجال يحبون أن يتطهروا" وهذه الجملة مستأنفة لبيان أحقية قيامه صلى الله عليه وسلم فيه: أي كما أن هذا المسجد أولى من جهة المحل فهو أولى من جهة الحال فيه، ويجوز أن تكون هذه الجملة في محل نصب على الحال: أي حال كون فيه رجال يحبون أن يتطهروا، ويجوز أن تكون صفة أخرى لمسجد. ومعنى محبتهم للتطهر: أنهم يؤثرونه ويحرصون عليه عند عروض موجبه، وقيل معناه: يحبون التطهر من الذنوب بالتوبة والاستغفار. والأول أولى. وقيل: يحبون أن يتطهروا بالحمى المطهرة من الذنوب فحموا جميعاً، وهذا ضعيف جداً. ومعنى محبة الله لهم الرضا عنهم، والإحسان إليهم كما يفعل المحب بمحبوبه.
108-قوله تعالى: "لا تقم فيه أبداً"، قال ابن عباس: لا تصل فيه منع الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصلي في مسجد الضرار. "لمسجد أسس على التقوى"، اللام لام الابتداء. وقيل: لام القسم، تقديره: والله لمسجد أسس، أي: بني أصله على التقوى، "من أول يوم"، أي: من أول يوم بني ووضع أساسه، "أحق أن تقوم فيه"، مصلياً.
واختلوا في المسجد الذي أسس على التقوى: فقال ابن عمر، وزيد بن ثابت، وأبو سعيد الخدري: هو مسجد المدينة، مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، والدليل عليه:
ما أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أنبأنا عبد الغافر بن محمد، حدثنا محمد بن عيسى الجلودي، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثنا محمد بن حاتم، حدثنا يحيى بن سعيد، عن حميد الخراط قال: سمعت أبا سلمة عبد الرحمن قال: مر بي عبد الرحمن بن أبي سعيد، قال: فقلت له: كيف سمعت أباك يذكر في المسجد الذى أسس على التقوى؟ فقال: قال أبي: " دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت بعض نسائه فقلت: يا رسول الله أي المسجدين الذي أسس على التقوى؟ قال: فأخذ كفا من الحصباء فضرب به الأرض، ثم قال:هو مسجدكم هذا، مسجد المدينة، قال: فقلت: أشهد أني سمعت أباك هكذا يذكره".
وأخبرنا أبو الحسن الشيرزي، أنبأنا زاهر بن أحمد، أنبأنا أبو إسحاق الهاشمي، أنبأنا أبو مصعب، عن مالك عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي".
وذهب قوم إلى أنه مسجد قباء، وهو رواية عطية عن ابن عباس ، وهو قول عروة بن الزبير و سعيد بن جبير وقتادة:
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد العزيز بن مسلم، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي مسجد قباء كل سبت ماشياً وراكباً، وكان عبد الله بن عمر يفعله.
وزاد نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلي فيه ركعتين.
قوله تعالى: "فيه رجال يحبون أن يتطهروا"، من الأحداث والجنابات والنحاسات، وقال عطاء: كانوا يستنجون بالماء ولا ينامون بالليل على الجنابة.
أخبرنا أبو طاهر عمر بن عبد العزيز القاشاني، أنبأنا أبو عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي، أنبأنا أبو علي محمد بن أحمد بن عمرو اللؤلؤي، حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، أخبرنا محمد بن العلاء حدثنا معاوية بن هشام، عن يونس بن الحارث، عن إبراهيم بن أبي ميمونة، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نزلت هذه الآية في أهل قباء": "فيه رجال يحبون أن يتطهروا" قال: "كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الآية". "والله يحب المطهرين"، أي المتطهرين.
108."لا تقم فيه أبداً"للصلاة ."لمسجد أسس على التقوى"يعني مسجد قباء أسسه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى فيه أيام مقامه بقباء من الاثنين إلى الجمعة لأنه أوفق للقصة ، أو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أبي سعيد رضي الله عنه " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فقال هو مسجدكم هذا مسجد المدينة"."من أول يوم" من أيام وجوده ومن يعم الزمان والمكان كقوله:
لمن الديار بقنة الحجر أقوين من حجج ومن دهر
"أحق أن تقوم فيه "أولي بأن تصلي فيه ."فيه رجال يحبون أن يتطهروا " من المعاصي والخصال المذمومة طلباً لمرضاة الله سبحانه وتعالى ، وقيل من الجنابة فلا ينامون عليها."والله يحب المطهرين"يرضى عنهم ويدنيهم من جنابه تعالى إدناء المحب حبيبه. قيل لما نزلت مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه المهاجرون حتى وقف على باب مسجد قباء فإذا الأنصار جلوس فقال عليه الصلاة والسلام : أمؤمنون أنتم ؟ فسكتوا .فأعادها فقال عمر : إنهم مؤمنون وأنا معهم ،فقال عليه الصلاة والسلام :أترضون بالقضاء؟ قالوا : نعم . قال عليه الصلاة والسلام : أتصبرون على البلاء؟ قالوا :نعم ، قال :أتشكرون في الرخاء ؟ قالوا:نعم .فقال صلى الله عليه وسلم: أنتم مؤمنون ورب الكعبة.فجلس ثم قال : يا معشر الأنصار إن الله عز وجل قد أثنى عليكم فما الذي تصنعون عند الوضوء وعند الغائط ؟ فقالوا : يا رسول الله نتبع الغائط الأحجار الثلاثة ثم نتبع الأحجار الماء فتلا النبي: "فيه رجال يحبون أن يتطهروا ".
108. Never stand (to pray) there. A place of worship which was founded upon duty (to Allah) from the first day is more worthy that thou shouldst stand (to pray) therein, wherein are men who love to purify themselves. Allah loveth the purifiers.
108 - never stand thou forth therein. there is a mosque whose foundation was laid from the first day on piety; it is more worthy of thy standing forth (for prayer) therein. in it are men who love to be purified; and God loveth those who make themselves pure.