[التوبة : 103] خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
103 - (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) من ذنوبهم فأخذ ثلث أموالهم وتصدق بها (وصل عليهم) أي ادع لهم (إن صلاتك سكن) رحمة (لهم) وقيل طمأنينة بقبول توبتهم (والله سميع عليم)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد، خذ من أموال هؤلاء الذين اعترفوا بذنوبهم فتابوا منها، " صدقة تطهرهم "، من دنس ذنوبهم، " وتزكيهم بها "، يقول: وتنميهم وترفعهم عن خسيس منازل أهل النفاق بها، إلى منازل أهل الإخلاص، " وصل عليهم "، يقول: إن دعاءك واستغفارك طمأنينة لهم، بأن الله قد عفا عنهم وقبل توبتهم، " والله سميع عليم "، يقول: والله سميع لدعائك إذا دعوت لهم، ولغير ذلك من كلام خلقه، " عليم "، بما تطلب لهم بدعائك ربك لهم. وبغير ذلك من أمور عباده.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قال:"جاءوا بأموالهم - يعني أبا لبابة وأصحابه - حين أطلقوا، فقالوا: يا رسول الله، هذه أموالنا فتصدق بها عنا، واستغفر لنا! قال: ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئاً! فأنزل الله: " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها "، يعني بالزكاة: طاعة الله والإخلاص، " وصل عليهم "، يقول: استغفر لهم ".
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: " لما أطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا لبابة وصاحبيه، انطلق أبو لبابة وصاحباه بأموالهم، فأتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: خذ من أموالنا فتصدق بها عنا، وصل علينا - يقولون: استغفر لنا - وطهرنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا آخذ منها شيئاً حتى أومر. فأنزل الله: " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم "، يقول: استغفر لهم من ذنوبهم التي كانوا أصابوا. فلما نزلت هذه الآية أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم جزءاً من أمواله فتصدق بها عنهم ".
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب، عن زيد بن أسلم قال: لما أطلق النبي صلى الله عليه وسلم أبا لبابة والذين ربطوا أنفسهم بالسواري، قالوا: يا رسول الله، خذ من أموالنا صدقة تطهرنا بها!فأنزل الله: " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم "، الآية.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جبير قال: قال الذين ربطوا أنفسهم بالسواري حين عفا عنهم: يا نبي الله، طهر أموالنا! فأنزل الله: " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ". وكان الثلاثة إذا اشتكى أحدهم اشتكى الآخران مثله، وكان عمي منهم اثنان، فلم يزل الآخر يدعو حتى عمي.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: الأربعة: جد بن قيس، وأبو لبابة، وحرام، وأوس، هم الذين قيل فيهم: " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم ". أي: وقار لهم، وكانوا وعدوا من أنفسهم أن ينفقوا ويجاهدوا ويتصدقوا.
حدثنا عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك ، قال: " لما أطلق نبي الله صلى الله عليه وسلم أبا لبابة وأصحابه، أتوا نبي الله بأموالهم فقالوا: يا نبي الله، خذ من أموالنا فتصدق به عنا، وطهرنا، وصل علينا - يقولون: استغفر لنا - فقال نبي الله: لا آخذ من أموالكم شيئاً حتى أومر فيها! فأنزل الله عز وجل: " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم "، من ذنوبهم التي أصابوا، " وصل عليهم "، يقول: استغفر لهم. ففعل نبي الله عليه السلام ما أمره الله به ".
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس قوله: " خذ من أموالهم صدقة "، أبو لبابة وأصحابه، " وصل عليهم "، يقول: استغفر لهم، لذنوبهم التي كانوا أصابوا.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم "، قال: هؤلاء ناس من المنافقين ممن كان تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، اعترفوا بالنفاق، وقالوا: يا رسول الله، قد ارتبنا ونافقنا وشككنا، ولكن توبة جديدة، وصدقة نخرجها من أموالنا! فقال الله لنبيه عليه الصلاة والسلام: " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها "، بعد ما قال: " ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره "، [التوبة: 84].
واختلف أهل العربية في وجه رفع " تزكيهم ".
فقال بعض نحويي البصرة: رفع " تزكيهم بها "، في الابتداء، وإن شئت جعلته من صفة ((الصدقة))، ثم جئت بها توكيداً، وكذلك " تطهرهم ".
وقال بعض نحويي الكوفة: إن كان قوله: " تطهرهم "، للنبي عليه السلام، فالاختيار أن تجزم، لأنه لم يعد على ((الصدقة)) عائد، و((تزكيهم))، مستأنف. وإن كانت الصدقة تطهرهم وأنت تزكيهم بها، جاز أن تجزم الفعلين وترفعهما.
قال أبو جعفر: والصواب في ذلك من القول، أن قوله: " تطهرهم "، من صلة ((الصدقة))، لأن القرأة مجمعة على رفعها، وذلك دليل على أنه من صلة ((الصدقة)). وأما قوله: " وتزكيهم بها "، فخبر مستأنف، بمعنى: وأنت تزكيهم بها، فلذلك رفع.
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: " إن صلاتك سكن لهم ".
فقال بعضهم: رحمة لهم.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، " إن صلاتك سكن لهم "، يقول: رحمة لهم.
وقال آخرون: بل معناه: إن صلاتك وقار لهم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر قال، حدثنا سعيد، عن قتادة : " إن صلاتك سكن لهم "، أي: وقار لهم.
واختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته المدينة: ((أن صلواتك سكن لهم)) بمعنى: دعواتك.
وقرأ قرأة العراق وبعض المكيين: " إن صلاتك سكن لهم "، بمعنى: إن دعاءك.
قال أبو جعفر: وكأن الذين قرأوا ذلك على التوحيد، رأوا أن قراءته بالتوحيد اصح، لأن في التوحيد من معنى الجمع وكثرة العدد ما ليس في قوله: ((إن صلواتك سكن لهم))، إذ كانت ((الصلوات))، هي جمع لما بين الثلاث إلى العشر من العدد، دون ما هو أكثر من ذلك. والذي قالوا من ذلك، عندنا كما قالوا، وبالتوحيد عندنا القراءة لا العلة، لأن ذلك في العدد أكثر من ((الصلوات))، ولكن المقصود منه الخبر عن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وصلواته أنه سكن لهؤلاء القوم، لا الخبر عن العدد. وإذا كان ذلك كذلك، كان التوحيد في ((الصلاة))، أولى.
فيه ثمان مسائل
الأولى- قوله تعالى: "خذ من أموالهم صدقة" اختلف في هذه الصدقة المأمور بها، فقيل: هي صدقة الفرض، قاله جويبر عن ابن عباس، وهو قول عكرمة فيما ذكر القشيري. وقيل: هو مخصوص بمن نزلت فيه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ منهم ثلث أموالهم، وليس هذا من الزكاة المفروضة في شيء، ولهذا قاله مالك: إذا تصدق الرجل بجميع ماله أجزأه إخراج الثلث، متمسكاً بحديث أبي لبابة. وعلى القول الأول فهو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم يقتضي بظاهره اقتصاره عليه فلا يأخذ الصدقة سواه، ويلزم على هذا سقوطها بسقوطه وزوالها بموته. وبهذا تعلق مانعو الزكاة على أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- وقالوا: إنه كان يعطينا عوضاً منها التطهير والتزكية والصلاة علينا وقد عدمناها من غيره. ونظم في ذلك شاعرهم فقال:-
أطعنا رسول الله ما كان بيننا فيا عجباً ما بال ملك أبي بكر
وإن الذي سألوكم فمنعتم لكالتمر أو أحلى لديهم من التمر
سنمنعهم ما دام فينا بقية كرام على الضراء في العسر واليسر
وهذا صنف من القائمين على أبي بكر أمثلهم طريقة، وفي حقه قال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة. ابن العربي: أما قولهم إن هذا خطاب النبي صلى الله عليه وسلم فلا يلتحق به غيره فهو كلام جاهل بالقرآن غافل عن مأخذ الشريعة متلاعب بالدين، فإن الخطاب من القرآن لم يرد باباً واحداً ولكن اختلفت موارده على وجوه، فمنها خطاب توجه إلى جميع الأمة كقوله: "يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة" [المائدة: 6] وقوله: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام" [البقرة: 183] ونحوه. ومنها خطاب خص به ولم يشركه فيه غيره لفظاً ولا معنى كقوله: "ومن الليل فتهجد به نافلة لك" [الإسراء: 79] وقوله: "خالصة لك" [الأحزاب: 50]. ومنها خطاب خص به لفظاً وشركه جميع الأمة معنىً وفعلاً، كقوله: "أقم الصلاة لدلوك الشمس" [الإسراء: 78] الآية. وقوله: "فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله" [النحل: 98] وقوله: "وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة" [النساء: 102] فكل من دلكت عليه الشمس مخاطب بالصلاة.وكذلك كل من قرأ القرآن مخاطب بالاستعاذة. وكذلك كل من خاف يقيم الصلاة بتلك الصفة. ومن هذا القبيل قوله تعالى: "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها". وعلى هذا المعنى جاء قوله تعالى: "يا أيها النبي اتق الله" [الأحزاب: 1] و"يا أيها النبي إذا طلقتم النساء" [الطلاق: 1].
الثانية- قوله تعالى: "من أموالهم" ذهب بعض العرب وهم دوس: إلى أن المال: الثياب والمتاع والعروض. ولا تسمي العين مالاً. وقد جاء هذا المعنى في السنة الثابتة من رواية مالك عن ثور بن زيد الديلي عن أبي الغيث سالم مولى ابن مطيع عن أبي هريرة قال:خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر فلم نغنم ذهباً ولا ورقاً إلا الأموال الثياب والمتاع. الحديث. وذهب غيرهم إلى أن المال الصامت من الذهب والورق. وقيل: الإبل خاصة، ومنه قولهم: المال الإبل. وقيل: جميع الماشية. وذكر ابن الأنباري عن أحمد بن يحيى -ثعلب- النحوي قال: ما قصر عن بلوغ ما تجب فيه الزكاة من الذهب والورق فليس بمال، وأنشد:
والله ما بلغت لي قط ماشية حد الزكاة ولا إبل ولا مال
قال أبو عمر: والمعروف من كلام العرب أن كل ما تمول وتملك هو مال، لقوله صلى الله عليه وسلم:
"يقول ابن آدم مالي مالي وإنما له من ماله ما أكل فأفنى أو لبس فأبلى أو تصدق فأمضى". وقال أبو قتادة: فأعطاني الدرع فابتعت به مخرفاً في بني سلمة، فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام. فمن حلف بصدقة ماله كله فذلك على كل نوع من ماله، سواء كان مما تجب فيه الزكاة أو لم يكن، إلا أن ينوي شيئاً بعينه فيكون على ما نواه. وقد قيل: إن ذلك على أموال الزكاة. والعلم محيط واللسان شاهد بأن ما تملك يسمى مالاً. والله أعلم.
الثالثة- قوله تعالى: "خذ من أموالهم صدقة" مطلق غير مقيد بشرط في المأخوذ والمأخوذ منه، ولا تبيين مقدار المأخوذ والمأخوذ منه. وإنما بيان ذلك في السنة والإجماع. حسب ما تذكره. فتؤخذ الزكاة من جميع الأموال. وقد أوجب النبي صلى الله عليه وسلم الزكاة في المواشي والحبوب والعين، وهذا ما لا خلاف فيه. واختلفوا فيما سوى ذلك كالخيل وسائر العروض. وسيأتي ذكر الخيل والعسل في النحل إن شاء الله. روى الأئمة عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة وليس فيما دون خمسة أواق من الورق صدقة وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة". وقد مضى الكلام في الأنعام في زكاة الحبوب وما تنبته الأرض مستوفى. وفي المعادن في البقرة وفي الحلي في هذه السورة. وأجمع العلماء على أن الأوقية أربعون درهماً، فإذا ملك الحر المسلم مائتي درهم من فضة مضروبة -وهي الخمس أواق المنصوصة في الحديث- حولاً كاملاً فقد وجبت عليه صدقتها، وذلك ربع عشرها خمسة دراهم. وإنما اشترط الحول لقوله عليه السلام:
"ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول". أخرجه الترمذي. وما زاد على المائتي درهم من الورق فبحساب ذلك في كل شيء منه ربع عشره قل أو كثر، هذا قول مالك والليث والشافعي وأكثر أصحاب أبي حنيفة وابن أبي ليلى والثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل وأبي ثور وإسحاق وأبي عبيد. وروي ذلك عن علي وابن عمر. وقالت طائفة: لا شيء فيما زاد على مائتي درهم حتى تبلغ الزيادة أربعين درهماً، فإذا بلغتها كان فيها درهم وذلك ربع عشرها. وهذا قول سعيد بن المسيب والحسن وعطاء وطاوس والشعبي والزهري ومكحول وعمرو بن دينار وأبي حنيفة.
الرابعة- وأما زكاة الذهب فالجمهور من العلماء على أن الذهب إذا كان عشرين ديناراً قيمتها مائتا درهم فما زاد أن الزكاة فيها واجبة، على حديث علي، أخرجه الترمذي عن ضمرة والحارث عن علي. قال الترمذي: سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال كلاهما عندي صحيح عن أبي إسحاق، يحتمل أن يكون عنهما جميعاً. وقال الباجي في المنتقى: وهذا الحديث ليس إسناده هناك، غير أن اتفاق العلماء على الآخذ به دليل على صحة حكمه، والله أعلم. وروي عن الحسن والثوري، وإليه مال بعض أصحاب داود بن علي على أن الذهب لا زكاة فيه حتى يبلغ أربعين ديناراً. وهذا يرده حديث علي وحديث وابن عمر وعائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من كل عشرين ديناراً نصف دينار، ومن الأربعين ديناراً ديناراً. على هذا جماعة أهل العلم إلا من ذكر.
الخامسة- اتفقت الأمة على أن ما كان دون خمس ذود من الإبل فلا زكاة فيه. فإذا بلغت خمساً ففيها شاة. والشاة تقع على واحدة من الغنم، والغنم الضأن والمعز جميعاً. وهذا أيضاً اتفاق من العلماء أنه ليس في خمس إلا شاة واحدة، وهي فريضتها. وصدقة المواشي مبينة في الكتاب الذي كتبه الصديق لأنس لما وجهه إلى البحرين، أخرجه البخاري وأبو داود والدارقطني والنسائي وابن ماجه وغيرهم، وكله متفق عليه. والخلاف فيه في موضعين أحدهما في زكاة الإبل، وهي إذا بلغت إحدى وعشرين ومائة فقال مالك: المصدق بالخيار إن شاء أخذ ثلاث بنات لبون،وإن شاء أخذ حقتين. وقال ابن القاسم وقال ابن شهاب: فيها ثلاث بنات لبون إلى أن تبلغ ثلاثين ومائة فتكون فيها حقه وابنتا لبون. قال ابن القاسم: ورأيي على قول ابن شهاب. وذكر ابن حبيب أن عبد العزيز بن أبي سلمة وعبد العزيز بن أبي حازم وابن دينار يقولون بقول مالك. وأما الموضع الثاني فهو في صدقة الغنم، وهي إذا زادت على ثلثمائة شاة وشاة، فإن الحسن بن صالح بن حي قال: فيها أربع شياه، وإذا كانت أربعمائة شاة وشاة ففيها خمس شياه، وهكذا كلما زادت، في كل مائة شاة، وروي عن إبراهيم النخعي مثله. وقال الجمهور: في مائتي شاة وشاة ثلاث شياه، ثم لا شيء فيها إلى أربعمائة فيكون فيها أربع شياه، ثم كلما زادت مائة ففيها شاة، إجماعاً واتفاقاً. قال ابن عبد البر: وهذه مسألة وهم فيها ابن المنذر. وحكى فيها عن العلماء الخطأ، وخلط وأكثر الغلط.
السادسة- لم يذكر البخاري ولا مسلم في صحيحهما تفصيل زكاة البقر. وخرجه أبو داود والترمذي والنسائي والدارقطني ومالك في موطئه وهي مرسلة ومقطوعة وموقوفة. قال أبو عمر: قد رواه قوم عن طاوس عن معاذ، إلا أن الذين أرسلوه أثبت من الذين أسندوه. وممن أسنده بقية عن المسعودي عن الحكم عن طاوس. وقد اختلفوا فيما ينفرد به بقية عن الثقات. رواه الحسن بن عمارة عن الحكم كما رواه بقية عن المسعودي عن الحكم، والحسن مجتمع على ضعفه. وقد روى هذا الخبر بإسناد متصل صحيح ثابت من غير رواية طاوس، ذكره عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر والثوري عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن معاذ بن جبل قال:
بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فأمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعاً أو تبيعة، ومن أربعين مسنة، ومن كل حالم دينار أو عدله معافر، ذكره الدارقطني وأبو عيسى الترمذي وصححه. قال أبو عمر. ولا خلاف بين العلماء أن الزكاة في زكاة البقر عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما قال معاذ بن جبل: في ثلاثين بقرة تبيع، وفي أربعين مسنة، إلا شيء روي عن سعيد بن المسيب وأبي قلابة والزهري وقتادة، فإنهم يوجبون في كل خمس من البقر شاةً إلى ثلاثين. فهذه جملة من تفصيل الزكاة بأصولها وفروعها في كتب الفقه. ويأتي ذكر الخلطة في سورة ص إن شاء الله تعالى.
السابعة- قوله تعالى: "صدقة" مأخوذ من الصدق، إذ هي دليل على صحة إيمانه وصدق باطنه مع ظاهره، وأنه ليس من المنافقين الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات. "تطهرهم وتزكيهم بها" حالين للمخاطب، التقدير: خذها مطهراً لهم ومزكياً لهم بها. ويجوز أن يجعلها صفتين للصدقة، أي صدقة مطهرة لهم مزكية، ويكون فاعل تزكيهم المخاطب، ويعود الضمير الذي في بها على الموصوف المنكر. وحكى النحاس ومكي أن تطهرهم من صفة الصدقة وتزكيهم بها حال في الضمير في خذ وهو النبي صلى الله عليه وسلم. ويحتمل أن تكون حالاً من الصدقة، وذلك ضعيف لأنها حال من نكرة. وقال الزجاج: والأجود أن تكون المخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم، أي فإنك تطهرهم وتزكيهم بها، على القطع والاستئناف.ويجوز الجزم على جواب الأمر، والمعنى: إن تأخذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم، ومنه قول امرئ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
وقرأ الحسن تطهرهم (بسكون الطاء) وهو منقول بالهمزة من طهر وأطهرته، مثل ظهر وأظهرته.
الثامنة- قوله تعالى: "وصل عليهم" أصل في فعل كل إمام يأخذ الصدقة أن يدعو للمتصدق بالبركة. روى مسلم عن عبد الله بن أبي أوفى قال:
"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقته قال: اللهم صل عليهم فأتاه ابن أبي أوفى بصدقته فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى". ذهب قوم إلى هذا، وذهب آخرون إلى أن هذا منسوخ بقوله تعالى: "ولا تصل على أحد منهم مات أبدا". قالوا: فلا يجوز أن يصلى على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم وحده خاصة، لأنه خص بذلك. واستدلوا بقوله تعالى: "لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا" [النور: 63] الآية. وبأن عبد الله بن عباس كان يقول: لا يصلى على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم. والأول أصح، فإن الخطاب ليس مقصوراً عليه كما تقدم، ويأتي في الآية بعد هذا. فيجب الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، والتأسي به، لأنه كان يمتثل قوله: "وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم" أي إذا دعوت لهم حين يأتون بصدقاتهم سكن ذلك قلوبهم وفرحوا به. وقد روى جابر بن عبد الله قال:
"أتاني النبي صلى الله عليه وسلم فقلت لامرأتي: لا تسألي رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، فقالت: يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندنا ولا نسأله شيئاً! فقالت: يا رسول الله، صل على زوجي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلى الله عليك وعلى زوجك". والصلاة هنا الرحمة والترحم. قال النحاس: وحكى أهل اللغة جميعاً فيما علمناه أن الصلاة في كلام العرب الدعاء، ومنه الصلاة على الجنائز. وقرأ حفص وحمزة والكسائي إن صلاتك بالتوحيد. وجمع الباقون. وكذلك الاختلاف في "أصلاتك تأمرك" [هود: 87] وقرئ سكن، بسكون الكاف. قال قتادة: معناه وقار لهم. والسكن: ما تسكن به النفوس وتطمئن به القلوب.
أمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يأخذ من أموالهم صدقة يطهرهم ويزكيهم بها وهذا عام وإن أعاد بعضهم الضمير في أموالهم إلى الذين اعترفوا بذنوبهم وخلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً, ولهذا اعتقد بعض مانعي الزكاة من أحياء العرب أن دفع الزكاة إلى الإمام لا يكون, وإنما كان هذا خاصاً بالرسول صلى الله عليه وسلم, ولهذا احتجوا بقوله تعالى: "خذ من أموالهم صدقة" الاية, وقد رد عليهم هذا التأويل والفهم الفاسد, أبو بكر الصديق وسائر الصحابة وقاتلوهم حتى أدوا الزكاة إلى الخليفة كما كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, حتى قال الصديق: والله لو منعوني عناقاً ـ وفي رواية عقالاً ـ كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأقاتلنهم على منعه, وقوله "وصل عليهم" أي ادع لهم واستغفر لهم كما رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتي بصدقة قوم صلى عليهم فأتاه أبي بصدقته فقال: "اللهم صل على آل أبي أوفى" وفي الحديث الاخر أن امرأة قالت: يا رسول الله صل علي وعلى زوجي, فقال "صلى الله عليك وعلى زوجك" وقوله: "إن صلاتك سكن لهم" قرأ بعضهم صلواتك على الجمع وآخرون قرأوا إن صلاتك على الإفراد "سكن لهم" قال ابن عباس: رحمة لهم, وقال قتادة وقار, وقوله: "والله سميع" أي لدعائك "عليم" أي بمن يستحق ذلك منك ومن هو أهل له, قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع, حدثنا أبو العميس عن أبي بكر بن عمرو بن عتبة عن ابن حذيفة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا لرجل أصابته وأصابت ولده وولد ولده, ثم رواه عن أبي نعيم عن مسعر عن أبي بكر بن عمرو بن عتبة عن ابن لحذيفة, قال مسعر: وقد ذكره مرة عن حذيفة إن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لتدرك الرجل وولده وولد ولده.
وقوله "ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات" هذا تهييج إلى التوبة والصدقة اللتين كل منهما يحط الذنوب ويمحصها ويمحقها, وأخبر تعالى أن كل من تاب إليه تاب عليه, ومن تصدق بصدقة من كسب حلال, فإن الله تعالى يتقبلها بيمينه فيربيها لصاحبها حتى تصير التمرة مثل أحد, كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال الثوري ووكيع كلاهما عن عباد بن منصور عن القاسم بن محمد, أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه قيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم مهره, حتى أن اللقمة لتكون مثل أحد" وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل "ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات" وقوله: "يمحق الله الربا ويربي الصدقات" وقال الثوري والأعمش, كلاهما عن عبد الله بن السائب عن عبد الله بن أبي قتادة قال: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه, إن الصدقة تقع في يد الله عز وجل قبل أن تقع في يد السائل, ثم قرأ هذه الاية "ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات" وقد روى ابن عساكر في تاريخه في ترجمة عبد الله بن الشاعر السكسكي الدمشقي وأصله حمصي, وكان أحد الفقهاء, روى عن معاوية وغيره, وحكى عنه حوشب بن سيف السكسكي الحمصي قال: غزا الناس في زمان معاوية رضي الله عنه وعليهم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد, فغل رجل من المسلمين مائة دينار رومية. فلما قفل الجيش ندم وأتى الأمير فأبى أن يقبلها منه وقال: قد تفرق الناس ولن أقبلها منك حتى تأتي الله بها يوم القيامة, فجعل الرجل يستقري الصحابة فيقولون له مثل ذلك, فلما قدم دمشق ذهب إلى معاوية ليقبلها منه فأبىعليه, فخرج من عنده وهو يبكي ويسترجع, فمر بعبد الله بن الشاعر السكسكي فقال له ما يبكيك ؟ فذكر له أمره, فقال له: أو مطيعي أنت ؟ فقال: نعم, فقال اذهب إلى معاوية فقل له اقبل مني خمسك فادفع إليه عشرين ديناراً وانظر إلى الثمانين الباقية فتصدق بها عن ذلك الجيش, فإن الله يقبل التوبة عن عباده وهو أعلم بأسمائهم ومكانهم, ففعل الرجل, فقال معاوية رضي الله عنه: لأن أكون أفتيته بها أحب إلي من كل شيء أملكه, أحسن الرجل.
قوله: 103- "خذ من أموالهم صدقة" اختلف أهل العلم في هذه الصدقة المأمور بها، فقيل: هي صدقة الفرض، وقيل: هي مخصوصة بهذه الطائفة المعترفة بذنوبها، لأنهم بعد التوبة عليهم عرضوا أموالهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية، و "من" للتبعيض على التفسيرين، والآية مطلقة مبينة بالسنة المطهرة، والصدقة مأخوذة من الصدق، إذ هي دليل على صدق مخرجها في إيمانه. قوله: "تطهرهم وتزكيهم بها" الضمير في الفعلين للنبي صلى الله عليه وسلم: أي تطهرهم وتزكيهم يا محمد بما تأخذه من الصدقة منهم. وقيل الضمير في تطهرهم للصدقة: أي تطهرهم هذه الصدقة المأخوذة منهم، والضمير في تزكيهم للنبي صلى الله عليه وسلم: أي تزكيهم يا محمد بالصدقة المأخوذة، والأول أولى لما في الثاني من الاختلاف في الضميرين في الفعلين المتعاطفين، وعلى الأول فالفعلان منتصبان على الحال، وعلى الثاني فالفعل الأول صفة لصدقة والثاني حال منه صلى الله عليه وسلم. ومعنى التطهير: إذهاب ما يتعلق بهم من أثر الذنوب، ومعنى التزكية: المبالغة في التطهير. قال الزجاج: والأجود أن تكون المخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم: أي فإنك يامحمد تطهرهم وتزكيهم بها على القطع والاستئناف، ويجوز الجزم على جواب الأمر. والمعنى: أن تأخذ من أموالهم صدقة تطهرهم. وقد قرأ الحسن بجزم تطهرهم، وعلى هذه القراءة فيكون "وتزكيهم" على تقدير مبتدأ: أي وأنت تزكيهم بها. قوله: "وصل عليهم": أي ادع لهم بعد أخذك لتلك الصدقة من أموالهم. قال النحاس: وحكى أهل اللغة جميعاً فيما علمناه أن الصلاة في كلام العرب الدعاء، ثم علل سبحانه أمره لرسوله صلى الله عليه وسلم بالصلاة على من يأخذ منه الصدقة فقال: " إن صلاتك سكن لهم ". قرأ حفص وحمزة والكسائي "صلاتك" بالتوحيد. وقرأ الباقون بالجمع، والسكن ما تسكن إليه النفس وتطمئن به.
103-قوله تعالى: "خذ من أموالهم صدقةً تطهرهم"، بها من ذنوبهم، "وتزكيهم بها"، أي: ترفعهم من منازل المنافقين إلى منازل المخلصين. وقيل: تنمي أموالهم "وصل عليهم"، أي: ادع لهم واستغفر لهم. وقيل: هو قول الساعي[للمصدق] إذا أخذ الصدقة منه: آجرك الله فيما أعطيت وبارك لك فيما أبقيت. والصلاة في اللغة: الدعاء. "إن صلاتك" قرأ حمزة والكسائي:/ "صلاتك" على التوحيد ونصب التاء هاهنا، وفي سورة هود "أصلاتك" وفي سورة المؤمنين "على صلاتهم" [كلهن على التوحيد]، وافقهما حفص هاهنا وفي سورة هود. وقرأ الآخرون بالجمع فيهن ويكسرون التاء هاهنا.
"سكن لهم"، أي: إن دعاءك رحمة لهم. قاله ابن عباس. وقيل: طمأنينة لهم، وسكون لهم، أن الله عز وجل قد قبل منهم. وقال أبو عبيدة: تثبيت لقلوبهم. "والله سميع عليم".
واختلفوا في وجوب الدعاء على الإمام عند أخذ الصدقة: قال بعضهم: يجب. وقال بعضهم: يستحب. وقال بعضهم: يجب في صدقة الفرض ويستحب في صدقة التطوع. وقيل يجب على الإمام ويستحب للفقير أن يدعو للمعطي.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا آدم بن أبي إياس، حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال: سمعت عبد الله ابن أبي أوفى -وكان من أصحاب الشجرة- قال:" كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قومه بصدقة قال:اللهم صل عليهم، فأتاه أبي بصدقته فقال:اللهم صل على آل أبي أوفى".
وقال ابن كيسان: ليس هذا في صدقة الفرض إنما هو في صدقة كفارة اليمين.
وقال عكرمة: هي صدقة الفرض، فلما نزلت توبة هؤلاء قال الذين لم يتوبوا من المتخلفين: هؤلاء كانوا معنا بالأمس لا [يكلمون] ولا يجالسون، فما لهم؟ فقال تعالى:
"ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات ".
103."خذ من أموالهم صدقةً"روي :" أنهم لما أطلقوا قالوا يا رسول الله هذه أموالنا التي خلفتنا فتصدق بها وطهرنا فقال : ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئاً"
فنزلت."تطهرهم"من الذنوب أو حب المال المؤدي بهم إلى مثله .وقرئ"تطهرهم"من أطهره بمعنى طهره و"تطهرهم" بالجزم جواباً للأمر ."وتزكيهم بها" وتنمي بها حسناتهم وترفعهم إلى منازل المخلصين."وصل عليهم"واعطف عليهم بالدعاء والاستغفار لهم ."إن صلاتك سكن لهم" تسكن إليها نفوسهم وتطمئن بها قلوبهم ، وجمعها لتعدد المدعو لهم وقرأ حمزة والكسائي وحفص بالتوحيد ."والله سميع"لاعترافهم ."عليم"بندامتهم.
103. Take alms of their wealth, wherewith thou mayst purify them and mayst make them grow, and pray for them. Lo! thy prayer is an assuagement for them. Allah is Nearer, Knower.
103 - Of their goods take alms, that so thou mightest purify and sanctify them; and pray on their behalf. verily thy prayers are a source of security for them: and God is one who heareth and knoweth.