[الفجر : 27] يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ
27 - (يا أيتها النفس المطمئنة) الآمنة وهي المؤمنة
أخرج ابن أبي حاتم عن بريدة في قوله يا أيتها النفس المطمئنة قال نزلت في حمزة وأخرج من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من يشتري بئر رومة يستعذب بها غفر الله له فاشتراها عثمان فقال هل لك أن تجعلها سقاية للناس قال نعم فأنزل الله في عثمان يا أيتها النفس المطمئنة
وقوله : " يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية " يقول تعالى ذكره مخبراً عن قيل الملائكة لأوليائه يوم القيامة : يا أيتها النفس الممطمئنة ، يعني بالمطمئنة : التي اطمأنت إلى وعد الله الذي وعد أهل الإيان به في الدنيا من الكرامة في الآخرة ، فصدقت بذلك .
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس " يا أيتها النفس المطمئنة " يقول : المصدقة .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " يا أيتها النفس المطمئنة " هو المؤمن أطمأنت نفسه إلى ما وعد الله .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة و الحسن ، في قوله " يا أيتها النفس المطمئنة " قالا : الطمئنة إلى ما قال الله ، والمصدقة بما قال .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : المصدقة الموقنة بأن الله ربها ، والمسلمة لأمره فيما هو فاعل بها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله "يا أيتها النفس المطمئنة " قال : النفس التي أيقنت أن الله ربها ، وضربت جأشاً بلأمره وطاعته .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان عن منصور عن مجاهد "يا أيتها النفس المطمئنة " قال : أيقنت بأن الله ربها ، وضربت لأمره جأشاً .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا بن يمان عن سفيان عن منصور عن مجاهد " يا أيتها النفس المطمئنة " قال : المنيبة المخبتة التق قد أيقنت أن الله ربها ، وضربت لأمره جأشاً .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان عن منصور عن مجاهد "يا أيتها النفس المطمئنة " قال : أيقنت بأن الله ربها ، وضر بت لأمره جأشاً .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " المطمئنة " قال : المخبتة والمطمئنة إلى الله .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان عن منصور ، عن مجاهد " يا أيتها النفس المطمئنة " قال : التي قد أيقنت بأن الله ربها ، وضربت لأمره جأشاً .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : ثنا ابن ابي نجيح ، عن مجاهد " يا أيتها النفس المطمئنة " قال : المخبتة .
حدثني سعيد بن الربيع الرازي ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد " يا أيتها النفس المطمئنة " قال : التي أيقنت بلقاء الله ، وضربت له جأشاً .
وذكر أن ذلك في قراءة أبي ( يا أيها النفس الآمنة ) .
ذكر الرواية بذلك .
حدثنا خلاد بن أسلم ، قال : أخبرنا النضر ، عن هارون القاري : قال : ثني هلال ، عن أبي سيخ الهنائي في قراءة أبي ( يا أيتها النفس الآمنة المطئنة ) وقال الكلبي : إن الآمنة في هذا الوضع ، يعني به المؤمنة .
وقيل : إن ذلك قول الملك للعبد عند الخروج نفسه مبشره برضا ربه عنه ، وإعداده ما أعد له من الكرامة عنده .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا بن يمان عن جعفر عن سعيد قال : قرئت" يا أيتها النفس المطمئنة " .
قوله تعالى:" يا أيتها النفس المطمئنة" لما ذكر حال من كانت همته الدنيا فاتهم الله في إغنائه وإفقاره، ذكر حال من اطمأنت نفسه إلى الله تعالى، فسلم لأمره، واتكل عليه. وقيل: هو من قول الملائكة لأولياء الله عز وجل. والنفس المطمئنة: الساكنة الموقنة، أيقنت أن الله ربها، فأخبتت لذلك، قاله مجاهد وغيره. وقال ابن عباس: أي المطمئنة بثواب الله. وعنه المؤمنة. وقال الحسن : المؤمنة الموقنة. وعن مجاهد أيضاً: الراضية بقضاء الله، التي علمت أن ما أخطأها لم يكن ليصيبها، وأن ما أصابها لم يكن ليخطئها. وقال مقاتل: الآمنة من عذاب الله. وفي حرف أبي بن كعب (يأيتها النفس الآمنة المطمئنة). وقيل: التي عملت على يقين بما وعد الله في كتابه. وقال ابن كيسان: المطمئنة هنا : المخلصة. وقال ابن عطاء: العارفة التي لا تصبر عنه طرفة عين. وقيل: المطمئنة بذكر الله تعالى، بيانه
" الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله " [الرعد:28]. وقيل: المطمئنة بالإيمان، المصدقة بالبعث والثواب. وقال ابن زيد: المطمئنة لأنها بشرت بالجنة عند الموت، وعند البعث، ويوم الجمع. وروى عبدالله بن بريدة عن أبيه قال: يعني نفس حمزة. والصحيح أنها عامة في كل نفس مؤمن مخلص طائع. قال الحسن البصري: إن الله تعالى إذا أراد أن يقبض روح عبده المؤمن، اطمأنت النفس إلى الله تعالى، واطمأن الله إليها. وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: إذا توفي المؤمن أرسل الله إليه ملكين، وأرسل معهما تحفة من الجنة، فيقولان لها: اخرجي أيتها النفس المطمئنة راضية مرضية، ومرضيا عنك، اخرجي إلى روح وريحان، ورب راض غير غضبان، فتخرج كأطيب ريح المسك وجد أحد من أنفه على ظهر الأرض. وذكر الحديث. و"قال سعيد بن جبير:
قرأ رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم(يأيتها النفس المطمئنة)، فقال أبو بكر: ما أحسن هذا يا رسول الله! فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(إن الملك سيقولها لك يا أبا بكر)". وقال سعيد بن جبير :
مات ابن عباس بالطائف، فجاء طائر لم ير على خلقته طائر قط، فدخل نعشه، ثم لم ير خارجاً منه، فلما دفن تليت هذه الآية على شفير القبر- لايدري من تلاها:- " يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية".
يخبر تعالى عما يقع يوم القيامة من الأهوال العظيمة, فقال تعالى: "كلا" أي حقاً "إذا دكت الأرض دكاً دكاً" أي وطئت ومهدت وسويت الأرض والجبال وقام الخلائق من قبورهم لربهم "وجاء ربك" يعني لفصل القضاء بين خلقه وذلك بعدما يستشفعون إليه بسيد ولد آدم على الإطلاق محمد صلوات الله عليه وسلامه عليه, بعدما يسألون أولي العزم من الرسل واحداً بعد واحد, فكلهم يقول: لست بصاحب ذاكم حتى تنتهي النوبة إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: "أنا لها أنا لها" فيذهب فيشفع عند الله تعالى في أن يأتي لفصل القضاء, فيشفعه الله تعالى في ذلك.
وهي أول الشفاعات وهي المقام المحمود كما تقدم بيانه في سورة سبحان, فيجيء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء كما يشاء, والملائكة يجيئون بين يديه صفوفاً صفوفاً.
وقوله تعالى: "وجيء يومئذ بجهنم" قال الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه : حدثنا عمر بن حفص بن غياث , حدثنا أبي عن العلاء بن خالد الكاهلي عن شقيق عن عبد الله هو ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألفاً ملك يجرونها" وهكذا رواه الترمذي عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي عن عمر بن حفص به. ورواه أيضاً عن عبد بن حميد عن أبي عامر عن سفيان الثوري عن العلاء بن خالد عن شقيق بن سلمة , وهو أبو وائل , عن عبد الله بن مسعود قوله ولم يرفعه, وكذا رواه ابن جرير عن الحسن بن عرفة عن مروان بن معاوية الفزاري عن العلاء بن خالد عن شقيق عن عبد الله قوله. وقوله تعالى: "يومئذ يتذكر الإنسان" أي عمله وما كان أسلفه في قديم دهره وحديثه "وأنى له الذكرى" أي وكيف تنفعه الذكرى "يقول يا ليتني قدمت لحياتي" يعني يندم على ما كان سلف منه من المعاصي إن كان عاصياً ويود لو كان ازداد من الطاعات إن كان طائعاً كما قال الإمام أحمد بن حنبل : حدثنا علي بن إسحاق , حدثنا عبد الله يعني ابن المبارك , حدثنا ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير عن محمد بن أبي عميرة , وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: لو أن عبداً خر على وجهه من يوم ولد إلى أن يموت هرماً في طاعة الله لحقره يوم القيامة, ولود أنه رد إلى الدنيا كيما يزداد من الأجر والثواب.
قال الله تعالى: "فيومئذ لا يعذب عذابه أحد" أي ليس أحد أشد عذاباً من تعذيب الله من عصاه "ولا يوثق وثاقه أحد" أي وليس أحد أشد قبضاً ووثقاً من الزبانية لمن كفر بربهم عز وجل, وهذا في حق المجرمين من الخلائق والظالمين, فأما النفس الزكية المطمئنة وهي الساكنة الثابتة الدائرة مع الحق فيقال لها: " يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك " أي إلى جواره وثوابه وما أعد لعباده في جنته "راضية" أي في نفسها "مرضية" أي قد رضيت عن الله ورضي عنها وأرضاها "فادخلي في عبادي" أي في جملتهم "وادخلي جنتي" وهذا يقال لها عند الاحتضار وفي يوم القيامة أيضاً, كما أن الملائكة يبشرون المؤمن عند احتضاره وعند قيامه من قبره, فكذلك ههنا.
ثم اختلف المفسرون فيمن نزلت هذه الاية, فروى الضحاك عن ابن عباس : نزلت في عثمان بن عفان , وعن بريدة بن الحصيب : نزلت في حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه. وقال العوفي عن ابن عباس : يقال للأرواح المطمئنة يوم القيامة " يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك " يعني صاحبك وهو بدنها الذي كانت تعمره في الدنيا "راضية مرضية" وروي عنه أنه كان يقرؤها " فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي " وكذا قال عكرمة والكلبي , واختاره ابن جرير وهو غريب, والظاهر الأول لقوله تعالى: "ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق" "وأن مردنا إلى الله" أي إلى حكمه والوقوف بين يديه. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين , حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله الدشتكي , حدثني أبي عن أبيه عن أشعث عن جعفر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: " يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية " قال: نزلت و أبو بكر جالس فقال: يا رسول الله ما أحسن هذا, فقال: "أما إنه سيقال لك هذا" ثم قال: حدثنا أبو سعيد الأشج , حدثنا ابن يمان عن أشعث عن سعيد بن جبير قال: قرأت عند النبي صلى الله عليه وسلم " يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية " فقال أبو بكر رضي الله عنه إن هذا لحسن, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أما إن الملك سيقول لك هذا عند الموت" وكذا رواه ابن جرير عن أبي كريب عن ابن يمان به وهذا مرسل حسن.
ثم قال ابن أبي حاتم وحدثنا الحسن بن عرفة حدثنا مروان بن شجاع الجزري عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير قال: مات ابن عباس بالطائف فجاء طير لم ير على خلقته فدخل نعشه ثم لم ير خارجاً منه فلما دفن تليت هذه الاية على شفير القبر لا يدري من تلاها " يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية * فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي " ورواه الطبراني عن عبد الله بن أحمد عن أبيه عن مروان بن شجاع عن سالم بن عجلان الأفطس به فذكره. وقد ذكر الحافظ محمد بن المنذر الهروي المعروف بشكر في كتاب العجائب بسنده عن قباث بن رزين أبي هاشم قال: أسرت في بلاد الروم فجمعنا الملك وعرض علينا دينه على أن من امتنع ضربت عنقه فارتد ثلاثة وجاء الرابع فامتنع فضربت عنقه وألقي رأسه في نهر هناك فرسب في الماء ثم طفا على وجه الماء ونظر إلى أولئك الثلاثة فقال: يا فلان ويا فلان ويا فلان يناديهم بأسمائهم قال الله تعالى في كتابه: " يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية * فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي " ثم غاص في الماء, قال فكادت النصارى أن يسلموا ووقع سرير الملك ورجع أولئك الثلاثة إلى الإسلام قال وجاء الفداء من عند الخليفة أبي جعفر المنصور فخلصنا.
وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة رواحة بنت أبي عمرو الأوزاعي عن أبيها حدثني سليمان بن حبيب المحاربي حدثني أبو أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: "قل اللهم إني أسألك نفساً بك مطمئنة تؤمن بلقائك وترضى بقضائك وتقنع بعطائك" ثم روى عن أبي سليمان بن وبر أنه قال: حديث رواحة هذا واحد أمه, آخر تفسير سورة الفجر, ولله الحمد والمنة.
ولما فرغ سبحانه من حكاية أحوال الأشقياء ذكر بعض أحوال السعداء فقال: 27- "يا أيتها النفس المطمئنة" المطمئنة هي الساكنة الموقنة بالإيمان وتوحيد الله، الواصلة إلى ثلج اليقين بحيث لا يخالطها شك ولا يعتريها ريب. قال الحسن: هي المؤمنة الموقنة. وقال مجاهد: الراضية بقضاء الله التي علمت أن ما أخطأها لم يكن ليصيبها، وأن ما أصابها لم يكن ليخطئها وقال مقاتل هي الآمنة المطمئنة. وقال ابن كيسان: المطمئنة بذكر الله، وقيل المخلصة: قال ابن زيد: المطمئنة لأنها بشرت بالجنة عند الموت وعند البعث.
قوله عز وجل: 27- "يا أيتها النفس المطمئنة"، إلى ما وعد الله عز وجل المصدقة بما قال الله. وقال مجاهد: "المطمئنة" التي أيقنت أن الله تعالى ربها وصبرت جأشاً لأمره وطاعته.
وقال الحسن: المؤمنة الموقنة، وقال عطية: الراضية بقضاء الله تعالى. وقال الكلبي: الآمنة من عذاب الله.
وقيل: المطمئنة بذكر الله، بيانه: قوله "وتطمئن قلوبهم بذكر الله".
27-" يا أيتها النفس المطمئنة " على إرادة القول وهي التي اطمأنت بذكر الله ، فإن النفس تترقى في سلسلة الأسباب والمسببات إلى الواجب لذاته فتستفز دون معرفته وتستغني به عن غيره ، أو إلى الحق بحيث لا يريبها شك أو الأمنة التي لا يستفزها خوف ولا حزن وقد قرئ بهما .
27. But ah! thou soul at peace!
27 - (To the righteous soul will be said:) O (thou) soul, in (complete) rest and satisfaction!