[الفجر : 26] وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ
26 - وكذا (ولا يوثق) بكسر الثاء (وثاقه أحد) وفي قراءة بفتح الذال والثاء فضمير عذابه ووثاقه للكافر والمعنى لا يعذب أحد مثل تعذيبه ولا يوثق مثل ايثاقه
قوله : " ولا يوثق وثاقه أحد " قال : قد علم الله أن الدنيا عذاباً ووثاقاً ، فقال : فيوئذ لا يعذب عذابه أحد في الدنيا ، ولا يوثق وثاقه أحد في الدنيا .
وأما الذي قرأ ذلك بالفتح ، فإنه وجه تأويله إلى : فيومئذ لا يعذب أحد في الدنيا كعذاب الله يومئذ ، ولا يوثق أحد في الدنيا كوثاقه يومئذ . وقد تأول ذلك بعض من قرأ ذلك كذلك بالفتح من المتأخرين : فيومئذ لا يعذب عذاب الكافر أحد ولا يوثق وثاق الكافر أحد . وقال : كيف يجوز الكسر ، ولا معذب يومئذ سوى الله وهذا من التأويل غلط ، لأن أهل التأويل تأولوه بخلاف ذلك ، مع إجماع الحجة من القراء على قراءته بالمعنى الذي جاء به تأويل أهل التأويل ، وما أحسبه دعاه إلى قراءة ذلك كذلك ، إلا ذهابه عن وجه صحته في التأويل .
ولا يوثق كما يوثق الكافر. والمراد إبليس، لأن الدليل قام على أنه أشد الناس عذاباً، لأجل إجرامه، فأطلق الكلام لأجل ما صحبة من التفسير. وقيل: إنه أمية بن خلف، حكاه إجرامه، فأطلق الكلام لأجل ما صحبه من التفسير. وقيل: إنه أمية بن خلف، حكاه الفراء. يعني أنه لا يعذب كعذاب هذا الكافر المعين أحد، ولا يوثق بالسلاسل والأغلال كوثاقه أحد، لتناهيه في كفره وعناده. وقيل: أي لا يعذب مكانه أحد، فلا يؤخذ منه فداء. والعذاب بمعنى الإيثاق. ومنه قول الشاعر
وبعد عطائك المائة الرتاعا
وقيل: لا يعذب أحد ليس بكافر عذاب الكافر. واختار أبو عبيدة أبو حاتم فتح الدال والثاء. وتكون الهاء ضمير الكافر، لأن ذلك معروف: أنه لا يعذب أحد كعذاب الله.
وقد روى أبو قلابة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بفتح الذال والثاء. وروي أن أبا عمرو رجع إلى قراءة النبي صلى الله عليه وسلم. وقال أبو علي: يجوز أن يكون الضمير للكافر على قراءة الجماعة، أي لا يعذب أحد مثل تعذيب هذا الكافر، فتكون الهاء للكافر. والمراد بـ(ـأحد) الملائكة الذين يتولون تعذيب أهل النار.
يخبر تعالى عما يقع يوم القيامة من الأهوال العظيمة, فقال تعالى: "كلا" أي حقاً "إذا دكت الأرض دكاً دكاً" أي وطئت ومهدت وسويت الأرض والجبال وقام الخلائق من قبورهم لربهم "وجاء ربك" يعني لفصل القضاء بين خلقه وذلك بعدما يستشفعون إليه بسيد ولد آدم على الإطلاق محمد صلوات الله عليه وسلامه عليه, بعدما يسألون أولي العزم من الرسل واحداً بعد واحد, فكلهم يقول: لست بصاحب ذاكم حتى تنتهي النوبة إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: "أنا لها أنا لها" فيذهب فيشفع عند الله تعالى في أن يأتي لفصل القضاء, فيشفعه الله تعالى في ذلك.
وهي أول الشفاعات وهي المقام المحمود كما تقدم بيانه في سورة سبحان, فيجيء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء كما يشاء, والملائكة يجيئون بين يديه صفوفاً صفوفاً.
وقوله تعالى: "وجيء يومئذ بجهنم" قال الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه : حدثنا عمر بن حفص بن غياث , حدثنا أبي عن العلاء بن خالد الكاهلي عن شقيق عن عبد الله هو ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألفاً ملك يجرونها" وهكذا رواه الترمذي عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي عن عمر بن حفص به. ورواه أيضاً عن عبد بن حميد عن أبي عامر عن سفيان الثوري عن العلاء بن خالد عن شقيق بن سلمة , وهو أبو وائل , عن عبد الله بن مسعود قوله ولم يرفعه, وكذا رواه ابن جرير عن الحسن بن عرفة عن مروان بن معاوية الفزاري عن العلاء بن خالد عن شقيق عن عبد الله قوله. وقوله تعالى: "يومئذ يتذكر الإنسان" أي عمله وما كان أسلفه في قديم دهره وحديثه "وأنى له الذكرى" أي وكيف تنفعه الذكرى "يقول يا ليتني قدمت لحياتي" يعني يندم على ما كان سلف منه من المعاصي إن كان عاصياً ويود لو كان ازداد من الطاعات إن كان طائعاً كما قال الإمام أحمد بن حنبل : حدثنا علي بن إسحاق , حدثنا عبد الله يعني ابن المبارك , حدثنا ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير عن محمد بن أبي عميرة , وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: لو أن عبداً خر على وجهه من يوم ولد إلى أن يموت هرماً في طاعة الله لحقره يوم القيامة, ولود أنه رد إلى الدنيا كيما يزداد من الأجر والثواب.
قال الله تعالى: "فيومئذ لا يعذب عذابه أحد" أي ليس أحد أشد عذاباً من تعذيب الله من عصاه "ولا يوثق وثاقه أحد" أي وليس أحد أشد قبضاً ووثقاً من الزبانية لمن كفر بربهم عز وجل, وهذا في حق المجرمين من الخلائق والظالمين, فأما النفس الزكية المطمئنة وهي الساكنة الثابتة الدائرة مع الحق فيقال لها: " يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك " أي إلى جواره وثوابه وما أعد لعباده في جنته "راضية" أي في نفسها "مرضية" أي قد رضيت عن الله ورضي عنها وأرضاها "فادخلي في عبادي" أي في جملتهم "وادخلي جنتي" وهذا يقال لها عند الاحتضار وفي يوم القيامة أيضاً, كما أن الملائكة يبشرون المؤمن عند احتضاره وعند قيامه من قبره, فكذلك ههنا.
ثم اختلف المفسرون فيمن نزلت هذه الاية, فروى الضحاك عن ابن عباس : نزلت في عثمان بن عفان , وعن بريدة بن الحصيب : نزلت في حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه. وقال العوفي عن ابن عباس : يقال للأرواح المطمئنة يوم القيامة " يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك " يعني صاحبك وهو بدنها الذي كانت تعمره في الدنيا "راضية مرضية" وروي عنه أنه كان يقرؤها " فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي " وكذا قال عكرمة والكلبي , واختاره ابن جرير وهو غريب, والظاهر الأول لقوله تعالى: "ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق" "وأن مردنا إلى الله" أي إلى حكمه والوقوف بين يديه. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين , حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله الدشتكي , حدثني أبي عن أبيه عن أشعث عن جعفر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: " يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية " قال: نزلت و أبو بكر جالس فقال: يا رسول الله ما أحسن هذا, فقال: "أما إنه سيقال لك هذا" ثم قال: حدثنا أبو سعيد الأشج , حدثنا ابن يمان عن أشعث عن سعيد بن جبير قال: قرأت عند النبي صلى الله عليه وسلم " يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية " فقال أبو بكر رضي الله عنه إن هذا لحسن, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أما إن الملك سيقول لك هذا عند الموت" وكذا رواه ابن جرير عن أبي كريب عن ابن يمان به وهذا مرسل حسن.
ثم قال ابن أبي حاتم وحدثنا الحسن بن عرفة حدثنا مروان بن شجاع الجزري عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير قال: مات ابن عباس بالطائف فجاء طير لم ير على خلقته فدخل نعشه ثم لم ير خارجاً منه فلما دفن تليت هذه الاية على شفير القبر لا يدري من تلاها " يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية * فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي " ورواه الطبراني عن عبد الله بن أحمد عن أبيه عن مروان بن شجاع عن سالم بن عجلان الأفطس به فذكره. وقد ذكر الحافظ محمد بن المنذر الهروي المعروف بشكر في كتاب العجائب بسنده عن قباث بن رزين أبي هاشم قال: أسرت في بلاد الروم فجمعنا الملك وعرض علينا دينه على أن من امتنع ضربت عنقه فارتد ثلاثة وجاء الرابع فامتنع فضربت عنقه وألقي رأسه في نهر هناك فرسب في الماء ثم طفا على وجه الماء ونظر إلى أولئك الثلاثة فقال: يا فلان ويا فلان ويا فلان يناديهم بأسمائهم قال الله تعالى في كتابه: " يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية * فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي " ثم غاص في الماء, قال فكادت النصارى أن يسلموا ووقع سرير الملك ورجع أولئك الثلاثة إلى الإسلام قال وجاء الفداء من عند الخليفة أبي جعفر المنصور فخلصنا.
وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة رواحة بنت أبي عمرو الأوزاعي عن أبيها حدثني سليمان بن حبيب المحاربي حدثني أبو أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: "قل اللهم إني أسألك نفساً بك مطمئنة تؤمن بلقائك وترضى بقضائك وتقنع بعطائك" ثم روى عن أبي سليمان بن وبر أنه قال: حديث رواحة هذا واحد أمه, آخر تفسير سورة الفجر, ولله الحمد والمنة.
26- "ولا يوثق" كـ"وثاقه أحد" أو لا يتولى عذاب الله ووثاقه أحد سواه إذ الأمر كله له، والضميران على التقديرين في عذابه ووثاقه الله عز وجل، وهذا على قراءة الجمهور "يعذب" و"يوثق" مبنيين للفاعل. وقرأ الكسائي على البناء للمفعول فيهما، فيكون الضميران راجعين إلى الإنسان: أي لا يعذب كعذاب ذلك الإنسان أحد ولا يوثق كوثاقه أحد، والمراد بالإنسان الكافر: أي لا يعذب من ليس بكافر كعذاب الكافر، وقيل إبليس، وقيل المراد به أبي بن خلف. قال الفراء: المعنى أنه لا يعذب كعذاب هذا الكافر المعين أحد، ولا يوثق بالسلاسل والأغلال كوثاقه أحد لتناهيه في الكفر والعناد. وقيل المعنى: أنه لا يعذب مكانه أحد ولا يوثق مكانه أحد، فلا تؤخذ منه فدية، وهو كقوله: "ولا تزر وازرة وزر أخرى" والعذاب بمعنى التعذيب، والوثاق بمعنى التوثيق، واختار أبو عبيد وأبو حاتم قراءة الكسائي، قال: وتكون الهاء في الموضعين ضمير الكافر، لأنه مفروف أنه لا يعذب أحد كعذاب الله. قال أبو علي الفارسي: يجوز أن يكون الضمير للكافر على قراءة الجماعة: أي لا يعذب أحد أحداً مثل تعذيب هذا الكافر.
26- "ولا يوثق وثاقه أحد"، قرأ الكسائي ويعقوب "لا يعذب"، ولا يوثق بفتح الذال والثاء على معنى لا يعذب أحد في الدنيا كعذاب الله يومئذ، ولا يوثق كوثاقه أحد يومئذ.
قيل: هو رجل بعينه، هو أمية بن خلف، يعني لا يعذب كعذاب هذا الكافر أحد، ولا يوثق كوثاقه أحد.
وقرأ الآخرون بكسر الذال والثاء، أي: لا يعذب أحد في الدنيا كعذاب الله الكافر يومئذ، ولا يوثق كوثاقه أحد، يعني لا يبلغ أحد من الخلق كبلاغ الله في العذاب، والوثاق: هو الإسار في السلاسل والأغلال.
26-" ولا يوثق وثاقه أحد " الهاء لله أي لا يتولى عذاب الله ووثاقه يوم القيامة سواه إذ الأمر كله له ، أو للإنسان أي لا يعذب أحد من الزبانية مثل ما يعذبونه ،وقرأهما الكسائي و يعقوب على بناء المفعول .
26. None bindeth as He then will bind.
26 - And His bonds will be such as none (other) can bind.