[الغاشية : 25] إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ
25 - (إن إلينا إيابهم) رجوعهم بعد الموت
وقوله : " إن إلينا إيابهم " يقول : إن إلينا رجوع من كفر ومعادهم .
قوله تعالى:" فيعذبه الله" والمبتدأ بعد الفاء مضمر، والتقدير: فهو يعذبه الله، لأنه لو أريد الجواب بالفعل الذي بعد الفاء لكان: إلا من تولى وكفر يعذبه الله. " إن إلينا إيابهم" أي رجوعهم بعد الموت. يقال: آب يؤوب، أي رجع. قال عبيد:
وكل ذي غيبة يؤوب وغائب الموت لايؤوب
وقرأ أبو جعفر(إيابهم) بالتشديد. قال أبو حاتم: لا يجوز التشديد، ولو جاز لجاز مثله في الصيام والقيام. وقيل: هما لغتان بمعنى. الزمخشري: وقرأ أبو جعفر المدني (إيابهم) بالتشديد، ووجهه أن يكون فيعالا: مصدر أيب، قيل من الإياب. أو ان يكون أصله إواباً فعالاً من أوب، ثم قيل: إيواباً في دوان. ثم فعل ما بأصل سيد ونحوه.
يقول تعالى آمراً عباده بالنظر في مخلوقاته الدالة على قدرته وعظمته: " أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت " فإنها خلق عجيب وتركيبها غريب, فإنها في غاية القوة والشدة وهي مع ذلك تلين للحمل الثقيل وتنقاد للقائد الضعيف وتؤكل وينتفع بوبرها ويشرب لبنها, ونبهوا بذلك لأن العرب غالب دوابهم كانت الإبل, وكان شريح القاضي يقول اخرجوا بنا حتى ننظر إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت! أي كيف رفعها الله عز وجل عن الأرض هذا الرفع العظيم, كما قال تعالى: "أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج" "وإلى الجبال كيف نصبت" أي جعلت منصوبة فإنها ثابتة راسية لئلا تميد الأرض بأهلها, وجعل فيها ما جعل من المنافع والمعادن "وإلى الأرض كيف سطحت!" أي كيف بسطت ومدت ومهدت, فنبه البدوي على الاستدلال بما يشاهده من بعيره الذي هو راكب عليه والسماء التي فوق رأسه, والجبل الذي تجاهه والأرض التي تحته على قدرة خالق ذلك وصانعه وأنه الرب العظيم الخالق المالك المتصرف, وأنه الإله الذي لا يستحق العبادة سواه, وهكذا أقسم ضمام في سؤاله على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواه الإمام أحمد حيث قال: حدثنا هاشم بن القاسم , حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس , قال: كنا نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء, فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع.
" فجاء رجل من أهل البادية فقال: يا محمد إنه أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك, قال: صدق قال: فمن خلق السماء ؟ قال: الله قال: فمن خلق الأرض ؟ قال: الله قال: فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل ؟ قال: الله قال: فبالذي خلق السماء والأرض ونصب هذه الجبال آلله أرسلك ؟ قال: نعم قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا ؟ قال: صدق قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا ؟ قال: نعم قال: وزعم رسولك أن علينا زكاة أموالنا ؟ قال : صدق قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا ؟ قال: نعم قال: وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلاً. قال: صدق قال: ثم ولى فقال: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن شيئاً ولا أنقص منهن شيئاً ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن صدق ليدخلن الجنة".
وقد رواه مسلم عن عمرو النقاد عن أبي النضر هاشم بن القاسم به, وعلقه البخاري ورواه الترمذي والنسائي من حديث الليث بن سعد عن سعيد المقبري عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس به بطوله وقال في آخره: وأنبأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر , وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا إسحاق حدثنا عبد الله بن جعفر , حدثني عبد الله بن دينار , عن ابن عمر قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً ما كان يحدث عن امرأة في الجاهلية على رأس جبل معها ابن صغير لها ترعى غنماً, فقال لها ابنها: يا أمه من خلقك ؟ قالت: الله. قال: فمن خلق أبي ؟ قالت: الله. قال: فمن خلقني ؟ قالت: الله, قال: فمن خلق السماء ؟ قالت: الله, قال: فمن خلق الأرض ؟ قالت: الله. قال: فمن خلق الجبل ؟ قالت: الله. قال: فمن خلق هذه الغنم ؟ قالت: الله, قال: فإني لأسمع لله شأناً وألقى نفسه من الجبل فتقطع. قال ابن عمر : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يحدثنا هذا " . قال ابن دينار : كان ابن عمر كثيراً ما يحدثنا بهذا, في إسناده ضعف و عبد الله بن جعفر هذا هو المديني ضعفه ولده الإمام علي بن المديني وغيره.
وقوله تعالى: " فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمصيطر " أي فذكر يا محمد الناس بما أرسلت به إليهم "فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب" ولهذا قال: "لست عليهم بمصيطر" قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما: " وما أنت عليهم بجبار " أي لست تخلق الإيمان في قلوبهم, وقال ابن زيد : لست بالذي تكرههم على الإيمان, قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي الزبير عن جابر , قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل" ثم قرأ: " فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمصيطر " وهكذا رواه مسلم في كتاب الإيمان والترمذي والنسائي في كتاب التفسير من سننيهما من حديث سفيان بن سعيد الثوري به بهذه الزيادة, وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من رواية أبي هريرة بدون ذكر هذه الاية.
وقوله تعالى: "إلا من تولى وكفر" أي تولى عن العمل بأركانه وكفر بالحق بجنانه ولسانه, وهذه كقوله تعالى: " فلا صدق ولا صلى * ولكن كذب وتولى " ولهذا قال: "فيعذبه الله العذاب الأكبر" قال الإمام أحمد : حدثنا قتيبة , حدثنا ليث عن سعيد بن أبي هلال عن علي بن خالد أن أبا أمامة الباهلي مر على خالد بن يزيد بن معاوية , فسأله عن ألين كلمة سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ألا كلكم يدخل الجنة إلا من شرد على الله شراد البعير على أهله", تفرد بإخراجه الإمام أحمد , و علي بن خالد هذا ذكره ابن أبي حاتم عن أبيه ولم يزد على ما ههنا, روى عن أبي أمامة وعنه سعيد بن أبي هلال , وقوله تعالى: "إن إلينا إيابهم" أي: مرجعهم ومنقلبهم "ثم إن علينا حسابهم" أي نحن نحاسبهم على أعمالهم ونجازيهم بها إن خيراً فخير وإن شراً فشر. آخر تفسير سورة الغاشية, ولله الحمد والمنة.
25- " إن إلينا إيابهم " أي رجوعهم بعد الموت، يقال آب يؤوب: إذا رجع، ومنه قول عبيد بن الأبرص:
وكل ذي غيبة يتوب وغائب الموت لا يؤوب
قرأ الجمهور "إيابهم" بالتخفيف، وقرأ أبو جعفر وشيبة بالتشديد. قال أبو حاتم: لا يجوز التشديد ولو جاز لجاز مثله في الصيام والقيام، وقيل هما لغتان بمعنى. قال الواحدي: وأما إيابهم بتشديد الياء فإنه شاذ لم يجزه أحد غير الزجاج.
25- "إن إلينا إيابهم"، رجوعهم بعد الموت، يقال: آب يؤب أوباً وإياباً، وقرأ أبو جعفر: "إيابهم" بتشديد الياء، وهو شاذ لم يجزه أحد غير الزجاج فإنه قال يقال: أيب إياباً، على: فعل فيعالاً.
25-" إن إلينا إيابهم " رجوعهم ، وقرئ بالتشديد على أنه فيعلل مصدر فيعل من الإياب ، أو فعال من الأوب قلبت واوه الأولى قلبها في ديوان ثم الثانية للإدغام .
25. Lo! unto Us is their return
25 - For to Us will be their Return;