[الأعلي : 14] قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى
14 - (قد أفلح) فاز (من تزكى) تطهر بالإيمان
يقول تعالى ذكره : قد نجح وأدرك طلبته من تطهر من الكفر ومعاصي الله ، وعمل بما أمره الله به ، فأدى فرائضه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله " قد أفلح من تزكى " يقول : من تزكى من الشرك .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، قال : ثنا هشام ، عن الحسن ، في قوله " قد أفلح من تزكى " قال : من كان عمله زاكياً .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " قد أفلح من تزكى " قال : يعمل ورعاً .
حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : ثنا حفص بن عمر العدني ، عن الحكم ، عن عكرمة ، في قوله " قد أفلح من تزكى " من قال : لا إله إلا الله .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : قد أفلح من أدى زكاة ماله .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن علي بن الأقمر ، عن أبي الأحوص " قد أفلح من تزكى " قال : من استطاع أن يرضخ فليفعل ، ثم ليقم فليصل .
حدثنا محمد بن عمارة الرازي ، قال : ثنا أبو نعيم ، قال : ثنا سفيان ، عن علي بن الأقمر ، عن أبي الأحوص " قد أفلح من تزكى " قال : من رضخ .
حدثنا محمد بن عمارة ، قال : ثنا عثمان بن سعيد بن مرة ، قال : ثنا زهير ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، قال : إذا أتى أحدكم سائل وهو يريد الصلاة ، فليقدم بين يدي صلاته زكاته ، فإن الله يقول : " قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى " فمن استطاع أن يقدم بين يدي صلاته زكاة فليفعل .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " قد أفلح من تزكى " تزكى رجل من ماله ، وأرضى خالقه .
وقال آخرون : بل عني بذلك زكاة الفطر .
ذكر من قال ذلك :
حدثني عمرو بن عبد الحميد الآملي ، قال : ثنا مروان بن معاوية ، عن أبي خلدة ، قال : دخلت علي أبي العالية ، فقال لي : إذا غدوت غداً إلى العيد فمر بي ، قال : فمررت به ، فقال : هل طعمت شيئاً ؟ قلت : نعم ، قال : أفضت على نفسك من الماء ؟ قلت : نعم ، قال : فأخبرني ما فعلت بزكاتك ؟ قلت : قد وجهتها ، قال : إنما أردتك لهذا ، ثم قرأ " قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى " وقال : إن أهل المدينة لا يرون صدقة أفضل منها ، ومن سقاية الماء .
قوله تعالى: " قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى"
فيه ثلاث مسائل:
الأولى: قوله تعالى: " قد أفلح" أي قد صادف البقاء في الجنة، أي من تطهر من الشرك بإيمان، قاله ابن عباس وعطاء وعكرمة. وقال الحسن والربيع: من كان عمله زاكياً نامياً. وقال معمر عن قتادة: ((تزكى)) قال بعمل صالح. وعنه عن عطاء وأبى العالية: نزلت في صدقة الفطر. وعن ابن سيرين " قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى" قال: خرج فصلى بعد ما أذى. وقال عكرمة: كان الرجل يقول أقدم زكاتي بين يدي صلاتي. فقال سفيان: قال الله تعالى:" قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى" وروي عن أبي سعيد الخدري وابن عمر: أن ذلك في صدقة أفضل منها، ومن سقاية الماء. وروى كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده:
"عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى:" قد أفلح من تزكى" قال:أخرج زكاة الفطر))، " وذكر اسم ربه فصلى" قال: ((صلاة العيد)) " . وقال ابن عباس والضحاك: " وذكر اسم ربه" في طريق المصلى" فصلى" صلاة العيد. وقيل : المراد بالآية زكاة الأموال كلها، قاله أبو الأحوص وعطاء. وروى ابن جريج قال: قلت لعطاء: " قد أفلح من تزكى" للفطر ؟ قال: هي للصدقات كلها. وقيل : هي زكاة الأعمال، لازكاة الأموال، أي تطهر في أعماله من الرياء والتقصير، لأن الأكثر أن يقال في المال: زكى، لا تزكى. وروى جابر بن عبد الله قال:
"قال النبي صلى الله عليه وسلم : " قد أفلح من تزكى" أي من شهد أن لا إله إلا الله، وخلع الأنداد، وشهد أني رسول الله)) ". وعن ابن عباس " تزكى" قال : لا إله إلا الله. وروى عنه عطاء قال: نزلت في عثمان بن عفان رضي الله عنه. قال: كان بالمدينة منافق كانت له نخلة بالمدينة، مائلة في دار رجل من الأنصار، إذا هبت الرياح أسقطت البسر والرطب إلى دار الأنصاري، فيأكل هو وعياله، فخاصمه المنافق، فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل إلى المنافق وهو لا يعلم نفاقه، فقال : ((إن أخاك الأنصاري ذكر أن بسرك ورطبك يقع إلى المنافق وهو لايعلم نفاقه، فقال :
يقول تعالى: "قد أفلح من تزكى" أي طهر نفسه من الأخلاق الرذيلة وتابع ما أنزل الله على الرسول صلوات الله وسلامه عليه "وذكر اسم ربه فصلى" أي أقام الصلاة في أوقاتها ابتغاء رضوان الله وطاعة لأمر الله وامتثالاً لشرع الله. وقد قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا عباد بن أحمد العزرمي , حدثنا عمي محمد بن عبد الرحمن عن أبيه عن عطاء بن السائب , عن عبد الرحمن بن سابط عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قد أفلح من تزكى" قال: "من شهد أن لا إله إلا الله وخلع الأنداد وشهد أني رسول الله" "وذكر اسم ربه فصلى" قال: "هي الصلوات الخمس والمحافظة عليها والاهتمام بها" ثم قال: لا يروى عن جابر إلا من هذا الوجه, وكذا قال ابن عباس : إن المراد بذلك الصلوات الخمس, واختاره ابن جرير .
وقال ابن جرير : حدثني عمرو بن عبد الحميد الاملي , حدثنا مروان بن معاوية عن أبي خلدة قال: دخلت على أبي العالية فقال لي: إذا غدوت غداً إلى العيد فمر بي, قال: فمررت به فقال: هل طعمت شيئاً ؟ قلت: نعم. قال: أفضت على نفسك من الماء ؟ قلت: نعم. قال: فأخبرني ما فعلت زكاتك! قلت: قد وجهتها قال: إنما أردتك لهذا ثم قرأ "قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى" وقال: إن أهل المدينة لا يرون صدقة أفضل منها ومن سقاية الماء (قلت): وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أنه كان يأمر الناس بإخراج صدقة الفطر ويتلو هذه الاية "قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى" وقال أبو الأحوص : إذا أتى أحدكم سائل وهو يريد الصلاة فليقدم بين يدي صلاته فإن الله تعالى يقول: "قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى" وقال قتادة في هذه الاية "قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى" زكى ماله وأرضى خالقه.
ثم قال تعالى: "بل تؤثرون الحياة الدنيا" أي تقدمونها على أمر الاخرة وتبدونها على ما فيه نفعكم وصلاحكم في معاشكم ومعادكم " والآخرة خير وأبقى " أي ثواب الله في الدار الاخرة خير من الدنيا وأبقى, فإن الدنيا دنية فانية والاخرة شريفة باقية, فكيف يؤثر عاقل ما يفنى على ما يبقى ويهتم بما يزول عنه قريباً ويترك الاهتمام بدار البقاء والخلد. قال الإمام أحمد : حدثنا حسين بن محمد , حدثنا ذويد عن أبي إسحاق عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدنيا دار من لا دار له, ومال من لا مال له, ولها يجمع من لا عقل له" وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد , حدثنا يحيى بن واضح , حدثنا أبو حمزة عن عطاء عن عرفجة الثقفي قال استقرأت ابن مسعود " سبح اسم ربك الأعلى * الذي خلق فسوى * والذي قدر فهدى * والذي أخرج المرعى * فجعله غثاء أحوى " إلى قوله " بل تؤثرون الحياة الدنيا " ترك القراءة وأقبل على أصحابه وقال: آثرنا الدنيا على الاخرة, فسكت القوم فقال: آثرنا الدنيا لأنا رأينا زينتها ونساءها وطعامها وشرابها, وزويت عنا الاخرة فاخترنا هذا العاجل وتركنا الاجل, وهذا منه على وجه التواضع والهضم أو هو إخبار عن الجنس من حيث هو والله أعلم.
وقد قال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن داود الهاشمي , حدثنا إسماعيل بن جعفر , أخبرني عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن عبد الله عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أحب دنياه أضر بآخرته, ومن أحب آخرته أضر بدنياه فآثروا ما يبقى على ما يفنى" تفرد به أحمد , وقد رواه أيضاً عن أبي سلمة الخزاعي عن الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو به مثله سواء, وقوله تعالى: "إن هذا لفي الصحف الأولى * صحف إبراهيم وموسى" قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا نصر بن علي , حدثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن عطاء بن السائب عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما نزلت "إن هذا لفي الصحف الأولى * صحف إبراهيم وموسى" قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كان كل هذا ـ أو كان هذا ـ في صحف إبراهيم وموسى" ثم قال: لا نعلم أسند الثقات عن عطاء بن السائب عن عكرمة عن ابن عباس غير هذا, وحديثاً آخر رواه مثل هذا.
وقال النسائي أخبرنا زكريا بن يحيى , أخبرنا نصر بن علي , حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه , عن عطاء بن السائب عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما نزلت "سبح اسم ربك الأعلى" قال: كلها في صحف إبراهيم وموسى, ولما نزلت "وإبراهيم الذي وفى" قال: وفى إبراهيم " ألا تزر وازرة وزر أخرى " يعني أن هذه الاية كقوله تعالى في سورة النجم " أم لم ينبأ بما في صحف موسى * وإبراهيم الذي وفى * ألا تزر وازرة وزر أخرى * وأن ليس للإنسان إلا ما سعى * وأن سعيه سوف يرى * ثم يجزاه الجزاء الأوفى * وأن إلى ربك المنتهى " الايات إلى آخرهن, وهكذا قال عكرمة فيما رواه ابن جرير عن ابن حميد عن مهران عن سفيان الثوري عن أبيه عن عكرمة في قوله تعالى: "إن هذا لفي الصحف الأولى * صحف إبراهيم وموسى" يقول: الايات التي في سبح اسم ربك الأعلى, وقال أبو العالية : قصة هذه السورة في الصحف الأولى, واختار ابن جرير أن المراد بقوله: إن هذا إشارة إلى قوله: " قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى * بل تؤثرون الحياة الدنيا * والآخرة خير وأبقى " ثم قال تعالى: "إن هذا" أي مضمون هذا الكلام "لفي الصحف الأولى * صحف إبراهيم وموسى" وهذا الذي اختاره حسن قوي, وقد روي عن قتادة وابن زيد نحوه, والله أعلم, آخر تفسير سورة سبح, ولله الحمد والمنة وبه التوفيق والعصمة.
14- "قد أفلح من تزكى" أي من تطهر من الشرك فآمن بالله ووحده وعمل بشرائعه. قال عطاء والربيع: من كان عمله زاكياً نامياً. وقال قتادة: تزكى بعمل صالح. قال قتادة: وعطاء وأبو العالية: نزلت في صدقة الفطر. قال عكرمة: كان الرجل يقول: أقدم زكاتي بين يدي صلاتي. وأصل الزكاة في اللغة النماء. وقيل المراد بالآية زكاة الأموال كلها. وقيل المراد بها زكاة الأعمال لا زكاة الأموال، لأن الأكثر أن يقال في الأموال زكى لا تزكى.
14- "قد أفلح من تزكى"، تطهر من الشرك وقال: لا إله إلا الله. هذا قول عطاء وعكرمة، ورواية الوالبي وسعيد بن جبير عن ابن عباس. وقال الحسن: من كان عمله زاكياً.
وقال آخرون: هو صدقة الفطر، روي عن ابي سعيد الخدري في قوله: "قد أفلح من تزكى" قال: أعطى صدقة الفطر.
14-" قد أفلح من تزكى " تطهر من الكفر والمعصية ، أو تكثر من التقوى من الزكاة أو تطهر للصلاة أو أدى الزكاة .
14. He is successful who groweth,
14 - But those will prosper who purify themselves,