[الأعلي : 1] سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى
1 - (سبح اسم ربك) نزه ربك عما لا يليق به واسم زائد (الأعلى) صفة لربك
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله " سبح اسم ربك الأعلى " فقال بعضهم : معناه : عظم ربك الأعلى ، لا رب أعلى منه وأعظم ، وكان بعضهم إذا قرأ ذلك قال : سبحان ربي الأعلى .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عمر أنه كان يقرأ " سبح اسم ربك الأعلى " : سبحان ربي الأعلى " الذي خلق فسوى " قال : وهي قراءة أبي بن كعب كذلك .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن السدي ، عن عبد خير ، قال : سمعت علياً رضي الله عنه قرأ " سبح اسم ربك الأعلى " فقال : سبحان ربي الأعلى .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن أبي إسحاق الهمداني ، أن ابن عباس كان إذا قرأ " سبح اسم ربك الأعلى " يقول : سبحان ربي الأعلى ، وإذا قرأ " لا أقسم بيوم القيامة " [ القيامة : 1 ] فأتى على آخرها " أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى " [ القيامة : 40 ] ، يقول : سبحانك اللهم وبلى .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " سبح اسم ربك الأعلى " ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأها قال : سبحان ربي الأعلى .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن خارجة ، عن داود ، عن زياد بن عبد الله ، قال : سمعت ابن عباس يقرأ في صلاة المغرب " سبح اسم ربك الأعلى " سبحان ربي الأعلى .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : نزه يا محمد اسم ربك الأعلى ، أن تسمي به شيئاً سواه ، ينهاه بذلك أن يفعل ما فعل من ذلك المشركون ، من تسميتهم آلهتهم بعضها اللات ، وبعضها العزى .
وقال غيرهم : يل معنى ذلك : نزه الله عما يقول فيه المشركون كما قال : " ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم " [ الأنعام : 108 ] وقالوا : معنى ذلك : سبح اسم ربك الأعلى ، قالوا : وليس الاسم معني .
وقال آخرون : نزه تسميتك يا محمد ربك الأعلى وذكرك إياه أن تذكره إلا وأنت له خاشع متذلل قالوا : وإنما عني بالاسم : التسمية ، ولكن وضع الاسم مكان المصدر .
وقال آخرون : معنى قوله : " سبح اسم ربك الأعلى " : صل بذكر ربك يا محمد ، يعني بذلك : صل وأنت له ذاكر ، ومنه وجل خائف .
وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب ، قول من قال : معناه : نزه اسم ربك أن تدعو به الآلهة والأوثان ، لما ذكرت من الأخبار ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة أنهم كانوا إذا قرءوا ذلك قالوا سبحان ربي الأعلى ، فبين بذلك أن معناه كان عندهم معلوماً : عظم اسم ربك ، ونزهه .
مكية في قول الجمهور : وقال الضحاك مدنية . وهي تسع عشرة آية .
قوله تعالى:" سبح اسم ربك الأعلى" أن يقول عقبه:" سبحان ربي الأعلى" ، قاله النبي صلى الله عليه وسلم، وقاله جماعة من الصحابة والتابعين، على ما يأتي. و"روى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال:
إن له تعالى ملكاً يقال له حزقيائيل، له ثمانية عشر ألف جناح، ما بين الجناح إلى الجناح مسيرة خمسمائة عام، فخطر له خاطر: هل تقدر أن تبصر العرش جميعه؟ فزاده الله أجنحة مثلها، فكان له ستة وثلاثون ألف جناح، ما بين الجناح إلى الجناح خمسمائة عام. ثم أوحى الله إليه: أيها الملك، أن طر، فطار مقدار عشرين ألف سنة، فلم يبلغ رأس قائمة من قوائم العرش. ثم ضاعف الله له في الأجنحة والقوة، وأمره أن يطير، فطار مقدار ثلاثين ألف سنة أخرى، فلم يصل أيضاً، فأوحة الله إليه، أيها الملك، لوطرت إلى نفخ الصور مع أحنجتك وقوتك لم تبلغ ساق عرشي. فقال الملك: سبحان ربي الأعلى، فأنزل الله تعالى: " سبح اسم ربك الأعلى"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اجعلوها في سجودكم)) " . ذكره الثعلبي في ((كتاب العرائس)) له. وقال ابن عباس والسدي: معنى " سبح اسم ربك الأعلى" أي عظم ربك الأعلى. والاسم صلة قصد بها تعظيم المسمى، كما قال لبيد:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما
وقيل: نزه ربك عن السوء، وعما يقول فيه الملحدون. وذكر الطبري أن المعنى نزه اسم ربك عن أن تسمي به أحداً سواه. وقيل : نزه تسمية ربك وذكرك إياه، أن تذكره إلا وأنت خاشع معظم، ولذكره محترم. وجعلوا الاسم بمعنى التسمية، والأولى أن يكون الاسم هو المسمى. روى نافع عن ابن عمر قال: لا تقل على اسم الله، فإن اسم الله هو الأعلى. وروى أبو صالح عن ابن عباس: صل بأمر ربك الأعلى. قال: وهو أن تقول سبحان ربك الأعلى. وروي عن علي رضي الله عنه، وابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبي موسى وعبدالله بن مسعود رضي الله عنهم: أنهم كانوا إذا افتتحوا قراءة هذه السورة قالوا: سبحان ربي الأعلى، امتثالاً لأمره في ابتدائها. فيختار الاقتداء بهم في قراءتهم، لا أن سبحان ربي الأعلى من القرآن، كما قاله بعض أهل الزيغ. وقيل: إنها في قراءة أبي : ((سبحان ربي الأعلى)). وكان ابن عمر يقرؤها كذلك. وفي الحديث:
"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأها قال:((سبحان ربي الأعلى))."قال أبو بكر الأنباري: حدثني محمد بن شهريار، قال: حدثنا حسين بن الأسود، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد قال: حدثنا عيسى بن عمر، عن أبيه، قال: قرأ علي بن أبي طالب عليه السلام في الصلاة((سبح اسم ربك الأعلى))، ثم قال: سبحان ربي الأعلى، فلما انقضت الصلاة قيل له: يا أمير المؤمنين، أتزيد هذا في القرآن؟ قال: ما هو ؟ قالوا: سبحان ربي الأعلى. قال: لا، إنما أمرنا بشيء فقلته، وعن عقبة بن عامر الجهني قال:
"لما نزلت " سبح اسم ربك الأعلى" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اجعلوها في سجودكم)) " . وهذاكله يدل على أن الاسم هو المسمى، لأنهم لم يقولوا: سبحان اسم ربي الأعلى. وقيل : إن أول من قال(سبحان ربي الأعلى)ميكائيل عليه السلام. و"قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل:
((يا جبريل أخبرني بثواب من قال: سبحان ربي الأعلى في صلاته أو في غير صلاته)). فقال: (( يا محمد، ما من مؤمن ولا مؤمنة يقولها في سجوده أو في غير سجوده، إلا كانت له في ميزانه أثقل من العرش والكرسي وجبال الدنيا، ويقول الله تعالى: صدق عبدي، أنا فوق كل شيء، وليس فوقي شيء، اشهدوا يا ملائكتي أني قد غفرت له، وأدخلته الجنة. فإذا مات زاره ميكائيل كل يوم، فإذا كان يوم القيامة حمله على جناحه، فأوقفه بين يدي الله تعالى، فيقول : يا رب شفعني فيه، فيقول قد شفعتك فيه، فاذهب به إلى الجنة)) " . وقال الحسن: " سبح اسم ربك الأعلى" أي صل لربك الأعلى. وقيل: أي صل بأسماء الله، لا كما يصلي المشركون بالمكاء والتصدية. وقيل : ارفع صوتك بذكر ربك. قال جرير:
قبح الإله وجوه تغلب كما سبح الحجيج وكبروا تكبيرا
تفسير سورة الأعلى
والدليل على ذلك ما رواه البخاري : حدثنا عبدان , أخبرني أبي عن شعبة عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال: أول من قدم علينا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير وابن أم مكتوم , فجعلا يقرئاننا القرآن ثم جاء عمار وبلال وسعد , ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم, فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم به حتى رأيت الولائد والصبيان يقولون: هذا رسول الله قد جاء فما جاء حتى قرأت "سبح اسم ربك الأعلى" في سور مثلها. وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع , حدثنا إسرائيل عن ثوير بن أبي فاختة عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب هذه السورة "سبح اسم ربك الأعلى" تفرد به أحمد . وثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: "هلا صليت بسبح اسم ربك الأعلى, والشمس وضحاها والليل إذا يغشى" وقال الإمام أحمد : حدثنا سفيان عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن حبيب بن سالم عن أبيه عن النعمان بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في العيدين بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية وإن وافق يوم الجمعة قرأهما جميعاً.
هكذا وقع في مسند الإمام أحمد إسناد هذا الحديث, وقد رواه مسلم في صحيحه وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث أبي عوانة وجرير وشعبة , ثلاثتهم عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير به, قال الترمذي : وكذا رواه الثوري ومسعر عن إبراهيم , قال ورواه سفيان بن عيينة عن إبراهيم عن أبيه عن حبيب بن سالم عن أبيه عن النعمان , ولا يعرف لحبيب رواية عن أبيه, وقد رواه ابن ماجه عن محمد بن الصباح عن سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن المنتشر عن أبيه عن حبيب بن سالم عن النعمان به, كما رواه الجماعة فالله أعلم, ولفظ مسلم وأهل السنن: كان يقرأ في العيدين ويوم الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية, وربما اجتمعا في يوم واحد فقرأهما, وقد روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي بن كعب وعبد الله بن عباس وعبد الرحمن بن أبزى وعائشة أم المؤمنين" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الوتر بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون, وقل هو الله أحد " زادت عائشة والمعوذتين. وهكذا روي الحديث من طريق جابر وأبي أمامة صدي بن عجلان وعبد الله بن مسعود وعمران بن حصين, وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم, ولولا خشية الإطالة لأوردنا ما تيسر لنا من أسانيد ذلك ومتونه, ولكن في الإرشاد بهذا الاختصار كفاية والله أعلم.
بسم الله الرحمـن الرحيم
قال الإمام أحمد : حدثنا أبو عبد الرحمن حدثنا موسى يعني ابن أيوب الغافقي , حدثنا عمي إياس بن عامر سمعت عقبة بن عامر الجهني : لما نزلت "فسبح باسم ربك العظيم" قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوها في ركوعكم" فلما نزلت "سبح اسم ربك الأعلى" قال: "اجعلوها في سجودكم" ورواه أبو داود وابن ماجه من حديث ابن المبارك عن موسى بن أيوب به. وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ "سبح اسم ربك الأعلى" قال: "سبحان ربي الأعلى" وهكذا رواه أبو داود عن زهير بن حرب عن وكيع به قال وخولف فيه وكيع رواه أبو وكيع وشعبة عن أبي إسحاق عن سعيد عن ابن عباس موقوفاً. وقال الثوري عن السدي عن عبد خير قال: سمعت علياً قرأ "سبح اسم ربك الأعلى" فقال: سبحان ربي الأعلى.
وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد , حدثنا حكام عن عنبسة عن أبي إسحاق الهمداني أن ابن عباس كان إذا قرأ "سبح اسم ربك الأعلى" يقول: سبحان ربي الأعلى, وإذا قرأ "لا أقسم بيوم القيامة" فأتى على آخرها "أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى" يقول: سبحانك وبلى, وقال قتادة "سبح اسم ربك الأعلى" ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأها قال: سبحان ربي الأعلى, وقوله تعالى: "الذي خلق فسوى" أي خلق الخليقة وسوى كل مخلوق في أحسن الهيئات. وقوله تعالى: "والذي قدر فهدى" قال مجاهد : هدى الإنسان للشقاوة والسعادة وهدى الأنعام لمراتعها وهذه الاية كقوله تعالى إخباراً عن موسى أنه قال لفرعون: "ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى" أي قدر قدراً وهدى الخلائق إليه, كما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء" وقوله تعالى: "والذي أخرج المرعى" أي من جميع صنوف النباتات والزروع "فجعله غثاء أحوى" قال ابن عباس : هشيماً متغيراً, وعن مجاهد وقتادة وابن زيد نحوه.
قال ابن جرير : وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يرى أن ذلك من المؤخر الذي معناه التقديم, وأن معنى الكلام والذي أخرج المرعى, أحوى: أخضر إلى السواد فجعله غثاء بعد ذلك, ثم قال ابن جرير : وهذا وإن كان محتملاً إلا أنه غير صواب لمخالفته أقوال أهل التأويل, وقوله تعالى: "سنقرئك" أي يا محمد "فلا تنسى" وهذا إخبار من الله تعالى ووعد منه له. بأنه سيقرئه قراءة لا ينساها "إلا ما شاء الله" وهذا اختيار ابن جرير . وقال قتادة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينسى شيئاً إلا ما شاء الله: وقيل: المراد بقوله: "فلا تنسى" طلب, وجعل معنى الاستثناء على هذا ما يقع من النسخ أي لا تنسى ما نقرئك إلا ما شاء الله رفعه فلا عليك أن تتركه. وقوله تعالى: "إنه يعلم الجهر وما يخفى" أي يعلم ما يجهر به العباد وما يخفونه من أقوالهم وأفعالهم لا يخفى عليه من ذلك شيء.
وقوله تعالى: "ونيسرك لليسرى" أي نسهل عليك أفعال الخير وأقواله ونشرع لك شرعاً سهلاً سمحاً مستقيماً عدلاً لا اعوجاج فيه ولا حرج ولا عسر. وقوله تعالى: "فذكر إن نفعت الذكرى" أي ذكر حيث تنفع التذكرة, ومن ههنا يؤخذ الأدب في نشر العلم فلا يضعه عند غير أهله كما قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم, وقال: حدث الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله, وقوله تعالى: "سيذكر من يخشى" أي سيتعظ بما تبلغه يا محمد من قلبه يخشى الله ويعلم أنه ملاقيه " ويتجنبها الأشقى * الذي يصلى النار الكبرى * ثم لا يموت فيها ولا يحيا " أي لا يموت فيستريح ولا يحيى حياة تنفعه بل هي مضرة عليه, لأن بسببها يشعر ما يعاقب به من أليم العذاب وأنواع النكال. قال الإمام أحمد : حدثنا ابن أبي عدي عن سليمان يعني التيمي عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما أهل النار الذين هم أهلها لا يموتون ولا يحيون وأما أناس يريد الله بهم الرحمة فيميتهم في النار فيدخل عليهم الشفعاء فيأخذ الرجل أنصاره فينبتهم ـ أو قال ـ ينبتون ـ في نهر الحيا ـ أو قال الحياة ـ أو قال الحيوان ـ أو قال نهر الجنة ـ فينبتون نبات الحبة في حميل السيل" قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما ترون الشجرة تكون خضراء ثم تكون صفراء ثم تكون خضراء ؟ قال: فقال بعضهم: كأن النبي صلى الله عليه وسلم كان بالبادية " .
وقال أحمد أيضاً: حدثنا إسماعيل , حدثنا سعيد بن يزيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن أناس ـ أو كما قال ـ تصيبهم النار بذنوبهم ـ أو قال بخطاياهم ـ فيميتهم إماتة حتى إذا صاروا فحماً أذن في الشفاعة, فجيء بهم ضبائر ضبائر فنبتوا على أنهار الجنة فيقال: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم, فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل" قال: فقال رجل من القوم حينئذ: كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بالبادية, ورواه مسلم من حديث بشر بن المفضل وشعبة كلاهما عن أبي سلمة سعيد بن يزيد به مثله, ورواه أحمد أيضاً عن يزيد عن سعيد بن إياس الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهل النار الذين لا يريد الله إخراجهم لا يموتون فيها ولا يحيون, وإن أهل النار الذين يريد الله إخراجهم يميتهم فيها إماتة حتى يصيروا فحماً, ثم يخرجون ضبائر فيلقون على أنهار الجنة فيرش عليهم من أنهار الجنة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل". وقد قال الله تعالى إخباراً عن أهل النار: "ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون" وقال تعالى: "لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها" إلى غير ذلك من الايات في هذا المعنى.
ويقال سورة سبح: هي تسع عشرة آية
وهي مكية في قول الجمهور. وقال الضحاك: هي مدنية. وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال: نزلت سورة "سبح اسم ربك الأعلى" بمكة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير وعائشة مثله. وأخرج البخاري وغيره عن البراء بن عازب قال: "أول من قدم علينا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير وابن أم مكتوم، فجعلا يقرآننا القرآن، ثم جاء عمار وبلال وسعد، ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين، ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم، فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم به حتى رأيت الولائد والصبيان يقولون: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاء، فما جاء حتى قرأت "سبح اسم ربك الأعلى" في سورة مثلها". وأخرج أحمد والبزار وابن مردويه عن علي قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب هذه السورة: "سبح اسم ربك الأعلى"". أخرجه أحمد ومسلم وأهل السنن عن النعمان بن بشير أن "رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين وفي الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى، و"هل أتاك حديث الغاشية"، وإن وافق يوم جمعة قرأهما جميعاً" وفي لفظ "وربما اجتمعا في يوم واحد فقرأهما" وفي الباب أحاديث. وأخرج مسلم وغيره عن جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يقرأ في الظهر بسبح اسم ربك الأعلى". وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه والدارقطني والحاكم والبيهقي عن أبي بن كعب قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبح اسم ربك الأعلى، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد". وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم وصححه والبيهقي عن عائشة قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر في الركعة الأولى بسبح، وفي الثانية قل يا أيها الكافرون، وفي الثالثة قل هو الله أحد والمعوذتين"، وفي الصحيحين" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: هلا صليت بسبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى".
قوله: 1- "سبح اسم ربك الأعلى" أي نزهه عن كل ما لا يليق به. قال السدي: سبح اسم ربك الأعلى: أي عظمه، قيل والاسم هنا مقحم لقصد التعظيم، كما في قول لبيد:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر
والمعنى: سبح ربك الأعلى. قال ابن جرير: المعنى نزه اسم ربك أن يسمى به أحد سواه، فلا تكون على هذا مقحمة. وقيل المعنى: نزه تسمية ربك وذكرك إياه أن تذكره إلا وأنت خاشع معظم، ولذكره محترم. وقال الحسن: معنى سبح اسم ربك الأعلى: صل له. وقيل المعنى: صل بأسماء الله لا كما يصلي المشركون بالمكاء والتصدية. وقيل المعنى: ارفع صوتك بذكر ربك، ومنه قول جرير:
قبح الإله وجوه تغلب كلما سبح الحجيج وكبروا تكبيراً
والأعلى صفة للرب، وقيل للاسم، والأول أولى.
1- "سبح اسم ربك الأعلى"، يعني: قل سبحان ربي الأعلى. وإلى هذا ذهب جماعة من الصحابة والتابعين.
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي، أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أخبرنا عبد الله بن حامد، أخبرنا أحمد بن عبد الله، حدثنا محمد بن عبد الله، حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان، حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مسلم بن البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ "سبح اسم ربك الأعلى" فقال: سبحان ربي الأعلى".
وقال قوم: معناه نزه ربك الأعلى عما يصفه به الملحدون، وجعلوا الاسم صلة. ويحتج بهذا من يجعل الاسم والمسمى واحداً، لأن أحداً لا يقول: سبحان اسم الله، وسبحان اسم ربنا، إنما يقول: سبحان الله وسبحان ربنا، فكان معنى سبح اسم ربك الأعلى: سبح ربك.
وقال آخرون: نزه تسمية ربك، بأن تذكره وأنت له معظم، ولذكره محترم ولأوامره مطاوع، وجعلوا الاسم بمعنى التسمية.
وقال ابن عباس: سبح اسم ربك الأعلى، أي: صل بأمر ربك الأعلى.
1-" سبح اسم ربك الأعلى " نزه اسمه عن إلحاد فيه بالتأويلات الزائغة وإطلاقه على غيره زاعماً أنهما فيه سواء وذكره الأعلى على وجه التعظيم ،وقرئ سبحان ربي الأعلى . وفي الحديث " لما نزلت " فسبح باسم ربك العظيم " قال عليه الصلاة والسلام اجعلوها في ركوعكم ،فلما نزلت " سبح اسم ربك الأعلى " قال عليه الصلاة والسلام اجعلوها في سجودكم " وكانوا يقولون في الركوع اللهم لك ركعت وفي السجود اللهم لك سجدت .
Surah 87. Al-A'la
1. Praise the name of thy Lord the Most High,
SURA 87: A'LA
1 - Glorify the name of thy Guardian Lord Most High,