[الطارق : 4] إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ
4 - (إن كل نفس لما عليها حافظ) بتخفيف ما فهي مزيدة وإن مخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي إنه واللام فارقة وبتشديدها فإن نافية ولما بمعنى إلا والحافظ من الملائكة يحفظ عملها من خير وشر
وقوله : " إن كل نفس لما عليها حافظ " اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأه من قراء المدينة أبو جعفر ، ومن قراء الكوفة حمزة ، " لما عليها " بتشديد ، وذكر عن الحسن أنه قرأ ذلك كذلك .
حدثني أحمد بن يوسف ، قال : ثنا أبو عبيد ، قال : ثنا حجاج ، عن هارون ، عن الحسن ، أنه كان يقرؤها " إن كل نفس لما عليها حافظ " مشددة ، ويقول : إلا عليها حافظ ، وهكذا كل شيء في القرآن بالتثقيل ، وقرأ ذلك من أهل المدينة نافع ، ومن أهل البصرة أبو عمرو : ( لما ) بالتخفيف ، بمعنى : إن كل نفس لعليها حافظ ، وعلى أن اللام جواب ( إن ) و ( ما ) التي بعدها صلة ، وإذا كان ذلك كذلك لم يكن فيه تشديد .
والقراءة التي لا أختار غيرها في ذلك : التخفيف ، لأن ذلك هو الكلام المعروف من كلام العرب ، وقد أنكر التشديد جماعة من أهل المعرفة بكلام العرب ، أن يكون معروفاً من كلام العرب ، غير أن الفراء كان يقول : لا نعرف جهة التثقيل في ذلك ، ونرى أنها لغة في هذيل ، يجعلون إلا مع إن المخففة لما ، ولا يجاوزون ذلك ، كأنه قال : ما كل نفس إلا عليها حافظ ، فإن كان صحيحاً ما ذكر الفراء ، من أنها لغة هذيل ، فالقراءة بها جائرة صحيحة ، وإن كان الاختيار أيضاً إذا صح ذلك عندنا القراءة الأخرى ، وهي التخفيف ، لأن ذلك هو المعروف من كلام العرب ، ولا ينبغي أن يترك الأعرف إلى الأنكر .
وقد حدثني أحمد بن يوسف ، قال : ثنا أبو عبيد ، قال : ثنا معاذ ، عن ابن عون ، قال : قرأت عند ابن سيرين " إن كل نفس لما عليها حافظ " فأنكره ، وقال سبحان الله ، سبحان الله .
فتأويل الكلام إذن ، إن كل نفس لعليها حافظ من ربها ، يحفظ عملها ، ويحصي عليها ما تكسب من خير أو شر .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( إن كل نفس لما عليها حافظ ) قال : كل نفس عليها حفظة من الملائكة .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( إن كل نفس لما عليها حافظ ) : حفظة يحفظون عملك ورزقك وأجلك إذا توفيته يا ابن آدم قبضت إلى ربك .
قوله تعالى:" إن كل نفس لما عليها حافظ".
قال قتادة: حفظة يحفظون عليك رزقك وعملك وأجلك. وعنه أيضاً قال: قرينه يحفظ عليه عمله، من خير أو شر. وهذا هو جواب القسم. وقيل: الجواب((إنه على رجعه لقادر)) في قول الترمذي، محمد بن علي. و((إن )) مخففة من الثقيلة،و((ما)) مؤكدة، أي إن كل نفس لعليها حافظ. وقيل: المعنى إن كل نفس إلا عليها حافظ: يحفظها من الآفات، حتى يسلمها إلى القدر. قال الفراء: الحافظ من الله، يحفظها حتى يسلمها إلى المقادير، وقاله الكلبي. وقال أبو أمامة:
" قال النبي صلىالله عليه وسلم:((وكل بالمؤمن مائة وستون ملكا يذبون عنه مالم يقدر عليه. من ذلك البصر، سبعة أملاك يذبون عنه، كما يذب عن قصعة العسل الذباب. ولو وكل العبد إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين)) " . وقراءة ابن عامر وعاصم وحمزة ((لما)) بتشديد الميم، أي ما كل نفس إلا عليها حافظ، وهي لغة هذيل. يقول قائلهم: نشدتك لما قمت. الباقون بالتخفيف، على أنها زائدة مؤكدة، كما ذكرنا. ونظير هذه الآية قوله تعالى:" له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله" [ الرعد:11] على ما تقدم. وقيل: الحافظ هو الله سبحانه، فلو لا حفظه لها لم تبق. وقيل: الحافظ عليه عقله، يرشده إلى مصالحه، ويكفه عن مضاره. قلت:العقل وغيره وسائط، والحافظ في الحقيقة هو الله جل وعز، قال الله عز وجل: " فالله خير حافظا" [يوسف:46]، وقال:" قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن" [الأنبياء :42]. وما كان مثله.
يقسم تبارك وتعالى بالسماء وما جعل فيها من الكواكب النيرة ولهذا قال تعالى: " والسماء والطارق " ثم قال: "وما أدراك ما الطارق" ثم فسره بقوله: "النجم الثاقب" قال قتادة وغيره: إنما سمي النجم طارقاً لأنه إنما يرى بالليل ويختفي بالنهار, ويؤيده ما جاء في الحديث الصحيح نهى أن يطرق الرجل أهله طروقاً أي يأتيهم فجأة بالليل, وفي الحديث الاخر المشتمل على الدعاء "إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن". وقوله تعالى: "الثاقب" قال ابن عباس : المضيء وقال السدي : يثقب الشياطين إذا أرسل عليها, وقال عكرمة : هو مضيء ومحرق للشيطان.
وقوله تعالى: "إن كل نفس لما عليها حافظ" أي كل نفس عليها من الله حافظ يحرسها من الافات كما قال تعالى: "له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله". وقوله تعالى: " فلينظر الإنسان مم خلق " تنبيه للإنسان على ضعف أصله الذي خلق منه وإرشاد له إلى الاعتراف بالمعاد, لأن من قدر على البداءة فهو قادر على الإعادة بطريق الأولى كما قال تعالى: "وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه" وقوله تعالى: "خلق من ماء دافق" يعني المني يخرج دفقاً من الرجل والمرأة, فيتولد منهما الولد, بإذن الله عز وجل, ولهذا قال: "يخرج من بين الصلب والترائب" يعني صلب الرجل وترائب المرأة وهو صدرها. وقال شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس "يخرج من بين الصلب والترائب " صلب الرجل وترائب المرأة أصفر رقيق لا يكون الولد إلا منهما, وكذا قال سعيد بن جبير وعكرمة وقتادة والسدي وغيرهم, وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج , حدثنا أبو أسامة عن مسعر , سمعت الحكم ذكر عن ابن عباس "يخرج من بين الصلب والترائب" قال: هذه الترائب, ووضع يده على صدره.
وقال الضحاك وعطية عن ابن عباس : تريبة المرأة موضع القلاده, وكذا قال عكرمة وسعيد بن جبير , وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : الترائب بين ثدييها, وعن مجاهد : الترائب ما بين المنكبين إلى الصدر, وعنه أيضاً: الترائب أسفل من التراقي, وقال سفيان الثوري : فوق الثديين, وعن سعيد بن جبير : الترائب أربعة أضلاع من هذا الجانب الأسفل وعن الضحاك : الترائب بين الثديين والرجلين والعينين, وقال الليث بن سعد عن معمر بن أبي حبيبة المدني أنه بلغه في قول الله عز وجل: "يخرج من بين الصلب والترائب" قال: هو عصارة القلب من هناك يكون الولد, وعن قتادة "يخرج من بين الصلب والترائب" من بين صلبه ونحره.
وقوله تعالى: "إنه على رجعه لقادر" فيه قولان (أحدهما) على رجع هذا الماء الدافق, إلى مقره الذي خرج منه لقادر على ذلك. قاله مجاهد وعكرمة وغيرهما. (والقول الثاني) إنه على رجع هذا الإنسان المخلوق من ماء دافق أي إعادته وبعثه إلى الدار الاخرة لقادر لأن من قدر على البداءة قدر على الإعادة, وقد ذكر الله عز وجل هذا الدليل في القرآن في غير ما موضع, وهذا القول قال به الضحاك واختاره ابن جرير ولهذا قال تعالى: "يوم تبلى السرائر" أي يوم القيامة تبلى فيه السرائر أي تظهر وتبدو ويبقى السر علانية والمكنون مشهوراً, وقد ثبت في الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يرفع لكل غادر لواء عند استه يقال هذه غدرة فلان بن فلان" وقوله تعالى: "فما له" أي الإنسان يوم القيامة "من قوة" أي في نفسه "ولا ناصر" أي من خارج منه أي لا يقدر على أن ينقذ نفسه من عذاب الله ولا يستطيع له أحد ذلك.
4- "إن كل نفس لما عليها حافظ" هذا جواب القسم، وما بينهما اعتراض، وقد تقدم في سورة هود اختلاف القراء في لما، فمن قرأ بتخفيفها كانت إن هنا هي المخففة من الثقيلة فيها ضمير الشأن المقدر، وهو اسمها، واللام هي الفارقة. وما مزيدة: أي إن الشأن كل نفس لعليها حافظ، ومن قرأ بالتشديد فإن نافية، ولما بمعنى إلا: أي ما كل نفس إلا عليها حافظ، وقد قرأ هنا بالتشديد ابن عامر وعاصم وحمزة. وقرأ الباقون بالتخفيف. قيل والحافظ: هم الحفظة من الملائكة هو الله عز وجل، وقيل هو العقل يرشدهم إلى المصالح، ويكفهم عن المفاسد. والأول أولى لقوله: "وإن عليكم لحافظين" وقوله: " ويرسل عليكم حفظة " وقوله: "له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه" والحافظ على الحقيقة هو الله عز وجل كما في قوله: "فالله خير حافظاً" وحفظ الملائكة من حفظه لأنهم بأمره.
4- "إن كل نفس"، جواب القسم، "لما عليها حافظ"، قرأ أبو جعفر، وابن عامر، وعاصم، وحمزة: لما بالتشديد، يعنون: ما كل نفس إلا عليها حافظ، وهي لغة هذيل يجعلون لما بمعنى إلا يقولون: نشدتك الله لما قمت، أي إلا قمت.
وقرأ الآخرون بالتخفيف، جعلوا ما صلة، مجازه: إن كل نفس لعليها حافظ من ربها وتأويل الآية: كل نفس عليها حافظ من ربها يحفظ عملها ويحصي عليها ما تكتسب من خير وشر.
قال ابن عباس: هم الحفظة من الملائكة. قال الكلبي: حافظ من الله يحفظها ويحفظ قولها وفعلها حتى يدفعها ويسلمها إلى المقادير، ثم يخلي عنها.
4-" إن كل نفس لما عليها " أي إن الشان كل نفس لعليها " حافظ " رقيب فإن هي المخففة واللام الفاصلة وما مزيدة .وقرأ ابن عامر و عاصم و حمزة لما على أنها بمعنى الأوان نافية ، والجملة على الوجهين جواب القسم .
4. No human soul but hath a guardian over it.
4 - There is no soul but has a protector over it.