[الانشقاق : 20] فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ
20 - (فما لهم) الكفار (لا يؤمنون) أي مانع لهم عن الإيمان أو أي حجة لهم في تركه مع وجود براهينه
وقوله : " فما لهم لا يؤمنون " يقول تعالى ذكره : فما لهؤلاء المشركين لا يصدقون بتوحيد الله ، ولا يقرون بالبعث بعد الموت ، وقد أقسم لهم ربهم بأنهم راكبون طبقاً عن طبق ، مع ما قد عاينوا من حججه بحقيقة توحيده .
وقد حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " فما لهم لا يؤمنون " : قال : بهذا الحديث ، وبهذا الأمر .
قوله تعالى:" فما لهم لا يؤمنون" يعني أي شيء يمنعهم من الإيمان بعد ما وضحت لهم الآيات وقامت الدلالات. وهذا استفهام إنكار. وقيل: تعجب أي اعجبوا منهم في ترك الإيمان مع هذه الآيات.
روي عن علي وابن عباس وعبادة بن الصامت وأبي هريرة وشداد بن أوس وابن عمر ومحمد بن علي بن الحسين ومكحول وبكر بن عبد الله المزني وبكير بن الأشج ومالك وابن أبي ذئب وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون أنهم قالوا: الشفق الحمرة, وقال عبد الرزاق عن معمر عن ابن خثيم عن ابن لبيبة عن أبي هريرة قال: الشفق البياض, فالشفق هو حمرة الأفق إما قبل طلوع الشمس كما قاله مجاهد وإما بعد غروبها كما هو معروف عند أهل اللغة قال الخليل بن أحمد الشفق الحمرة من غروب الشمس إلى وقت العشاء الاخرة فإذا ذهب قيل غاب الشفق وقال الجوهري : الشفق بقية ضوء الشمس وحمرتها في أول الليل إلى قريب من العتمة, وكذا قال عكرمة الشفق الذي يكون بين المغرب والعشاء.
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "وقت المغرب ما لم يغب الشفق" ففي هذا كله دليل على أن الشفق هو كما قاله الجوهري والخليل . ولكن صح عن مجاهد أنه قال في هذه الاية: "فلا أقسم بالشفق" هو النهار كله وفي رواية عنه أيضاً أنه قال الشفق الشمس رواهما ابن أبي حاتم , وإنما حمله على هذا قرنه بقوله تعالى: "والليل وما وسق" أي جمع كأنه أقسم بالضياء والظلام وقال ابن جرير : أقسم الله بالنهار مدبراً وبالليل مقبلاً. وقال ابن جرير : وقال آخرون: الشفق اسم للحمرة والبياض وقالوا هو من الأضداد. قال ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة : "وما وسق" وما جمع, قال قتادة : وما جمع من نجم ودابة, واستشهد ابن عباس بقول الشاعر:
* مستوسقات لو يجدن سائقاً *
وقد قال عكرمة : "والليل وما وسق" يقول ما ساق من ظلمة إذا كان الليل ذهب كل شيء إلى مأواه, وقوله تعالى: "والقمر إذا اتسق" قال ابن عباس : إذا اجتمع واستوى, وكذا قال عكرمة ومجاهد وسعيد بن جبير ومسروق وأبو صالح والضحاك وابن زيد "والقمر إذا اتسق" إذا استوى. وقال الحسن : إذا اجتمع إذا امتلأ, وقال قتادة إذا استدار ومعنى كلامهم أنه إذا تكامل نوره وأبدر جعله مقابلاً لليل وما وسق, وقوله تعالى: "لتركبن طبقاً عن طبق" قال البخاري : أخبرنا سعيد بن النضر أخبرنا هشيم أخبرنا أبو بشر عن مجاهد قال: قال ابن عباس "لتركبن طبقاً عن طبق" حالاً بعد حال قال هذا نبيكم صلى الله عليه وسلم, هكذا رواه البخاري بهذا اللفظ. وهو محتمل أن يكون ابن عباس أسند هذا التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم كأنه قال سمعت هذا من نبيكم صلى الله عليه وسلم فيكون قوله نبيكم مرفوعاً على الفاعلية من قال, وهو الأظهر, والله أعلم كما قال أنس : لا يأتي عام إلا والذي بعده شر منه سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن جرير : حدثني يعقوب بن إبراهيم حدثنا هشيم أخبرنا أبو بشر عن مجاهد أن ابن عباس كان يقول: "لتركبن طبقاً عن طبق" قال يعني نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول حالاً بعد حال, وهذا لفظه, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : "طبقاً عن طبق" حالاً بعد حال. وكذا قال عكرمة ومرة الطيب ومجاهد والحسن والضحاك ومسروق وأبو صالح ويحتمل أن يكون المراد "لتركبن طبقاً عن طبق" حالاً بعد حال, قال هذا يعني المراد بهذا نبيكم صلى الله عليه وسلم فيكون مرفوعاً على أن هذا, ونبيكم يكونان مبتدأ وخبراً والله أعلم, ولعل هذا قد يكون هو المتبادر إلى كثير من الرواة كما قال أبو داود الطيالسي وغندر حدثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس "لتركبن طبقاً عن طبق" قال: محمد صلى الله عليه وسلم ويؤيد هذا المعنى قراءة عمر وابن مسعود وابن عباس وعامة أهل مكة والكوفة لتركبن بفتح التاء والباء.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو أسامة عن إسماعيل عن الشعبي "لتركبن طبقاً عن طبق" قال: لتركبن يا محمد سماء بعد سماء. وهكذا روي عن ابن مسعود ومسروق وأبي العالية "طبقاً عن طبق" سماء بعد سماء (قلت): يعنون ليلة الإسراء. وقال أبو إسحاق والسدي عن رجل عن ابن عباس "طبقاً عن طبق" منزلاً على منزل, وكذا رواه العوفي عن ابن عباس مثله وزاد ويقال أمراً بعد أمر وحالاً بعد حال, وقال السدي نفسه "لتركبن طبقاً عن طبق" أعمال من قبلكم منزلاً بعد منزل (قلت): كأنه أراد معنى الحديث الصحيح "لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا يا رسول الله: اليهود والنصارى قال فمن ؟ " وهذا محتمل.
وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا هشام بن عمار حدثنا صدقة حدثنا ابن جابر أنه سمع مكحولاً يقول في قول الله "لتركبن طبقاً عن طبق" قال في كل عشرين سنة تحدثون أمراً لم تكونوا عليه, وقال الأعمش حدثنا إبراهيم قال: قال عبد الله : "لتركبن طبقاً عن طبق". قال السماء تتشقق ثم تحمر ثم تكون لوناً بعد لون وقال الثوري عن قيس بن وهب عن مرة عن ابن مسعود : "لتركبن طبقاً عن طبق" قال السماء مرة كالدهان ومرة تنشق, وروى البزار من طريق جابر الجعفي عن الشعبي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود "لتركبن طبقاً عن طبق" يا محمد يعني حالاً بعد حال, ثم قال ورواه جابر عن مجاهد عن ابن عباس وقال سعيد بن جبير "لتركبن طبقاً عن طبق" قال قوم كانوا في الدنيا خسيس أمرهم فارتفعوا في الاخرة, وآخرون كانوا أشرافاً في الدنيا فاتضعوا في الاخرة. وقال عكرمة "طبقاً عن طبق" حالاً بعد حال فطيماً بعد ما كان رضيعاً, وشيخاً بعد ما كان شاباً, وقال الحسن البصري "طبقاً عن طبق" يقول حالاً بعد حال, رخاء بعد شدة, وشدة بعد رخاء, وغنى بعد فقر, وفقراً بعد غنى, وصحة بعد سقم, وسقماً بعد صحة.
وقال ابن أبي حاتم ذكر عن عبد الله بن زاهر حدثني أبي عن عمرو بن شمر عن جابر هو الجعفي عن محمد بن علي عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن ابن آدم لفي غفلة مما خلق له إن الله تعالى إذا أراد خلقه قال للملك اكتب رزقه اكتب أجله اكتب أثره. اكتب شقياً أو سعيداً. ثم يرتفع ذلك الملك ويبعث الله إليه ملكاً آخر فيحفظه حتى يدرك, ثم يرتفع ذلك الملك ثم يوكل الله به ملكين يكتبان حسناته وسيئاته, فإذا حضره الموت ارتفع ذانك الملكان وجاءه ملك الموت فقبض روحه, فإذا دخل قبره رد الروح في جسده ثم ارتفع ملك الموت وجاء ملكا القبر فامتحناه ثم يرتفعان, فإذا قامت الساعة انحط عليه ملك الحسنات وملك السيئات فانتشطا كتاباً معقوداً في عنقه ثم حضرا معه واحداً سائقاً وآخر شهيداً, ثم قال الله تعالى: "لقد كنت في غفلة من هذا"" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لتركبن طبقاً عن طبق" قال: "حالاً بعد حال" ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن قدامكم لأمراً عظيماً لا تقدرونه فاستعينوا بالله العظيم" هذا حديث منكر وإسناده فيه ضعفاء ولكن معناه صحيح, والله سبحانه وتعالى أعلم.
ثم قال ابن جرير بعد ما حكى أقوال الناس في هذه الاية من القراء والمفسرين: والصواب من التأويل قول من قال لتركبن أنت يا محمد حالاً بعد حال وأمراً بعد أمر من الشدائد, والمراد بذلك وإن كان الخطاب موجهاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع الناس وأنهم يلقون من شدائد يوم القيامة وأحواله أهوالاً, وقوله تعالى: " فما لهم لا يؤمنون * وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون " أي فماذا يمنعهم من الإيمان بالله ورسوله واليوم الاخر ومالهم إذا قرئت عليهم آيات الله وكلامه وهو هذا القرآن لا يسجدون إعظاماً وإكراماً واحتراماً ؟ وقوله تعالى: "بل الذين كفروا يكذبون" أي من سجيتهم التكذيب والعناد والمخالفة للحق "والله أعلم بما يوعون" قال مجاهد وقتادة : يكتمون في صدورهم "فبشرهم بعذاب أليم" أي فأخبرهم يا محمد بأن الله عز وجل قد أعد لهم عذاباً أليماً.
وقوله تعالى: "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات" هذا استثناء منقطع يعني لكن الذين آمنوا أي بقلوبهم وعملوا الصالحات أي بجوارحهم "لهم أجر" أي في الدار الاخرة "غير ممنون" قال ابن عباس غير منقوص, وقال مجاهد والضحاك غير محسوب وحاصل قولهما أنه غير مقطوع كما قال تعالى: "عطاء غير مجذوذ" وقال السدي قال بعضهم غير ممنون غير منقوص, وقال بعضهم غير ممنون عليهم, وهذا القول الأخير عن بعضهم قد أنكره غير واحد, فإن الله عز وجل له المنة على أهل الجنة في كل حال وآن ولحظة, وإنما دخلوها بفضله ورحمته لا بأعمالهم فله عليهم المنة دائماً سرمداً والحمد لله وحده أبداً, ولهذا يلهمون تسبيحه وتحميده كما يلهمون النفس, وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين. آخر تفسير سورة الانشقاق. و لله الحمد والمنة وبه التوفيق والعصمة.
20- "فما لهم لا يؤمنون" الاستفهام للإنكار، والفاء لترتيب ما بعدها من الإنكار والتعجيب على ما قبلها من أحوال يوم القيامة أو من غيرها على الاختلاف السابق، والمعنى: أي شيء للكفار لا يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من القرآن مع وجود موجبات الإيمان بذلك.
قوله عز وجل: 20- "فما لهم لا يؤمنون"؟ استفهام إنكار.
20-" فما لهم لا يؤمنون " بيوم القيامة .
20. What aileth them, then, that they believe not
20 - What then is the matter with them, that they believe not?