[الانشقاق : 19] لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ
19 - (لتركبن) أيها الناس أصله تركبونن حذفت نون الرفع لتوالي الأمثال والواو لالتقاء الساكنين (طبقا عن طبق) حالا بعد حال وهو الموت ثم الحياة وما بعدها من أحوال القيامة
وقوله : " لتركبن طبقا عن طبق " اختلفت القراء في قراءته ، فقرأه عمر بن الخطاب وابن مسعود وأصحابه ، وابن عباس وعامة قراء مكة والكوفة ( لتركبن ) بفتح التاء والباء ، واختلف قارئو ذلك كذلك في معناه ، فقال بعضهم : لتركبن يا محمد أنت حالاً بعد حال ، وأمراً بعد أمر من الشدائد .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا أبو بشر ، عن مجاهد ، أن ابن عباس كان يقرأ ( لتركبن طبقاً عن طبق ) يعني نبيكم صلى الله عليه وسلم حالاً بعد حال .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : ثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن رجل حدثه ، عن ابن عباس في ( لتركبن طبقاً عن طبق ) قال : منزلاً بعد منزل .
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله ( لتركبن طبقاً عن طبق ) يقول : حالاً بعد حال .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( لتركبن طبقاً عن طبق ) يعني : منزلاً بعد منزل ، ويقال : أمراً بعد أمر ، وحالاً بعد حال .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي بشر ، قال : سمعت مجاهداً ، عن ابن عباس ( لتركبن طبقاً عن طبق ) قال : محمد صلى الله عليه وسلم .
حدثنا هناد ، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة في قوله ( لتركبن طبقاً عن طبق ) قال : حالاً بعد حال .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا هوذة ، قال : ثنا عوف ، عن الحسن في قوله ( لتركبن طبقاً عن طبق ) قال : حالاً بعد حال .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، قال : سأل حفص الحسن عن قوله ( لتركبن طبقاً عن طبق ) قال : منزلاً عن منزل ، وحالاً بعد حال .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا شريك ، عن موسى بن أبي عائشة ، قال : سألت مرة عن قوله ( لتركبن طبقاً عن طبق ) قال : حالاً بعد حال .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد ( لتركبن طبقاً عن طبق ) قال : حالاً بعد حال .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ( لتركبن طبقاً عن طبق ) قال : حالاً بعد حال .
قال : ثنا وكيع ، عن نصر ، عن عكرمة ، قال : حالاً بعد حال .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله ( لتركبن طبقاً عن طبق ) قال : لتركبن الأمور حالاً بعد حال .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( لتركبن طبقاً عن طبق ) يقول : حالاً بعد حال ، ومنزلاً عن منزل .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( لتركبن طبقاً عن طبق ) منزلاً بعد منزل ، وحالاً بعد حال .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، قال : ثنا عمرو ، عن منصور ، عن مجاهد ( لتركبن طبقاً عن طبق ) قال : أمراً بعد أمر .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله ( لتركبن طبقاً عن طبق ) قال : أمراً بعد أمر .
وقال آخرون ممن قرأ هذه المقالة ، وقرأ هذه القراءة : عني بذلك : لتركبن أنت يا محمد سماءً بعد سماء .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : قال الحسن و أبو العالية ( لتركبن ) يعني محمداً صلى الله عليه وسلم ( طبقاً عن طبق ) السماوات .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن جابر ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ( لتركبن طبقاً عن طبق ) قال : يا محمد سماء عن سماء .
حدثثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن إسماعيل ، عن الشعبي ، قال : سماء بعد سماء .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن إسماعيل ، عن جابر ، عن عامر ، عن علقمة ، عن عبد الله ، قال : سماء فوق سماء .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : لتركبن الآخرة بعد الأولى .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله ( لتركبن طبقاً عن طبق ) الآخرة بعد الأولى .
وقال آخرون ممن قرأ هذه القراءة : إنما عني بذلك أنها تتغير ضروباً من التغيير ، وتشقق بالغمام مرة ، وتحمر أخرى ، فتصير وردة كالدهان ، وتكون أخرى كالمهل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن قيس بن وهب ، عن مرة ، عن ابن مسعود ( لتركبن طبقاً عن طبق ) قال : السماء مرة كالدهان ، ومرة تشقق .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : سمعت أبا الزرقاء الهمداني ، وليس بأبي الزرقاء الذي يحدث في المسح على الجوربين ، قال : سمعت مرة الهمداني ، قال : سمعت عبد الله يقول في هذا الآية : ( لتركبن طبقاً عن طبق ) قال : السماء .
حدثني علي بن سعيد الكندي ، قال : ثنا علي بن غراب ، عن الأعمش ، عن إبراهيم عن عبد الله في قوله ( لتركبن طبقاً عن طبق ) قال : هي السماء تغبر وتحمر وتشقق .
حدثنا أبو السائب ، قال : ثني أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبد الله ، في قوله : ( لتركبن طبقاً عن طبق ) قال : هي السماء تشقق ، ثم تحمر ، ثم تنفطر ، قال : وقال ابن عباس : حالاً بعد حال .
حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، قال : قرأ عبد الله الحرف ( لتركبن طبقاً عن طبق ) قال : السماء حالاً بعد حال ، ومنزلة بعد منزلة .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبد الله ( لتركبن طبقاً عن طبق ) قال : هي السماء .
حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي فروة ، عن مرة ، عن ابن مسعود أنه قرأنها نصباً قال : هي السماء .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبد الله ، قال : هي السماء تغير لوناً بعد لون .
وقرأ ذلك عامة قراء المدينة وبعض الكوفيين : " لتركبن " بالتاء ، وبضم الباء ، على وجه الخطاب للناس كافة ، أنهم يركبون أحوال الشدة حالاً بعد حال ، وقد ذكر بعضهم أنه قرأ ذلك بالياء ، وبضم الباء ، على وجه الخبر عن الناس كافة ، أنهم يفعلون ذلك .
وأولى القراءات في ذلك عندي بالصواب : قراءة من قرأ بالتاء وبفتح الباء ، لأن تأويل أهل التأويل من جميعهم بذلك ورد وإن كان للقراءات الأخر وجوه مفهومة ، وإذا كان الصواب من القراءة في ذلك ما ذكرنا ، فالصواب من التأويل قوله من قال : ( لتركبن ) أنت يا محمد حالاً بعد حال ، وأمراً بعد أمر من الشدائد ، والمراد وإن كان الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم موجهاً ، جميع الناس ، أنهم يلقون من شدائد يوم القيامة وأهواله أحوالاً .
وإنما قلنا : عني بذلك ما ذكرنا ، أن الكلام قبل قوله " لتركبن طبقا عن طبق " جرى بخطاب الجميع ، وكذلك بعده ، فكان أشبه أن يكون ذلك نظير ما قبله وما بعده .
وقوله : " طبقا عن طبق " من قول العرب : وقع فلان في بنات طبق : إذا وقع في أمر شديد .
قوله تعالى:" لتركبن طبقا عن طبق" قرأ أبو عمر وابن مسعود وابن عباس وأبو العالية ومسروق وأبو وائل ومجاهد والنخعي والشعبي وابن كثير وحمزة والكسائي ((لتركبن )) بفتح الباء خطاباً للنبي صلى الله عليه وسلم، أي لتركبن يا محمد حالاً بعد حال، قاله ابن عباس.
الشعبي : لتركبن يا محمد سماء بعد سماء، ودرجة بعد درجة،ورتبة بعد رتبة، في القربة من الله تعالى. ابن مسعود: لتركبن السماء حالاً بعد حال، يعني حالاتها التي وصفها الله تعالى بها من الانشقاق والطي وكونها مرة كالمهل ومرة كالدها. وعن إبراهيم عن عبد الله:((طبقاً عن طبق)) قال : السماء تقلب حالاً بعد حال. من كونك نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم حياً وميتاً وغنياً وفقيراً. فالخطاب للإنسان المذكور في قوله: " يا أيها الإنسان إنك كادح" هو اسم للجنس، ومعناه الناس. وقرأ الباقون ((لتركبن)) بضم الباء، خطاباً للناس ، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم، قال: لأن المعنى بالناس أشبه منه بالنبي صلى الله عليه وسلم، لما ذكر قبل هذه الآية فمن أوتي كتابه بيمينه ومن أوتي كتابه بشماله. أي لتركبن حالاً بعد حال من شدائد القيامة، أو لتركبن سنة من كان قبلكم في التكذيب واختلاق على الأنبياء.
قلت: وكله مراد، وقد جاءت بذلك أحاديث، فروى أبو نعيم الحافظ عن جعفر بن محمد بن علي عن جابر رضي الله عنه، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه يقول: ((إن ابن آدم لفي غفلة عما خلقه الله عز وجل، إن الله لا إله غيره إذا أراد خلقه قال للملك: اكتب رزقه وأثره وأجله، واكتب شقياً أو سعيداً، ثم يرتفع ذلك الملك، ويبعث الله ملكاً آخر فيحفظه حتى يدرك، ثم يبعث الله ملكين يكتبان حسناته وسيئاته، فإذا جاءه الموت ارتفع ذانك الملكان، ثم جاءه ملك الموت عليه السلام فيقبض روحه، فإذا جاءه الموت ارتفع ذانك الملكان، ثم جاءه ملك الموت عليه السلام فيقبض روحه، فإذا أدخل حفرته رد الروح في جسده، ثم يرتفع ملك الموت، ثم جاءه ملكاً القبر فامتحناه، ثم يرتفعان، فإذا قامت الساعة انحط عليه ملك الحسنات وملك السيئات، فأنشطا كتاباً معقوداً في عنقه، ثم حضرا معه، واحد سائق والآخر شهيد)) ثم قال الله عز وجل " لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد" [ ق:22]
" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لتركبن طبقا عن طبق" قال : ((حالاً بعد حال)) ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن قدامكم أمراً عظيماً فاستعينوا بالله العظيم )) " فقد اشتمل هذا الحديث على أحوال تعتري الإنسان، من حين يخلق إلى حين يبعث، وكله شدة بعد شدة، حياة ثم موت، ثم بعث ثم جزاء، وفي كل حال من هذه شدائد." وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
((لتركبن سنن من قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه)) قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال : ((فمن))؟ " خرجه البخاري . وأما أقوال المفسرين، فقال عكرمة: حالاً بعد حال، فطيما بعد رضيع، وشيخاً بعد شباب، قال الشاعر:
كذلك المرء إن ينسأ له أجل يركب على طبق من بعده طبق
وعن مكحول : كل عشرين عاماً تجدون أمراً لم تكونوا عليه: وقال الحسن: أمراً بعد أمر، رخاء بعد شدة، وشدة بعد رخاء، وغنى بعد فقر، وفقراً بعد غنى، وصحة بعد سقم، بعد صحة: سعيد بن جبير: منزلة بعد منزلة، قوم كانوا في الدنيا متضعين فارتفعوا في الآخرة، وقوم كانوا في الدنيا مرتفعين فاتضعوا في الآخرة : وقيل : منزلة عن منزلة، وطبقاً عن طبق، وذلك أن من كان على صلاح دعاه إلى صلاح فوقه، ومن كان على فساد دعاه إلى فساد فوقه، لأن كل شيء يجري إلى شكله. ابن زيد: ولتصيرن من طبق الدنيا إلى طبق الآخرة : وقال ابن عباس: الشدائد والأهوال: الموت، ثم البعث، ثم العرض، والعرب تقول لمن وقع في أمر شديد: وقع في بنات طبق، وإحدى بنات طبق، ومنه قيل للداهية الشديدة: أم طبق، وإحدى بنات طبق: وأصلها من الحيات، إذ يقال للحية أم طبق لتحويلها، والطبق في اللغة: الحال كما وصفناه، قال الأقرع بن حابس التميمي:
إني امرؤ قد حلبت الدهر أشطره وساقني طبق منه إلى طبق
وهذا أدل دليل على حدوث العالم، وإثبات الصانع، قالت الحكماء: من كان اليوم على حالة، وغداً على حالة أخرى فليعلم أن تدبيره إلى سواه، وقيل لأبي بكر الوراق: ما الدليل على أن لهذا العالم صانعاً؟ فقال: تحويل الحالات، وعجز القوة، وضعف الأركان، وقهر النية، ونسخ العزيمة، ويقال: أتانا طبق من الناس وطبق من الجراد: أي جماعة: قول العباس في مدح النبي صلى الله عليه وسلم:
تنقل من صالب إلى رحم إذا مضى عالم بدا طبق
أي قرن من الناس. يكون طباق الأرض أي ملأها. والطبق أيضاً: عظم رقيق يفصل بين الفقارين. ويقال : مضى طبق من الليل، وطبق من النهار: أي معظم منه.والطبق : واحد الأطباق، فهو مشترك. وقرئ ((لتركبن)) بكسر الباء، على خطاب النفس و((ليركبن)) بالياء على ليركبن الإنسان. و((عن طبق)) في محل نصب على أنه صفة لـ ((ـطبقاً)) أي طبقاً مجاوزاً لطبق. أو حال من الضمير في ((لتركبن)) طبقاً مجاوزين لطبق، أو مجاوزاً أو مجاوزة على حسب القراءة.

روي عن علي وابن عباس وعبادة بن الصامت وأبي هريرة وشداد بن أوس وابن عمر ومحمد بن علي بن الحسين ومكحول وبكر بن عبد الله المزني وبكير بن الأشج ومالك وابن أبي ذئب وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون أنهم قالوا: الشفق الحمرة, وقال عبد الرزاق عن معمر عن ابن خثيم عن ابن لبيبة عن أبي هريرة قال: الشفق البياض, فالشفق هو حمرة الأفق إما قبل طلوع الشمس كما قاله مجاهد وإما بعد غروبها كما هو معروف عند أهل اللغة قال الخليل بن أحمد الشفق الحمرة من غروب الشمس إلى وقت العشاء الاخرة فإذا ذهب قيل غاب الشفق وقال الجوهري : الشفق بقية ضوء الشمس وحمرتها في أول الليل إلى قريب من العتمة, وكذا قال عكرمة الشفق الذي يكون بين المغرب والعشاء.
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "وقت المغرب ما لم يغب الشفق" ففي هذا كله دليل على أن الشفق هو كما قاله الجوهري والخليل . ولكن صح عن مجاهد أنه قال في هذه الاية: "فلا أقسم بالشفق" هو النهار كله وفي رواية عنه أيضاً أنه قال الشفق الشمس رواهما ابن أبي حاتم , وإنما حمله على هذا قرنه بقوله تعالى: "والليل وما وسق" أي جمع كأنه أقسم بالضياء والظلام وقال ابن جرير : أقسم الله بالنهار مدبراً وبالليل مقبلاً. وقال ابن جرير : وقال آخرون: الشفق اسم للحمرة والبياض وقالوا هو من الأضداد. قال ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة : "وما وسق" وما جمع, قال قتادة : وما جمع من نجم ودابة, واستشهد ابن عباس بقول الشاعر:
* مستوسقات لو يجدن سائقاً *
وقد قال عكرمة : "والليل وما وسق" يقول ما ساق من ظلمة إذا كان الليل ذهب كل شيء إلى مأواه, وقوله تعالى: "والقمر إذا اتسق" قال ابن عباس : إذا اجتمع واستوى, وكذا قال عكرمة ومجاهد وسعيد بن جبير ومسروق وأبو صالح والضحاك وابن زيد "والقمر إذا اتسق" إذا استوى. وقال الحسن : إذا اجتمع إذا امتلأ, وقال قتادة إذا استدار ومعنى كلامهم أنه إذا تكامل نوره وأبدر جعله مقابلاً لليل وما وسق, وقوله تعالى: "لتركبن طبقاً عن طبق" قال البخاري : أخبرنا سعيد بن النضر أخبرنا هشيم أخبرنا أبو بشر عن مجاهد قال: قال ابن عباس "لتركبن طبقاً عن طبق" حالاً بعد حال قال هذا نبيكم صلى الله عليه وسلم, هكذا رواه البخاري بهذا اللفظ. وهو محتمل أن يكون ابن عباس أسند هذا التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم كأنه قال سمعت هذا من نبيكم صلى الله عليه وسلم فيكون قوله نبيكم مرفوعاً على الفاعلية من قال, وهو الأظهر, والله أعلم كما قال أنس : لا يأتي عام إلا والذي بعده شر منه سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن جرير : حدثني يعقوب بن إبراهيم حدثنا هشيم أخبرنا أبو بشر عن مجاهد أن ابن عباس كان يقول: "لتركبن طبقاً عن طبق" قال يعني نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول حالاً بعد حال, وهذا لفظه, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : "طبقاً عن طبق" حالاً بعد حال. وكذا قال عكرمة ومرة الطيب ومجاهد والحسن والضحاك ومسروق وأبو صالح ويحتمل أن يكون المراد "لتركبن طبقاً عن طبق" حالاً بعد حال, قال هذا يعني المراد بهذا نبيكم صلى الله عليه وسلم فيكون مرفوعاً على أن هذا, ونبيكم يكونان مبتدأ وخبراً والله أعلم, ولعل هذا قد يكون هو المتبادر إلى كثير من الرواة كما قال أبو داود الطيالسي وغندر حدثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس "لتركبن طبقاً عن طبق" قال: محمد صلى الله عليه وسلم ويؤيد هذا المعنى قراءة عمر وابن مسعود وابن عباس وعامة أهل مكة والكوفة لتركبن بفتح التاء والباء.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو أسامة عن إسماعيل عن الشعبي "لتركبن طبقاً عن طبق" قال: لتركبن يا محمد سماء بعد سماء. وهكذا روي عن ابن مسعود ومسروق وأبي العالية "طبقاً عن طبق" سماء بعد سماء (قلت): يعنون ليلة الإسراء. وقال أبو إسحاق والسدي عن رجل عن ابن عباس "طبقاً عن طبق" منزلاً على منزل, وكذا رواه العوفي عن ابن عباس مثله وزاد ويقال أمراً بعد أمر وحالاً بعد حال, وقال السدي نفسه "لتركبن طبقاً عن طبق" أعمال من قبلكم منزلاً بعد منزل (قلت): كأنه أراد معنى الحديث الصحيح "لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا يا رسول الله: اليهود والنصارى قال فمن ؟ " وهذا محتمل.
وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا هشام بن عمار حدثنا صدقة حدثنا ابن جابر أنه سمع مكحولاً يقول في قول الله "لتركبن طبقاً عن طبق" قال في كل عشرين سنة تحدثون أمراً لم تكونوا عليه, وقال الأعمش حدثنا إبراهيم قال: قال عبد الله : "لتركبن طبقاً عن طبق". قال السماء تتشقق ثم تحمر ثم تكون لوناً بعد لون وقال الثوري عن قيس بن وهب عن مرة عن ابن مسعود : "لتركبن طبقاً عن طبق" قال السماء مرة كالدهان ومرة تنشق, وروى البزار من طريق جابر الجعفي عن الشعبي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود "لتركبن طبقاً عن طبق" يا محمد يعني حالاً بعد حال, ثم قال ورواه جابر عن مجاهد عن ابن عباس وقال سعيد بن جبير "لتركبن طبقاً عن طبق" قال قوم كانوا في الدنيا خسيس أمرهم فارتفعوا في الاخرة, وآخرون كانوا أشرافاً في الدنيا فاتضعوا في الاخرة. وقال عكرمة "طبقاً عن طبق" حالاً بعد حال فطيماً بعد ما كان رضيعاً, وشيخاً بعد ما كان شاباً, وقال الحسن البصري "طبقاً عن طبق" يقول حالاً بعد حال, رخاء بعد شدة, وشدة بعد رخاء, وغنى بعد فقر, وفقراً بعد غنى, وصحة بعد سقم, وسقماً بعد صحة.
وقال ابن أبي حاتم ذكر عن عبد الله بن زاهر حدثني أبي عن عمرو بن شمر عن جابر هو الجعفي عن محمد بن علي عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن ابن آدم لفي غفلة مما خلق له إن الله تعالى إذا أراد خلقه قال للملك اكتب رزقه اكتب أجله اكتب أثره. اكتب شقياً أو سعيداً. ثم يرتفع ذلك الملك ويبعث الله إليه ملكاً آخر فيحفظه حتى يدرك, ثم يرتفع ذلك الملك ثم يوكل الله به ملكين يكتبان حسناته وسيئاته, فإذا حضره الموت ارتفع ذانك الملكان وجاءه ملك الموت فقبض روحه, فإذا دخل قبره رد الروح في جسده ثم ارتفع ملك الموت وجاء ملكا القبر فامتحناه ثم يرتفعان, فإذا قامت الساعة انحط عليه ملك الحسنات وملك السيئات فانتشطا كتاباً معقوداً في عنقه ثم حضرا معه واحداً سائقاً وآخر شهيداً, ثم قال الله تعالى: "لقد كنت في غفلة من هذا"" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لتركبن طبقاً عن طبق" قال: "حالاً بعد حال" ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن قدامكم لأمراً عظيماً لا تقدرونه فاستعينوا بالله العظيم" هذا حديث منكر وإسناده فيه ضعفاء ولكن معناه صحيح, والله سبحانه وتعالى أعلم.
ثم قال ابن جرير بعد ما حكى أقوال الناس في هذه الاية من القراء والمفسرين: والصواب من التأويل قول من قال لتركبن أنت يا محمد حالاً بعد حال وأمراً بعد أمر من الشدائد, والمراد بذلك وإن كان الخطاب موجهاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع الناس وأنهم يلقون من شدائد يوم القيامة وأحواله أهوالاً, وقوله تعالى: " فما لهم لا يؤمنون * وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون " أي فماذا يمنعهم من الإيمان بالله ورسوله واليوم الاخر ومالهم إذا قرئت عليهم آيات الله وكلامه وهو هذا القرآن لا يسجدون إعظاماً وإكراماً واحتراماً ؟ وقوله تعالى: "بل الذين كفروا يكذبون" أي من سجيتهم التكذيب والعناد والمخالفة للحق "والله أعلم بما يوعون" قال مجاهد وقتادة : يكتمون في صدورهم "فبشرهم بعذاب أليم" أي فأخبرهم يا محمد بأن الله عز وجل قد أعد لهم عذاباً أليماً.
وقوله تعالى: "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات" هذا استثناء منقطع يعني لكن الذين آمنوا أي بقلوبهم وعملوا الصالحات أي بجوارحهم "لهم أجر" أي في الدار الاخرة "غير ممنون" قال ابن عباس غير منقوص, وقال مجاهد والضحاك غير محسوب وحاصل قولهما أنه غير مقطوع كما قال تعالى: "عطاء غير مجذوذ" وقال السدي قال بعضهم غير ممنون غير منقوص, وقال بعضهم غير ممنون عليهم, وهذا القول الأخير عن بعضهم قد أنكره غير واحد, فإن الله عز وجل له المنة على أهل الجنة في كل حال وآن ولحظة, وإنما دخلوها بفضله ورحمته لا بأعمالهم فله عليهم المنة دائماً سرمداً والحمد لله وحده أبداً, ولهذا يلهمون تسبيحه وتحميده كما يلهمون النفس, وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين. آخر تفسير سورة الانشقاق. و لله الحمد والمنة وبه التوفيق والعصمة.
19- "لتركبن طبقاً عن طبق" هذا جواب القسم. قرأ حمزة والكسائي وابن كثير وأبو عمرو "لتركبن" بفتح الموحدة على أنه خطاب للواحد، وهو النبي صلى الله عليه وسلم، أو لكل من يصلح له، وهي قراءة ابن مسعود وابن عباس وأبي العالية ومسروق وأبي وائل ومجاهد والنخعي والشعبي وسعيد بن جبير وقرأ الباقون بضم الموحدة خطالباً للجمع وهم الناس. قال الشعبي ومجاهد: لتركبن يا محمد سماءً بعد سماء قال الكلبي: يعني تصعد فيها، وهذا على القراءة الأولى، وقيل درجة بعد درجة ورتبة بعد رتبة في القرب من الله ورفعه المنزلة، وقيل المعنى: لتركبن حالاً بعد حال كل حالة منها مطابقة لأختها في الشدة، وقيل المعنى: لتركبن أيها الإنسان حالاً بعد حال من كونك نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم حياً وميتاً وغنياً وفقيراً، فالخطاب للإنسان المذكور في قوله: "يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً" واختار أبو عبيد وأبو الحاتم القراءة الثانية قالا: لأن المعنى بالناس أشبه منه بالنبي صلى الله عليه وسلم. وقرأ عمر ليركبن بالتحتية وضم الموحدة على الإخبار، وروي عنه وعن ابن عباس أنهما قرأ بالغيبة وفتح الموحدة: أي ليركبن الإنسان، وروي عن ابن مسعود وابن عباس أنهم قرأ بكسر حرف المضارعة وهي لغة، وقرئ بفتح حرف المضارعة وكسر الموحدة على أنه خطاب للنفس. وقيل إن معنى الآية: ليركبن القمر أحوالاً من سرار واستهلال، وهو بعيد. قال مقاتل "طبقاً عن طبق" يعني الموت والحياة. وقال عكرمة: رضيع ثم فطيم ثم غلام ثم شاب ثم شيخ. ومحل عن طبق النصب على أنه صفة لطبقاً أي طبقاً مجاوزاً لطبق، أو على الحال من ضمير لتركبن: أي مجاوزين، أو مجاوزاً.
19- "لتركبن"، قرأ أهل مكة وحمزة والكسائي: "لتركبن" بفتح الباء، يعني لتركبن يا محمد "طبقاً عن طبق". قال الشعبي ومجاهد: سماء بعد سماء. قال الكلبي: يعني تصعد فيها. ويجوز أن يكون درجة بعد درجة ورتبة بعد رتبة في القرب من الله تعالى والرفعة.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا سعيد بن النضر، أخبرنا هشيم، أخبرنا أبو البشر عن مجاهد قال قال ابن عباس: ""لتركبن طبقاً عن طبق" حالاً بعد حال، قال هذا نبيكم صلى الله عليه وسلم".
وقيل: أراد به السماء تتغير لوناً بعد لون، فتصير تارة كالدهان وتارة كالمهل، وتنشق بالغمام مرة وتطوى أخرى. وقرأ الآخرون بضم الباء، لأن المعنى بالناس أشبه، لأنه ذكر من قبل: "فأما من أوتي كتابه بيمينه"، وشماله وذكر من بعد: "فما لهم لا يؤمنون"، وأراد: لتركبن حالاً بعد حال، وأمراً بعد أمر في موقف القيامة، يعني: الأحوال تنقلب بهم، فيصيرون في الآخرة على غير الحال التي كانوا عليها في الدنيا. و "عن" بمعنى بعد.
وقال مقاتل: يعني الموت ثم الحياة ثم الموت ثم الحياة.
وقال عطاء: مرة فقيراً ومرة غنياً. وقال عمرو بن دينار عن ابن عباس: يعني الشدائد وأهوال الموت، ثم البعث ثم العرض. وقال عكرمة: حالاً بعد حال، رضيع ثم فطيم ثم غلام ثم شاب ثم شيخ. وقال أبو عبيدة: لتركبن سنن من كان قبلكم وأحوالهم.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا محمد بن عبد العزيز، أخبرنا أبو عمر الصنعاني من اليمن عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لتتعبن سنن من كان قبلكم شبراً شبراً وذراعاً ذراعاً، حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم، قلنا: يا رسول الله آليهود والنصارى؟ قال: فمن؟".
19-" لتركبن طبقاً عن طبق " حالاً بعد حال مطابقة لأختها في الشدة ن وهو لما طابق غيره فقيل للحال المطابقة ، أو مراتب من الشدة بعد المراتب هي الموت ومواطن القيامة وأهوالها ، أو هي وما قبلها من الدواهي على أنه جمع طبقة . وقرأ ابن كثير و حمزة و الكسائي لتركبن بالفتح على خطاب الإنسان باعتبار اللفظ ، أو الرسول عليه الصلاة والسلام على معنى لتركبن حالاً شريفة ومرتبه عالية بعد حال ومرتبه ، أو " طبقاً " من أطباق السماء بعد طبق ليلة المعراج وبالكسر على خطاب النفس ، وبالياء على الغيبة و " عن طبق " صفة لـ" طبقاً " أو حال من الضمير بمعنى مجاوز الـ" طبق " أو مجاوزين له .
19. That ye shall journey on from plane to plane.
19 - Ye shall surely travel from stage to stage.