[الانشقاق : 1] إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ
1 - (إذا السماء انشقت)
يقول تعالى ذكره : إذا السماء تصدعت وتقطعت فكانت أبواباً .
مكية في قول الجميع ، وهي خمس وعشرون آية
قوله تعالى:" إذا السماء انشقت " أي انصدعت، وتفطرت بالغمام، والغمام مثل السحاب الأبيض. وكذا روى أبو صالح عن ابن عباس. وروى عن علي عليه السلام قال: تشق من المجرة. وقال: المجرة باب السماء. وهذا من أشراط الساعة وعلاماتها.
تفسير سورة الانشقاق
قال مالك عن عبد الله بن يزيد عن أبي سلمة أن أبا هريرة قرأ بهم "إذا السماء انشقت" فسجد فيها, فلما انصرف أخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فيها, رواه مسلم والنسائي من طريق مالك به. وقال البخاري : حدثنا أبو النعمان , حدثنا معتمر عن أبيه عن بكر عن أبي رافع قال: صليت مع أبي هريرة العتمة فقرأ "إذا السماء انشقت" فسجد, فقلت له. فقال: سجدت خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم فلا أزال أسجد بها حتى ألقاه, ورواه أيضاً عن مسدد عن معتمر به. ثم رواه عن مسدد عن يزيد بن زريع عن التيمي عن بكر عن أبي رافع فذكره. وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من طرق عن سليمان بن طرخان التيمي به, وقد رواه مسلم وأهل السنن من حديث سفيان بن عيينة , زاد النسائي وسفيان الثوري كلاهما عن أيوب بن موسى عن عطاء بن ميناء عن أبي هريرة , قال: سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في "إذا السماء انشقت" و "اقرأ باسم ربك الذي خلق".
بسم الله الرحمـن الرحيم
يقول تعالى: "إذا السماء انشقت" وذلك يوم القيامة "وأذنت لربها" أي: استمعت لربها وأطاعت أمره فيما أمرها به من الانشقاق وذلك يوم القيامة "وحقت" أي وحق لها أن تطيع أمره لأنه العظيم الذي لا يمانع ولا يغالب بل قد قهر كل شيء وذل له كل شيء, ثم قال: "وإذا الأرض مدت" أي: بسطت وفرشت ووسعت.
قال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى , حدثنا ابن ثور عن معمر عن الزهري , عن علي بن الحسين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان يوم القيامة مد الله الأرض مد الأديم حتى لا يكون لبشر من الناس إلا موضع قدميه فأكون أول من يدعى وجبريل عن يمين الرحمن والله ما رآه قبلها, فأقول يا رب إن هذا أخبرني أنك أرسلته إلي فيقول الله عز وجل صدق ثم أشفع, فأقول: يا رب عبادك عبدوك في أطراف الأرض ـ قال ـ وهو المقام المحمود". وقوله تعالى: "وألقت ما فيها وتخلت" أي ألقت ما في بطنها من الأموات وتخلت منهم, قاله مجاهد وسعيد وقتادة "وأذنت لربها وحقت" كما تقدم.
وقوله: "يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً" أي إنك ساع إلى ربك سعياً وعامل عملاً "فملاقيه" ثم إنك ستلقى ما عملت من خير أوشر. ويشهد لذلك ما رواه أبو داود الطيالسي عن الحسن بن أبي جعفر عن أبي الزبير عن جابر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال جبريل يا محمد عش ما شئت فإنك ميت وأحبب ما شئت فإنك مفارقه, واعمل ما شئت فإنك ملاقيه" ومن الناس من يعيد الضمير على قوله ربك أي فملاق ربك, ومعناه فيجازيك بعملك ويكافئك على سعيك, وعلى هذا فكلا القولين متلازم, قال العوفي عن ابن عباس "يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً" يقول: تعمل عملاً تلقى الله به خيراً كان أو شراً.
وقال قتادة : "يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً" إن كدحك يا ابن آدم لضعيف فمن استطاع أن يكون كدحه في طاعة الله فليفعل ولا قوة إلا بالله ثم قال تعالى: " فأما من أوتي كتابه بيمينه * فسوف يحاسب حسابا يسيرا " أي سهلاً بلا تعسير أي لا يحقق عليه جميع دقائق أعماله فإن من حوسب كذلك هلك لا محالة. وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل, أخبرنا أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نوقش الحساب عذب" قالت فقلت: أفليس قال الله تعالى: "فسوف يحاسب حساباً يسيراً" قال: "ليس ذاك بالحساب ولكن ذلك العرض من نوقش الحساب يوم القيامة عذب" وهكذا رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير من حديث أيوب السختياني به.
وقال ابن جرير : حدثنا ابن وكيع , حدثنا روح بن عبادة , حدثنا أبو عامر الخزاز عن ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا معذباً فقلت: أليس الله يقول " فسوف يحاسب حسابا يسيرا " قال: ذاك العرض إنه من نوقش الحساب عذب" وقال بيده على إصبعه كأن ينكت, وقد رواه أيضاً عن عمرو بن علي عن ابن أبي عدي عن أبي يونس القشيري , عن ابن أبي مليكة عن القاسم عن عائشة فذكر الحديث, أخرجاه من طريق أبي يونس القشيري واسمه حاتم بن أبي صغيرة به. قال ابن جرير : حدثنا نصر بن علي الجهضمي , حدثنا مسلم عن الحريش بن الخريت أخي الزبير عن ابن أبي مليكة عن عائشة , قالت: من نوقش الحساب ـ أو من حوسب ـ عذب. قال: ثم قالت: إنما الحساب اليسير عرض على الله تعالى وهو يراهم. وقال أحمد : حدثنا إسماعيل , حدثنا محمد بن إسحاق , حدثني عبد الواحد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير عن عباد بن عبد الله بن الزبير , عن عائشة , قالت: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بعض صلاته: اللهم حاسبني حساباً يسيرا فلما انصرف قلت يا رسول الله ما الحساب اليسير ؟ قال: أن ينظر في كتابه فيتجاوز له عنه إنه من نوقش الحساب يا عائشة يومئذ هلك" صحيح على شرط مسلم .
وقوله تعالى: "وينقلب إلى أهله مسروراً" أي ويرجع إلى أهله في الجنة: قاله قتادة والضحاك : مسروراً أي فرحاً مغتبطاً بما أعطاه الله عز وجل. وقد روى الطبراني عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إنكم تعملون أعمالاً لا تعرف ويوشك الغائب أن يثوب إلى أهله فمسرور أو مكظوم " , وقوله تعالى: "وأما من أوتي كتابه وراء ظهره" أي بشماله من وراء ظهره تثنى يده إلى ورائه ويعطى كتابه بها كذلك "فسوف يدعو ثبوراً" أي خساراً وهلاكاً "ويصلى سعيراً * إنه كان في أهله مسرورا" أي فرحاً لا يفكر في العواقب ولا يخاف مما أمامه, فأعقبه ذلك الفرح اليسير الحزن الطويل "إنه ظن أن لن يحور" أي كان يعتقد أنه لا يرجع إلى الله ولا يعيده بعد موته, قاله ابن عباس وقتادة وغيرهما, والحور هو الرجوع قال الله: "بلى إن ربه كان به بصيراً" يعني بلى سيعيده الله كما بدأه ويجازيه على أعماله خيرها وشرها فإنه كان به بصيراً أي عليماً خبيراً.
هي ثلاث وعشرون آية، وقيل خمس وعشرون آية
وهي مكية بلا خلاف. وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال: نزلت سورة الانشقاق بمكة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي رافع قال: "صليت مع أبي هريرة العتمة فقرأ "إذا السماء انشقت" فسجد، فقلت له، فقال: سجدت خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه". وأخرج مسلم وأهل السنن وغيرهم عن أبي هريرة قال: "سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في "إذا السماء انشقت" "اقرأ باسم ربك"". وأخرج ابن خزيمة والروياني في مسنده، والضياء المقدسي في المختارة عن بريدة "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر "إذا السماء انشقت" ونحوها".
قوله: 1- "إذا السماء انشقت" هو كقوله: "إذا الشمس كورت" في إضمار الفعل وعدمه. قال الواحدي: قال المفسرون انشقاقها من علامات القيامة، ومعنى انشقاقها: انفطارها بالغمام الأبيض كما في قوله: "ويوم تشقق السماء بالغمام" وقيل تنشق من المجرة، والمجرة باب السماء.
واختلف في جواب إذا، فقال الفراء: إنه أذنت، والواو زائدة، وكذلك ألقت. قال ابن الأنباري: هذا غلط، لأن العرب لا تقحم الواو إلا مع حتى إذا كقوله: " حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها " ومع لما كقوله: " فلما أسلما وتله للجبين * وناديناه " ولا تقحم مع غير هذين. وقيل إن الجواب قوله: "فملاقيه" أي فأنت ملاقيه، وبه قال الأخفش. وقال المبرد: إن في الكلام تقديماً وتأخيراً: أي يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه إذا السماء انشقت. وقال المبرد أيضاً: إن الجواب قوله: "فأما من أوتي كتابه بيمينه" وبه قال الكسائي، والتقدير: إذا السماء انشقت فمن أوتي كتابه بيمينه فحكمه كذا، وقيل هو "يا أيها الإنسان" على إضمار الفاء، وقيل إنه "يا أيها الإنسان" على إضمار القول: أي يقال له يا أيها الإنسان وقيل الجواب محذوف تقديره بعثتم، أو لاقى كل إنسان عمله، وقيل هو ما صرح به في سورة التكوير: أي علمت نفس هذا، على تقدير أن إذا شرطية، وقيل ليست بشرطية وهي منصوبة بفعل محذوف: أي اذكر، أو هي مبتدأ وخبرها إذا الثانية والواو مزيدة وتقديره: وقت انشقاق السماء وقت مد الأرض.
1- "إذا السماء انشقت"، انشقاقها من علامات القيامة.
1-" إذا السماء انشقت " بالغمام كقوله تعالى : " ويوم تشقق السماء بالغمام " وعن علي رضي الله تعالى عنه : تنشق من المجرة .
Surah 84. Al-Inshiqaq
1. When the heaven is split asunder
SURA 84: INSHIQAQ
1 - When the Sky is rent asunder,