[عبس : 3] وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى
3 - (وما يدريك) يعلمك (لعله يزكى) فيه إدغام التاء في الأصل في الزاي أي يتطهر من الذنوب بما يسمع منك
وقوله : " وما يدريك لعله يزكى " يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وما يدريك يا محمد ، لعل هذا الأعمى الذي عبست في وجهه يزكى : يقول : يتطهر من ذنوبه .
وكان ابن زيد يقول في ذلك ما :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " لعله يزكى " يسلم .
ثم أقبل عليه بمواجهة الخطاب تأنيساً له فقال: " وما يدريك" أي يعلمك " لعله" يعني ابن أم مكتوم وزوال ظلمة الجهل عنه. وقيل : الضمير في ((لعله)) للكافر يعني إنك إذا طمعت في أن يتزكى بالإسلام او يذكر، فتقربه الذكرى إلى قبول الحق وما يدريك ان ما طمعت فيه كائن. وقرأ الحسن((آأن جاءه الأعمى)) بالمد على الاستفهام فـ((ـأن)) متعلقة بفعل محذوف دل عليه ((عبس وتولى)) التقدير: آأن جاءه أعرض عنه وتولى؟ فيوقف على هذه القراءة على ((وتولى))، ولا يوقف عليه على قراءة الخبر، وهي قراءة العامة.
السادسة - نظير هذه الآية في العتاب قوله تعال في سورة الأنعام:" ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي" [الأنعام:52] وكذلك قوله في سورة الكهف: " ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا" [الكهف:28] وما كان مثله، والله أعلم
ذكر غير واحد من المفسرين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوماً يخاطب بعض عظماء قريش وقد طمع في إسلامه, فبينما هو يخاطبه ويناجيه إذ أقبل ابن أم مكتوم وكان ممن أسلم قديماً, فجعل يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء ويلح عليه, وود النبي صلى الله عليه وسلم أن لوكف ساعته تلك ليتمكن من مخاطبة ذلك الرجل طمعاً ورغبة في هدايته. وعبس في وجه ابن أم مكتوم وأعرض عنه وأقبل على الاخر فأنزل الله تعالى: " عبس وتولى * أن جاءه الأعمى * وما يدريك لعله يزكى " أي يحصل له زكاة وطهارة في نفسه "أو يذكر فتنفعه الذكرى" أي يحصل له اتعاظ وانزجار عن المحارم " أما من استغنى * فأنت له تصدى " أي أما الغني فأنت تتعرض له لعله يهتدي " وما عليك أن لا يزكى " أي ما أنت بمطالب به إذا لم يحصل له زكاة "وأما من جاءك يسعى * وهو يخشى" أي يقصدك ويؤمك ليهتدي بما تقول له: "فأنت عنه تلهى" أي تتشاغل, ومن ههنا أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن لا يخص بالإنذار أحداً, بل يساوي فيه بين الشريف والضعيف والفقير والغني والسادة والعبيد والرجال والنساء والصغار والكبار, ثم الله تعالى يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة. قال الحافظ أيو يعلى في مسنده : حدثنا محمد بن مهدي , حدثنا عبد الرزاق , أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس رضي الله عنه في قوله تعالى: "عبس وتولى" جاء ابن أم مكتوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يكلم أبي بن خلف فأعرض عنه, فأنزل الله عز وجل "عبس وتولى * أن جاءه الأعمى" فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرمه.
قال قتادة : أخبرني أنس بن مالك قال: رأيته يوم القادسية وعليه درع ومعه راية سوداء يعني ابن أم مكتوم , وقال أبو يعلى وابن جرير : حدثنا سعيد بن يحيى الأموي , حدثني أبي قال: هذا ما عرضنا على هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: أنزلت "عبس وتولى" في ابن أم مكتوم الأعمى, " أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول أرشدني, قالت وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين, قالت: فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ويقبل على الاخر ويقول: أترى بما أقول بأساً ؟ فيقول: لا! ففي هذا أنزلت "عبس وتولى" " وقد روى الترمذي هذا الحديث عن سعيد بن يحيى الأموي بإسناده مثله, ثم قال: وقد رواه بعضهم عن هشام بن عروة عن أبيه قال: أنزلت عبس وتولى في ابن أم مكتوم ولم يذكر فيه عن عائشة . "قلت" كذلك هو في الموطأ.
ثم روى ابن جرير وابن أبي حاتم أيضاً من طريق العوفي عن ابن عباس قوله: " عبس وتولى * أن جاءه الأعمى " قال: " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب, وكان يتصدى لهم كثيراً ويحرص عليهم أن يؤمنوا فأقبل إليه رجل أعمى يقال له عبد الله بن أم مكتوم يمشي وهو يناجيهم, فجعل عبد الله يستقرىء النبي صلى الله عليه وسلم آية من القرآن, وقال: يا رسول الله علمني مما علمك الله, فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبس في وجهه وتولى وكره كلامه, وأقبل على الاخرين فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم نجواه وأخذ ينقلب إلى أهله أمسك الله بعض بصره وخفق برأسه ثم أنزل الله تعالى: "عبس وتولى * أن جاءه الأعمى * وما يدريك لعله يزكى * أو يذكر فتنفعه الذكرى " " .
فلما نزل فيه ما نزل أكرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمه وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما حاجتك ؟ هل تريد من شيء ؟ ـ وإذا ذهب من عنده قال ـ هل لك حاجة في شيء ؟ وذلك لما أنزل الله تعالى: " أما من استغنى * فأنت له تصدى * وما عليك أن لا يزكى " " فيه غربة ونكارة, وقد تكلم في إسناده, وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن منصور الرمادي , حدثنا عبد الله بن صالح , حدثنا الليث , حدثني يونس عن ابن شهاب قال: قال سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم" وهو الأعمى الذي أنزل الله تعالى فيه "عبس وتولى * أن جاءه الأعمى" وكان يؤذن مع بلال, قال سالم : وكان رجلاً ضرير البصر فلم يك يؤذن حتى يقول له الناس حين ينظرون إلى بزوغ الفجر أذن. وهكذا ذكر عروة بن الزبير ومجاهد وأبو مالك وقتادة والضحاك وابن زيد وغير واحد من السلف والخلف أنها نزلت في ابن أم مكتوم , والمشهور أن اسمه عبد الله ويقال عمرو, والله أعلم.
وقوله تعالى: "كلا إنها تذكرة" أي هذه السورة أو الوصية بالمساواة بين الناس في إبلاغ العلم بين شريفهم ووضيعهم وقال قتادة والسدي "كلا إنها تذكرة" يعني القرآن "فمن شاء ذكره" أي فمن شاء ذكر الله تعالى في جميع أموره ويحتمل عود الضمير إلى الوحي لدلالة الكلام عليه.
وقوله تعالى: "في صحف مكرمة * مرفوعة مطهرة" أي هذه السورة أو العظة وكلاهما متلازم بل جميع القرآن في صحف مكرمة أي معظمة موقرة "مرفوعة" أي عالية القدر "مطهرة" أي من الدنس والزيادة والنقص. وقوله تعالى: "بأيدي سفرة" قال ابن عباس ومجاهد والضحاك وابن زيد : هي الملائكة. وقال وهب بن منبه : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم , وقال قتادة : هم القراء. وقال ابن جريج عن ابن عباس : السفرة بالنبطية القراء, وقال ابن جرير : والصحيح أن السفرة الملائكة والسفرة يعني بين الله تعالى وبين خلقه ومنه يقال السفير الذي يسعى بين الناس في الصلح والخير كما قال الشاعر:
وما أدع السفارة بين قوم يوما أمشي بغش إن مشيت
وقال البخاري : سفرة: الملائكة, سفرت أصلحت بينهم وجعلت الملائكة إذا نزلت بوحي الله تعالى وتأديته كالسفير الذي يصلح بين القوم. وقوله تعالى: "كرام بررة" أي خلقهم كريم حسن شريف وأخلاقهم وأفعالهم بارة طاهرة كاملة ومن ههنا ينبغي لحامل القرآن أن يكون في أفعاله وأقواله على السداد والرشاد. قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل , حدثنا هشام عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة, والذي يقرؤه وهو عليه شاق, له أجران" أخرجه الجماعة من طريق قتادة به.
3- "وما يدريك لعله يزكى" التفت سبحانه إلى خطاب نبيه صلى الله عليه وسلم، لأن المشافهة أدخل في العتاب: أي أي شيء يجعلك دارياً بحاله حتى تعرض عنه، وجملة "لعله يزكى" مستأنفة لبيان أن له شأناً ينافي الإعراض عنه: أي لعله يتطهر من الذنوب بالعمل الصالح بسبب ما يتعلمه منك، فالضمير في لعله راجع إلى الأعمى، وقيل هو راجع إلى الكافر: أي وما يدريك أن ما طمعت فيه ممن اشتغلت بالكلام معه عن الأعمى أنه يزكى أو يذكر، والأول أولى. وكلمة الترجي باعتبار من وجه إليه الخطاب للتنبيه على أن الإعراض عنه مع كونه مرجو التزكي مما لا يجوز قرأ الجمهور "أن جاءه الأعمى" على الخبر بدون استفهام، ووجهه ما تقدم. وقرأ الحسن آن جاءه بالمد على الاستفهام، فهو على هذه القراءة متعلق بفعل محذوف دل عليه عبس وتولى، والتقدير: آن جاءه الأعمى تولى وأعرض، ومثل هذه الآية قوله في سورة الأنعام "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي" وكذلك قوله: في سورة الكهف "ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا".
3- "وما يدريك لعله يزكى"، يتطهر من الذنوب بالعمل الصالح وما يتعلمه منك، وقال ابن زيد: يسلم.
3-" وما يدريك لعله يزكى " أي : شيء يجعلك دارياً بحاله لعله يتطهر من الآثام بما يتلقف منك . وفيه إيماء بأن إعراضه كان لتزكية غيره .
3. What could inform thee but that he might grow (in grace)
3 - But what could tell thee but that perchance he might grow (in spiritual understanding)?