[الأنفال : 8] لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ
8 - (ليحق الحق ويبطل) يمحق (الباطل) الكفر (ولو كره المجرمون) المشركون ذلك
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ويريد الله أن يقطع دابر الكافرين، كيما يحق الحق، كيما يعبد الله وحده دون الآلهة والأصنام، ويعم الإسلام، وذلك هو ((تحقيق الحق))، " ويبطل الباطل "، يقول: ويبطل عبادة الآلهة والأوثان والكفر، ولو كره ذلك الذين أجرموا فاكتسبوا المآثم والأوزار من الكفار.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة : " ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون "، هم المشركون.
وقيل: إن " الحق " في هذا الموضع، الله عز وجل.
"ليحق الحق" أي يظهر دين الإسلام ويعزه. "ويبطل الباطل" أي الكفر. وإبطاله إعدامه، كما أن إحقاق الحق إظهاره "بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق" [الأنبياء: 18]. "ولو كره المجرمون".
قال الإمام أبو جعفر الطبري: اختلف المفسرون في السبب الجالب لهذه الكاف في قوله "كما أخرجك ربك", فقال بعضهم شبه به في الصلاح للمؤمنين اتقاؤهم ربهم وإصلاحهم ذات بينهم وطاعتهم لله ورسوله, ثم روي عن عكرمة نحو هذا ومعنى هذا أن الله تعالى يقول كما أنكم لما اختلفتم في المغانم وتشاححتم فيها فانتزعها الله منكم وجعلها إلى قسمه, وقسم رسوله صلى الله عليه وسلم فقسمها على العدل والتسوية, فكان هذا هو المصلحة التامة لكم, وكذلك لما كرهتم الخروج إلى الأعداء من قتال ذات الشوكة, وهم النفير الذين خرجوا لنصر دينهم وإحراز عيرهم, فكان عاقبة كراهتكم للقتال بأن قدره لكم وجمع به بينكم وبين عدوكم على غير ميعاد رشداً وهدى, ونصراً وفتحاً, كما قال تعالى: " كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون " قال ابن جرير وقال آخرون معنى ذلك "كما أخرجك ربك من بيتك بالحق", على كره من فريق من المؤمنين كذلك هم كارهون للقتال فهم يجادلونك فيه بعدما تبين لهم. ثم روي عن مجاهد نحوه أنه قال "كما أخرجك ربك" قال كذلك يجادلونك في الحق, وقال السدي: أنزل الله في خروجه إلى بدر ومجادلتهم إياه, فقال "كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون" لطلب المشركين "يجادلونك في الحق بعد ما تبين" وقال بعضهم يسألونك عن الأنفال مجادلة كما جادلوك يوم بدر فقالوا أخرجتنا للعير ولم تعلمنا قتالاً فنستعد له. قلت: رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما خرج من المدينة طالباً لعير أبي سفيان التي بلغه خبرها أنها صادرة من الشام فيها أموال جزيلة لقريش فاستنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين من خف منهم فخرج في ثلثمائة وبضعة عشر رجلاً, وطلب نحو الساحل من على طريق بدر, وعلم أبو سفيان بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه, فبعث ضمضم بن عمرو نذيراً إلى أهل مكة, فنهضوا في قريب من ألف مقنع ما بين التسعمائة إلى الألف وتيامن أبو سفيان بالعير إلى سيف البحر فنجا وجاء النفير فوردوا ماء بدر, وجمع الله بين المسلمين والكافرين على غير ميعاد لما يريد الله تعالى من إعلاء كلمة المسلمين ونصرهم على عدوهم والتفرقة بين الحق والباطل كما سيأتي بيانه, والغرض أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه خروج النفير أوحى الله إليه يعده إحدى الطائفتين إما العير وإما النفير, ورغب كثير من المسلمين إلى العير لأنه كسب بلا قتال, كما قال تعالى: "وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين" قال الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره حدثنا سليمان بن أحمد الطبراني حدثنا بكر بن سهل, حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا ابن لهيعة, عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران, حدثه أنه سمع أبا أيوب الأنصاري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالمدينة "إني أخبرت عن عير أبي سفيان أنها مقبلة فهل لكم أن نخرج قبل هذه العير لعل الله أن يغنمناها ؟ فقلنا نعم فخرج وخرجنا فلما سرنا يوماً أو يومين, قال لنا ما ترون في قتال القوم فإنهم قد أخبروا بمخرجكم ؟ فقلنا لا والله ما لنا طاقة بقتال العدو ولكنا أردنا العير, ثم قال ما ترون في قتال القوم ؟ فقلنا مثل ذلك فقال المقداد بن عمرو: إذاً لا نقول لك يا رسول الله كما قال قوم موسى لموسى " اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون " قال فتمنينا معشر الأنصار أن لو قلنا كما قال المقداد أحب إلينا من أن يكون لنا مال عظيم, قال فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم "كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون" " وذكر تمام الحديث ورواه ابن أبي حاتم من حديث ابن لهيعة بنحوه, وروى ابن مردويه أيضاً من حديث محمد بن عمرو بن علقمة بن أبي وقاص الليثي, عن أبيه عن جده قال "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر حتى إذا كان بالروحاء خطب الناس فقال كيف ترون ؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله بلغنا أنهم بمكان كذا وكذا, قال: ثم خطب الناس فقال كيف ترون ؟ فقال عمر مثل قول أبي بكر, ثم خطب الناس فقال: كيف ترون ؟ فقال سعد بن معاذ يا رسول الله إيانا تريد ؟ فوالذي أكرمك وأنزل عليك الكتاب ما سلكتها قط ولا لي بها علم, ولئن سرت حتى تأتي برك الغماد من ذي يمن لنسيرن معك, ولا نكون كالذين قالوا لموسى " اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون " ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون, ولعلك أن تكون خرجت لأمر وأحدث الله إليك غيره فانظر الذي أحدث الله إليك فامض له, فصل حبال من شئت, واقطع حبال من شئت, وعاد من شئت, وسالم من شئت, وخذ من أموالنا ما شئت, فنزل القرآن على قول سعد "كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون" "الايات وقال العوفي عن ابن عباس لما شاور النبي صلى الله عليه وسلم في لقاء العدو, وقال له سعد بن عبادة ما قال وذلك يوم بدر أمر الناس أن يتهيئوا للقتال وأمرهم بالشوكة, فكره ذلك أهل الإيمان فأنزل الله " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون * يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون " وقال مجاهد يجادلونك في الحق: في القتال, وقال محمد بن إسحاق "يجادلونك في الحق" أي كراهية للقاء المشركين, وإنكاراً لمسير قريش حين ذكروا لهم, وقال السدي: " يجادلونك في الحق بعد ما تبين " أي بعد ما تبين لهم أنك لا تفعل إلا ما أمرك الله به. قال ابن جرير وقال آخرون عنى بذلك المشركين, حدثنا يونس أنبأنا ابن وهب قال قال ابن زيد في قوله تعالى: " يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون " قال هؤلاء المشركون جادلوه في الحق كأنما يساقون إلى الموت حين يدعون إلى الإسلام وهم ينظرون. قال وليس هذا من صفة الاخرين, هذه صفة مبتدأة لأهل الكفر. ثم قال ابن جرير: ولا معنى لما قاله, لأن الذي قبل قوله "يجادلونك في الحق" خبر عن أهل الإيمان والذي يتلوه خبر عنهم. والصواب قول ابن عباس وابن إسحاق: أنه خبر عن المؤمنين, وهذا الذي نصره ابن جرير هو الحق وهو الذي يدل عليه سياق الكلام, والله أعلم. وقال الإمام أحمد رحمه الله, حدثنا يحيى بن بكير وعبد الرزاق قالا: حدثنا إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغ من بدر: عليك بالعير ليس دونها شيء, فناداه العباس بن عبد المطلب, قال عبد الرزاق وهو أسير في وثاقه إنه لا يصلح لك, قال ولم ؟ قال لأن الله عز وجل إنما وعدك إحدى الطائفتين, وقد أعطاك الله ما وعدك إسناد جيد ولم يخرجه, ومعنى قوله تعالى: "وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم" أي يحبون أن الطائفة التي لا حد لها ولا منعة ولا قتال تكون لهم وهي العير, "ويريد الله أن يحق الحق بكلماته" أي هو يريد أي يجمع بينكم وبين الطائفة التي لها الشوكة والقتال ليظفركم بهم وينصركم عليهم, ويظهر دينه ويرفع كلمة الإسلام ويجعله غالباً على الأديان, وهو أعلم بعواقب الأمور, وهو الذي يدبركم بحسن تدبيره, وإن كان العباد يحبون خلاف ذلك فيما يظهر لهم كقوله تعالى: "كتب عليكم القتال وهو كره لكم. وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم. وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم" وقال محمد بن إسحاق رحمه الله: حدثني محمد بن مسلم الزهري, وعاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر ويزيد بن رومان, عن عروة بن الزبير وغيرهم من علمائنا عن عبد الله بن عباس, كل قد حدثني بعض هذا الحديث فاجتمع حديثهم فيما سقت من حديث بدر قالوا "لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان مقبلاً من الشام ندب المسلمين إليهم, وقال هذه عير قريش فيها أموالهم, فاخرجوا إليها لعل الله أي ينفلكموها فانتدب الناس فخف بعضهم وثقل بعضهم, وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حرباً, وكان أبو سفيان قد استنفر حين دنا من الحجاز يتجسس الأخبار, ويسأل من لقي من الركبان تخوفاً على أمر الناس, حتى أصاب خبراً من بعض الركبان أن محمداً قد استنفر أصحابه لك ولعيرك, فحذر عند ذلك فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري فبعثه إلى أهل مكة وأمره أن يأتي قريشاً فيستنفرهم إلى أموالهم ويخبرهم أن محمداً قد عرض لها في أصحابه, فخرج ضمضم بن عمرو سريعاً إلى مكة, وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه, حتى بلغ وادياً يقال له ذفران, فخرج منه حتى إذا كان ببعضه نزل وأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم, فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وأخبرهم عن قريش, فقام أبو بكر رضي الله عنه فقال, فأحسن. ثم قام عمر رضي الله عنه فقال, فأحسن. ثم قام المقداد بن عمرو فقال يا رسول الله امض لما أمرك الله به, فنحن معك والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: " اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ", ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون, فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد, يعني مدينة الحبشة لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً ودعا له بخير, ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أشيروا علي أيها الناس وإنما يريد الأنصار, وذلك أنهم كانوا عدد الناس, وذلك أنهم حين بايعوه بالعقبة, قالوا: يا رسول الله إنا برآء من زمامك حتى تصل إلى دارنا, فإذا وصلت إلينا فأنت في زمامنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوف أن لا تكون الأنصار ترى عليها نصرته إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه, وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم, فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك قال له سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله ؟ قال: أجل فقال آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة, فامض يا رسول الله لما أمرك الله فو الذي بعثك بالحق إن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك, ما يتخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً, إنا لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء, ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك, فسر بنا على بركة الله, فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد ونشطه ذلك ثم قال سيروا على بركة الله وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين, والله لكأني الان أنظر إلى مصارع القوم" وروى العوفي عن ابن عباس نحو هذا, وكذلك قال السدي وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغير واحد من علماء السلف والخلف, اختصرنا أقوالهم اكتفاء بسياق محمد بن إسحاق.
قوله: 8- "ليحق الحق ويبطل الباطل" هذه الجملة علة لما يريده الله: أي أراد ذلك، أو يريد ذلك ليظهر الحق ويرفعه "ويبطل الباطل" ويضعه، أو اللام متعلقة بمحذوف: أي فعل ذلك ليحق الحق، وقيل: متعلق بيقطع، وليس في هذه الجملة تكرير لما قبلها لأن الأولى لبيان التفاوت فيما بين الإرادتين، وهذه لبيان الحكمة الداعية إلى ذلك، والعلة المقتضية له، والمصلحة المترتبة عليه. وإحقاق الحق إظهاره، وإبطال الباطل إعدامه "بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق" ومفعول "ولو كره المجرمون" محذوف: أي ولو كرهوا أن يحق الحق ويبطل الباطل، والمجرمون هم المشركون من قريش، أو جميع طوائف الكفار.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي أيوب الأنصاري قال: "قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالمدينة، وبلغه أن عير أبي سفيان قد أقبلت فقال: ما ترون فيها لعل الله يغنمناها ويسلمنا. فخرجنا فلما سرنا يوماً أو يومين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتعاد، ففعلنا فإذا نحن ثلاثمائة وثلاثة عشر. فأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بعدتنا، فسر بذلك وحمد الله وقال:عدة أصحاب طالوت. فقال: ما ترون في قتال القوم فإنهم قد أخبروا بمخرجكم، فقلنا: يا رسول الله، لا والله ما لنا طاقة بقتال القوم، إنما خرجنا للعير. ثم قال: ما ترون في قتال القوم؟، فقلنا مثل ذلك، فقال المقداد: لا تقولوا كما قال قوم موسى لموسى: "اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون" فأنزل الله: "كما أخرجك ربك" إلى قوله: "وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم" فلما وعدنا الله إحدى الطائفتين، إما القوم وإما العير، طابت أنفسنا ثم إنا اجتمعنا مع القوم فصففنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أنشدك وعدك، فقال ابن رواحة: يا رسول الله إني أريد أن أشير عليك ورسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من
أن يشير عليه، إن الله أجل وأعظم من أن تنشده وعده. فقال:يا ابن رواحة لأنشدن الله وعده، فإن الله لا يخلف الميعاد، فأخذ قبضة من التراب فرمى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوه القوم فانهزموا، فأنزل الله: "وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى" فقتلنا وأسرنا، فقال عمر: يا رسول الله ما أرى أن يكون لك أسرى فإنما نحن داعون مؤلفون، فقلنا: يا معشر الأنصار إنما يحمل عمر على ما قال حسد لنا، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ فقال: ادعوا لي عمر، فدعى له فقال: إن الله قد أنزل علي "ما كان لنبي أن يكون له أسرى" الآية" وفي إسناده ابن لهيعة، وفيه مقال معروف. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن مردويه عن محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي عن أبيه عن جده قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر حتى إذا كان بالروحاء خطب الناس فقال:كيف ترون؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله بلغنا أنهم كذا وكذا ثم خطب الناس فقال: كيف ترون؟فقال عمر مثل قول أبي بكر، ثم خطب الناس فقال:كيف ترون؟ فقال سعد بن معاذ: يا رسول الله إيانا تريد، فوالذي أكرمك وأنزل عليك الكتاب ما سلكتها قط ولا لي بها علم ولئن سرت حتى تأتي برك الغماد من ذي يمن
لنسيرن معك ولا نكونن كالذين قالوا لموسى: "اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون" ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم متبعون، ولعلك أن تكون خرجت لأمر وأحدث الله إليك غيره، فانظر الذي أحدث الله إليك فامض له، فصل حبال من شئت، واقطع حبال من شئت، وعاد من شئت وسالم من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، فنزل القرآن على قول سعد "كما أخرجك ربك من بيتك بالحق" إلى قوله: "ويقطع دابر الكافرين" وإنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الغنيمة مع أبي سفيان فأحدث الله إليه القتال". وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: "كما أخرجك ربك من بيتك بالحق" قال: كذلك يجادلونك في خروج القتال. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: "كما أخرجك ربك من بيتك بالحق" قال: خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدر "وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون" قال: لطلب المشركين " يجادلونك في الحق بعد ما تبين " أنك لا تصنع إلا ما أمرك الله به. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك في قوله: "وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم" قال: هي عير أبي سفيان ود أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن العير كانت لهم وأن القتال صرف عنهم. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة "ويقطع دابر الكافرين" أي شأفتهم. ووقعة بدر قد اشتملت عليها كتب الحديث والسير والتاريخ مستوفاة فلا نطيل بذكرها.
8 - " ليحق الحق " ، ليثبت الإسلام ، " ويبطل الباطل " ، أي : يفني الكفر " ولو كره المجرمون " ، المشركون ، وكانت وقعة بدر يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة ليلة من شهر رمضان .
8. " ليحق الحق ويبطل الباطل " أي فعل ما فعل وليس بتكرير ، لأن الأول لبيان المراد وما بينه وبين مرادهم من التفاوت , والثاني لبيان الداعي إلى حمل الرسول على اختيار ذات الشوكة ونصرة عليها . "ولو كره المجرمون " ذلك .
8. That He might cause the Truth to triumph and bring vanity to naught, however much the guilty might oppose;
8 - that he might justify truth and prove falsehood false, distasteful though it be to those in guilt.