[الأنفال : 44] وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ
44 - (وإذ يريكموهم) أيها المؤمنون (إذ التقيتم في أعينكم قليلاً) نحو سبعين أو مائة وهم ألف لتُقدِموا عليهم (ويقللكم في أعينهم) ليقدموا ولا يرجعوا عن قتالهم وهذا قبل التحام الحرب فلما التحم أراهم إياكم مثليهم كما في آل عمران (ليقضي الله أمراً كان مفعولاً وإلى الله ترجع الأمور)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: " وإن الله لسميع عليم "، إذ يري الله نبيه في منامه المشركين قليلاً، وإذ يريهم الله المؤمنين إذ لقوهم في أعينهم قليلاً وهم كثير عددهم، ويقلل المؤمنين في أعينهم، ليتركوا الاستعداد لهم، فتهون على المؤمنين شوكتهم، كما:
حدثني ابن بزيع البغدادي قال، حدثنا إسحق بن منصور، عن إسرائيل، عن أبي إسحق ، عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال: لقد قللوا في أعيننا يوم بدر، حتى قلت لرجل إلى جنبي: تراهم سبعين؟ قال: أراهم مئة! قال: فأسرنا رجلاً منهم فقلنا: كم هم؟ قال: ألفاً.
حدثنا أحمد بن إسحق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله، بنحوه.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: " وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا "، قال ابن مسعود: قللوا في أعيننا، حتى قلت لرجل: أتراهم يكونوا مئة؟.
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: قال ناس من المشركين: إن العير قد انصرفت فارجعوا. فقال أبو جهل: الآن إذ برز لكم محمد وأصحابه! فلا ترجعوا حتى تستأصلوهم. وقال: يا قوم لا تقتلوهم بالسلاح، ولكن خذوهم أخذاً، فاربطوهم بالحبال! يقوله من القدرة في نفسه.
وقوله: " ليقضي الله أمرا كان مفعولا "، يقول جل ثناؤه: قللتكم، أيها المؤمنون، في أعين المشركين، وأريتكموهم في أعينكم قليلاً، حتى يقضي الله بينكم ما قضى من قتال بعضهم بعضاً، وإظهاركم، أيها المؤمنون، على أعدائكم من المشركين والظفر بهم، لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى. وذلك أمر كان الله فاعله وبالغاً فيه أمره، كما:
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق : " ليقضي الله أمرا كان مفعولا "، أي: ليؤلف بينهم على الحرب، للنقمة ممن أراد الانتقام منه، والإنعام على من أراد إتمام النعمة عليه من أهل ولايته.
" وإلى الله ترجع الأمور "، يقول جل ثناؤه: مصير الأمور كلها إليه في الآخرة، فيجازي أهلها على قدر استحقاقهم، المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته.
قوله تعالى: "وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا" هذا في اليقظة. ويجوز حمل الأولى على اليقظة أيضاً إذا قلت: المنام موضع النوم، وهو العين، فتكون الأولى على هذا خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهذه للجميع. قال ابن مسعود: قلت لإنسان كان بجانبي يوم بدر: أتراهم سبعين فقال: هم نحو المائة. فأسرنا رجلاً فقلنا: كم كنتم؟ فقال: كنا ألفاً. "ويقللكم في أعينهم" كان هذا في ابتداء القتال حتى قال أبو جهل في ذلك اليوم: إنما هم أكلة جزور، خذوهم أخذاً واربطوهم بالحبال. فلما أخذوا في القتال عظم المسلمون في أعينهم فكثروا، كما قال: "يرونهم مثليهم رأي العين" [آل عمران: 13] حسب ما تقدم في آل عمران بيانه "ليقضي الله أمرا كان مفعولا" تكرر هذا، لأن المعنى في الأول من اللقاء، وفي الثاني من قتل المشركين وإعزاز الدين، وهو إتمام النعمة على المسلمين. "وإلى الله ترجع الأمور" أي مصيرها ومردها إليه.
قال مجاهد: أراهم الله إياه في منامه قليلاً, وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك, فكان تثبيتاً لهم, وكذا قال ابن إسحاق وغير واحد, وحكى ابن جرير عن بعضهم, أنه رآهم بعينه التي ينام بها, وقد روى ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا يوسف بن موسى, حدثنا أبو قتيبة, عن سهل السراج عن الحسن في قوله: "إذ يريكهم الله في منامك قليلاً" قال بعينك, وهذا القول غريب, وقد صرح بالمنام ههنا, فلا حاجة إلى التأويل الذي لا دليل عليه, وقوله: "ولو أراكهم كثيراً لفشلتم" أي لجبنتم عنهم, واختلفتم فيما بينكم, "ولكن الله سلم" أي من ذلك, بأن أراكهم قليلاً "إنه عليم بذات الصدور" أي بما تكنه الضمائر وتنطوي عليه الأحشاء, "يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور" وقوله: "وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً" وهذا أيضاً من لطفه تعالى بهم, إذ أراهم إياهم قليلاً في رأي العين, فيجرؤهم عليهم ويطمعهم فيهم, قال أبو إسحاق السبيعي: عن أبي عبيدة, عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه, قال: لقد قللوا في أعيننا يوم بدر, حتى قلت لرجل إلى جنبي تراهم سبعين ؟ قال: لا بل هم مائة, حتى أخذنا رجلاً منهم فسألناه, فقال: كنا ألفاً, رواه ابن أبي حاتم وابن جرير, وقوله: "ويقللكم في أعينهم" قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا سليمان بن حرب, حدثنا حماد بن زيد, عن الزبير بن الحارث عن عكرمة "وإذ يريكموهم إذ التقيتم" الاية, قال: حضض بعضهم على بعض, إسناد صحيح, وقال محمد بن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير, عن أبيه في قوله تعالى: "ليقضي الله أمراً كان مفعولاً" أي ليلقي بينهم الحرب للنقمة ممن أراد الانتقام منه, والإنعام على من أراد تمام النعمة عليه من أهل ولايته, ومعنى هذا أنه تعالى أغرى كلاً من الفريقين بالاخر, وقلله في عينه ليطمع فيه, وذلك عند المواجهة , فلما التحم القتال وأيد الله المؤمنين بألف من الملائكة مردفين, بقي حزب الكفار يرى حزب الإيمان ضعفيه, كما قال تعالى: "قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار" وهذا هو الجمع بين هاتين الايتين, فإن كلاً منهما حق وصدق, ولله الحمد والمنة .
قوله: 44- "وإذ يريكموهم" الظرف منصوب بمضمر معطوف على الأول: أي واذكروا وقت إراءتكم إياها حال كونهم قليلاً، حتى قال القائل من المسلمين لآخر: أتراهم سبعين؟ قال: هم نحو المائة، وقلل المسلمين في أعين المشركين حتى قال قائلهم: إنما هم أكلة جزور، وكان هذا قبل القتال، فلما شرعوا فيه كثر الله المسلمين في أعين المشركين، كما قال في آل عمران: "يرونهم مثليهم رأي العين"، ووجه تقليل المسلمين في أعين المشركين هو أنهم إذا رأوهم قليلاً أقدموا على القتال غير خائفين، ثم يرونهم كثيراً فيفشلون وتكون الدائرة عليهم، ويحل بهم عذاب الله وسوط عقابه، واللام في "ليقضي الله أمراً كان مفعولاً" متعلقة بمحذوف كما سبق مثله قريباً، وإنما كرره لاختلاف المعلل به "وإلى الله ترجع الأمور" كلها يفعل فيها ما يريد ويقضي في شأنها ما يشاء.
وقد أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: "إذ يريكهم الله في منامك قليلاً" قال: أراه الله إياهم في منامه قليلاً، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك فكان ذلك تثبيتاً لهم. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: " ولو أراكهم كثيرا لفشلتم " يقول: لجبنتم "ولتنازعتم في الأمر" قال: لاختلفتم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "ولكن الله سلم" أي أتم. وأخرج وابن جرير وابن أبي حاتم عنه "ولكن الله سلم" يقول: سلم لهم أمرهم حتى أظهرهم على عدوهم. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن مسعود في قوله: "وإذ يريكموهم" الآية قال: لقد قلوا في أعيننا يوم بدر حتى قلت لرجل إلى جنبي: تراهم سبعين؟ قال: لا بل هم مائة، حتى أخذنا رجلاً منهم فسألناه قال: كنا ألفاً. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة في الآية قال: حضض بعضهم على بعض. قال ابن كثير: إسناده صحيح. وأخرج ابن إسحاق عن عباد بن عبد الله بن الزبير في قوله: "ليقضي الله أمراً كان مفعولاً" أي ليلف بينهم الحرب للنقمة ممن أراد الانتقام منه، والإنعام على من أراد النعمة عليه من أهل ولايته.
44 - " وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً " ، قال مقاتل : وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أن العدو قليل قبل لقاء العدو ، وأخبر أصحابه بما رأى ، فلما التقوا ببدر قلل الله المشركين في أعين المؤمنين .
قال ابن مسعود رضي الله عنه : لقد قللوا في أعيننا حتى قلت لرجل إلى جنبي أتراهم سبعين ؟ قال : أراهم مائة ، فأسرنا رجلاً فقلنا كم كنتم ؟ قال : ألفاً .
" ويقللكم " ، يا معشر المؤمنين " في أعينهم " ، قال السدي : قال ناس من المشركين : إن العير قد انصرفت فارجعوا ، فقال أبو جهل : الآن إذ برز لكم محمد وأصحابه ؟ فلا ترجعوا حتى تستأصلوهم ، إنما محمد وأصحابه أكلة جزور ، فلا تقتلوهم ، واربطوهم بالحبال - يقوله من القدرة التي في نفسه - : قال الكلبي : استقل بعضهم بعضاً ليجترؤا على القتال ، فقلل المشركين في أعين المؤمنين لكي لا يحبنوا ،وقلل المؤمنين في أعين المشركين لكي لا يهربوا ، " ليقضي الله أمراً " من إعلاء الإسلام وإعزاز أهله وإذلال الشرك وأهله . " كان مفعولا " كائنا ً ، " وإلى الله ترجع الأمور " .
44." وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً " الضميران مفعولا يرى و " قليلاً " حال من الثاني ن وإنما قللهم في أعين المسلمين حتى قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه لمن إلى جنبه أتراهم سبعين فقال أراهم مائة ، تثبيتاً لهم وتصديقاً لرؤيا الرسول الله صلى الله عليه وسلم . " ويقللكم في أعينهم " حتى قال أبو جهل ك إن محمداً وأصحابه أكلة جزور ، وقللهم في أعينهم قبل التحام القتال ليجترءوا عليهم ولا يستعدوا لهم ،ثم كثرهم حتى يرونهم مثليهم لتفجأهم الكثرة فتبهتهم وتكسر قلوبهم ، وهذا من عظائم آيات تلك الوقعة فإن البصر وإن كان قد يرى الكثير قليلاً والقليل كثيراً لكن لا على هذا الوجه ولا إلى هذا الحد ، وإنما يتصور ذلك صد الله الأبصار عن إبصار تعض دون بعض مع التساوي في الشروط . " ليقضي الله أمراً كان مفعولاً " كرره لاختلاف الفعل المعلل به ، أو لأن المراد بالأمر ثمة الاكتفاء على الوجه المحكي وهاهنا إعزاز الإسلام وأهله وإذلال الإشراك وحزبه . " وإلى الله ترجع الأمور " .
44. And when He made you (Muslims), when ye met (them), see them with your eyes as few, and lessened you in their eyes, (it was) that Allah might conclude a thing that must be done. Unto Allah all things are brought back.
44 - And remember when ye met, he showed them to you as few in your eyes, and he made you appear as contemptible in their eyes: that God might accomplish a matter already enacted. for to God do all questions go back (for decision).