[الأنفال : 42] إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَـكِن لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ
42 - (إذ) بدل من يوم (أنتم) كائنون (بالعُدوة الدنيا) القربى من المدينة وهي بضم العين وكسرها جانب الوادي (وهم بالعدوة القصوى) البعدى منها (والركب) العير كائنون بمكان (أسفل منكم) مما يلي البحر (ولو تواعدتم) أنتم والنفير للقتال (لاختلفتم في الميعاد ولكن) جمعكم بغير ميعاد (ليقضي الله أمراً كان مفعولا) في علمه وهو نصر الإسلام ومحق الكفر فعل ذلك (ليهلك) يكفر (من هلك عن بينة) أي بعد حجة ظاهرة قامت عليه وهي نصر المؤمنين مع قلتهم على الجيش الكثير (ويحيى) يؤمن (من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أيقنوا، أيها المؤمنون: واعلموا أن قسم الغنيمة على ما بينه لكم ربكم، إن كنتم آمنتم بالله وما أنزل على عبده يوم بدر، إذ فرق بين الحق والباطل من نصر رسوله، " إذ أنتم "، حينئذ، " بالعدوة الدنيا "، يقول: بشفير الوادي الأدنى إلى المدينة، " وهم بالعدوة القصوى "، يقول: وعدوكم من المشركين نزول بشفير الوادي الأقصى إلى مكة، " والركب أسفل منكم "، يقول: والعير فيه أبو سفيان وأصحابه في موضع أسفل منكم إلى ساحل البحر.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة : " إذ أنتم بالعدوة الدنيا "، قال: شفير الوادي الأدنى، وهم بشفير الوادي الأقصى، " والركب أسفل منكم "، قال: أبو سفيان وأصحابه، أسفل منهم.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى " وهما شفير الوادي. كان نبي الله بأعلى الوادي، والمشركون أسفله، " والركب أسفل منكم "، يعني: أبا سفيان، انحدر بالعير على حوزته، حتى قدم بها مكة.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق : " إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى "، من الوادي إلى مكة، " والركب أسفل منكم "، أي: عير أبي سفيان التي خرجتم لتأخذوها وخرجوا ليمنعوها، عن غير ميعاد منكم ولا منهم.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: " والركب أسفل منكم "، قال: أبو سفيان وأصحابه، مقبلون من الشأم تجاراً، لم يشعروا بأصحاب بدر، ولم يشعر محمد صلى الله عليه وسلم بكفار قريش، ولا كفار قريش بمحمد وأصحابه، حتى التقى على ماء بدر من يسقي لهم كلهم. فاقتتلوا، فغلبهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فأسروهم.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ، بنحوه.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ، مثله.
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: ذكر منازل القوم والعير فقال: " إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب "، هو أبو سفيان، " أسفل منكم "، على شاطىء البحر.
واختلفت القرأة في قراءة قوله: " إذ أنتم بالعدوة ".
فقرأ ذلك عامة قرأة المدنيين والكوفيين: " بالعدوة "، بضم العين.
وقرأه بعض المكيين والبصريين: ((بالعدوة))، بكسر العين.
قال أبو جعفر: وهما لغتان مشهورتان بمعنى واحد، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب، ينشد بيت الراعي:
وعينان حمر مآقيهما كما نظر العدوة الجؤذر
بكسر العين من ((العدوة))، وكذلك ينشد بيت أوس بن حجر:
وفارس لو تحل الخيل عدوته ولوا سراعاً، وما هموا بإقبال
القول في تأويل قوله: " ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا ".
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: ولو كان اجتماعكم في الموضع الذي اجتمعتم فيه، أنتم أيها المؤمنون وعدوكم من المشركين، عن ميعاد منكم ومنهم، " لاختلفتم في الميعاد "، لكثرة عدد عدوكم، وقلة عددكم، ولكن الله جمعكم على غير ميعاد بينكم وبينهم، " ليقضي الله أمرا كان مفعولا "، وذلك القضاء من الله، كان نصره أولياءه من المؤمنين بالله ورسوله، وهلاك أعدائه وأعدائهم ببدر بالقتل والأسر، كما:
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق : " ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد "، ولو كان ذلك عن ميعاد منكم ومنهم، ثم بلغكم كثرة عددهم وقلة عددكم، ما لقيتموهم، " ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا "، أي: ليقضي الله ما أراد بقدرته، من إعزاز الإسلام وأهله، وإذلال الشرك وأهله، عن غير ملأ منكم، ففعل ما أراد من ذلك بلطفه.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، أخبرني يونس، عن ابن شهاب قال، أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك: أن عبد الله بن كعب قال: سمعت كعب بن مالك يقول في غزوة بدر: إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يريدون عير قريش، حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد.
حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن ابن عون، عن عمير بن إسحق قال: أقبل أبو سفيان في الركب من الشأم، وخرج أبو جهل ليمنعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فالتقوا ببدر، ولا يشعر هؤلاء بهؤلاء، ولا هؤلاء بهؤلاء، حتى التقت السقاة. قال: ونهد الناس بعضهم لبعض.
القول في تأويل قوله: " ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم ".
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولكن الله جمعهم هنالك، ليقضي أمراً كان مفعولاً، " ليهلك من هلك عن بينة ".
وهذه اللام في قوله: " ليهلك " مكررة على ((اللام)) في قوله: " ليقضي "، كأنه قال: ولكن ليهلك من هلك عن بينة، جمعكم.
ويعني بقوله: " ليهلك من هلك عن بينة "، ليموت من مات من خلقه، عن حجة لله قد أثبتت له وقطعت عذره، وعبرة قد عاينها ورآها، " ويحيا من حي عن بينة "، يقول: وليعيش من عاش منهم عن حجة لله قد أثبتت له وظهرت لعينه فعلمها، جمعنا بينكم وبين عدوكم هنالك.
وقال ابن إسحق في ذلك بما:
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة عن ابن إسحق : " ليهلك من هلك عن بينة "، أي ليكفر من كفر بعد الحجة، لما رأى من الآية والعبرة، ويؤمن من آمن على مثل ذلك.
وأما قوله: " وإن الله لسميع عليم "، فإن معناه: " وإن الله "، أيها المؤمنون، " لسميع "، لقولكم وقول غيركم،حين يرى الله نبيه في منامه ويريكم، عدوكم في أعينكم قليلاً وهم كثير، ويراكم عدوكم في في أعينهم قليلاً، " عليم "، بما تضمره نفوسكم، وتنطوي عليه قلوبكم، حينئذ وفي كل حال.
يقول جل ثناؤه لهم ولعباده: فاتقوا ربكم، أيها الناس، في منطقكم: أن تنطقوا بغير حق، وفي قلوبكم: أن تعتقدوا فيها غير الرشد، فإن الله لا يخفى عليه خافية من ظاهر أو باطن.
قوله تعالى: "إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى" أي أنزلنا إذ أنتم على هذه الصفة. أو يكون المعنى: واذكروا إذ أنتم. والعدوة: جانب الوادي. وقرئ بضم العين وكسرها، فعلى لاضم يكون الجمع عدى، وعلى الكسر عدى، مثل لحية ولحىً، وفرية وفرىً. والدنيا: تأنيث الأدنى. والقصوى: تأنيث الأقصى. من دنا يدنو، وقصا يقصو. ويقال: القصيا. والأصل الواو، وهي لغة أهل الحجاز قصوى. فالدنيا كانت مما يلي المدينة، والقصوى مما يلي مكة. أي إذ أنت نزول بشفير الوادي بالجانب الأدنى إلى المدينة، وعدوكم بالجانب الأقصى. "والركب أسفل منكم" يعني ركب أبي سفيان وغيره. كانوا في موضع أسفل منهم إلى ساحل البحر في الأمتعة. وقيل: هي الإبل التي كانت تحمل أمتعتهم، وكانت في موضع يأمنون عليها توفيقاً من الله عز وجل لهم، فذكرهم نعمه عليهم. الركب ابتداء أسفل منكم ظرف في موضع الخبر. أي مكاناً أسفل منكم. وأجاز الأخفش والكسائي والفراء والركب أسفل منكم أي أشد تسفلاً منكم. والركب جمع راكب. ولا تقول العرب: ركب إلا للجماعة الراكبي الإبل. وحكى ابن السكيت وأكثر أهل اللغة أنه لا يقال راكب وركب إلا للذي على الإبل، ولا يقال لمن كان على فرس أو غيرها راكب. والركب والأركب والركبان والراكبون لا يكونون إلا على جمال، عن ابن فارس. "ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد" أي لم يكن يقع الاتفاق لكثرتهم وقلتكم، فإنكم لو عرفتم كثرتهم لتأخرتم فوفق الله عز وجل لكم. "ليقضي الله أمرا كان مفعولا" من نصر المؤمنين وإظهار الدين. واللام في ليقضي متعلقة بمحذوف. والمعنى: جمعهم ليقضي الله، ثم كررها فقال: "ليهلك" أي جمعهم هنالك ليقضي أمراً. "ليهلك من هلك" من في موضع رفع. ويحيا في موضع نصب عطف على ليهلك والبينة إقامة الحجة والبرهان. أي ليموت من يموت عن بينة رآها وعبرة عاينها. فقامت عليه الحجة. وكذلك حياة من يحيا. وقال ابن إسحاق: ليكفر من كفر بعد حجة قامت عليه وقطعت عذره، ويؤمن من آمن على ذلك. وقرئ من حيي ببائين على الأصل. وبياء واحدة مشددة، الأولى قراءة أهل المدينة والبزي وأبي بكر. والثانية قراءة الباقين. وهي اختيار أبي عبيد، لأنها كذلك وقعت في المصحف.
يقول تعالى مخبراً عن يوم الفرقان "إذ أنتم بالعدوة الدنيا" أي إذ أنتم نزول بعدوة الوادي الدنيا القريبة إلى المدينة, "وهم" أي المشركون نزول "بالعدوة القصوى" أي البعيدة من المدينة إلى ناحية مكة, "والركب" أي العير الذي فيه أبو سفيان بما معه من التجارة, "أسفل منكم" أي مما يلي سيف البحر, "ولو تواعدتم" أي أنتم والمشركون إلى مكان "لاختلفتم في الميعاد", قال محمد بن إسحاق: وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير, عن أبيه, في هذه الاية, قال: ولو كان ذلك عن ميعاد منكم ومنهم, ثم بلغكم كثرة عددهم وقلة عددكم, ما لقيتموهم "ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً" أي ليقضي الله ما أراد بقدرته من إعزاز الإسلام وأهله, وإذلال الشرك وأهله, من غير ملأ منكم, ففعل ما أراد من ذلك بلطفه, وفي حديث كعب بن مالك قال: إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون, يريدون عير قريش, حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد, وقال ابن جرير: حدثني يعقوب حدثني ابن علية, عن ابن عون عن عمير بن إسحاق, قال: أقبل أبو سفيان في الركب من الشام, وخرج أبو جهل ليمنعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه, فالتقوا ببدر, ولا يشعر هؤلاء بهؤلاء, ولاهؤلاء بهؤلاء, حتى التقى السقاة, ونهد الناس بعضهم لبعض, وقال محمد بن إسحاق في السيرة: ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجهه ذلك, حتى إذا كان قريباً من الصفراء, بعث بسبس بن عمرو وعدي بن أبي الزغباء الجهنيين, يلتمسان الخبر عن أبي سفيان, فانطلقا حتى إذا وردا بدراً, فأناخا بعيريهما إلى تل من البطحاء, فاستقيا في شن لهما من الماء, فسمعا جاريتين تختصمان, تقول إحداهما لصاحبتها اقضيني حقي, وتقول الأخرى إنما تأتي العير غداً أو بعد غد فأقضيك حقك, فخلص بينهما مجدي بن عمرو, وقال صدقت, فسمع بذلك بسبس وعدي, فجلسا على بعيريهما حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأخبراه الخبر, وأقبل أبو سفيان حين وليا وقد حذر, فتقدم أمام عيره, وقال لمجدي بن عمرو هل أحسست على هذا الماء من أحد تنكره ؟ فقال: لا والله, إلا أني قد رأيت راكبين أناخا إلى هذا التل فاستقيا من شن لهما ثم انطلقا, فجاء أبو سفيان إلى مناخ بعيريهما, فأخذ من أبعارهما ففته فإذا فيه النوى, فقال هذه والله علائف يثرب, ثم رجع سريعاً فضرب وجه عيره فانطلق بها فساحل, حتى إذا رأى أنه قد أحرز عيره إلى قريش فقال: إن الله قد نجى عيركم وأموالكم ورجالكم فارجعوا, فقال أبو جهل: والله لا نرجع حتى نأتي بدراً ـ وكانت بدر سوقاً من أسواق العرب ـ فنقيم بها ثلاثاً فنطعم بها الطعام, وننحر بها الجزر, ونسقى بها الخمر, وتعزف علينا القيان, وتسمع بنا العرب وبمسيرنا, فلا يزالون يهابوننا بعدها أبداً. فقال الأخنس بن شريق: يا معشر بني زهرة, إن الله قد أنجى أموالكم ونجى صاحبكم فارجعوا فرجعت بنو زهرة, فلم يشهدوها, ولا بنو عدي, قال محمد بن إسحاق: وحدثني يزيد بن رومان, عن عروة بن الزبير قال: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دنا من بدر, علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص والزبير بن العوام في نفر من أصحابه يتجسسون له الخبر, فأصابوا سقاة لقريش غلاماً لبني سعيد بن العاص, وغلاماً لبني الحجاج, فأتوا بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم, فوجدوه يصلي فجعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونهما لمن أنتما ؟ فيقولان: نحن سقاة لقريش, بعثونا نسقيهم من الماء, فكره القوم خبرهما, ورجوا أن يكونا لأبي سفيان فضربوهما, فلما أزلقوهما قالا: نحن لأبي سفيان فتركوهما, وركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد سجدتين ثم سلم, وقال "إذا صدقاكم ضربتموهما, وإذا كذباكم تركتموهما, صدقا والله إنهما لقريش, أخبراني عن قريش" قالا هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى, والكثيب: العقنقل, فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم "كم القوم ؟" قالا: كثير. قال: "ما عدتهم ؟" قالا ما ندري. قال "كم ينحرون كل يوم ؟" قالا: يوماً تسعا ويوماً عشراً, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "القوم ما بين التسعمائة إلى الألف" ثم قال لهما: "فمن فيهم من أشراف قريش ؟" قالا: عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو البختري بن هشام وحكيم بن حزام ونوفل بن خويلد والحارث بن عامر بن نوفل, وطعيمة بن عدي بن نوفل والنضر بن الحارث, وزمعة بن الأسود وأبو جهل بن هشام وأمية بن خلف ونبيه ومنبه ابنا الحجاج, وسهيل بن عمرو وعمرو بن عبد ود, فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال: "هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها", قال محمد بن إسحاق رحمه الله تعالى: وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم, أن سعد بن معاذ قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لما التقى الناس يوم بدر يا رسول الله, ألا نبني لك عريشا تكون فيه, وننيخ إليك ركائبك, ونلقى عدونا, فإن أظفرنا الله عليهم وأعزنا فذاك ما نحب, وإن تكن الأخرى, فتجلس على ركائبك وتلحق بمن وراءنا من قومنا, فقد والله تخلف عنك أقوام ما نحن بأشد لك حباً منهم, لو علموا أنك تلقى حرباً ما تخلفوا عنك, ويوازرونك وينصرونك. فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً, ودعا له به فبني له عريش, فكان فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ما معهما غيرهما. قال ابن إسحاق: وارتحلت قريش حين أصبحت, فلما أقبلت ورآها رسول الله صلى الله عليه وسلم تصوب من العقنقل, وهو الكثيب, الذي جاءوا منه إلى الوادي, فقال: "اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك اللهم أحنهم الغداة" وقوله: " ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة ", قال محمد بن إسحاق: أي ليكفر من كفر بعد الحجة لما رأى من الاية والعبرة, ويؤمن من آمن على مثل ذلك, وهذا تفسير جيد. وبسط ذلك أنه تعالى يقول: إنما جمعكم مع عدوكم في مكان واحد, على غير ميعاد, لينصركم عليهم ويرفع كلمة الحق على الباطل, ليصير الأمر ظاهراً والحجة قاطعة والبراهين ساطعة, ولا يبقى لأحد حجة, ولا شبهة, فحينئذ يهلك من هلك أي يستمر في الكفر من استمر فيه, على بصيرة من أمره, إنه مبطل لقيام الحجة عليه, " ويحيا من حي " أي يؤمن من آمن "عن بينة" أي حجة وبصيرة, والإيمان هو حياة القلوب, قال الله تعالى: "أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس" وقالت عائشة في قصة الإفك فهلك في من هلك, أي قال فيها ما قال من البهتان والإفك. وقوله: "وإن الله لسميع" أي لدعائكم وتضرعكم واستغاثتكم به, "عليم" أي بكم, وأنكم تستحقون النصر على أعدائكم الكفرة المعاندين.
قوله: 42- "إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى" قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب بكسر العين في العدوة في الموضعين، وقرأ الباقون بالضم فيها، و إذ بدل من يوم الفرقان، ويجوز أن يكون العامل محذوفاً: أي واذكروا إذ أنتم. والعدوة: جانب الوادي، والدنيا: تأنيث الأدنى: والقصوى: تأنيث الأقصى، من دنا يدنو، وقصا يقصو، ويقال: القصيا، والأصل الواو، وهي لغة أهل الحجاز، والعدوة الدنيا كانت مما يلي المدينة، والقصوى كانت مما يلي مكة. والمعنى: وقت نزولكم بالجانب الأدنى من الوادي إلى جهة المدينة، وعدوكم بالجانب الأقصى منه مما يلي مكة. وجملة "والركب أسفل منكم" في محل نصب على الحال، وانتصاب "أسفل" على الظرف، ومحله الرفع على الخبرية: أي والحال أن الركب في مكان أسفل من المكان الذي أنتم فيه. وأجاز الأخفش والكسائي والفراء رفع أسفل على معنى أشد سفلاً منكم والركب: جمع راكب، ولا تقول العرب ركب إلا للجماعة الراكبي الإبل، ولا يقال لمن كان على فرس وغيرها ركب، وكذا قال ابن فارس، وحكاه ابن السكيت عن أكثر أهل اللغة. والمراد بالركب هاهنا ركب أبي سفيان، وهي المراد بالعير، فإنهم كانوا في موضل أسفل منهم مما يلي ساحل البحر. قيل: وفائدة ذكر هذه الحالة التي كانوا عليها من كونهم بالعدوة الدنيا وعدوهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منهم الدلالة على قوة شأن العدو وشوكته، وذلك لأن العدوة القصوى التي أناخ بها المشركون كان فيها الماء، وكانت أرضاً لا يابس بها، وأما العدوة الدنيا فكانت رخوة تسوخ فيها الأقدام ولا ماء بها، وكانت العير وراء ظهر العدو مع كثرة عددهم، فامتن الله على المسلمين بنصرتهم عليهم والحال هذه. قوله: "ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد" أي لو تواعدتم أنتم والمشركون من أهل مكة على أن تلتقوا في هذا الموضع للقتال لخالف بعضكم بعضاً، فثبطكم قلتكم وكثرتهم عن الوفاء بالموعد وثبطهم ما في قلوبهم من المهابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم "ولكن" جمع الله بينكم في هذا الموطن "ليقضي الله أمراً كان مفعولاً" أي حقيقاً بأن يفعل من نصر أوليائه وخذلان أعدائه وإعزاز دينه وإذلال الكفر. فأخرج المسلمين لأخذ العير وغنيمتها عند أنفسهم. وأخرج الكافرين للمدافعة عنها، ولم يكن في حساب الطائفتين أن يقع هذا الاتفاق على هذه الصفة، واللام في ليقضي متعلقة بمحذوف، والتقدير: جمعهم ليقضي. وجملة " ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي " بدل من الجملة التي قبلها: أي ليموت من
يموت عن بينة ويعيش عن بينة لئلا يبقى لأحد على الله حجة، وقيل: الهلاك والحياة مستعاران للكفر والإسلام: أي ليصدر إسلام من أسلم عن وضوح بينة ويقين بأنه دين الحق، ويصدر كفر من كفر عن وضوح بينة لا عن مخالجة شبهة. قرأ نافع وخلف وسهل ويعقوب والبزي وأبو بكر " من حي " بياءين على الأصل. وقرأ الباقون بياء واحدة على الإدغام، وهي اختيار أبي عبيد لأنها كذلك وقعت في المصحف "وإن الله لسميع عليم" أي سميع بكفر الكافرين عليم به، وسميع بإيمان المؤمنين عليم به.
وقد أخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال: ثم وضع مقاسم الفيء، فقال: "واعلموا أنما غنمتم من شيء" بعد الذي كان مضى من بدر "فأن لله خمسه" إلى آخر الآية. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم عن قيس بن مسلم الجدلي قال: سألت الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب ابن الحنفية عن قول الله: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه" قال: هذا مفتاح كلام، لله الدنيا والآخرة "وللرسول ولذي القربى" فاختلفوا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذين السهمين. قال قائل منهم: سهم ذي القربى لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال قائل منهم: سهم ذي القربى لقرابة الخليفة، وقال قائل منهم: سهم النبي صلى الله عليه وسلم للخليفة من بعده، واجتمع رأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل والعدة في سبيل الله، فكان ذلك في خلافة أبي بكر وعمر. وأخرج ابن جرير والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية فغنموا خمس الغنيمة فضرب ذلك في خمسه. ثم قرأ: "واعلموا أنما غنمتم" الآية، قال قوله: "فأن لله خمسه" مفتاح كلام، لله ما في السموات وما في الأرض، فجعل الله سهم الله والرسول واحداً "ولذي القربى" فجعل هذين السهمين قوة في الخيل والسلاح، وجعل سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل لا يعطيه غيرهم، وجعل الأربعة الأسهم الباقية للفرس سهماً ولراكبه سهماً وللراجل سهماً. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال: كانت الغنيمة تقسم على خمسة أخماس: فأربعة منها بين من قاتل عليها وخمس واحد يقسم على أربعة أخماس، فربع لله وللرسول ولذي القربة، يعني قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما كان لله وللرسول فهو لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم من الخمس شيئاً، والربع الثاني لليتامى، والربع الثالث للمساكين، والربع الرابع لابن السبيل، وهو الضيف الفقير الذي ينزل بالمسلمين. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله: "واعلموا أنما غنمتم من شيء" الآية قال: كان يجاء بالغنيمة فتوضع، فيقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على خمسة أسهم، فيعزل سهماً منها ويقسم أربعة أسهم بين الناس، يعني لمن شهد الوقعة، ثم
يضرب بيده في جميع السهم الذي عزله، فما قبض عليه من شيء جعله للكعبة، فهو الذي سمى الله لا تجعلوا لله نصيباً فأن لله الدنيا والآخرة، ثم يعمد إلى بقية السهم فيقسمه على خمسة أسهم: سهم للنبي صلى الله عليه وسلم، وسهم لذي القربى وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجعل سهم الله في السلاح والكراع وفي سبيل الله وفي كسوة الكعبة وطيبها وما تحتاج إليه الكعبة، ويجعل سهم الرسول في الكراع والسلاح ونفقة أهله، وسهم ذي القربى لقرابته يضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم مع سهمه مع الناس، ولليتامى والمساكين وابن السبيل ثلاثة أسهم يضعها رسول الله فيمن شاء حيث شاء، ليس لبني عبد المطلب في هذه الثلاثة الأسهم ولرسول الله صلى الله عليه وسلم سهم من سهام الناس. وأخرج ابن أبي حاتم عن حسين المعلم قال: سألت عبد الله بن بريدة عن قوله: "فأن لله خمسه وللرسول" فقال: الذي لله لنبيه والذي للرسول لأزواجه. وأخرج الشافعي وعبد الرزاق وابن أبي شيبة ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس أن نجدة كتب إليه يسأله عن ذوي القربى الذين ذكر الله، فكتب إليه إنا كنا نرى أنا هم فأبى ذلك علينا قومنا، وقالوا قريش كلها ذوو قربى. وزيادة قوله: وقالوا قريش كلها تفرد بها أبو معشر، وفيه ضعف. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر من وجه آخر عن ابن عباس: أن نجدة الحروري أرسل إليه يسأله عن سهم ذي القربى، ويقول: لمن تراه؟ فقال ابن عباس: هو لقربى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمه لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان عمر عرض علينا من ذلك عرضاً رأيناه دون حقنا فرددناه عليهم وأبينا أن نقبله، وكان عرض عليهم إن يعين ناكحهم وأن يقضي عن غارمهم وأن يعطي فقيرهم وأبى أن يزديهم على ذلك. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: رغبت لكم عن غسالة الأيدي، لأن لكم في خمس الخمس ما يكفيكم أو يغنيكم. رواه ابن أبي حاتم عن إبراهيم بن مهدي المصيصي، حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن حنش عن عكرمة عنه مرفوعاً. قال ابن كثير: هذا حديث حسن الإسناد، وإبراهيم بن مهدي هذا وثقه أبو حاتم. وقال يحيى بن معين: يأتي بمناكير. وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن الزهري وعبد الله بن أبي بكر عن جبير بن مطعم:" أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم سهم ذوي القربى من خيبر على
بني هاشم وبني المطلب، قال: فمشيت أنا وعثمان بن عفان حتى دخلنا عليه، فقلنا: يا رسول الله هؤلاء إخوانك من بني هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك منهم، أرأيت إخواننا من بني المطلب أعطيتهم دوننا فإنما نحن وهم بمنزلة واحدة في النسب؟ فقال:إنهم لم يفارقونا في الجاهلية والإسلام". وقد أخرجه مسلم في صحيحه. وأخرج ابن مردويه عن زيد بن أرقم قال: آل محمد الذين أعطوا الخمس: آل علي، وآل العباس، وآل جعفر، وآل عقيل. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم شيء واحد من المغنم يصطفيه لنفسه، إما خادم وإما فرس، ثم يصيب بعد ذلك من الخمس. وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه عن علي قال: قلت يا رسول الله: ألا وليتني ما خصنا الله به من الخمس؟ فولانيه. وأخرج الحاكم وصححه عنه قال: ولاني رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس الخمس فوضعته مواضعه حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "يوم الفرقان" قال: هو يوم بدر، وبدر ما بين مكة والمدينة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في
الدلائل عن ابن عباس في قوله: "يوم الفرقان" قال: هو يوم بدر فرق الله فيه بين الحق والباطل. وأخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال: كانت ليلة الفرقان ليلة التقى الجمعان في صبيحتها ليلة الجمعة لسبع عشرة مضت من رمضان، وأخرج عنه ابن جرير أيضاً. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: "إذ أنتم بالعدوة الدنيا" قال: العدوة الدنيا شاطئ الوادي "والركب أسفل منكم". قال أبو سفيان. وأخرج ابن المنذر عن عكرمة قال: العدوة الدنيا شفير الوادي الأدنى، والعدوة القصوى شفير الوادي الأقصى.
42 - " إذ أنتم " ، أي : إذ أنتم نزول يا معشر المسلمين ، " بالعدوة الدنيا " ، أي : بشفير الوادي الأدنى إلى المدينة ، والدنيا . تأنيث الأدنى ، " وهم " ، يعني عدوكم من المشركين ، " بالعدوة القصوى " بشفير الوادي الأقصى من المدينة ، والقصوى تأنيث الأقصى .
قرأ ابن كثير وأهل البصرة ( بالعدوة ) بكسر العين فيهما ، والباقون بضمهما ، وهما لغتان كالكسوة والكسوة والرشوة والرشوة . " والركب " ، يعني : العير يريد أبا سفيان وأصحابه ، " أسفل منكم " ، أي : في موضع أسفل منكم إلى ساحل البحر ، على ثلاثة أميال من بدر ، " ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد " ، وذلك أن المسلمين خرجوا ليأخذوا العير وخرج الكفار ليمنعوها ، فالتقوا على غير ميعاد ، قال تعالى : " ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد " ، لقلتكم وكثرة عدوكم ، " ولكن " الله جمعكم على غير ميعاد ، " ليقضي الله أمراً كان مفعولا " ، من نصر أوليائه وإعزاز دينه وإهلاك أعدائه ، " ليهلك من هلك عن بينة " أي ليموت من يموت على بينة رآها وعبرة عاينها وحجة قامت عليه " ويحيا من حي عن بينة " ، ويعيش من يعيش على بينة لوعده : " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً " ( الإسراء - 15 ) . وقال محمد بن إسحاق : معناه ليكفر من كفر بعد حجة قامت عليه ، ويؤمن من آمن على مثل ذلك ، فالهلاك هو الكفر ، والحياة هي الإيمان .
قوال قتادة : ليضل من ضل عن بينة ، ويهدى من اهتدى على بينة .
قرأ أهل الحجاز وأبو بكر ويعقوب : ( حيي) بيائين ، مثل( خشي ) وقرأ الآخرون : بياء واحدة مشددة ، لأنه مكتوب بياء واحدة .
" وإن الله لسميع " ، لدعائكم ، " عليم " ، بنياتكم .
42. " إذ أنتم بالعدوة الدنيا " بدل من" يوم الفرقان " ، والعدوة بالحركات الثلاث شط الوادي وقد قرئ بها ،والمشهور الضم والكسر وهو قراءة ابن كثير وأبي عمرو ويعقوب . " وهم بالعدوة القصوى " البعدى من المدينة تأنيث الأقصى وكان قياسه قلب الواو ياء كالدنيا والعليا تفرقة بين الاسم والصفة فجاء على الأصل كالقود وهو أكثر استعمالاً من القصيا . " والركب " أي العير أو قواها . " أسفل منكم " في مكان أسفل من مكانكم يعني الساحل ، وهو منصوب على الظرف واقع موقع الخبر والجملة حلا من الظرف قبله ، وفائدتها الدلالة على قوة العدو واستظهارهم بالركب وحرصهم على المقاتلة عنها وتوطين نفوسهم على أن لا يخلوا مراكزهم ويبذلوا منتهى جهدهم ،وضعف شأن المسلمين والتياث أمرهم واستبعاد غلبتهم عادة ، وكذا ذكر مراكز الفريقين فإن العدوة الدنيا كانت رخوة تسوخ فيها الأرجل ولا يمشي فيها إلا بتعب ولم يكن بها ماء ، بخلاف العدوة القصوى وكذا قوله : " ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد " أي لو تواعدتم أنتم وهم القتال ثم علمتم حالكم وحالهم لاختلفتم أنتم في الميعاد هيبة منهم ، ويأساً من الظفر عليهم ليتحققوا أن ما اتفق لهم من الفتح ليس إلا صنعاً من الله تعالى خارقاً للعادة فيزدادوا إيماناً وشكراً . " ولكن " جمع بينكم على هذه الحال من غير ميعاد . " ليقضي الله أمراً كان مفعولاً " حقيقاً بأن يفعل وهو نصر أوليائه وقهر أعداءه ، وقوله : " ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة " بدل منه أو متعلق بقوله مفعولاً والمعنى: ليموت من يموت عن بينة عاينها ويعيش من يعيش عن حجة شاهدها لئلا يكون له حجة ومعذرة ، فإن وقعة بدر من الآيات الواضحة . أو ليصدر كفر من كفر وإيمان من آمن عن وضوح بينة على استعارة الهلاك والحياة للكفر والإسلام ، والمراد بمن هلك ومن حي المشارف للهلاك والحياة ،أو من هذا حاله في علم الله وقضائه . وقرئ ( ليهلك ) بالفتح وقرأ ابن كثير ونافع وأبو بكر ويعقوب من ( حيي ) بفك الإدغام للحل على المستقبل . " وإن الله لسميع عليم " بكفر من كفر وعقابه ، وإيمان من آمن وثوابه ،ولعل الجمع بين الوصفين لاشتمال الأمرين علة القول والاعتقاد .
42. When ye were on the near bank (of the valley) and they were on the yonder bank, and the caravan was below you (on the coast plain). And had ye trysted to meet one another ye surely would have failed to keep the tryst, but (it happened, as it did, without the forethought of either of you) that Allah might conclude a thing that must be done; that he who perished (on that day) might perish by a clear proof (of His sovereignty) and he who survived might survive by a clear proof (of His sovereignty). Lo! Allah in truth is Hearer, Knower.
42 - Remember ye were on the hither side of the valley, and they on the father side, and the caravan on lower ground than ye. even if ye had made a mutual appointment to meet, ye would certainly have failed in the appointment: but (thus ye met), that God might accomplish a matter already enacted; that those who died might die after a clear sign (had been given), and those who lived might live after a clear sign (had been given). and verily God is he who heareth and knoweth (all things).