[الأنفال : 41] وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
41 - (واعلموا أنما غنمتم) أخذتم من الكفار قهراً (من شيء فأن لله خمسه) يأمر فيه بما يشاء (وللرسول ولذي القربى) قرابة النبي صلى الله عليه وسلم من بني هاشم وبني المطلب (واليتامى) أطفال المسلمين الذين هلك آباؤهم وهم فقراء (والمساكين) ذوي الحاجة من المسلمين (وابن السبيل) المنقطع في سفره من المسلمين ، أي يستحقه النبي صلى الله عليه وسلم والأصناف الأربعة على ما كان يقسمه من أن لكل خمس الخمس ، والأخماس الأربعة الباقية للغانمين (إن كنتم آمنتم بالله) فاعلموا ذلك (وما) عطف على بالله (أنزلنا على عبدنا) محمد صلى الله عليه وسلم من الملائكة والآيات (يوم الفرقان) أي يوم بدر الفارق بين الحق والباطل (يوم التقى الجمعان) المسلمون والكفار (والله على كل شيء قدير) ومنه نصركم مع قلتكم وكثرتهم
قال أبو جعفر: وهذا تعليم من الله عز وجل المؤمنين قسم غنائمهم إذا عنموها. يقول تعالى ذكره: واعلموا، أيها المؤمنون، أن ما غنمتم من غنيمة.
واختلف أهل العلم في معنى ((الغنيمة)) و((الفيء)).
فقال بعضهم: فيهما معنيان، كل واحد منهما غير صاحبه.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن الحسن بن صالح قال: سألت عطاء السائب عن هذه الآية: " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه "، وهذه الآية: " ما أفاء الله على رسوله " [الحشر: 7]، قال قلت: ما ((الفيء))، وما ((الغنيمة))؟قال: ظهر المسلمون على المشركين وعلى أرضهم وأخذوهم عنوةً، فما أخذوا من مال ظهروا عليه فهو ((غنيمة))، وأما الأرض فهو في سوادنا هذا ((فيء)).
وقال آخرون آخرون: ((الغنيمة))، ما أخذ عنوة، و((الفيء))، ما كان عن صلح.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان الثوري قال: ((الغنيمة))، ما أصاب المسلمون عنوة بقتال، فيه الخمس، وأربعة أخماسه لمن شهدها. و((الفيء))، ما صولحوا عليه بغير قتال، وليس فيه خمس، هو لمن سمى الله.
وقال آخرون: ((الغنيمة)) و((الفيء))، بمعنى واحد. وقالوا: هذه الآية التي في ((الأنفال))، ناسخة قوله: " ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول " الآية، [الحشر: 7].
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله: " ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل "، [الحشر: 7]، قال: كان الفيء في هؤلاء، ثم نسخ في ذلك ((سورة الأنفال))، فقال: " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل "، فنسخت هذه ما كان قبلها في ((سورة الأنفال)). وجعل الخمس لمن كان له الفيء في ((سورة الحشر))، وسائر ذلك لمن قاتل عليه.
وقد بينا فيما مضى ((الغنيمة))، وأنها المال يوصل إليه من مال من خول الله ماله أهل دينه، بغلبة عليه وقهر بقتال.
فأما ((الفيء))، فإنه ما أفاء الله على المسلمين من أموال أهل الشرك، وهو ما رده عليهم منها بصلح من غير إيجاف خيل ولا ركاب. وقد يجوز أن يسمى ما ردته عليهم منها سيوفهم ورماحهم وغير ذلك من سلاحهم ((فيئاً))، لأن ((الفيء))، إنما هو مصدر من قول القائل: ((فاء الشيء يفيء فيئاً))، إذا رجع، و((أفاءه الله))، إذا رده.
غير أن الذي رد حكم الله فيه من الفيء بحكمه في ((سورة الحشر))، إنما هو ما وصفت صفته من الفيء، دون ما أوجف عليه منه بالخيل والركاب، لعلل قد بينتها في كتاب: ((كتاب لطيف القول، في أحكام شرائع الدين))، وسنبينه أيضاً في تفسير ((سورة الحشر))، إذا انتهينا إليه إن شاء الله تعالى.
وأما قول من قال: الآية التي في ((سورة الأنفال))، ناسخة الآية التي في ((سورة الحشر))، فلا معنى له، إذ كان لا معنى في إحدى الآيتين ينفي حكم الأخرى. وقد بينا معنى ((النسخ))، وهو نفي حكم قد ثبت بحكم خلافه، في غير موضع، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وأما قوله: " من شيء "، فإنه مراد به: كل ما وقع عليه اسم " شيء "، مما خوله الله المؤمنين من أموال من غلبوا على ماله من المشركين، مما وقع عليه القسم، حتى الخيط والمخيط، كما:
حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن ليث ، عن مجاهد قوله: " واعلموا أنما غنمتم من شيء "، قال: المخيط من ((الشيء)).
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن ليث ، عن مجاهد ، بمثله.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم الفضل قال، حدثنا سفيان، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله.
القول في تأويل قوله: " فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ".
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم قوله: " فأن لله خمسه "، مفتاح كلام، ولله الدنيا والآخرة وما فيهما، وإنما معنى الكلام: فإن للرسول خمسه.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن قيس بن مسلم قال: سألت الحسن عن قول الله: " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول "، قال: هذا مفتاح كلام، لله الدنيا والآخرة.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن قيس بن مسلم قال: سألت الحسن بن محمد عن قوله: " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه "، قال: هذا مفتاح كلام، لله الدنيا والآخرة.
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أحمد بن يونس قال، حدثنا أبو شهاب، عن ورقاء، عن نهشل، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية فغنموا، خمس الغنيمة، فضرب ذلك الخمس في خمسة. ثم قرأ: " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول "، قال: وقوله: " فأن لله خمسه "، مفتاح كلام، لله ما في السموات وما في الأرض، فجعل الله سهم الله وسهم الرسول واحداً.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم: " فأن لله خمسه "، قال: لله كل شيء.
حدثنا المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم في قوله: " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه "، قال: لله كل شيء، وخمس لله ورسوله، ويقسم ما سوى ذلك على أربعة أسهم.
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال:كانت الغنيمة تقسم خمسة أخماس، فأربعة أخماس لمن قاتل عليها، ويقسم الخمس الباقي على خمسة أخماس، فخمس لله والرسول.
حدثنا عمران بن موسى قال، حدثنا عبد الوارث قال، حدثنا أبان، عن الحسن قال:أوصى أبو بكر رحمه الله بالخمس من ماله، وقال: ألا أرضى من مالي بما رضي الله لنفسه.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن فضيل، عن عبد الملك، عن عطاء : " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول "، قال: خمس الله وخمس رسوله واحد. كان النبي صلى الله عليه وسلم يحمل منه ويضع فيه ما شاء.
حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا أبو عوانة، عن المغيرة، عن أصحابه، عن إبراهيم: " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه "، قال: كل شيء لله، الخمس للرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل.
وقال آخرون: معنى ذلك: فإن لبيت الله خمسه وللرسول.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع بن الجراح، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية الرياحي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالغنيمة، فيقسمها على خمسة تكون أربعة أخماس لمن شهدها، ثم يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه، فيأخذ منه الذي قبض كفه، فيجعله للكعبة، وهو سهم الله. ثم يقسم ما بقي على خمسة أسهم، فيكون سهم للرسول، وسهم لذي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل.
حدثنا أحمد بن إسحق قال، حدثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية: " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه "، إلى آخر الآية، قال:فكان يجاء بالغنيمة فتوضع، فيقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة أسهم، فيجعل أربعة بين الناس، ويأخذ سهماً. ثم يضرب بيده في جميع ذلك السهم، فما قبض عليه من شيء جعله للكعبة، فهو الذي سمي لله، لا تجعلوا لله نصيباً، فإن لله الدنيا والآخرة، ثم يقسم بقيته على خمسة أسهم:سهم للنبي صلى الله عليه وسلم، وسهم لذوي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل.
وقال آخرون: ما سمي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، فإنما هو مراد به قرابته، وليس لله ولا لرسوله منه شيء.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس قال: كانت الغنيمة تقسم على خمسة أخماس، فأربعة منها لمن قاتل عليها، وخمس واحد يقسم على أربعة: فربع لله والرسول ولذي القربى - يعني قرابة النبي صلى الله عليه وسلم - فما كان لله والرسول فهو لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم من الخمس شيئاً. والربع الثاني لليتامى، والربع الثالث للمساكين، والربع الرابع لابن السبيل.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: قوله: " فأن لله خمسه "، ((افتتاح كلام))، وذلك لإجماع الحجة على أن الخمس غير جائز قسمه على ستة أسهم. ولو كان لله فيه سهم، كما قال أبو العالية، لوجب أن يكون خمس الغنيمة مقسوماً على ستة أسهم. وإنما اختلف أهل العلم في قسمه على خمسة فما دونها، فأما على أكثر من ذلك، فما لا نعلم قائلاً قاله غير الذي ذكرنا من الخبر عن أبي العالية. وفي إجماع من ذكرت، الدلالة الواضحة على صحة ما اخترنا.
فأما من قال: ((سهم الرسول لذوي القربى))، فقد أوجب للرسول سهماً، وإن كان صلى الله عليه وسلم صرفه إلى ذوي قرابته، فلم يخرج من أن يكون القسم كان على خمسة أسهم، وقد:
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه "، الآية، قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا غنم غنيمة جعلت أخماساً، فكان خمس لله ولرسوله، ويقسم المسلمون ما بقي. وكان الخمس الذي جعل لله ولرسوله، لرسوله ولذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل. فكان هذا الخمس خمسة أخماس: خمس لله ورسوله، وخمس لذوي القربى، وخمس لليتامى، وخمس للمساكين، وخمس لابن السبيل.
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن موسى بن أبي عائشة قال: سألت يحيى بن الجزار عن سهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: هو خمس الخمس.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة ، وجرير، عن موسى بن أبي عائشة، عن يحيى بن الجزار، مثله.
حدثنا أحمد بن إسحق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن يحيى بن الجزار، مثله.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج : " فأن لله خمسه "، قال: أربعة أخماس لمن حضر البأس، والخمس الباقي لله والرسول، خمسه يضعه حيث رأى، وخمسه لذوي القربى، وخمسه لليتامى، وخمسه للمساكين، ولابن السبيل خمسه.
وأما قوله: " ولذي القربى "، فإن أهل التأويل اختلفوا فيهم.
فقال بعضهم: هم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني هاشم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع قال، حدثني أبي، عن شريك، عن خصيف، عن مجاهد قال: كان آل محمد صلى الله عليه وسلم لا تحل لهم الصدقة، فجعل لهم خمس الخمس.
حدثنا أحمد بن إسحق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا شريك، عن خصيف، عن مجاهد قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته لا يأكلون الصدقة، فجعل لهم خمس الخمس.
حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا عبد السلام، عن خصيف، عن مجاهد قال: قد علم الله أن في بني هاشم الفقراء، فجعل لهم الخمس مكان الصدقة.
حدثني محمد بن عمارة قال، حدثنا إسمعيل بن أبان قال، حدثنا الصباح بن يحيى المزني، عن السدي ، عن أبي الديلم قال، قال علي بن الحسين، رحمة الله عليه، لرجل من أهل الشأم: أما قرأت في ((الأنفال)): " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول " الآية؟ قال: نعم! قال: فإنكم لأنتم هم؟ قال: نعم!.
حدثنا الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل، عن خصيف، عن مجاهد قال: هؤلاء قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين لا تحل لهم الصدقة.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو معاوية، عن حجاج، عن عطاء ، عن ابن عباس: أن نجدة كتب إليه يسأله عن ذوي القربى، فكتب إليه كتاباً: ((نزعم أنا نحن هم، فأبى ذلك علينا قومنا)).
... قال حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج : " فأن لله خمسه "، قال: أربعة أخماس لمن حضر البأس، والخمس الباقي لله وللرسول، خمسه يضعه حيث رأى، وخمس لذوي القربى، وخمس لليتامى، وخمس للمساكين، ولابن السبيل خمسه.
وقال آخرون: بل هم قريش كلها.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرني عبد الله بن نافع، عن أبي معشر، عن سعيد المقبري قال: كتب نجدة إلى ابن عباس يسأله عن ذوي القربى قال: فكتب إليه ابن عباس: ((قد كنا نقول: إنا هم، فأبى ذلك علينا قومنا، وقالوا: قريش كلها ذوو قربى)).
وقال آخرون: سهم ذوي القرى كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صار من بعده لولي الأمر من بعده.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة : أنه سئل عن سهم ذي القربى قال: كان طعمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان حياً، فلما توفي جعل لولي الأمر من بعده.
وقال آخرون: بل سهم ذي القربى كان لبني هاشم وبني المطلب خاصةً.
وممن قال ذلك الشافعي ، وكانت علته في ذلك ما:
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا محمد بن إسحق قال، حدثني الزهري ، عن سعيد بن المسيب، عن جبير بن المطعم قال: لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذي القربى منخيبر على بني هاشم وبني المطلب، مشيت أنا وعثمان بن عفان رحمة الله عليه، فقلنا: يا رسول الله، هؤلاء إخوتك بنو هاشم، لا ننكر فضلهم، لمكانك الذي جعلك الله به منهم، أرأيت إخواننا بني المطلب، أعطيتهم وتركتنا، وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة؟ فقال: إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام، إنما بنو هاشم وبنو المطلب شئ واحد! ثم شبك رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه إحداهما بالأخرى.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي، قول من قال: ((سهم ذي القربى، كان لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني هاشم وحلفائهم من بني المطلب))، لأن حليف القوم منهم، ولصحة الخبر الذي ذكرناه بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
واختلف أهل العلم في حكم هذين السهمين- أعني سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسهم ذي القربى- بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال بعضهم: يصرفان في معونة الإسلام وأهله.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أحمد بن يونس قال، حدثنا أبو شهاب، عن ورقاء، عن نهشل، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال: جعل سهم الله وسهم الرسول واحداً، ولذي القربى، فجعل هذان السهمان في الخيل والسلاح. وجعل سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل، لا يعطى غيرهم.
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن قيس بن مسلم قال: سألت الحسن عن قول الله: " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى "، قال: هذا مفتاح كلام، لله الدنيا والآخرة. ثم اختلف الناس في هذين السهمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال قائلون: سهم النبي صلى الله عليه وسلم لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم، وقال قائلون: سهم القرابة الخليفة، واجتمع رأيهم أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل والعدة في سبيل الله، فكانا على ذلك في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
حدثنا أحمد بن إسحق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن قيس بن مسلم قال: سألت الحسن بن محمد، فذكر نحوه.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمر بن عبيد، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما يجعلان سهم النبي صلى الله عليه وسلم في الكراع والسلاح. فقلت لإبراهيم: ما كان علي رضي الله عنه يقول فيه؟ قال: كان علي أشدهم فيه.
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين " الآية، قال ابن عباس: فكانت الغنيمة تقسم على خمسة أخماس: أربعة بين من قاتل عليها، وخمس واحد يقسم على أبرعة: لله وللرسول ولذي القربى - قرابة النبي صلى الله عليه وسلم - فما كان لله وللرسول فهو لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم من الخمس شيئاً. فلما قبض الله رسوله صلى الله عليه وسلم رد أبو بكر رضي الله عنه نصيب القرابة في المسلمين، فجعل يحمل به في سبيل الله، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث، ما تركنا صدقة.
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة : أنه سئل عن سهم ذي القربى فقال: كان طعمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما توفي، حمل عليه أبو بكر وعمر في سبيل الله، صدقةً على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال آخرون: سهم ذوي القربى من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى ولي أمر المسلمين.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أحمد بن إسحق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا عمرو بن ثابت، عن عمران بن ظبيان، عن حكيم بن سعد، عن علي رضي الله عنه قال: يعطى كل إنسان نصيبه من الخمس، ويلي الإمام سهم الله ورسوله.
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة : أنه سئل عن سهم ذوي القربى فقال: كان طعمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان حياً، فما توفي جعل لولي الأمر من بعده.
وقال آخرون: سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مردود في الخمس، والخمس مقسوم على ثلاثة أسهم: على اليتامى، والمساكين، وابن السبيل. وذلك قول جماعة من أهل العراق.
وقال آخرون: الخمس كله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ذكر من قال ذلك:
حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا عبد الغفار قال، حدثنا عبد الغفار قال، حدثنا المنهال بن عمرو قال: سألت عبد الله بن محمد بن علي، وعلي بن الحسين، عن الخمس فقالا: هو لنا. فقلت لعلي: إن الله يقول: " واليتامى والمساكين وابن السبيل "، فقالا: يتامانا ومساكيننا.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا، أن سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مردود في الخمس، والخمس مقسوم على أربعة أسهم، على ما روي عن ابن عباس: للقرابة سهم، ولليتامى سهم، وللمساكين سهم، ولابن السبيل سهم، لأن الله أوجب الخمس لأقوام موصوفين بصفات، كما أوجب الأربعة الأخماس لآخرين.
وقد أجمعوا أن حق الأربعة الأخماس لن يستحقه غيرهم، فكذلك حق أهل الخمس لن يستحقه غيرهم. فغير جائز أن يخرج عنهم إلى غيرهم، كما غير جائز أن تخرج بعض السهمان التي جعلها الله لمن سماه في كتابه بفقد بعض من يستحقه، إلى غير أهل السهمان الأخر.
وأما ((اليتامى))، فهم أطفال المسلمين الذين قد هلك آباؤهم.
و((المساكين))، هم أهل الفاقة والحاجة من المسلمين.
و((ابن السبيل))، المجتاز سفراً قد انقطع به، كما:
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قال: الخمس الرابع لابن السبيل، وهو الضعيف الفقير الذي ينزل بالمسلمين.
القول في تأويل قوله: " إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير ".
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أيقنوا، أيها المؤمنون، أنما غنمتم من شيء فمقسوم القسم الذي بينته وصدقوا به، إن كنتم أقررتم بوحدانية الله وبما أنزل الله على عبده محمد صلى الله عليه وسلم يوم فرق بين الحق والباطل ببدر، فأبان فلج المؤمنين وظهورهم على عدوهم، وذلك " يوم التقى الجمعان "، جمع المؤمنين وجمع المشركين، والله على إهلاك الكفر وإذلالهم بأيدي المؤمنين، وعلى غير ذلك مما يشاء، " قدير "، لا يمتنع عليه شيء أراده.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: " يوم الفرقان "، يعني: بـ" الفرقان "، يوم بدر، فرق الله فيه بين الحق والباطل.
حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ، مثله.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير - وإسحق قال، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري ، عن عروة بن الزبير - يزيد أحدهما على صاحبه، في قوله: " يوم الفرقان "، يوم فرق الله بين الحق والباطل، وهو يوم بدر، وهو أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان رأس المشركين عتبة بن ربيعة، فالتقوا يوم الجمعة لتسع عشرة ليلة مضت في شهر رمضان، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلثمئة وبضعة عشر رجلاً، والمشركون ما بين الألف والتسعمئة. فهزم الله يومئذ المشركين، وقتل منهم زيادة على سبعين، وأسر منهم مثل ذلك.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن مقسم: " يوم الفرقان "، قال: يوم بدر، فرق الله بين الحق والباطل.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن عثمان الجزري، عن مقسم في قوله: " يوم الفرقان "، قال: يوم بدر، فرق الله بين الحق والباطل.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " يوم الفرقان يوم التقى الجمعان "، يوم بدر، و((بدر))، بين المدينة ومكة.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثني يحيى بن يعقوب أبو طالب، عن أبي عون محمد بن عبد الله الثقفي، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عبد الله بن حبيب قال، قال الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كانت ليلة " الفرقان يوم التقى الجمعان "، لسبع عشرة من شهر رمضان.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج ، عن مجاهد : " يوم التقى الجمعان "، قال ابن جريج ، قال ابن كثير : يوم بدر.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق : " وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان "، أي يوم فرقت بين الحق والباطل بقدرتي، يوم التقى الجمعان منكم ومنهم.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة : " وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان "، وذاكم يوم بدر، يوم فرق الله بين الحق والباطل.
قوله تعالى: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله". فيه ست وعشرون مسألة:
الأولى: قوله تعالى: "واعلموا أنما غنمتم من شيء" الغنيمة في اللغة ما يناله الرجل أو الجماعة بسعي، ومن ذلك قول الشاعر:
وقد طوفت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالإياب
وقال آخر:
ومطعم الغنم يوم الغنم مطعمه أنى توجه والمحروم محروم
والمغنم والغنيمة بمعنىً، يقال: غنم القوم غنماً. واعلم أن الاتفاق حاصل على أن المراد بقوله تعالى: "غنمتم من شيء" مال الكفار إذا ظفر به المسلمون على وجه الغلبة والقهر. ولا تقتضي اللغة هذا التخصيص على ما بيناه، ولكن عرف الشرع قيد اللفظ بهذا النوع. وسمى الشرع الواصل من الكفار إلينا من الأموال باسمين: غنيمة وفيئاً. فالشيء الذي يناله المسلمون من عدوهم بالسعي وإيجاف الخيل والركاب يسمى غنيمة. ولزم هذا الاسم هذا المعنى حتى صار عرفاً. والفيء مأخوذ من فاء يفيء إذا رجع، وهو كل مال دخل على المسلمين من غير حرب ولا إيجاف. كخراج الأرضين وجزية الجماجم وخمس الغنائم. ونحو هذا قال سفيان الثوري وعطاء بن السائب. وقيل: إنهما واحد، وفيهما الخمس، قاله قتادة. وقيل: الفيء عبارة عن كل ما صار للمسلمين من الأموال بغير قهر. والمعنى متقارب.
الثانية- هذه الآية ناسخة لأول السورة، عند الجمهور. وقد ادعى ابن عبد البر الإجماع على أن هذه الآية نزلت بعد قوله: "يسألونك عن الأنفال" وأن أربعة أخماس الغنيمة مقسومة على الغانمين، على ما يأتي بيانه. وأن قوله: "يسألونك عن الأنفال" نزلت حين تشاجر أهل بدر في غنائم بدر، على ما تقدم أول السورة.
قلت: ومما يدل على صحة هذا ما ذكره إسماعيل بن إسحاق قال: حدثنا محمد بن كثير قال حدثنا سفيان قال حدثني محمد بن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس قال:
"لما كان يوم بدر قال النبي صلى الله عليه وسلم: من قتل قتيلاً فله كذا ومن أسر أسيراً فله كذا وكانوا قتلوا سبعين، وأسروا سبعين، فجاء أبو اليسر بن عمرو بأسيرين، فقال: يا رسول الله، إنك وعدتنا من قتل قتيلاً فله كذا، وقد جئت بأسيرين. فقام سعد فقال: يا رسول الله، إنا لم يمنعنا زيادة في الأجر ولا جبن عن العدو ولكنا قمنا هذا المقام خشية أن يعطف المشركون، فإنك إن تعطي هؤلاء لا يبقى لأصحابك شيء. قال: وجعل هؤلاء يقولون، وهؤلاء يقولون فنزلت "يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم" فسلموا الغنيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نزلت "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه" الآية". وقد قيل: إنها محكمة غير منسوخة، وأن الغنيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وليست مقسومة بين الغانمين، وكذلك لمن بعده من الأئمة. كذا حكاه المازري عن كثير من أصحابنا، رضي الله عنهم، وأن للإمام أن يخرجها عنهم. واحتجوا بفتح مكة وقصة حنين. وكان أبو عبيد يقول: افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوةً ومن على أهلها فردها عليهم ولم يقسمها ولم يجعلها عليهم فيئاً. ورأى بعض الناس أن هذا جائز للأئمة بعده.
قلت: وعلى هذا يكون معنى قوله تعالى: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه" والأربعة الأخماس للإمام، إن شاء حبسها وإن شاء قسمها بين الغانمين. وهذا ليس بشيء، لما ذكرناه، ولأن الله سبحانه أضاف الغنيمة للغانمين فقال: "واعلموا أنما غنمتم من شيء" ثم عين الخمس لمن سمى في كتابه، وسكت عن الأربعة الأخماس، كما سكت عن الثلثين في قوله: "وورثه أبواه فلأمه الثلث" [النساء: 11] فكان للأب الثلثان اتفاقاً. وكذا الأربعة الأخماس للغانمين إجماعاً، على ما ذكره ابن المنذر وابن عبد البر والداودي والمازري أيضاً والقاضي عياض وابن العربي. والأخبار بهذا المعنى متظاهرة، وسيأتي بعضها. ويكون معنى قوله: "يسألونك عن الأنفال" الآية، ما ينفله الإمام لمن شاء لما يراه من المصلحة قبل القسمة. وقال عطاء والحسن: هي مخصوصة بما شذ من المشركين إلى المسلمين، من عبد أو أمة أو دابة، يقضي فيها الإمام بما أحب. وقيل: المراد بها أنفال السرايا أي غنائمها، إن شاء خمسها الإمام، وإن شاء نفلها كلها. وقال إبراهيم النخعي في الإمام يبعث السرية فيصيبون المغنم: إن شاء الإمام نفله كله. وإن شاء خمسه. وحكاه أبو عمر عن مكحول وعطاء. قال علي بن ثابت: سألت مكحولاً وعطاء عن الإمام ينفل القوم ما أصابوا، قال: ذلك لهم: قال أبو عمر: من ذهب إلى هذا تأول قول الله عز وجل: "يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول" أن ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم يضعها حيث شاء. ولم ير أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه". وقيل: غير هذا مما قد أتينا عليه في كتاب القبس في شرح موطأ مالك بن أنس. ولم يقل أحد من العلماء فيما أعلم أن قوله تعالى: "يسألونك عن الأنفال" الآية، ناسخ لقوله: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه" بل قال الجمهور على ما ذكرنا: إن قوله: ما غنمتم ناسخ، وهم الذين لا يجوز عليهم التحريف ولا التبديل لكتاب الله تعالى. وأما قصة فتح مكة فلا حجة فيها لاختلاف العلماء في فتحها. وقد قال أبو عبيد: ولا نعلم مكة يشبهها شيء من البلدان من جهتين: إحداهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الله قد خصه من الأنفال والغنائم ما لم يجعله لغيره، وذلك لقوله: "يسألونك عن الأنفال" الآية، فنرى أن هذا كان خاصاً له. والجهة الأخرى: أنه سن لمكة سنناً ليست لشيء من البلاد. وأما قصة حنين فقد عوض الأنصار لما قالوا: يعطي الغنائم قريشاً ويتركنا وسيوفنا تقطر من دماءهم! فقال لهم:
أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيوتكم. خرجه مسلم وغيره. وليس لغيره أن يقول هذا القول، مع أن ذلك خاص به على ما قاله بعض علمائنا. والله أعلم.
الثالثة-لم يختلف العلماء أن قوله: "واعلموا أنما غنمتم من شيء" ليس على عمومه. وأنه يدخله الخصوص، فما خصصوه بإجماع أن قالوا: سلب المقتول لقاتله إذا نادى به الإمام. وكذلك الرقاب، أعني الأسارى، الخيرة فيها إلى الإمام بلا خلاف، على ما يأتي بيانه. ومما خص به أيضاً الأرض. والمعنى: ما غنمتم من ذهب وفضة وسائر الأمتعة والسبي. وأما الأرض فغير داخلة في عموم هذه الآية، لما روى أبو داود عن عمر بن الخطاب أنه قال: لولا آخر الناس ما فتحت قريةً إلا قسمتها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر. ومما يصحح هذا المذهب ما رواه الصحيح عن أبي هريرة "عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
منعت العراق قفيزها ودرهمها ومنعت الشام مدها ودينارها" الحديث. قال الطحاوي: منعت بمعنى ستمنع، فدل ذلك على أنها لا تكون للغانمين، لأن ما ملكه الغانمون لا يكون فيه قفيز ولا درهم، ولو كانت الأرض تقسم ما بقي لمن جاء بعد الغانمين شيء. والله تعالى يقول: " والذين جاؤوا من بعدهم " [الحشر: 10] بالعطف على قوله: "للفقراء المهاجرين". قال: وإنما يقسم ما ينقل من موضع إلى موضع. وقال الشافعي: كل ما حصل من الغنائم من أهل دار الحرب من شيء قل أو كثر من دار أو أرض أو متاع أو غير ذلك قسم، إلا الرجال البالغين فإن الإمام فيهم مخير أن يمن أو يقتل أو يسبي. وسبيل ما أخذ منهم وسبي سبيل الغنيمة. واحتج بعموم الآية. قال: والأرض مغنومة لا محالة، فوجب أن تقسم كسائر الغنائم. وقد قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما افتتح عنوة من خيبر. قالوا: ولو جاز أن يدعي الخصوص في الأرض جاز أن يدعي في غير الأرض فيبطل حكم الآية. وأما آية الحشر فلا حجة فيها، لأن ذلك إنما هو في الفيء لا في الغنيمة. وقوله: " والذين جاؤوا من بعدهم " استئناف كلام بالدعاء لمن سبقهم بالإيمان لا لغير ذلك. قالوا: وليس يخلو فعل عمر في توقيفه الأرض من أحد وجهين: إما أن تكون غنيمة استطاب أنفس أهلها، وطابت بذلك فوقفها. وكذلك روى جرير أن عمر استطاب أنفس أهلها. وكذلك صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبي هوازن، لما أتوه استطاب أنفس أصحابه عما كان في أيديهم. وإما أن يكون ما وقفه عمر فيئاً فلم يحتج إلى مراضاة أحد. وذهب الكوفيون إلى تخيير الإمام في قسمها أو إقرارها وتوظيف الخراج عليها. وتصير ملكاً لهم كأرض الصلح. قال شيخنا أبو العباس رضي الله عنه: وكأن هذا جمع بين الدليلين ووسط بين المذهبين، وهو الذي فهمه عمر رضي الله عنه قطعاً، ولذلك قال: لولا آخر الناس، فلم يخبر بنسخ فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا بتخصيصه بهم، غير أن الكوفيين زادوا على ما فعل عمر، فإن عمر إنما وقفها على مصالح المسلمين ولم يملكها لأهل الصلح، وهم الذين قالوا للإمام أن يملكها لأهل الصلح.
الرابعة- ذهب مالك وأبو حنيفة والثوري إلى أن السلب ليس للقاتل، وأن حكمه حكم الغنيمة، إلا أن يقول الأمير: من قتل قتيلاً فله سلبه، فيكون حينئذ له. وقال الليث والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد والطبري وابن المنذر: السلب للقاتل على كل حال، قاله الإمام أو لم يقله. إلا أن الشافعي رضي الله عنه قال: إنما يكون السلب للقاتل إذا قتل قتيلاً مقبلاً عليه، وأما إذا قتله مدبراً عنه فلا. قال أبو العباس بن سريج من أصحاب الشافعي: ليس الحديث:
"من قتل قتيلاً فله سلبه" على عمومه، لإجماع العلماء على أن من قتل أسيراً أو امرأة أو شيخاً أنه ليس له سلب واحد منهم. وكذلك من ذفف على جريح، ومن قتل من قطعت يداه ورجلاه. قال: وكذلك المنهزم لا يمتنع في انهزامه، وهو كالمكتوف. قال: فعلم بذلك أن الحديث إنما جعل السلب لمن لقتله معنىً زائد، أو لمن في قتله فضيلة، وهو القاتل في الإقبال، لما في ذلك من المؤنة. وأما من أثخن فلا. وقال الطبري: السلب للقاتل، مقبلاً قتله أو مدبراً، هارباً أو مبارزاً إذا كان في المعركة وهذا يرده ما ذكره عبد الرزاق ومحمد بن بكر عن ابن جريج قال سمعت نافعاً مولى ابن عمر يقول: لم نزل نسمع إذا التقى المسلمون والكفار فقتل رجل من المسلمين رجلاً من الكفار فإن سلبه له، إلا أن يكون في معمعة القتال، لأنه حينئذ لا يدرى من قتل قتيلا. فظاهر هذا يرد قول الطبري لاشتراطه في السلب القتل في المعركة خاصة. وقال أبو ثور وابن المنذر: السلب للقاتل في معركة كان أو غير معركة، في الإقبال والإدبار والهروب والانتهار، على كل الوجوه، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "من قتل قتيلاً فله سلبه".
قلت: روى مسلم "عن سلمة بن الأكوع قال:
غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هوازن فبينا نحن نتضحى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على جمل أحمر فأناخه، ثم انتزع طلقاً من حقبه فقيد به الجمل، ثم تقدم يتغدى مع القوم وجعل ينظر، وفينا ضعفة ورقة في الظهر، وبعضنا مشاة، إذ خرج يشتد، فأتى جمله فأطلق قيده ثم أناخه وقعد عليه فأثاره فاشتد به الجمل، فاتبعه رجل على ناقة ورقاء. قال سلمة: وخرجت أشتد فكنت عند ورك الناقة، ثم تقدمت حتى كنت عند ورك الجمل، ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته، فلما وضع ركبته في الأرض اخترطت سيفي فضربت رأس الرجل فندر، ثم جئت بالجمل أقوده، عليه رحله وسلاحه، فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه فقال: من قتل الرجل؟ قالوا: ابن الأكوع. قال: له سلبه أجمع". فهذا سلمة قتله هارباً غير مقبل، وأعطاه سلبه. وفيه حجة لـمالك من أن السلب لا يستحقه القاتل إلا بإذن الإمام، إذ لو كان واجباً له بنفس القتل لما احتاج إلى تكرير هذا القول. ومن حجته أيضاً ما ذكره أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو الأحوص عن الأسود بن قيس عن بشر بن علقمة قال: بارزت رجلاً يوم القادسية فقتلته وأخذت سلبه، فأتيت سعداً فخطب سعد أصحابه ثم قال: هذا سلب بشر بن علقمة، فهو خير من اثني عشر ألف درهم، وإنا قد نفلناه إياه. فلو كان السلب للقاتل قضاءً من النبي صلى الله عليه وسلم ما احتاج الأمر أن يضيفوا ذلك إلى أنفسهم باجتهادهم، ولأخذه القاتل دون أمرهم. والله أعلم. وفي الصحيح "أن معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء ضربا أبا جهل بسيفيهما حتى قتلاه، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
أيكما قتله؟ فقال كل واحد منهما: أنا قتلته. فنظر في السيفين فقال: كلاكما قتله وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح"، وهذا نص على أن السلب ليس للقاتل، إذ لو كان له لقسمه النبي صلى الله عليه وسلم بينهما. وفي الصحيح أيضاً عن عوف بن مالك قال:
خرجت مع من خرج مع زيد بن حارثة في غزوة مؤتة، ورافقني مددي من اليمن. وساق الحديث، وفيه: فقال عوف: يا خالد، أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل؟ قال: بلى، ولكني استكثرته. وأخرجه أبو بكر والبرقاني بإسناده الذي أخرجه به مسلم، وزاد فيه بياناً أن عوف بن مالك قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يخمس السلب وإن مددياً كان رفيقاً لهم في غزوة مؤتة في طرف من الشام، قال: فجعل رومي منهم يشتد على المسلمين وهو على فرس أشقر وسرج مذهب ومنطقة ملطخة وسيف محلى بذهب. قال: فيغري بهم، قال: فتلطف له المددي حتى مر به فضرب عرقوب فرسه فوقع، وعلاه بالسيف فقتله وأخذ سلاحه. قال: فأعطاه خالد بن الوليد وحبس منه، قال عوف: فقلت له أعطه كله، أليس قد سمعت رسول الله يقول: السلب للقاتل! قال: بلى، ولكني استكثرته. قال عوف: وكان بيني وبينه كلام، فقلت له: لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عوف: فلما اجتمعنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عوف ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لخالد: لم لم تعطه؟ قال فقال: استكثرته. قال: فادفعه إليه فقلت له: أمل أنجز لك ما وعدتك؟ قال: فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا خالد لا تدفعه إليه هل أنتم تاركون لي أمرائي. فهذا يدل دلالة واضحة على أن السلب لا يستحقه القاتل بنفس القتل بل برأي الإمام ونظره. وقال أحمد بن حنبل: لا يكون السلب للقاتل إلا في المبارزة خاصة.
الخامسة- اختلف العلماء في تخميس السلب، فقال الشافعي: لا يخمس. وقال إسحاق: إن كان السلب يسيراً فهو للقاتل، وإن كان كثيراً خمس. وفعله عمر بن الخطاب مع البراء بن مالك حين بارز المرزبان فقتله، فكانت قيمة منطقته وسواريه ثلاثين ألفاً فخمس ذلك. أنس عن البراء بن مالك أنه قتل من المشركين مائة رجل إلا رجلاً مبارزة، وأنهم لما غزوا الزارة خرج دهقان الزارة فقال: رجل ورجل، فبرز البراء فاختلفا بسيفيهما ثم اعتنقا فتوركه البراء فقعد على كبده، ثم أخذ السيف فذبحه، وأخذ سلاحه ومنطقته وأتى به عمر، فنفله السلاح وقوم المنطقة بثلاثين ألفاً فخمسها، وقال: إنها مال. وقال الأوزاعي ومكحول: السلب مغنم وفيه الخمس. وروي نحوه عن عمر بن الخطاب. والحجة للشافعي ما رواه أبو داود عن عوف بن مالك الأشجعي وخالد بن الوليد "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في السلب للقاتل ولم يخمس السلب".
السادسة- ذهب جمهور العلماء إلى أن السلب لا يعطى للقاتل إلا أن يقيم البينة على قتله. قال أكثرهم: ويجزئ شاهد واحد، على حديث أبي قتادة. وقيل: شاهدان أو شاهد ويمين. وقال الأوزاعي: يعطاه بمجرد دعواه، وليست البينة شرطاً في الاستحقاق، بل إن اتفق ذلك فهو الأولى دفعاً للمنازعة. ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أبا قتادة سلب مقتوله من غير شهادة ولا يمين. ولا تكفي شهادة واحد، ولا يناط بها حكم بمجردها. وبه قال الليث بن سعد.
قلت: سمعت شيخنا الحافظ المنذري الشافعي أبا محمد عبد العظيم يقول: إنما أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم السلب بشهادة الأسود بن خزاعي وعبد الله بن أنيس. وعلى هذا يندفع النزاع ويزول الإشكال، ويطرد الحكم. وأما المالكية فيخرج على قولهم أنه لا يحتاج الإمام فيه إلى بينة، لأنه من الإمام ابتداءً عطية. فإن شرط الشهادة كان له، وإن لم يشترط جاز أن يعطيه من غير شهادة.
السابعة- واختلفوا في السلب ما هو، فأما السلاح وكل ما يحتاج للقتال فلا خلاف أنه من السلب، وفرسه إن قاتل عليه وصرع عنه. وقال أحمد في الفرس: ليس من السلب. وكذلك إن كان في هميانه وفي منطقته دنانير أو جواهر أو نحو هذا، فلا خلاف أنه ليس من السلب. واختلفوا فيما يتزين به للحرب، فقال الأوزاعي: ذلك كله من السلب. وقالت فرقة: ليس من السلب. وهذا مروي عن سحنون رحمه الله، إلا المنطقة فإنها عنده من السلب. وقال ابن حبيب في الواضحة: والسواران من السلب.
الثامنة- قوله تعالى: "فأن لله خمسه" قال أبو عبيد: هذا ناسخ لقوله عز وجل في أول السورة "قل الأنفال لله والرسول" ولم يخمس رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم بدر، فنسخ حكمه في ترك التخميس بهذا. إلا أن يظهر من قول علي رضي الله عنه في صحيح مسلم:
كان لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني شارفاً من الخمس يومئذ الحديث- أنه خمس، فإن كان هذا فقول أبي عبيد مردود. قال ابن عطية: ويحتمل أن يكون الخمس الذي ذكر علي من إحدى الغزوات التي كانت بين بدر وأحد، فقد كانت غزوة بني سليم وغزوة بني المصطلق وغزوة ذي أمر وغزوة بحران، ولم يحفظ فيها قتال، ولكن يمكن أن غنمت غنائم. والله أعلم.
قلت: وهذا التأويل يرده قول علي يومئذ، وذلك إشارة إلى يوم قسم غنائم بدر، إلا أنه يحتمل أن يكون من الخمس إن كان لم يقع في بدر تخميس، من خمس سرية عبد الله بن جحش فإنها أول غنيمة غنمت في الإسلام، وأول خمس كان في الإسلام، ثم نزل القرآن "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه" وهذا أولى من التأويل الأول. والله أعلم.
التاسعة- ما في قوله: "ما غنمتم" بمعنى الذي، والهاء محذوفة، أي الذي غنمتموه. ودخلت الفاء لأن في الكلام معنى المجازاة. و أن الثانية توكيد للأولى، ويجوز كسرها، وروي عن أبي عمرو. قال الحسن: هذا مفتاح كلام، الدنيا والآخرة لله، ذكره النسائي. واستفتح عز وجل الكلام في الفيء والخمس بذكر نفسه، لأنهما أشرف الكسب، ولم ينسب الصدقة إليه لأنها أوساخ الناس.
العاشرة- واختلف العلماء في كيفية قسم الخمس على أقوال ستة:
الأول- قالت طائفة: يقسم الخمس على ستة، فيجعل السدس للكعبة، وهو الذي لله. والثاني لرسول الله صلى الله عليه وسلم. والثالث لذوي القربى. والرابع لليتامى. والخامس للمساكين. والسادس لابن السبيل. وقال بعض أصحاب هذا القول: يرد السهم الذي لله على ذوي الحاجة.
الثاني- قال أبو العالية والربيع: تقسم الغنيمة على خمسة، فيعزل منها سهم واحد، وتقسم الأربعة على الناس، ثم يضرب بيده على السهم الذي عزله فما قبض عليه من شيء جعله للكعبة، ثم يقسم بقية السهم الذي عزله على خمسة، سهم للنبي صلى الله عليه وسلم، وسهم لذوي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل.
الثالث- قال المنهال بن عمرو: سألت عبد الله بن محمد بن علي بن الحسين عن الخمس فقال: هو لنا. قلت لعلي: إن الله تعالى يقول: "واليتامى والمساكين وابن السبيل" [البقرة: 177] فقال: أيتامنا ومساكيننا.
الرابع- قال الشافعي: يقسم على خمسة. ورأى أن سهم الله ورسوله واحد، وأنه يصرف في مصالح المؤمنين، والأربعة الأخماس على الأربعة الأصناف المذكورين في الآية.

الخامس- قال أبو حنيفة: يقسم على ثلاثة: اليتامى والمساكين وابن السبيل. وارتفع عنده حكم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بموته، كما ارتفع حكم سهمه. قالوا: ويبدأ من الخمس بإصلاح القناطر، وبناء المساجد، وأرزاق القضاة والجند. وروي نحو هذا عن الشافعي أيضاً.
السادس- قال مالك: هو موكول إلى نظر الإمام واجتهاده، فيأخذ منه من غير تقدير، ويعطي منه القرابة باجتهاد ويصرف الباقي في مصالح المسلمين. وبه قال الخلفاء الأربعة، وبه عملوا. وعليه يدل قوله صلى الله عليه وسلم:
"ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود عليكم". فإنه لم يقسمه أخماساً ولا أثلاثاً، وإنما ذكر في الآية من ذكر على وجه التنبيه عليهم، لأنهم من أهم من يدفع إليه. قال الزجاج محتجاً لـمالك: قال الله عز وجل: "يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل" [البقرة: 215] وللرجل جائز بإجماع أن ينفق في هذه الأصناف إذا رأى ذلك. وذكر النسائي عن عطاء قال: خمس الله وخمس رسوله واحد، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل منه ويعطي منه ويضعه حيث شاء ويصنع به ما شاء.
الحادية عشرة- قوله تعالى: "ولذي القربى" ليست اللام لبيان الاستحقاق والملك، وإنما هي لبيان المصرف والمحل. والدليل عليه ما رواه مسلم "أن الفضل بن عباس وربيعة بن عبد المطلب أتيا النبي صلى الله عليه وسلم، فتكلم أحدهما فقال:
يا رسول الله، أنت أبر الناس، وأوصل الناس، وقد بلغنا النكاح فجئنا لتؤمرنا على بعض هذه الصدقات، فنؤدي إليك كما يؤدي الناس، ونصيب كما يصيبون. فسكت طويلاً حتى أردنا أن نكلمه، قال: وجعلت زينب تلمع إلينا من وراء الحجاب ألا تكلماه، قال: ثم قال: إن الصدقة لا تحل لآل محمد إنما هي أوساخ الناس ادعوا لي محمية -وكان على الخمس- ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب قال: فجاءاه فقال لمحمية: أنكح هذا الغلام ابنتك -للفضل بن عباس- فأنكحه. وقال لنوفل بن الحارث: أنكح هذا الغلام ابنتك يعني ربيعة بن عبد المطلب. وقال لمحمية: أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا. وقال صلى الله عليه وسلم: مالي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود عليكم". وقد أعطى جميعه وبعضه، وأعطى منه المؤلفة قلوبهم، وليس ممن ذكرهم الله في التقسيم، فدل على ما ذكرناه، والموفق الإله.
الثانية عشرة- واختلف العلماء في ذوي القربى على ثلاثة أقوال: قريش كلها، قاله بعض السلف، لـ"أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صعد الصفا جعل يهتف:
يا بني فلان يا بني عبد مناف يا بني عبد المطلب يا بني كعب يا بني مرة يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار" الحديث. وسيأتي في الشعراء. وقال الشافعي وأحمد وأبو ثور ومجاهد وقتادة وابن جريج ومسلم بن خالد: بنو هاشم وبنو عبد المطلب، ولـ"أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قسم سهم ذوي القربى بين بني هاشم وبني عبد المطلب قال:
إنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد وشبك بين أصابعه"، أخرجه النسائي والبخاري. قال البخاري: قال الليث حدثني يونس، وزاد: ولم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل شيئاً. قال ابن إسحاق: وعبد شمس وهاشم والمطلب إخوة لأم، وأمهم عاتكة بنت مرة. وكان نوفل أخاهم لأبيهم. قال النسائي: وأسهم النبي صلى الله عليه وسلم لذوي القربى، وهم بنو هاشم وبنو المطلب، بينهم الغني والفقير. وقد قيل: إنه للفقير منهم دون الغني، كاليتامى وابن السبيل- وهو أشبه القولين بالصواب عندي. -والله أعلم- والصغير والكبير والذكر والأنثى سواء، لأن الله تعالى جعل ذلك لهم، وقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم. وليس في الحديث أنه فضل بعضهم على بعض.
الثالث- بنو هاشم خاصة، قاله مجاهد وعلي بن الحسين. وهو قول مالك والثوري والأوزاعي وغيرهم.
الثالثة عشرة- لما بين الله عز وجل حكم الخمس وسكت عن الأربعة الأخماس، دل ذلك على أنها ملك للغانمين. وبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله:
"وأيما قربة عصت الله ورسوله فإن خمسها لله ورسوله ثم هي لكم". وهذا ما لا خلاف فيه بين الأمة ولا بين الأئمة، على ما حكاه ابن العربي في (أحكامه) وغيره. بيد أن الإمام إن رأى أن يمن على الأسارى بالإطلاق فعل، وبطلت حقوق الغانمين فيهم، كما "فعل النبي صلى الله عليه وسلم بثمامة بن أثال وغيره، وقال:
لو كان المطعم بن عدي حياً ثم كلمني في هؤلاء النتنى -يعني أسارى بدر- لتركتهم له" أخرجه البخاري. مكافأة له لقيامه في شأن نقض الصحيفة. وله أن يقتل جميعهم، وقد قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم عقبة بن أبي معيط من بين الأسرى صبراً، وكذلك النضر بن الحارث قتله بالصفراء صبراً، وهذا ما لا خلاف فيه. وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سهم كسهم الغانمين، حضر أو غاب. وسهم الصفي، يصطفي سيفاً أو سهماً أو خادماً أو دابة. وكانت صفية بنت حيي من الصفي من غنائم خيبر. وكذلك ذو الفقار كان من الصفي. وقد انقطع بموته، إلا عند أبي ثور فإنه رآه باقياً للإمام يجعله مجعل سهم النبي صلى الله عليه وسلم. وكانت الحكمة في ذلك أن أهل الجاهلية كانوا يرون للرئيس ربع الغنيمة. قال شاعرهم:
لك المرباع منها والصفايا وحكمك والنشيطة والفضول
وقال آخر:
منا الذي ربع الجيوش، لصلبه عشرون وهو يعد في الأحياء
يقال: ربع الجيش يربعه رباعة إذا أخذ ربع الغنيمة. قال الأصمعي: ربع في الجاهلية وخمس في الإسلام، فكان يأخذ بغير شرع ولا دين الربع من الغنيمة، ويصطفي منها. ثم يتحكم بعد الصفي في أي شيء أراد، وكنا ما شذ منها وما فضل من خرثي ومتاع له. فأحكم الله سبحانه الدين بقوله: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه". وأبقى سهم الصفي لنبيه صلى الله عليه وسلم وأسقط حكم الجاهلية. وقال عامر الشعبي:
"كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سهم يدعى الصفي إن شاء عبداً أو أمة أو فرساً يختاره قبل الخمس" أخرجه أبو داود. وفي حديث أبي هريرة قال:
"فيلقى العبد فيقول: أي فل ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع" الحديث. أخرجه مسلم. تربع بالباء الموحدة من تحتها: تأخذ المرباع، أي الربع مما يحصل لقومك من الغنائم والكسب. وقد ذهب بعض أصحاب الشافعي رضي الله عنه إلى أن خمس الخمس كان للنبي صلى الله عليه وسلم يصرفه في كفاية أولاده ونسائه، ويدخر من ذلك قوت سنته، ويصرف الباقي في الكراع والسلاح. وهذا يرده ما رواه عمر قال:
"كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب، فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، فكان ينفق على نفسه منها قوت سنة، وما بقي جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله". أخرجه مسلم. وقال:
"والخمس مردود عليكم".
الرابعة عشرة- ليس في كتاب الله تعالى دلالة على تفضيل الفارس على الراجل، بل فيه أنهم سواء، لأن الله تعالى جعل الأربعة أخماس لهم ولم يخص راجلاً من فارس. ولولا الأخبار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم لكان الفارس كالراجل، والعبد كالحر، والصبي كالبالغ. وقد اختلف العلماء في قسمة الأربعة الأخماس، فالذي عليه عامة أهل العلم فيما ذكر ابن المنذر أنه يسهم للفارس سهمان، وللراجل سهم. وممن قال ذلك مالك بن أنس ومن تبعه من أهل المدينة. وكذلك قال الأوزاعي ومن وافقه من أهل الشام. وكذلك قال الثوري ومن وافقه من أهل العراق. وهو قول الليث بن سعد ومن تبعه من أهل مصر. وكذلك قال الشافعي رضي الله عنه وأصحابه. وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور ويعقوب ومحمد. قال ابن المنذر: ولا نعلم أحداً خالف في ذلك إلا النعمان فإنه خالف فيه السنن وما عليه جل أهل العلم في القديم والحديث. قال: لا يسهم للفارس إلا سهم واحد.
قلت: ولعله شبه عليه بحديث ابن عمر:
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل للفارس سهمين، وللراجل سهماً". خرجه الدارقطني وقال: قال الرمادي كذا يقول ابن نمير قال لنا النيسابوري: هذا عندي وهم من ابن أبي شيبة أو من الرمادي، لأن أحمد بن حنبل وعبد الرحمن بن بشر وغيرهما رووه عن ابن عمر رضي الله عنهما بخلاف هذا، وهو "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم للرجل ولفرسه ثلاثة أسهم، سهماً له وسهمين لفرسه"، هكذا رواه عبد الرحمن بن بشر عن عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر، وذكر الحديث. وفي صحيح البخاري عن ابن عمر:
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل للفرس سهمين ولصاحبه سهماً". وهذا نص. وقد روى الدارقطني "عن الزبير قال:
أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أسهم يوم بدر، سهمين لفرسي وسهماً لي وسهماً لأمي من ذوي القرابة". وفي رواية: وسهماً لأمه سهم ذوي القربى. وخرج عن بشير بن عمرو بن محصن قال:
"أسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لفرسي أربعة أسهم، ولي سهماً، فأخذت خمسة أسهم". وقيل: إن ذلك راجع إلى اجتهاد الإمام، فينفذ ما رأى. والله أعلم.
الخامسة عشرة- لا يفاضل بين الفارس والراجل بأكثر من فرس واحد، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: يسهم لأكثر من فرس واحد، لأنه أكثر عناء وأعظم منفعة، وبه قال ابن الجهم من أصحابنا، ورواه سحنون عن ابن وهب. ودليلنا أنه لم ترد رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن يسهم لأكثر من فرس واحد، وكذلك الأئمة بعده، ولأن العدو لا يمكن أن يقاتل إلا على فرس واحد، وما زاد على ذلك فرفاهية وزيادة عدة، وذلك لا يؤثر في زيادة السهمان، كالذي معه زيادة سيوف أو رماح، واعتباراً بالثالث والرابع. وقد روي عن سليمان بن موسى أنه يسهم لمن كان عنده أفراس، لكل فرس سهم.
السادسة عشرة- لا يسهم إلا للعتاق من الخيل، لما فيها من الكر والفر، وما كان من البراذين والهجن بمثابتها في ذلك. وما لم يكن كذلك لم يسهم له. وقيل: إن أجازها الإمام أسهم لها، لأن الانتفاع بها يختلف بحسب الموضع، فالهجن والبراذين تصلح للمواضع المتوعرة كالشعاب والجبال، والعتاق تصلح للمواضع التي يتأتى فيها الكر والفر، فكان ذلك متعلقاً برأي الإمام. والعتاق: خيل العرب. والهجن والبراذين: خيل الروم.
السابعة عشرة- واختلف علماؤنا في الفرس الضعيف، فقال أشهب وابن نافع: لا يسهم له، لأنه لا يمكن القتال عليه فأشبه الكسير. وقيل: يسهم له لأنه يرجى برؤه. ولا يسهم للأعجف إذا كان في حيز ما لا ينتفع به، كما لا يسهم للكسير. فأما المريض مرضاً خفيفاً مثل الرهيص، وما يجرى مجراه مما لا يمنعه المرض عن حصول المنفعة المقصودة منه فإنه يسهم له. ويعطى الفرس المستعار والمستأجر، وكذلك المغصوب، وسهمه لصاحبه. ويستحق السهم للخيل وإن كانت في السفن ووقعت الغنيمة في البحر، لأنها معدة للنزول إلى البر.
الثامنة عشرة- لا حق في الغنائم للحشوة كالأجراء والصناع الذين يصحبون الجيش للمعاش، لأنهم لم يقصدوا قتالاً ولا خرجوا مجاهدين. وقيل: يسهم لهم، لقوله صلى الله عليه وسلم:
"الغنيمة لمن شهد الوقعة". أخرجه البخاري. وهذا لا حجة فيه لأنه جاء بياناً لمن باشر الحرب وخرج إليه، وكفى ببيان الله عز وجل المقاتلين وأهل المعاش من المسلمين حيث جعلهم فرقتين متميزتين، لكل واحدة حالها في حكمها، فقال: "علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله" [المزمل: 20]. إلا أن هؤلاء إذا قاتلوا لا يضرهم كونهم على معاشهم، لأن سبب الاستحقاق قد وجد منهم. وقال أشهب: لا يستحق أحد منهم وإن قاتل، وبه قال ابن القصار في الأجير: لا يسهم له وإن قاتل. وهذا يرده حديث "سلمة بن الأكوع قال:
كنت تبيعاً لطلحة بن عبيد الله أسقي فرسه وأحسه وأخدمه وآكل من طعامه، الحديث. وفيه: ثم أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمين، سهم الفارس وسهم الراجل، فجمعهما لي". خرجه مسلم. واحتج ابن القصار ومن قال بقوله بحديث عبد الرحمن بن عوف، ذكره عبد الرزاق، وفيه: "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن:
هذه الثلاثة الدنانير حظه ونصيبه من غزوته في أمر دنياه وآخرته".
التاسعة عشرة- فأما العبيد والنساء فمذهب الكتاب أنه لا يسهم لهم ولا يرضخ. وقيل: يرضخ لهم، وبه قال جمهور العلماء. وقال الأوزاعي: إن قاتلت المرأة أسهم لها. وزعم "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم للنساء في خيبر". قال: وأخذ المسلمون بذلك عندنا. وإلى هذا القول مال ابن حبيب من أصحابنا. خرج مسلم عن ابن عباس أنه كان في كتابه إلى نجدة:
تسألني هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء؟ وقد كان يغزو بهن فيداوين الجرحى ويحذين من الغنيمة، وأما بسهم فلم يضرب لهن. وأما الصبيان فإن كان مطيقاً للقتال ففيه عندنا ثلاثة أقوال: الإسهام ونفيه حتى يبلغ، لحديث ابن عمر، وبه قال أبو حنيفة والشافعي. والتفرقة بين أن يقاتل فيسهم له أو لا يقاتل فلا يسهم له. والصحيح الأول:
لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني قريظة أن يقتل منهم من أنبت ويخلى منهم من لم ينبت. وهذه مراعاة لإطاقة القتال لا للبلوغ. وقد روى أبو عمر في الاستيعاب "عن سمرة بن جندب قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عليه الغلمان من الأنصار فيلحق من أدرك منهم، فعرضت عليه عاماً فألحق غلاماً وردني، فقلت: يا رسول الله، ألحقته ورددتني، ولو صارعني صرعته قال: فصارعني فصرعته فألحقني". وأما العبيد فلا يسهم لهم أيضاً ويرضخ لهم.
الموفية عشرين- الكافر إذا حضر بإذن الإمام وقاتل ففي الإسهام له عندنا ثلاثة أقوال: الإسهام ونفيه، وبه قال مالك وابن القاسم: زاد ابن حبيب: ولا نصيب لهم. ويفرق في الثالث -وهو لسحنون- بين أن يستقل المسلمون بأنفسهم فلا يسهم لهم، أو لا يستقلوا ويفتقروا إلى معونته فيسهم له. فإن لم يقاتل فلا يستحق شيئاً. وكذلك العبيد مع الأحرار. وقال الثوري والأوزاعي: إذا استعين بأهل الذمة أسهم لهم. وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يسهم لهم، ولكن يرضخ لهم. وقال الشافعي رضي الله عنه: يستأجرهم الإمام من مال لا مالك له بعينه. فإن لم يفعل أعطاهم سهم النبي صلى الله عليه وسلم. وقال في موضع آخر: يرضخ للمشركين إذا قاتلوا مع المسلمين. قال أبو عمر: اتفق الجميع أن العبد، وهو ممن يجوز أمانه، إذا قاتل لم يسهم له ولكن يرضخ، فالكافر بذلك أولى ألا يسهم له.
الحادية والعشرون- لو خرج العبد وأهل الذمة لصوصاً وأخذوا مال أهل الحرب فهو لهم ولا يخمس، لأنه لم يدخل في عموم قوله عز وجل: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه" أحد منهم ولا من النساء. فأما الكفار فلا مدخل لهم من غير خلاف. وقال سحنون. لا يخمس ما ينوب العبد. وقال ابن القاسم: يخمس، لأنه يجوز أن يأذن له سيده في القتال ويقاتل على الدين، بخلاف الكافر. وقال أشهب في كتاب محمد: إذا خرج العبد والذمي من الجيش وغنما فالغنيمة للجيش دونهم.
الثانية والعشرون-سبب استحقاق السهم شهود الوقعة لنصر المسلمين، على ما تقدم. فلو شهد آخر الوقعة استحق. ولو حضر بعد انقضاء القتال فلا. ولو غاب بانهزام فكذلك. فإن كان قصد التحيز إلى فئة فلا يسقط استحقاقه. روى البخاري وأبو داود:
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبان بن سعيد على سرية من المدينة قبل نجد، فقدم أبان بن سعيد وأصحابه على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد أن فتحها، وإن حزم خيلهم ليف، فقال أبان: اقسم لنا يا رسول الله. قال أبو هريرة: فقلت لا تقسم لهم يا رسول الله. فقال أبان: أنت بها يا وبراً تحدر علينا من رأس ضال. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجلس يا أبان ولم يقسم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم".
الثالثة والعشرون- واختلف العلماء فيمن خرج لشهود الوقعة فمنعه العذر منه كمرض، ففي ثبوت الإسهام له ونفيه ثلاثة أقوال: يفرق في الثالث، وهو المشهور، فيثبته إن كان الضلال قبل القتال وبعد الإدراب، وهو الأصح، قاله ابن العربي. وينفيه إن كان قبله. وكمن بعثه الأمير نم الجيش في أمر من مصلحة الجيش فشغله ذلك عن شهود الوقعة فإنه يسهم له، قاله ابن المواز، ورواه ابن وهب وابن نافع عن مالك. وروي لا يسهم له بل يرضخ له لعدم السبب الذي يستحق به السهم، والله أعلم. وقال أشهب: يسهم للأسير وإن كان في الحديد. والصحيح أنه لا يسهم له، لأنه ملك مستحق بالقتال، فمن غاب أو حضر مريضاً كمن لم يحضر.
الرابعة والعشرون- الغائب المطلق لا يسهم له، ولم يسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لغائب قط إلا يوم خيبر، فإنه أسهم لأهل الحديبية من حضر منهم ومن غاب، لقول الله عز وجل: "وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها" [الفتح: 20]، قاله موسى بن عقبة. وروي ذلك عن جماعة من السلف. وقسم يوم بدر لعثمان ولسعيد بن زيد وطلحة، وكانوا غائبين، فهم كمن حضرها إن شاء الله تعالى. فأما عثمان فإنه تخلف على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمره من أجل مرضها. فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره، فكان كمن شهدها. وأما طلحة بن عبيد الله فكان بالشام في تجارة فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره، فيعد لذلك في أهل بدر. وأما سعيد بن زيد فكان غائباً بالشام أيضاً فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره. فهو معدود في البدريين. قال ابن العربي: أما أهل الحديبية فكان ميعاداً من الله اختص به أولئك النفر فلا يشاركهم فيه غيرهم. وأما عثمان وسعيد وطلحة فيحتمل أن يكون أسهم لهم من الخمس، لأن الأمة مجمعة على أن من بقي لعذر فلا يسهم له.
قلت: الظاهر أن ذلك مخصوص بعثمان وطلحة وسعيد فلا يقاس عليهم غيرهم. وأن سهمهم كان من صلب الغنيمة كسائر من حضرها لا من الخمس. هذا الظاهر من الأحاديث والله أعلم. وقد روى البخاري عن ابن عمر قال:
"لما تغيب عثمان عن بدر فإنه كان تحته ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : إن لك أجر رجل ممن شهد بدراً وسهمه".
الخامسة والعشرون- قوله تعالى: "إن كنتم آمنتم بالله" قال الزجاج من فرقة: المعنى فاعلموا أن الله مولاكم إن كنتم، فـإن متعلقة بهذا الوعد. وقالت فرقة: إن إن متعلقة بقوله "واعلموا أنما غنمتم". قال ابن عطية: وهذا هو الصحيح، لأن قوله: "واعلموا" يتضمن الأمر بالانقياد والتسليم لأمر الله في الغنائم، فعلق إن بقوله: واعلموا على هذا المعنى، أي إن كنتم مؤمنين بالله فانقادوا وسلموا لأمر الله فيما أعلمكم به من حال قسمة الغنيمة.
قوله تعالى: "وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان" ماء في موضع خفض عطف على اسم الله "يوم الفرقان" أي اليوم الذي فرقت فيه بين الحق والباطل، وهو يوم بدر. "يوم التقى الجمعان" حزب الله وحزب الشيطان "والله على كل شيء قدير".
يبين تعالى تفصيل ما شرعه مخصصاً لهذه الأمة الشريفة, من بين سائر الأمم المتقدمة بإحلال الغنائم. والغنيمة هي المال المأخوذ من الكفار, بإيجاف الخيل والركاب, والفيء ما أخذ منهم بغير ذلك, كالأموال التي يصالحون عليها أو يتوفون عنها, ولا وارث لهم, والجزية والخراج ونحو ذلك, هذا مذهب الإمام الشافعي في طائفة من علماء السلف والخلف. ومن العلماء من يطلق الفيء على ما تطلق عليه الغنيمة, وبالعكس أيضاً, ولهذا ذهب قتادة إلى أن هذه الاية ناسخة لاية الحشر "ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى" الاية, قال فنسخت آية الأنفال تلك, وجعلت الغنائم أربعة أخماس للمجاهدين, وخمساً منها لهؤلاء المذكورين, وهذا الذي قاله بعيد, لأن هذه الاية نزلت بعد وقعة بدر, وتلك نزلت في بني النضير, ولا خلاف بين علماء السير والمغازي قاطبة, أن بني النضير بعد بدر, وهذا أمر لا يشك فيه ولا يرتاب, فمن يفرق بين معنى الفيء والغنيمة, يقول تلك نزلت في أموال الفيء, وهذه في الغنائم, ومن يجعل أمر الغنائم والفيء راجعاً إلى رأي الإمام, يقول: لا منافاة بين آية الحشر وبين التخميس, إذا رآه الإمام والله أعلم. فقوله تعالى: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه" توكيد لتخميس كل قليل وكثير حتى الخيط والمخيط, قال الله تعالى: "ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون", وقوله "فأن لله خمسه وللرسول" اختلف المفسرون ههنا, فقال بعضهم: لله نصيب من الخمس يجعل في الكعبة. قال أبو جعفر الرازي, عن الربيع عن أبي العالية الرياحي, قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم, يؤتى بالغنيمة فيخمسها على خمسة, تكون أربعة أخماس لمن شهدها, ثم يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه, فيأخذ منه الذي قبض كفه فيجعله للكعبة وهو سهم الله, ثم يقسم ما بقي على خمسة أسهم فيكون سهم للرسول, وسهم لذوي القربى, وسهم لليتامى, وسهم للمساكين, وسهم لابن السبيل, وقال آخرون: ذكر الله ههنا استفتاح كلام للتبرك, وسهم لرسوله عليه السلام, قال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما, كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية فغنموا خمس الغنيمة, فضرب ذلك الخمس في خمسة, ثم قرأ "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول" فأن لله خمسه, مفتاح كلام "لله ما في السموات وما في الأرض" فجعل سهم الله وسهم الرسول صلى الله عليه وسلم واحداً, وهكذا قال إبراهيم النخعي والحسن بن محمد بن الحنفية, والحسن البصري والشعبي وعطاء بن أبي رباح, وعبد الله بن بريدة وقتادة ومغيرة وغير واحد, أن سهم الله ورسوله واحد. ويؤيد هذا ما رواه الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي, بإسناد صحيح, عن عبد الله بن شقيق, عن رجل, قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى, وهو يعرض فرساً, فقلت يا رسول الله, ما تقول في الغنيمة ؟ فقال: "لله خمسها وأربعة أخماسها للجيش" قلت فما أحد أولى به من أحد ؟ قال: "لا ولا السهم تستخرجه من جيبك ليس أنت أحق به من أخيك المسلم".
وقال ابن جرير: حدثنا عمران بن موسى, حدثنا عبد الوارث, حدثنا أبان عن الحسن, قال: أوصى الحسن بالخمس من ماله, وقال ألا أرضى من مالي بما رضي الله لنفسه, ثم اختلف قائلوا هذا القول, فروى علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قال: كانت الغنيمة تخمس على خمسة أخماس, فأربعة منها بين من قاتل عليها, وخمس واحد يقسم على أربعة أخماس, فربع لله وللرسول صلى الله عليه وسلم, فما كان لله وللرسول فهو لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم, ولم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم من الخمس شيئاً, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أبو معمر المنقري, حدثنا عبد الوارث بن سعيد, عن حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة في قوله "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول", قال: الذي لله فلنبيه, والذي للرسول لأزواجه. وقال عبد الملك بن أبي سليمان, عن عطاء بن أبي رباح, قال: خمس الله والرسول واحد, يحمل منه ويصنع فيه ما شاء, يعني النبي صلى الله عليه وسلم, وهذا أعم وأشمل, وهو أنه صلى الله عليه وسلم يتصرف في الخمس الذي جعله الله بما شاء, ويرده في أمته كيف شاء, ويشهد لهذا ما رواه الإمام أحمد حيث قال: حدثنا إسحاق بن عيسى, حدثنا إسماعيل بن عياش, عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم, عن أبي سلام الأعرج, عن المقدام بن معد يكرب الكندي, أنه جلس مع عبادة بن الصامت, وأبي الدرداء والحارث بن معاوية الكندي رضي الله عنهم, فتذاكروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال أبو الدرداء لعبادة: يا عبادة كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة كذا وكذا في شأن الأخماس, فقال عبادة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم في غزوة إلى بعير من المغنم, فلما سلم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتناول وبرة بين أنملتيه, فقال: "إن هذه من غنائمكم وإنه ليس لي فيها إلا نصيبي معكم الخمس, والخمس مردود عليكم, فأدوا الخيط والمخيط, وأكبر من ذلك وأصغر, ولا تغلوا فإن الغلول عار ونار على أصحابه في الدنيا والاخرة, وجاهدوا الناس في الله القريب والبعيد, ولا تبالوا في الله لومة لائم, وأقيموا حدود الله في السفر والحضر, وجاهدوا في الله, فإن الجهاد باب من أبواب الجنة عظيم, ينجي الله به من الهم والغم", هذا حديث حسن عظيم, ولم أره في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه. ولكن روى الإمام أحمد أيضاً وأبو داود والنسائي, من حديث عمرو بن شعيب, عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه في قصة الخمس والنهي عن الغلول. وعن عمرو بن عنبسة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم إلى بعير من المغنم, فلما سلم أخذ وبرة من هذا البعير, ثم قال: "ولا يحل لي من غنائمكم مثل هذه إلا الخمس, والخمس مردود عليكم" رواه أبو داود والنسائي, وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم من الغنائم شيء يصطفيه لنفسه, عبد أو أمة أو فرس أو سيف أو نحو ذلك كما نص عليه محمد بن سيرين وعامر الشعبي, وتبعهما على ذلك أكثر العلماء. وروى الإمام أحمد والترمذي وحسنه عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تنفل سيفه ذا الفقار يوم بدر, وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد, وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت صفية من الصفي, رواه أبو داود في سننه, وروى أيضاً بإسناده والنسائي أيضاً عن يزيد بن عبد الله قال: كنا بالمربد إذ دخل رجل معه قطعة أديم, فقرأناها فإذا فيها "من محمد رسول الله إلى بني زهير بن قيس إنكم إن شهدتم أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأقمتم الصلاة, وآتيتم الزكاة, وأديتم الخمس من المغنم, وسهم النبي صلى الله عليه وسلم, وسهم الصفي, أنتم آمنون بأمان الله ورسوله" فقلنا من كتب هذا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم, فهذه أحاديث جيدة تدل على تقرير هذا وثبوته, ولهذا جعل ذلك كثيرون من الخصائص له صلوات الله وسلامه عليه, وقال آخرون: إن الخمس يتصرف فيه الإمام بالمصلحة للمسلمين, كما يتصرف في مال الفيء, وقال شيخنا الإمام العلامة ابن تيمية رحمه الله: وهذا قول مالك وأكثر السلف, وهو أصح الأقوال. فإذا ثبت هذا وعلم, فقد اختلف أيضاً في الذي كان يناله عليه السلام من الخمس, ماذا يصنع به من بعده, فقال قائلون يكون لمن يلي الأمر من بعده, روي هذا عن أبي بكر وعلي وقتادة وجماعة. وجاء فيه حديث مرفوع, وقال آخرون: يصرف في مصالح المسلمين, وقال آخرون: بل هو مردود على بقية الأصناف, ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل, اختاره ابن جرير, وقال آخرون: بل سهم النبي صلى الله عليه وسلم وسهم ذوي القربى, مردودان على اليتامى والمساكين وابن السبيل. قال ابن جرير: وذلك قول جماعة من أهل العراق, وقيل إن الخمس جميعه لذوي القربى, كما رواه ابن جرير, حدثنا الحارث, حدثنا عبد العزيز, حدثنا عبد الغفار, حدثنا المنهال بن عمرو, سألت عبد الله بن محمد بن علي, وعلي بن الحسين عن الخمس, فقالا: هو لنا, فقلت لعلي: فإن الله يقول "واليتامى والمساكين وابن السبيل" فقالا: يتامانا ومساكيننا, وقال سفيان الثوري وأبو نعيم وأبو أسامة, عن قيس بن مسلم, سألت الحسن بن محمد بن الحنفية رحمه الله تعالى, عن قول الله تعالى: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول" فقال: هذا مفتاح كلام, لله الدنيا والاخرة, ثم اختلف الناس في هذين السهمين, بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال قائلون: سهم النبي صلى الله عليه وسلم تسليماً للخليفة من بعده, وقال آخرون لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم وقال آخرون: سهم القرابة لقرابة الخليفة, واجتمع رأيهم أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل والعدة في سبيل الله, فكانا على ذلك في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما, قال الأعمش عن إبراهيم: كان أبو بكر وعمر يجعلان سهم النبي صلى الله عليه وسلم في الكراع والسلاح, فقلت لإبراهيم ما كان علي يقول فيه ؟ قال: كان أشدهم فيه, وهذا قول طائفة كثيرة من العلماء رحمهم الله, وأما سهم ذوي القربى, فإنه يصرف إلى بني هاشم وبني المطلب, لأن بني المطلب وازروا بني هاشم في الجاهلية وفي أول الإسلام, ودخلوا معهم في الشعب غضباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحماية له, مسلمهم طاعة لله ولرسوله, وكافرهم حمية للعشيرة وأنفة وطاعة لأبي طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأما بنو عبد شمس وبنو نوفل, وإن كانوا بني عمهم, فلم يوافقوهم على ذلك, بل حاربوهم ونابذوهم ومالؤوا بطون قريش على حرب الرسول, ولهذا كان ذم أبي طالب لهم في قصيدته اللامية أشد من غيرهم, لشدة قربهم, ولهذا يقول في أثناء قصيدته:
جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا عقوبة شر عاجل غير آجل
بميزان قسط لا يخيس شعيـــــرة له شاهد من نفسه غير عائل
لقد سفهت أحلام قوم تبدلــــــــوا بني خلف قيضاً بنا والعياطل
ونحن الصميم من ذؤابة هاشــم وآل قصي في الخطوب الأوائل
وقال جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل: مشيت أنا وعثمان بن عفان, يعني ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس, إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا, ونحن وهم منك بمنزلة واحدة, فقال: "إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد" رواه مسلم. وفي بعض روايات هذا الحديث, "إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام", وهذا قول جمهور العلماء, إنهم بنو هاشم وبنو المطلب. قال ابن جرير وقال آخرون: هم بنو هاشم, ثم روي عن خصيف عن مجاهد, قال: علم الله أن في بني هاشم فقراء, فجعل لهم الخمس مكان الصدقة, وفي رواية عنه قال: هم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين لا تحل لهم الصدقة, ثم روى عن علي بن الحسين نحو ذلك, قال ابن جرير وقال آخرون: بل هم قريش كلها, حدثني يونس بن عبد الأعلى, حدثني عبد الله بن نافع, عن أبي معشر, عن سعيد المقبري, قال: كتب نجدة إلى عبد الله بن عباس يسأله عن ذوي القربى, فكتب إليه ابن عباس, كنا نقول: إنا هم, فأبى علينا ذلك قومنا, وقالوا قريش كلها ذوو قربى وهذا الحديث صحيح, رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث سعيد المقبري, عن يزيد بن هرمز أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله عن ذوي القربى, فذكره إلى قوله: فأبى ذلك علينا قومنا, والزيادة من أفراد أبي معشر نجيح بن عبد الرحمن المدني, وفيه ضعف, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا إبراهيم بن مهدي المصيصي, حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن حنش عن عكرمة عن ابن عباس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رغبت لكم عن غسالة الأيدي, لأن لكم من خمس الخمس ما يغنيكم أو يكفيكم", هذا حديث حسن الإسناد, وإبراهيم بن مهدي هذا وثقه أبو حاتم, وقال يحيى بن معين: يأتي بمناكير, والله أعلم. وقوله "واليتامى" أي أيتام المسلمين, واختلف العلماء هل يختص بالأيتام الفقراء, أو يعم الأغنياء والفقراء ؟ على قولين, والمساكين هم المحاويج الذين لا يجدون ما يسد خلتهم ومسكنتهم, "وابن السبيل" هو المسافر أو المريد للسفر إلى مسافة تقصر فيها الصلاة, وليس له ما ينفقه في سفره ذلك, وسيأتي تفسير ذلك في آية الصدقات من سورة براءة إن شاء الله تعالى, وبه الثقة وعليه التكلان.
وقوله "إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا" أي امتثلوا ما شرعنا لكم من الخمس في الغنائم, إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر, وما أنزل على رسوله, ولهذا جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس في حديث وفد عبد القيس, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: "وآمركم بأربع, وأنهاكم عن أربع. آمركم بالإيمان بالله ـ ثم قال ـ هل تدرون ما الإيمان بالله ؟ شهادة أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله, وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة, وأن تؤدوا الخمس من المغنم", الحديث بطوله, فجعل أداء الخمس من جملة الإيمان, وقد بوب البخاري على ذلك في كتاب الإيمان من صحيحه, فقال: (باب أداء الخمس من الإيمان) ثم أورد حديث ابن عباس هذا, وقد بسطنا الكلام عليه في شرح البخاري, ولله الحمد والمنة, وقال مقاتل بن حيان: "وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان" أي في القسمة, وقوله "يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير", ينبه تعالى على نعمته وإحسانه إلى خلقه, بما فرق به بين الحق والباطل ببدر, ويسمى الفرقان, لأن الله أعلى فيه كلمة الإيمان على كلمة الباطل وأظهر دينه ونصر نبيه وحزبه, قال علي بن أبي طلحة والعوفي عن ابن عباس: يوم الفرقان يوم بدر, فرق الله فيه بين الحق والباطل, رواه الحاكم, وكذا قال مجاهد ومقسم وعبيد الله بن عبد الله والضحاك وقتادة ومقاتل بن حيان وغير واحد أنه يوم بدر, وقال عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير في قوله "يوم الفرقان" يوم فرق الله بين الحق والباطل, وهو يوم بدر, وهو أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان رأس المشركين عتبة بن ربيعة, فالتقوا يوم الجمعة لتسع عشرة أو سبع عشرة مضت من رمضان, وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ثلثمائة وبضعة عشر رجلاً, والمشركون ما بين الألف والتسعمائة, فهزم الله المشركين, وقتل منهم زيادة على السبعين, وأسر منهم مثل ذلك, وقد روى الحاكم في مستدركه من حديث الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن ابن مسعود, قال في ليلة القدر: تحروها لإحدى عشرة يبقين, فإن في صبيحتها يوم بدر, وقال على شرطهما, وروي مثله, عن عبد الله بن الزبير أيضاً, من حديث جعفر بن برقان, عن رجل عنه, وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد, حدثنا يحيى بن واضح, حدثنا يحيى بن يعقوب أبو طالب, عن ابن عون عن محمد بن عبد الله الثقفي, عن أبي عبد الرحمن السلمي, قال: قال الحسن بن علي: كانت ليلة الفرقان يوم التقى الجمعان لسبع عشرة من رمضان, إسناد جيد قوي, ورواه ابن مردويه, عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب عن علي قال: كانت ليلة الفرقان, ليلة التقى الجمعان, في صبيحتها ليلة الجمعة لسبع عشرة مضت من شهر رمضان, وهو الصحيح عند أهل المغازي والسير, وقال يزيد بن أبي حبيب إمام أهل الديار المصرية في زمانه: كان يوم بدر يوم الاثنين, ولم يتابع على هذا, وقول الجمهور مقدم عليه, والله أعلم.
لما أمر الله سبحانه بالقتال بقوله: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" وكانت المقاتلة مظنة حصول الغنيمة ذكر حكم الغنيمة والغنيمة قد قدمنا أن أصلها إصابة الغنم من العدو، ثم استعملت في كل ما يصاب منهم وقد تستعمل في كل ما ينال بسعي، ومنه قول الشاعر:
وقد طوفت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالإياب
ومثله قول الآخر:
ومطعم الغنم يوم الغنم مطعمه أنى توجه والمحروم محروم
وأما معنى الغنيمة في الشرع، فحكى القرطبي الاتفاق على أن المراد بقوله تعالى: 41- "واعلموا أنما غنمتم من شيء" مال الكفار إذا ظفر بهم المسلمون على وجه الغلبة والقهر. قال: ولا تقتضي اللغة هذا التخصيص، ولكن عرف الشرع قيد اللفظ بهذا النوع. وقد ادعى ابن عبد البر الإجماع على أن هذه الآية بعد قوله: "يسألونك عن الأنفال" وأن أربعة أخماس الغنيمة مقسومة على الغانمين، وأن قوله: "يسألونك عن الأنفال" نزلت حين تشاجر أهل بدر في غنائم بدر على ما تقدم أول السورة، وقيل إنها أعني قوله: "يسألونك عن الأنفال" محكمة غير منسوخة، وأن الغنيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليست مقسومة بين الغانمين وكذلك لمن بعده من الأئمة، حكاه الماوردي عن كثير من المالكية، قالوا: وللإمام أن يخرجها عنهم، واحتجوا بفتح مكة وقصة حنين وكان أبو عبيدة يقول: افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة ومن على أهلها فردها عليهم ولم يقسمها ولم يجعلها فيئاً، وقد حكى الإجماع جماعة من أهل العلم على أن أربعة أخماس الغنيمة للغانمين، وممن حكى ذلك ابن المنذر وابن عبد البر والداودي والمازري والقاضي عياض وابن العربي، والأحاديث الواردة في قسمة الغنيمة بين الغانمين وكيفيتها كثيرة جداً. قال القرطبي: ولم يقل أحد فيما أعلم أن قوله تعالى: "يسألونك عن الأنفال" الآية ناسخ لقوله: "واعلموا أنما غنمتم من شيء" الآية، بل قال الجمهور: إن قوله: "واعلموا أنما غنمتم من شيء" ناسخ، وهم الذين لا يجوز عليهم التحريف ولا التبديل لكتاب الله. وأما قصة فتح مكة فلا حجة فيها لاختلاف العلماء في فتحها، قال: وأما قصة حنين فقد عوض الأنصار لما قالوا تعطي الغنائم قريشاً وتتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم نفسه، فقال لهم:أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيوتكم كما في مسلم وغيره، وليس لغيره أن يقول هذا القول، بل ذلك خاص به. قوله: "أنما غنمتم من شيء" يشمل كل شيء يصدق عليه اسم الغنيمة و "من شيء" بيان لما الموصولة، وقد خصص الإجماع من عموم الآية: الأسارى، فإن الخيرة فيها إلى الإمام بلا خلاف، وكذلك سلب المقتول إذا نادى به الإمام، وقيل: كذلك الأرض المغنومة. ورد بأنه لا إجماع على الأرض. قوله: "فأن لله خمسه" قرأ النخعي: "فإن لله" بكسر إن. وقرأ الباقون بفتحها على أن أن وما بعدها مبتدأ وخبره محذوف، والتقدير: فحق أو فواجب أن لله خمسه.
وقد اختلف العلماء في كيفية قسمة الخمس على أقوال ستة: الأول: قالت طائفة: يقسم الخمس على ستة فيجعل السدس للكعبة، وهو الذي لله، والثاني: لرسول الله، والثالث: لذوي القربى، والرابع: لليتامى، والخامس: للمساكين، والسادس: لابن السبيل. والقول الثاني: قاله أبو العالية والربيع: إنها تقسم الغنيمة على خمسة، فيعزل منها سهم واحد ويقسم أربعة على الغانمين، ثم يضرب يده في السهم الذي عزله فما قبضه من شيء جعله للكعبة، ثم يقسم بقية السهم الذي عزله على خسمة للرسول ومن بعده الآية. القول الثالث: روي عن زين العابدين علي بن الحسين أنه قال: إن الخمس لنا، فقيل له: إن الله يقول: "واليتامى والمساكين وابن السبيل" فقال: يتامانا ومساكيننا وأبناء سبيلنا. القول الرابع: قول الشافعي: إن الخمس يقسم على خمسة، وإن سهم الله وسهم رسوله واحد يصرف في مصالح المؤمنين، والأربعة الأخماس على الأربعة الأصناف المذكورة في الآية. القول الخامس: قول أبي حنيفة: إنه يقسم الخمس على ثلاثة: اليتامى، والمساكين، وابن السبيل، وقد ارتفع حكم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بموته كما ارتفع حكم سهمه. قال: ويبدأ من الخمس بإصلاح القناطر وبناء المساجد وأرزاق القضاة والجند. وروي نحو هذا عن الشافعي. القول السادس: قول مالك: إنه موكول إلى نظر الإمام واجتهاده، فيأخذ منه بغير تقدير، ويعطي منه الغزاة باجتهاد، ويصرف الباقي في مصالح المسلمين. قال القرطبي. وبه قال الخلفاء الأربعة وبه عملوا، وعليه يدل قوله صلى الله عليه وسلم: "ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود عليكم" فإنه لم يقسمه أخماساً ولا أثلاثاً، وإنما ذكر ما في الآية من ذكره على وجه التنبيه عليهم، لأنهم من أهل من يدفع إليه. قال الزجاج محتجاً لهذا القول: قال الله تعالى: "يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل" وجائز بإجماع أن ينفق في غير هذه الأصناف إذا رأى ذلك. قوله: "ولذي القربى" قيل: إعادة اللام في ذي القربى دون من بعدهم لدفع توهم اشتراكهم في سهم النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد اختلف العلماء في القربى على أقوال: الأول أنهم قريش كلها، روي ذلك عن بعض السلف، واستدل بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما صعد الصفا جعل يهتف ببطون قريش كلها قائلاً: يا بني فلان يا بني فلان. وقال الشافعي وأحمد وأبو ثور ومجاهد وقتادة وابن جريج ومسلم بن خالد: هم بنو هاشم وبنو المطلب لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد، وشبك بين أصابعه" وهو في الصحيح وقيل هم بنو هاشم خاصة، وبه قال مالك والثوري والأوزاعي وغيرهم، وهو مروي عن علي بن الحسين ومجاهد. قوله: "إن كنتم آمنتم بالله". قال الزجاج عن فرقة: إن المعنى فاعلموا أن الله مولاكم إن كنتم آمنتم بالله، وقالت فرقة أخرى: إن "إن" متعلقة بقوله: "واعلموا أنما غنمتم" قال ابن عطية: وهذا هو الصحيح لأن قوله: "واعلموا" يتضمن الأمر بالانقياد والتسليم لأمر الله في الغنائم، فعلق إن بقوله: "واعلموا" على هذا المعنى: أي إن كنتم مؤمنين بالله فانقادوا وسلموا الأمر لله فيما أعلمكم به من حال قسمة الغنيمة. وقال في الكشاف: إنه متعلق بمحذوف يدل عليه "واعلموا" بمعنى إن كنتم آمنتم بالله فاعلموا أن الخمس من الغنيمة يجب التقرب به، فاقطعوا عنه أطماعكم، واقتنعوا بالأخماس الأربعة، وليس المراد بالعلم المجرد، ولكن العلم المتضمن بالعمل والطاعة لأمر الله، لأن العلم المجرد يستوي فيه المؤمن والكافر انتهى. قوله: "وما أنزلنا على عبدنا" معطوف على الاسم الجليل: أي إن كنتم آمنتم بالله وبما أنزلنا، و "يوم الفرقان" يوم بدر، لأنه فرق بين أهل الحق وأهل الباطل "الجمعان" الفريقان من المسلمين والكافرين "والله على كل شيء قدير" ومن قدرته العظيمة نصر الفريق الأقل على الفريق الأكثر.
41 - قوله تعالى :" واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه " الآية . الغنيمة والفيء : اسمان لمال يصيبه المسلمون من أموال الكفار . فذهب جماعة إلى أنهما واحد ، وذهب قوم إلى أنهما مختلفان : فالغنيمة : ما أصابه المسلمون منهم عنوة بقتال ، والفيء: ما كان عن صلح بغير قتال . فذكر الله عز وجل في هذه الآية حكم الغنيمة فقال: " فأن لله خمسه وللرسول " .
فذهب أكثر المفسرين والفقهاء إلى أن قوله : " لله " افتتاح كلام على سبيل التبرك وإضافة هذا المال إلى نفسه لشرفه ، وليس المراد منه أن سهماً من الغنيمة لله مفرداً ، فإن الدنيا والآخرة كلها لله عز وجل . وهو قول الحسن و قتادة و عطاء و إبراهيم و الشعبي ، قالوا: سهم الله وسهم الرسول واحد . والغنيمة تقسم خمسة أخماس ، أربعة أخماسها لمن قاتل عليها ، والخمس لخمسة أصناف كم ذكر الله عز وجل ، " وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل " .
وقال بعضهم : يقسم الخمس على ستة أسهم ،وهو قول أبي العالية ، سهم لله : فيصرف إلى الكعبة . والأول أصح ، أن خمس الغنيمة يقسم على خمسة أسهم ، سهم كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، في حياته و واليوم هو لمصالح المسلمين وما فيه قوة الإسلام ، وهو قول الشافعي رحمه الله .
وروى الأعمش عن إبراهيم قال : كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما يجعلان سهم النبي صلى الله عليه وسلم في الكراع والسلاح .
وقال قتادة : هو للخليفة بعده . وقال بعضهم : سهم رسول الله تعالى صلى الله عليه وسلم مردود في الخمس والخمس لأربعة أصناف .
قوله : " ولذي القربى " أراد أن سهماً من الخمس لذوي القربى وهم أقارب النبي صلى الله عليه وسلم ، واختلفوا فيهم ، فقال قوم : جميع قريش . وقال قوم : هم الذين لا تحل لهم الصدقة .
وقال مجاهد وعلي بن الحسين : هم بنو هاشم .
وقال الشافعي : هم بنو هاشم وبنو المطلب وليس لبني عبد شمس ولا لبني نوفل منه شيء ، وإن كانوا إخوة ،والدليل عليه ما :
أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، ثنا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع أنا الشافعي ، أنا مطرف بن مازن عن معمر بن راشد ، عن ابن شهاب ، أخبرني محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال :" لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى بين بني هاشم وبين المطلب أتيته أنا وعثمان بن عفان فقلنا : يا رسول الله هؤلاء إخواننا من بني هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله منهم ، أرأيت إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا أو منعتنا ، وإنما قرابتنا وقرابتهم واحدة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما بنو هاشم وبن المطلب شيء واحد هكذا وشبك بين أصابعه " .
واختلف أهل العلم في سهم ذوي القربى هل هو ثابت اليوم ؟ .
فذهب أكثرهم أنه ثابت ، وهو قول مالك و الشافعي .
وذهب أصحاب الرأي إلى أنه غير ثابت ، وقالوا : سهم رسول الله وسهم ذوي القربى مردودان في الخمس ، وخمس الغنيمة لثلاث أصناف اليتامى والمساكين وابن السبيل .
وقال بعضهم : يعطى للفقراء منهم دون الأغنياء .
والكتاب والسنة يدلان على ثبوته ، والخلفاء بعد الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يعطونه ، ولا يفضل فقير على غني لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده كانوا يعطون العباس بن عبد المطلب مر كثرة ماله ، فألحقه الشافعي بالميراث الذي يستحق باسم القرابة ، غير أنه يعطى القريب والبعيد . وقال : يفضل الذكر على الأنثى فيعطى الرجل سهمين والأنثى سهماً واحداً .
قوله : " واليتامى " وهو جمع اليتيم ، واليتيم الذي له سهم في الخمس هو الصغير المسلم ، الذي لا أب له ، إذا كان فقيراً ، و " المساكين " هم أهل الفاقة والحاجة من المسلمين ، " وابن السبيل " هو المسافر البعيد عن ماله ، فهذا مصرف خمس الغنيمة ويقسم أربعة أخماس الغنيمة بين الغانمين الذين شهدوا الوقعة ، للفارس منهم ثلاثة أسهم ، وللراجل سهم واحد ، لما :
أخبرنا أبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن ، أنا عبد الله بن يوسف أنا أبو سعيد بن الأعرابي ثنا سعدان بن نصر ثنا أبو معاوية عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم لرجل ولفرسه ثلاثة أسهم : سهماً له وسهمين لفرسه ، وهذا قول أكثر العلماء وإليه ذهب الثوري ، و الأوزاعي ، و مالك ، و ابن المبارك ، و الشافعي و أحمد و إسحاق .
و قال أبو حنيفة رضي الله عنه : للفارس سهمان ، وللراجل سهم واحد .
ويرضخ للعبيد والنسوان والصبيان إذا حضروا القتال ، ويقسم العقار الذي استولى عليه المسلمون كالمنقول . عند أبي حنيفة : يتخير الإمام في العقار : بين أن يقسمه بينهم ، وبين أن يجعله وفقاً على المصالح .
وظاهر الآية لا يفرق بين العقار و المنقول .
ومن قتل مشركاً في القتال يستحق سلبه من رأس الغنيمة ، لما روي عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثوم حنين : " من قتل قتيلاً له عليه بينة له سلبه " . والسلب : كل ما يكون من المقتول من ملبوس وسلاح ، وفرسه الذي هو راكبه .
ويجوز للإمام أن ينفل بعض الجيش من الغنيمة ، لزيادة عناء وبلاء يكون منهم في الحرب . يخصهم به من بين سائر الجيش ويجعله أسوة الجماعة في سهمان الغنيمة :
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، ثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا يحيى بن بكير ، ثنا الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة ، سوى قسم عامة الجيش .
وروي عن حبيب بن مسلمة الفهري ، قال : شهدت النبي صلى الله عليه وسلم نفل الربع في البدأة والثلث في الرجعة .
واختلفوا في النفل من أين يعطى ؟ فقال قوم : من خمس الخمس ، سهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو قول سعيد بن المسيب ، وبه قال الشافعي ، وهذا معنى النبي صلى الله عليه وسلم : " مالي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم " .
وقال قوم : هو من الأربعة الأخماس بعد إفراز الخمس كسهام الغزاة ، وهو قول أحمد و إسحاق .
وذهب بعضهم إلى أن النفل من رأس الغنيمة قبل الخمس كالسلب للقاتل . وأما الفيء : وهو ما أصابه المسلمين من أموال الكفار بغير إيجاف خيل ولا ركاب ، بأن صالحهم على مال يؤدونه ، ومال الجزية ، وما يؤخذ من أموالهم إذا دخلوا دار الإسلام للتجارة ، أو يموت واحد منهم في دار الإسلام ولا وارث له ، فهذا كله فيء .
ومال الفيء كان خالصاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته ، قال عمر رضي الله عنه : إن الله قد خص رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الفيء بشء لم يعطه أحداً غيره ، ثم قرأ : " وما أفاء الله على رسوله منهم " إلى قوله : " قدير " ( الحشر - 6 ) ، وكانت هذه خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفق على أهله وعياله نفقة سنتهم من هذا المال ، ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله عز وجل .
واختلف أهل العلم في مصرف الفيء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال قوم : هو للأئمة بعده . و للشافعي فيه قولان : أحدهما ، للمقاتلة الذين أثبتت أساميهم في ديوان الجهاد ، لأنهم القائمون مقام النبي صلى الله عليه وسلم في إرهاب العدو . والقول الثاني : أنه لمصالح المسلمين ، ويبدأ بالمقاتلة فيعطون منه كفايتهم ، ثم بالأهم فالأهم من المصالح .
واختلف أهل العلم في تخميس الفيء : فذهب الشافعي إلى أنه يخمس خمسه لأهل الغنيمة ، على خمسة أسهم . وأربعة أخماسه للمقاتلة وللمصال .
وذهب الأكثرون : إلى أن الفيء لا يخمس ، بل مصرف جميعه واحد ، ولجميع المسلمين فيه حق :
أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري ، أنا جدي عبد الصمد بن عبد الرحمن البزاز ، أنا محمد بن زكريا العذافري ، أنا إسحاق الدبري ، ثنا عبد الرزاق ، ثنا معمر ، عن الزهري ، عن مالك بن أوس بن الحدثان : أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : ( ما على وجه الأرض مسلم إلا له في هذا الفيء حق ، إلا ما ملكت أيمانكم ) .
وأخبرنا أبو سعيد الطاهري أنبأنا جدي عبد الصمد بن عبد الرحمن البزاز أنبأنا محمد بن زكريا العذافري أنبأنا أبو إسحاق الدبري ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن أيوب عن عكرمة بن خالد عن مالك بن أوس بن الحدثان قال : قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه " إنما الصدقات للفقراء والمساكين " حتى بلغ " عليم حكيم " ( التوبة - 60 ) فقال : هذه لهؤلاء ثم قرأ : " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه "حتى بلغ " وابن السبيل " ، ثم قال : هذه لهؤلاء ، ثم قرأ " ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى " حتى بلغ " للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا " ( الحشر - 7-9 ) ثم قال : هذه استوعبت المسلمين عامة ، فلئن عشت ، فيأتين الراعي وهو بسرو حمير نصيبه منها ، لم يعرق فيها جبينه .
قوله تعالى : " إن كنتم آمنتم بالله " ، قيل : أراد " اعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول " يأمر فيه بما يريد ، فاقبلوه أن كنتم آمنتم بالله " وما أنزلنا على عبدنا " ، أي : إن كنتم آمنتم بالله وبما أنزلنا على عبدنا ، يعني : قوله " يسألونك عن الأنفال " " يوم الفرقان " ، يعني يوم بدر ، فرق الله بين الحق والباطل وهو " يوم التقى الجمعان " ، حزب الله وحزب الشيطان ، وكان يوم الجمعة لسبع عشرة مضت من رمضان ، " والله على كل شيء قدير " ، على نصركم مع قلتكم وكثرتهم .
41. " واعلموا أنما غنمتم " أي الذي أخذتموه من الكفار قهراً . " من شيء" مما يقع عليه اسم الشيء حتى الخيط . " فأن لله خمسه " مبتدأ خبره محذوف أي:فثابت أن لله خمسه . وقرئ فإن بالكسر والجمهور على أن ذكر الله للتعظيم كما في قوله " والله ورسوله أحق أن يرضوه" وأن المراد قسم الخمس على الخمسة المعطوفين : " وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل " فكأنه قال: فأن لله خمسه يصرف إلى هؤلاء الأخصين به . وحكمه بعد ، باق غير أن سهم الرسول صلوات الله وسلامه عليه يصرف إلى ما كان يصرفه إليه من مصالح المسلمين كما فعله الشيخان رضي الله تعالى عنهما . وقيل إلى الإمام . وقيل إلى الأصناف الأربعة . وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه سقط سهمه وسهم ذوي القربى بوفاته وصار الكل مصروفاً إلى الثلاثة الباقية . وعن مالك رضي الله تعالى عنه الأمر فيه مفوض إلى رأي الإمام يصرفه إلى ما يراه أهم ، وذهب أبو العالية إلى ظاهر الآية فقال يقسم ستة أقسام ويصرف سهم الله إلى الكعبة لما روي أن عليه الصلاة والسلام"كان يأخذ قبضة منه فيجعلها للكعبة ثم يقسم ما بقي على خمسة " . وقيل سنهم الله لبيت المال . وقيل هو مضموم إلى يهم الرسول صلى الله عليه وسلم وذوو القربى : بنو هاشم ، وبنو المطلب . لما روي أنه عليه الصلاة والسلام " قسم سهم ذوي القربى عليهما فقال له عثمان وجبير بن مطعم رضي الله عنهما : هؤلاء إخوتك بنو هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي جعلك الله منهم ، أرأيت إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وحرمتنا و أنما نحن وهم بمنزلة واحدة ، فقال عليه الصلاة والسلام ( إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام وشبك بين أصابعه ) . "وقيل بنو هاشم وحدهم . وقيل جميع قريش الغني والفقير فيه سواء . وقيل هو مخصوص بفقرائهم كسهم ابن السبيل . وقيل الخمس كله لهم والمراد باليتامى والمساكين وابن السبيل من كان منهم والعطف للتخصيص . والآية نزلت ببدر . وقيل الخمس كان في غزوة بين قينقاع بعد بدر بشهر وثلاثة أيام للنصف من شوال على رأس عشرين شهراً من الهجرة . " إن كنتم آمنتم بالله " متعلق بمحذوف دل عليه " واعلموا " بالأخماس الأربعة الباقية ، فإن العلم العملي إذا أمر به لم يرد منه العلم المجرد لأنه مقصود بالعرض والمقصود بالذات هو العمل . "وما أنزلنا على عبدنا " محمد صلى الله عليه وسلم من الآيات والملائكة والنصر . وقرئ " عبدنا" بضمتين أي الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين . " يوم الفرقان " يوم بدر فإنه فرق فيه بين الحق والباطل . " يوم التقى الجمعان " المسلمون والكافرون . " والله على كل شيء قدير " فيقدر على نصر القليل على الكثير والإمداد بالملائكة .
41. And know that whatever ye take as spoils of war, lo! a fifth thereof is for Allah, and for the messenger and for the kinsmen (who hath need) and orphans and the needy and the wayfarer; if ye believe in Allah and that which We revealed unto Our slave on the Day of Discrimination, the day when the two armies met. And Allah is Able to do all things.
41 - And know that out of all the booty that ye may acquire (in war), a fifth share is assigned to God, and to the apostle, and to near relatives, orphans, the needy, and the wayfarer, if ye do believe in God and in the revelation we sent down to our servant on the day of testing, the day of the meeting of the tow forces. for God hath power over all things.