[الأنفال : 30] وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ
30 - (و) اذكر يا محمد (إذ يمكر بك الذين كفروا) وقد اجتمعوا للمشاورة في شأنك بدار الندوة (ليثبتوك) يوثقوك ويحبسوك (أو يقتلوك) كلهم قتلة رجل واحد (أو يخرجوك) من مكة (ويمكرون) بك (ويمكر الله) بهم بتدبير أمرك بأن أوحى إليك ما دبروه وأمرك بالخروج (والله خير الماكرين) أعلمهم به
ك قوله تعالى وإذ يمكر الآية أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أن نفرا من قريش ومن اشراف كل قبيلة اجتمعوا ليدخلوا دار الندوة فاعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل فلما رأوه قالوا من أنت قال شيخ من أهل نجد سمعت بما اجتمعتم له فأردت أن أحضركم ولن يعدمكم مني رأي ونصح قالوا أجل فادخل فدخل معهم فقال انظروا في شأن هذا الرجل فقال قائل احبسوه في وثاق تم تربصوا به المنون حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء زهير والنابغة فإنما هو كأحدهم فقال عدو الله الشيخ النجدي لا والله ما هذا لكم برأي والله ليخرجن رائد من محبسه إلى أصحابه فليوشكن أن يثبوا عليه حتى يأخذوه من أيديكم ثم يمنعوه منكم فما آمن عليكم أن يخرجوكم من بلادكم فانظروا غير هذا الرأي فقال قائل أخرجوه من بين أظهركم واستريحوا منه فإنه إذا خرج لن يضركم ما صنع فقال الشيخ النجدي والله ما هذا لكم برأي ألم تروا حلاوة قوله وطلاقة لسانه وأخذه للقلوب بما يستمع من حديثه والله لئن فعلتم ثم استعرض العرب ليجتمعن عليه ثم ليسيرن إليكم حتى يخرجكم من بلادكم ويقتل أشرافكم قالوا صدق والله فانظروا رأيا غير هذا فقال أبو جهل والله لأشيرن عليكم برأي ما أراكم أبصرتموه بعد ما رأى غيره

قالوا وما هذا قال تأخذوا من كل قبيلة وسيطا شابا جلدا ثم يعطى كل غلام منهم سيفا صارما ثم يضربونه ضربة رجل وأحد فإذا قتلتموه تفرق دمه في القبائل كلها فلا أظن هذا الحي من بني هاشم يقدرون على حرب قريش كلهم وأنهم إذا رأوا ذلك قبلوا العقل واسترحنا وقطعنا عنا أذاه فقال النجدي هذا والله هو الرأي القول ما قال الفتى لا أرى غيره فتفرقوا على ذلك وهم مجمعون له فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت وأخبره بمكر القوم فلم يبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته تلك الليلة وأذن الله له عند ذلك في الخروج وأنزل عليه بعد قدومه المدينة يذكره نعمته عليه وإذ يمكر بك الذين كفروا الآية
وأخرج ابن جرير من طريق عبيد بن عمير عن المطلب بن أبي وداعة ان أبا طالب قال للنبي صلى الله عليه وسلم ما يأتمر بك قومك قال يريدون أن يسجنوني أو يقتلوني أو يخرجوني قال من حدثك بهذا قال ربي قال نعم الرب ربك فاستوص به خيرا قال استوصي به بل هو يستوصي بي فنزلت وإذ يمكر بك الذين كفروا الآية قال ابن كثير ذكر أبي طالب فيه غريب بل منكر لأن القصة ليلة إلهجرة وذلك بعد موت أبي طالب بثلاث سنين
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم، مذكره نعمه عليه: واذكر، يا محمد، إذ يمكر بك الذين كفروا من مشركي قومك كي يثبتوك.
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله " ليثبتوك ".
فقال بعضهم: معناه ليقيدوك.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك "، يعني: ليوثقوك.
... قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : " ليثبتوك "، ليوثقوك.
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك "، الآية، ليشدوك وثاقاً. وأرادوا بذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ بمكة.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ومقسم قالا: ((أوثقوه بالوثاق)).
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي : " ليثبتوك "، قال: ((الإثبات))، هو الحبس والوثاق.
وقال آخرون: بل معناه الحبس.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، سألت عطاء عن قوله: " ليثبتوك "، قال: يسجنوك، وقالها عبد الله بن كثير.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: قالوا: ((اسجنوه)).
وقال آخرون: بل معناه: ليسحروك.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن إسمعيل البصري المعروق بالوساوسي قال، حدثنا عبد المجيد بن أبي رواد، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن عبيد بن عمير، عن المطلب بن أبي وداعة: " أن أبا طالب قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يأتم به قومك؟ قال: يريدون أن يسحروني ويقتلوني ويخرجوني! فقال: من أخبرك بهذا؟قال: ربي! قال: نعم الرب ربك، فاستوص به خيراً! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أستوصي به؟ بل هو يستوصي بي خيراً! فنزلت: " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك "، الآية.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج ، قال عطاء : سمعت عبيد بن عمير يقول: " لما ائتمروا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليقتلوه أو يثبتوه أو يخرجوه، قال له أبو طالب: هل تدري ما ائتمروا بك؟ قال: فأخبره، قال: من أخبرك؟ قال: ربي! قال: نعم الرب ربك، استوص به خيراً! قال: أنا استوصي به، أو هو يستوصي بي؟
وكأن معنى مكر القوم رسول الله صلى الله عليه وسلم به ليثبتوه، كما:
حدثنا سعيد بن يحيى الأموي قال، حدثني أبي قال، حدثنا محمد بن إسحق، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد ، عن ابن عباس، قال وحدثني الكلبي، عن زاذن مولى أم هانىء، عن ابن عباس:أن نفراً من قريش من أشراف كل قبيلة، اجتمعوا ليدخلوا دار الندوة، فاعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل، فلما رأوه قالوا: من أنت؟ قال شيخ من نجد، سمعت أنكم اجتمعتم، فأردت أن أحضركم، ولن يعدمكم مني رأي ونصح. قالوا: أجل، ادخل! فدخل معهم، فقال: انظروا إلى شأن هذا الرجل، والله ليوشكن أن يواثبكم في أموركم بأمره قال: فقال قائل: احبسوه في وثاق، ثم تربصوا به ريب المنون، حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء، زهير والنابغة، إنما هو كأحدهم! قال: فصرخ عدو لله الشيخ النجدي فقال: والله، ما هذا لكم برأي! والله ليخرجنه ربه من محبسه إلى أصحابه، فليوشكن أن يثبتوا عليه حتى يأخذوه من أيديكم فيمنعوه منكم، فما آمن عليكم أن يخرجوكم من بلادكم! قالوا: فانظروا في غير هذا. قال: فقال قائل: فأخرجوه من بين أظهركم تستريحوا منه، فإنه إذا خرج لن يضركم ما صنع وأين وقع، إذا غاب عنكم أذاه واسترحتم، وكان أمره في غيركم. فقال الشيخ النجدي: والله ما هذا لكم برأي، ألم تروا حلاوة قوله، وطلاقة لسانه، وأخذ القلوب ما تسمع من حديثه؟ والله لئن فعلتم، ثم استعرض العرب، لتجتمعن عليكم، ثم ليأتين إليكم حتى يخرجكم من بلادكم ويقتل أشرافكم! قالوا: صدق والله! فانظروا رأياً غير هذا! قال: فقال أبو جهل: والله لأشيرن عليكم برأي ما أراكم أبصرتموه بعد، ماأرى غيره! قالوا: وما هو؟ قال: نأخذ من كل قبيلة غلاماً وسيطاً شاباً نهداً، ثم يعطى كل غلام منهم سيفاً صارماً، ثم يضربوه ضربة رجل واحد، فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل كلها، فلا أظن هذا الحي من بني هائم يقدرون على حرب قريش كلها، فإنهم إذا رأوا ذلك قبلوا العقل، واسترحنا وقطعنا عنا أذاه. فقال الشيخ النجدي: هذا والله الرأي، القول ما قال الفتى، لا أرى غيره! قال فتفرقوا على ذلك وهم مجمعون له، قال: فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فامره أن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه تلك الليلة، وأذن الله له عند ذلك بالخروج، وأنزل عليه بعد قدومه المدينة ((الأنفال))، يذكره نعمه عليه، وبلاءه عنده: " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين "، وأنزل في قولهم: ((تربصوا به ريب المنون، حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء)):
" أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون " [الطور: 30]. وكان يسمى ذلك اليوم: ((يوم الزحمة))، للذي اجتمعوا عليه من الرأي.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ومقسم في قوله: " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك "، قالا: تشاوروا فيه ليلة وهم بمكة، فقال بعضهم: إذا أصبح فأوثقوه بالوثاق. وقال بعضهم: بل اقتلوه. وقال بعضهم: بل أخرجوه. فلما أصبحوا رأوا علياً رحمة الله عليه، فرد الله مكرهم.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرني أبي، عن عكرمة قال: لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى الغار، أمر علي بن أبي طالب فنام في مضجعه، فبات المشركون يحرسونه، فإذ رأوه نائماً حسبوا أنه النبي صلى الله عليه وسلم فتركوه. فلما أصبحوا ثاروا إليه وهم يحسبون أنه النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا هم بعلي، فقالوا: أين صاحبك؟ قال:لا أدري! قال: فركبوا الصعب والذلول في طلبه.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا عبد الرزاق عن معمر قال، أخبرني عثمان الجزري:أن مقسماً مولى ابن عباس أخبره، عن ابن عباس في قوله: " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك "، قال: تشاورت قريش ليلة بمكة، فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق، يريدون النبي صلى الله عليه وسلم. وقال بعضهم: بل اقتلوه. وقال بعضهم:بل أخرجوه. فأطلع الله نبيه على ذلك، فبات علي رحمه الله على فراش النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار، وبات المشركون يحرسون علياً يحسبون أنه النبي صلى الله عليه وسلم. فلما أصبحوا ثاروا إليه، فلما رأوا علياً رحمة الله عليه، رد الله مكرهم، فقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري! فاقتصوا أثره، فلما أثره، فلما بلغوا الجبل ومروا بالغار، رأوا على بابه نسج العنكبوت، قالوا: لو دخل ههنا لم يكن نسج على بابه! فمكث فيه ثلاثاً.
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي : " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين "، قال: اجتمعت مشيخة قريش يتشاورون في النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما أسلمت الأنصار، وفرقوا أن يتعالى أمره إذا وجد ملجأ لجأ إليه. فجاء إبليس في صورة رجل من أهل نجد، فدخل معهم في دار الندوة، فلما أنكروه قالوا: من أنت؟ فوالله ما كل قومنا أعلمناهم مجلسنا هذا! قال: أنا رجل من أهل نجد، أسمع من حديثكم وأشير عليكم! فاستحيوا، فخلوا عنه. فقال بعضهم: خذوا محمداً إذا اضطجع على فراشه، فاجعلوه في بيت نتربص به ريب المنون- و((الريب))، هو الموت، و((المنون))، هو الدهر- قال إبليس: بئسما قلت! تجعلونه في بيت، فيأتي أصحابه فيخرجونه، فيكون بينكم قتال! قالوا: صدق الشيخ! قال: أخرجوه من قريتكم! قال إبليس: بئسما قلت! تخرجونه من قريتكم، وقد أفسد سفهاءكم، فيأتي قرية أخرى فيفسد سفهاءهم، فيأتي بالخيل والرجال! قالوا: صدق الشيخ! قال أبو جهل- وكان أولاهم بطاعة إبليس-: بل نعمد إلى كل بطن من بطون قريش، فنخرج منهم رجلاً، فنعطيهم السلاح، فيشدون على محمد جميعاً فيضربونه ضربة رجل واحد، فلا يستطيع بنو عبد المطلب أن يقتلوا قريشاً، فليس لهم إلا الدية! قال إبليس: صدق، وهذا الفتى هو أجودكم رأياً! فقاموا على ذلك. وأخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم، فنام على الفراش، وجعلوا عليه العيون. فلما كان في بعض الليل، انطلق هو وأبو بكر إلى الغار، ونام علي بن أبي طالب على الفراش، فذلك حين يقول الله: " ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك "، و((الإثبات))، هو الحبس والوثاق، وهو قوله: "وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا " [الإسراء: 76]، يقول:يهلكهم. فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، لقيه عمر فقال له: ما فعل القوم؟وهو يرى أنهم قد أهلكوا حين خرج النبي من بين أظهرهم، وكذلك كان يصنع بالأمم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أخروا بالقتال.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : " ليثبتوك أو يقتلوك "، قال: كفار قريش، أرادوا ذلك بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يخرج من مكة.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ، نحوه.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا هانىء بن سعيد، عن حجاج، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ، نحوه، إلا أنه قال: فعلوا ذلك بمحمد.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك "، الآية، هو النبي صلى الله عليه وسلم، مكروا به وهو بمكة.
حدثني يونس قل، أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك " إلى آخر الآية، قال:"اجتمعوا فتشاوروا في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: اقتلوا هذا الرجل. فقال بعضهم: لا يقتله رجل إلا قتله به! قالوا: خذوه فاسجنوه، واجعلوا عليه حديداً. قالوا: فلا يدعكم أهل بيته! قالوا: أخرجوه. قالوا:إذاً يستغوي الناس عليكم. قال: وإبليس معهم في صورة رجل من أهل نجد، واجتمع رأيهم أنه إذا جاء يطوف البيت ويستلم، أن يجتمعوا عليه فيغموه ويقتلوه، فإنه لا يدري أهله من قتله، فيرضون بالعقل، فنقتله ونستريح ونعقله! فلما أن جاء يطوف بالبيت، اجتمعوا عليه فغموه، فأتى أبو بكر فقيل له ذاك، فأتى فلم يجد مدخلاً. فلما أن لم يجد مدخلاً قال: " أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم " [غافر: 28]. قال: ثم فرجها الله عنه. فلما أن حط الليل، أتاه جبريل عليه السلام فقال، من أصحابك؟فقال: فلان وفلان وفلان. فقال:لا، نحن أعلم بهم منك، يا محمد، هم ناموس ليل! قال: وأخذ أولئك من مضاجعهم وهم نيام، فأتي بهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقدم أحدهم إلى جبريل فكحله ثم أرسله، فقال: ما صورته يا جبريل؟قال: كفيته يا نبي الله! ثم قدم آخر، فنقر فوق رأسه بعصاً نقرة ثم أرسله، فقال:ما صورته يا جبريل؟ فقال: كفيته يا نبي الله! ثم أتي بآخر فنقر في ركبته، فقال: ما صورته يا جبريل؟قال: كفيته! ثم أتي بآخر فسقاه مذقة، فقال: ما صورته يا جبريل؟ قال: كفيته يا نبي الله! وأتي بالخامس، فلما غدا من بيته، فمر بنبال فتعلق مشقص بردائه، فالتوى فقطع الأكحل من رجله. وأما الذي كحلت عيناه، فأصبح وقد عمي. وأماالذي سقي مذقةً، فأصبح وقد استسقى بطنه. وأما الذين نقر فوق رأسه، فأخذته النقبة - و((النقبة))، قرحة عظيمة - أخذته في رأسه. وأما الذي طعن في ركبته، فأصبح وقد أقعد. فذلك قول الله: " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين " ".
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق قوله: " ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين "، أي: فمكرت بهم بكيدي المتين، حتى خلصتك منهم.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج ، عن عكرمة قوله: " وإذ يمكر بك الذين كفروا "، قال: هذه مكية. قال ابن جريج ، قال مجاهد : هذه مكية.
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذاً: واذكر، يا محمد، نعمتي عندك، بمكري بمن حاول المكر بك من مشركي قومك، بإثباتك أو قتلك أو إخراجك من وطنك، حتى استنقذتك منهم وأهلكتهم، فامض لأمري في حرب من حاربك من المشركين، وتولى عن إجابة ما أرسلتك به من الدين القيم، ولا يرعبنك كثرة عددهم، فإن ربك خير الماكرين بمن كفر به، وعبد غيره، وخالف أمره ونهيه.
وقد بينا معنى ((المكر)) فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
هذا إخبار بما اجتمع عليه المشركون من المكر بالنبي صلى الله عليه وسلم في دار الندوة، فاجتمع رأيهم على قتله فبيتوه، ورصدوه على باب منزله طول ليلتهم ليقتلوه إذا خرج، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب أن ينام على فراشه، ودعا الله عز وجل أن يعمي عليهم آثره، فطمس الله على أبصارهم، فخرج وقد غشيهم النوم، فوضع على رؤوسهم تراباً ونهض. فلما أصبحوا خرج عليهم علي فأخبرهم أن ليس في الدار أحد، فعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فات ونجا. الخبر مشهور في السيرة وغيرها. ومعنى ليثبتوك ليحبسوك، يقال: أثبته إذا حبسته. وقال قتادة: ليثبتوك وثاقاً. وعنه أيضاً وعبد الله بن كثير: ليسجنوك. وقال أبان بن تغلب وأبو حاتم: ليثخنوك بالجراحات والضرب الشديد. قال الشاعر:
فقلت ويحكما ما في صحيفتكم قالوا الخليفة أمسى مثبتاً وجعا
"أو يقتلوك أو يخرجوك" عطف. "ويمكرون" مستأنف. والمكر: التدبير في الأمر في خفية. "والله خير الماكرين" ابتداء وخبر. والمكر من الله هو جزاؤهم بالعذاب على مكرهم من حيث لا يشعرون.
قال ابن عباس ومجاهد وقتادة "ليثبتوك" ليقيدوك, وقال عطاء وابن زيد: ليحبسوك , وقال السدي: الإثبات هو الحبس والوثاق, وهذا يشمل ما قاله هؤلاء وهؤلاء وهو مجمع الأقوال, وهو الغالب من صنيع من أراد غيره بسوء, وقال سنيد عن حجاج عن ابن جريج: قال عطاء: سمعت عبيد بن عمير يقول: لما ائتمروا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه. قال له عمه أبو طالب: هل تدري ما ائتمروا بك ؟ قال "يريدون أن يسحروني أو يقتلوني أو يخرجوني". فقال: من أخبرك بهذا ؟ قال "ربي" قال: نعم الرب ربك استوص به خيراً. قال "أنا استوصي به, بل هو يستوصي بي" .
وقال أبو جعفر بن جرير: حدثني محمد بن إسماعيل المصري المعروف بالوساوسي , أخبرنا عبد الحميد بن أبي داود عن ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن المطلب بن أبي وداعة أن أبا طالب قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يأتمر بك قومك ؟ قال "يريدون أن يسحروني أو يقتلوني أو يخرجوني". فقال: من أخبرك بهذا ؟ قال "ربي". قال: نعم الرب ربك فاستوص به خيراً. قال "أنا استوصي به, بل هو يستوصي بي". قال: فنزلت "وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك" الاية. وذكر أبي طالب في هذا غريب جداً, بل منكر, لأن هذه الاية مدنية, ثم إن هذه القصة واجتماع قريش على هذا الائتمار والمشاورة على الإثبات أو النفي أو القتل إنما كان ليلة الهجرة سواء, وكان ذلك بعد موت أبي طالب بنحو من ثلاث سنين لما تمكنوا منه واجترؤوا عليه بسبب موت عمه أبي طالب الذي كان يحوطه وينصره ويقوم بأعبائه, والدليل على صحة ما قلنا ما روى الإمام محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال: وحدثني الكلبي عن باذان مولى أم هانىء عن ابن عباس أن نفراً من قريش من أشراف كل قبيلة اجتمعوا ليدخلوا دار الندوة فاعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل فلما رأوه قالوا له من أنت ؟ قال شيخ من أهل نجد, سمعت أنكم اجتمعتم فأردت أن أحضركم ولن يعدمكم رأيي ونصحي. قالوا: أجل, ادخل, فدخل معهم, فقال: انظروا في شأن هذا الرجل, والله ليوشكن أن يواثبكم في أمركم بأمره. فقال قائل منهم: احبسوه في وثاق ثم تربصوا به ريب المنون حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء زهير والنابغة إنما هو كأحدهم. قال: فصرخ عدو الله الشيخ النجدي فقال: والله ما هذا لكم برأي والله ليخرجنه ربه من محبسه إلى أصحابه فليوشكن أن يثبوا عليه حتى يأخذوه من أيديكم فيمنعوه منكم, فما آمن عليكم أن يخرجوكم من بلادكم, قالوا: صدق الشيخ فانظروا في غير هذا. قال قائل منهم: أخرجوه من بين أظهركم فتستريحوا منه فإنه إذا خرج لن يضركم ما صنع وأين وقع إذا غاب عنكم أذاه واسترحتم وكان أمره في غيركم. فقال الشيخ النجدي: والله ما هذا لكم برأي ألم تروا حلاوة قوله وطلاقة لسانه. وأخذ القلوب ما تسمع من حديثه ؟ والله لئن فعلتم ثم استعرض العرب ليجتمعن عليه ثم ليأتين إليكم حتى يخرجكم من بلادكم ويقتل أشرافكم. قالوا: صدق والله, فانظروا رأياً غير هذا. قال: فقال أبو جهل لعنه الله, والله لأشيرن عليكم برأي ما أركم أبصرتموه بعد, لا أرى غيره. قالوا: وما هو ؟ قال: تأخذون من كل قبيلة غلاماً شاباً وسيطاً نهداً, ثم يعطى كل غلام منهم سيفاً صارماً, ثم يضربونه ضربة رجل واحد, فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل كلها, فما أظن هذا الحي من بني هاشم يقوون على حرب قريش كلها. فإنهم إذا رأوا ذلك, قبلوا العقل واسترحنا وقطعنا عنا أذاه. قال: فقال الشيخ النجدي: هذا والله الرأي, القول ما قال الفتى, لا أرى غيره. قال: فتفرقوا على ذلك وهم مجمعون له. فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه وأخبره بمكر القوم فلم يبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته تلك الليلة وأذن الله له عند ذلك بالخروج وأنزل الله عليه بعد قدومه المدينة الأنفال يذكر نعمه عليه وبلاءه عنده "وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" وأنزل في قولهم تربصوا به ريب المنون حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء, "أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون" فكان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة للذي اجتمعوا عليه من الرأي, وعن السدي نحو هذا السياق وأنزل الله في إرادتهم إخراجه قوله تعالى: "وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذاً لا يلبثون خلافك إلا قليلاً" وكذا روى العوفي عن ابن عباس, وروي عن مجاهد وعروة بن الزبير وموسى بن عقبة وقتادة ومقسم وغير واحد نحو ذلك, وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظر أمر الله حتى إذا اجتمعت قريش فمكرت به وأرادوا به ما أرادوا أتاه جبريل عليه السلام فأمره أن لا يبيت في مكانه الذي كان يبيت فيه فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فأمره أن يبيت على فراشه ويتسجى ببرد له أخضر ففعل ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على القوم وهم على بابه, وخرج معه بحفنة من تراب فجعل يذرها على رؤوسهم وأخذ الله بأبصارهم عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ " يس * والقرآن الحكيم * إنك لمن المرسلين * على صراط مستقيم * تنزيل العزيز الرحيم * لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون * لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون * إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون * وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون ", وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: روي عن عكرمة ما يؤكد هذا, وقد روى ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه من حديث عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس, قال: دخلت فاطمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تبكي فقال: "ما يبكيك يا بنية ؟" قالت يا أبت ومالي لا أبكي وهؤلاء الملأ من قريش في الحجر يتعاهدون باللات والعزى, ومناة الثالثة الأخرى لو قد رأوك لقاموا إليك فيقتلونك وليس منهم إلا من قد عرف نصيبه من دمك, فقال: "يا بنية ائتني بوضوء" فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج إلى المسجد فلما رأوه قالوا: ها هو ذا فطأطأوا رؤوسهم وسقطت رقابهم بين أيديهم فلم يرفعوا أبصارهم فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من تراب فحصبهم بها وقال: "شاهت الوجوه" فما أصاب رجلاً منهم حصاة من حصياته إلا قتل يوم بدر كافراً, ثم قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه, ولا أعرف له علة. وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر أخبرني عثمان الجزري, عن مقسم مولى ابن عباس أخبره ابن عباس في قوله: "وإذ يمكر بك" الاية قال: تشاورت قريش ليلة بمكة فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق يريدون النبي صلى الله عليه وسلم, وقال بعضهم بل اقتلوه, وقال بعضهم: بل أخرجوه فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك فبات علي رضي الله عنه على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم, وخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار وبات المشركون يحرسون علياً يحسبونه النبي صلى الله عليه وسلم, فلما أصبحوا ثاروا إليه فلما رأوا علياً رد الله تعالى مكرهم فقالوا: أين صاحبك هذا ؟ قال لا أدري, فاقتصوا أثره فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم فصعدوا في الجبل فمروا بالغار فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا لو دخل ههنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه فمكث فيه ثلاث ليال, وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير في قوله "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" أي فمكرت بهم بكيدي المتين حتى خلصتك منهم.
قوله: 30- "وإذ يمكر بك الذين كفروا" الظرف معمول لفعل محذوف: أي واذكر يا محمد وقت مكر الكافرين بك أو معطوف على ما تقدم من قوله واذكروا ذكر الله رسوله هذه النعمة العظمى التي أنعم بها عليه، وهي نجاته من مكر الكافرين وكيدهم كما سيأتي بيانه "ليثبتوك" يثبتوك بالجراحات كما قال ثعلب وأبو حاتم وغيرهما، وعنه قول الشاعر:
فقلت ويحكم ما في صحيفتكم قالوا الخليفة أمسى مثبتاً وجعا
وقيل: المعنى ليحبسوك، يقال أثبته: إذا حبسه، وقيل: ليوثقوك، ومنه: "فشدوا الوثاق". وقرأ الشعبي: " يبيتون " من البيات. وقرئ ليثبتوك بالتشديد. "أو يخرجوك" معطوف على ما قبله: أي يخرجوك من مكة التي هي بلدك وبلد أهلك، وجملة "ويمكرون ويمكر الله" مستأنفة، والمكر: التدبير في الأمر في خفية، والمعنى: أنهم يخفون ما يعدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم من المكايد فيجازيهم الله على ذلك ويرد كيدهم في نحورهم، وسمى ما يقع منه تعالى مكراً مشاكلة كما في نظائره "والله خير الماكرين" أي المجازين لمكر الماكرين بمثل فعلهم فهو يعذبهم على مكرهم من حيث لا يشعرون، فيكون ذلك أشد ضرراً عليهم وأعظم بلاء من مكرهم.
30 - قوله تعالى : " وإذ يمكر بك الذين كفروا " ، هذه الآية معطوفة [ على قوله ] :" واذكروا إذ أنتم قليل " ، واذكر إذ يمكر بك الذين كفروا ، وإذا قالوا اللهم ، لأن هذه السورة مدنية وهذا المكر والقول إنما كانا بمكة، ولكن الله ذكرهم بالمدينة كقوله تعالى " إلا تنصروه فقد نصره الله " ( التوبة - 40 ) وكان هذا المكر على ما ذكره ابن عباس وغيره من أهل التفسير:
أن قريشاً فرقوا لما أسلمت الأنصار أن يتفاقم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاجتمع نفر من كبارهم في دار الندوة ، ليتشاوروا في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت رؤوسهم : عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وأبو جهل بن هشام ، وأبو سفيان ، وطعيمة بن عدي ، وشيبة بن ربيعة ، والنضر بن الحارث ، وأبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود ، وحكيم بن حزام ، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج ، وأمية بن خلف ، فاعترضهم إبليس في صورة شيخ ، فلما رأوه قالوا : من أنت ؟ قال : شيخ من نجد ، سمعت باجتماعكم ، فأردت أن تأخذوا محمداً وتحبسوه في بيت ، وتشدوا وثاقه ، وتسدوا باب البيت غير كوة تلقون إليه طعامه وشرابه ، وتتربصوا به ريب المنون حتى يهلك فيه ، كما هلك من كان قبله من الشعراء . قال : فصرخ عدو الله الشيخ النجدي وقال : بئس الرأي رأيتم والله لئن حبستموه في بيت فخرج أمره من وراء الباب الذي غلقتم دونه إلى أصحابه فيوشك أن يثبوا عليكم ويقاتلوكم ويأخذوه من أيديكم ، قالوا : صدق الشيخ ، فقال هشام بن عمرو من بني عامر بن لؤي : أما أنا فأرى أن تحملوه على بعير تخرجوه من أظهركم فلا يضركم ما صنع ولا أين وقع وإذا غاب عنكم واسترحتم منه ، فقال إبليس : ما هذا لكم برأي تعتمدون عليه ، تعمدون إلى رجل قد أفسد أحلامكم فتخرجوه إلى غيركم فيفسدهم ألم تروا إلى حلاوة منطقه و حلاوة لسانه وأخذ القلوب بما تسمع من حديثه ؟ والله لئن فعلتم ذلك ليذهبن وليستميل قلوب قوم ثم يسير بهم إليكم فيخرجكم من بلادكم ، قالوا: صدق الشيخ : فقال أبو جهل والله لأشيرن عليكم برأي ما أرى غيره إني أرى أن تأخذوا من كل بطن من قريش شاباً نسيباً وسيطاً فتياً ثم يعطى كل فتى منهم سيفاً صارماً ، ثم يضربوه ضربة رجل واحد ، فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل كلها ولا أظن هذا الحي من بني هاشم يقوون على حرب قريش كلها ، وأنهم إذا رأوا ذلك قبلوا العقل فتؤدي قريش ديته ، فقال إبليس : صدق هذا الفتى ، وهو أجودكم رأياً ، القول ما قال لا أرى رأياً غيره فتفرقوا على قول أبي جهل وهم مجمعون له . فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بذلك وأمره أن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه ، وأذن الله له عند ذلك بالخروج إلى المدينة ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب أن ينام في مضجعه وقال له : تسيح ببردتي هذه فإنه لن يخلص إليك منهم أمر تكرهه ، ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ قبضة من تراب فأخذ الله أبصارهم عنه فجعل ينثر التراب على رؤوسهم وهو يقرأ " إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً " إلى قوله " فهم لا يبصرون " ( سورة يس - 8/9 ) ومضى إلى الغار من ثور هو وأبو بكر ، وخلف علياً بمكة حتى يؤدي عنه الودائع التي قبلها وكانت الودائع تودع عنده صلى الله عليه وسلم لصدقه وأمانته ، وبات المشركون يحرسون علياً في فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم يحسبون أنه النبي صلى الله عليه وسلم فلما أصبحوا ثاروا إليه فرأوا علياً رضي الله عنه ، فقالوا : أين صاحبك ؟ قال : لا أدري ، فاقتصوا أثره وأرسلوا في طلبه فلما بلغوا الغار رأوا على بابه نسج العنكبوت ، فقالوا : لو دخله لم يكن نسج العنكبوت على بابه ، فمكث فيه ثلاثاً ،ثم قدم المدينة ، ذلك قوله تعالى : " وإذ يمكر بك الذين كفروا " .
" ليثبتوك " ، ليحبسوك ويسجنوك ويوثقوك ، " أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله " ، قال الضحاك : يصنعون ويصنع الله ، والمكر والتدبير وهو من الله التدبير بالحق . وقيل : يجازيهم جزاء المكر " والله خير الماكرين " .
30. " وإذ يمكر بك الذين كفروا " تذكار لما مكر قريش به حين كان بمكة ليشكر نعمة الله في خلاصه. من مكرهم واستيلائه عليهم ، والمعنى واذكر إذ يمكرون بك . " ليثبتوك " بالوثاق أو الحبس ،او الإثخان بالجرح من قولهم ضربه حتى أثبته لا حراك به ولا براح ، وقرئ " ليثبتوك " بالتشديد ( وليبيتوك ) من البيات ( وليقيدوك ) . " أو يقتلوك " بسيوفهم . " أو يخرجوك " من مكة ، وذلك أنهم لما سمعوا بإسلام الأنصار ومبايعتهم فرقوا واجتمعوا في دار الندوة متشاورين في أمره ، فدخل عليهم إبليس في صورة شيخ وقال: أنا من نجد سمعت اجتماعكم فأردت أن أحضركم ولن تعدموا منى رأياً ونصحاً فقال أبو البحتري : رأيي أن تحبسون في بيت وتسدوا منافذه غير كوة تلقون إليه طعامه وشرابه منها حتى يموت ن فقال الشيخ بئس الرأي يأتيكم من يقاتلكم من قومه ويخلصه من أيديكم ، فقال هشام بن عمر ورأيي أن تحملوه على جمل فتخرجوه من أرضكم فلا يضركم ما صنع، فقال بئس الرأي يفسد قوماً غيركم ويقاتلكم بهم ، فقال أبو جهل أنا أرى أن تأخذوا من كل بطن غلاماً وتعطوه سيفاً صارماً فيضربوه ضربة واحدة فيتفرق دمه في القبائل ، فلا يقوى بنو هاشم على حرب قريش كلهم ، فإذا طلبوا العقل عقلناه . فقال صدق هذا الفتى فتفرقوا على رأيه ،فأتى جبريل النبي عليهما السلام وأخبره الخبر وأمره بالهجرة ، فبيت علياً رضي الله تعالى عنه في مضجعه وخرج مع أبي بكر رضي الله تعالى عنه إلى الغار . " ويمكرون ويمكر الله " برد مكرهم عليهم ، أو بمجازاتهم عليه ، أو بمعاملة الماكرين معهم بأن أخرجهم إلى بدر وقلل المسلمين في أعينهم حتى حملوا عليهم فقتلوا ." والله خير الماكرين " إذ لا يؤبه مكرهم دون مكره ، وإسناد أمثال هذا ما يحسن للمزاوجة ولا يجوز إطلاقها ابتداء لما فيه من إيهام الذم .
30. And when those who disbelieve plot against thee (O Muhammad) to wound thee fatally, or to kill thee or to drive thee forth; they plot, but Allah (also) plotteth; and Allah is the best of plotters.
30 - Remember how the unbelievers plotted against thee, to keep thee in bonds, or slay thee, or get thee out (of thy home). they plot and plan, and God too plans, but the best of planners is God.