[الأنفال : 27] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ
27 - ونزل في أبي لبابة مروان بن عبد المنذر وقد بعثه إلى بني قريظة لينزلوا على حكمه فاستشاروه فأشار إليهم أنه الذبح لأن عياله وماله فيهم (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول) ولا (وتخونوا أماناتكم) ما ائتمنتم عليه من الدين وغيره (وأنتم تعلمون)
قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله روى سعيد بن منصور وغيره عن عبد الله بن أبي قتادة قال نزلت هذه الآية لا تخونوا الله والرسول في أبي لبابة بن عبد المنذر سأله بنو قريظة يوم قريظه ما هذا الأمر فأشار إلى حلقة يقول الذبح فنزلت قال أبو لبابة ما زالت قدماي حتى علمت أني خنت الله وسوله
ك وروى ابن جرير وغيره عن جابر بن عبد الله أن أبا سفيان خرج من مكة فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أبا سفيان بمكان كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أبا سفيان في مكان كذا وكذا فاخرجوا اليه واكتموا فكتب رجل من المنافقين إلى أبي سفيان ان محمد يريدكم فخذوا حذركم فأنزل الله لا تخونوا الله والرسول الآية غريب جدا في سنده وسياقة نظر وأخرج ابن جرير عن السدي قال كانوا يسمعون من النبي صلى الله عليه وسلم الحديث فيفشونه حتى يبلغ المشركين فنزلت
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين بالله ورسوله من أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله، " لا تخونوا الله "، وخيانتهم الله ورسوله، كانت بإظهار من أظهر منهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين الإيمان في الظاهر والنصيحة، وهو يستسر الكفر والغش لهم في الباطن، يدلون المشركين على عورتهم، ويخبرونهم بما خفي عنهم من خبرهم.
وقد اختلف أهل التأويل فيمن نزلت هذه الآية، وفي السبب الذي نزلت فيه.
فقال بعضهم: نزلت في منافق كتب إلى أبي سفيان يطلعه على سر المسلمين.
ذكر من قال ذلك:
"حدثنا القاسم بن بشر معروف قال، حدثنا شبابة بن سوار قال، حدثنا محمد المحرم قال: لقيت عطاء بن أبي رباح فحدثني قال، حدثني جابر بن عبد الله: أن أبا سفيان خرج من مكة، فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبا سفيان في مكان كذا وكذا! فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: إن أبا سفيان في مكان كذا وكذا، فاخرجوا إليه واكتموا! قال: فكتب رجل من المنافقين إلى أبي سفيان: ((إن محمداً يريدكم، فخذوا حذركم))! فأنزل الله عز وجل: " لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم " " .
وقال آخرون: بل نزلت في أبي لبابة، في الذي كان من أمره وأمر بني قريظة. ذكر من قال ذلك.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو سفيان، عن معمر، عن الزهري قوله: " لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم "، قال: نزلت في أبي لبابة، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إلى حلقه: إنه الذبح - قال الزهري : فقال أبو لبابة: لا والله، لا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى أموت أو يتوب الله علي! فمكث سبعة أيام لا يذوق طعاماً ولا شراباً حتى خر مغشياً عليه، ثم تاب الله عليه. فقيل له: يا أبا لبابة، قد تيب عليك! قال: والله لا أحل نفسي حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلني. فجاءه فحله بيده. ثم قال أبو لبابة: إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت بها الذنب، وأن أنخلع من مالي! قال: يجزيك الثلث أن تصدق به.
حدثني المنثى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة قال، حدثنا إسمعيل بن أبي خالد قال: سمعت عبد الله بن أبي قتادة يقول: نزلت: " يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون "، في أبي لبابة.
وقال آخرون: بل نزلت في شأن عثمان رحمة الله عليه.
ذكر من قال ذلك:
حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا يونس بن الحارث الطائفي قال، حدثنا محمد بن عبيد الله بن عون الثقفي، عن المغيرة بن شعبة قال: نزلت هذه الآية في قتل عثمان رحمة الله عليه: " يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول "، الآية.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله نهى المؤمنين عن خيانته وخيانة رسوله، وخيانة أمانته، وجائز أن تكون نزلت في أبي لبابة، وجائز أن تكون نزلت في غيره، ولا خبر عندنا بأي ذلك كان يجب التسليم له بصحته.
فمعنى الآية وتأويلها ما قدمنا ذكره.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول "، قال: نهاكم أن تخونوا الله والرسول، كما صنع المنافقون.
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي : " لا تخونوا الله والرسول " الآية، قال: كانوا يسمعون من النبي صلى الله عليه وسلم الحديث فيفشونه حتى يبلغ المشركين.
واختلفوا في تأويل قوله: " وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون ".
فقال بعضهم: لا تخونوا الله والرسول، فإن ذلك خيانة لأماناتكم وهلاك لها.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي : " يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم "، فإنهم إذا خانوا الله والرسول فقد خانوا أماناتهم.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق : " يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون "، أي: لا تظهروا لله من الحق ما يرضى به منكم، ثم تخالفوه في السر إلى غيره، فإن ذلك هلاك لأماناتكم، وخيانة لأنفسكم.
قال أبو جعفر: فعلى هذا التأويل قوله: " وتخونوا أماناتكم "، في موضع نصب على الصرف، كما قال الشاعر:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
ويروى: ((وتأتي مثله)).
وقال آخرون: معناه: لا تخونوا الله والرسول، ولا تخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: " يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم "، يقول: " لا تخونوا "، يعني: لا تنقصوها.
قال أبو جعفر: فعلى هذا، التأويل: لا تخونوا الله والرسول، ولا تخونوا أماناتكم.
واختلف أهل التأويل في معنى: الأمانة، التي ذكرها الله في قوله: " وتخونوا أماناتكم ".
فقال بعضهم: هي ما يخفى عن أعين الناس من فرائض الله.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: " وتخونوا أماناتكم "، و((الأمانة))، الأعمال التي أمن الله عليها العباد، يعني الفريضة. يقول: " لا تخونوا "، يعني: لا تنقصوها.
حدثنا علي بن داود قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله : " يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله "، يقول: بترك فرائضه، " والرسول "، يقول: بترك سننه، وارتكاب معصيته، قال: وقال مرة أخرى: " لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم "، و((الأمانة))، الأعمال، ثم ذكر نحو حديث المثنى.
وقال آخرون: معنى ((الأمانات))، ههنا، الدين.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " وتخونوا أماناتكم "، دينكم، " وأنتم تعلمون "، قال:قد فعل ذلك المنافقون وهم يعلمون أنهم كفار يظهرون الإيمان. وقرأ: " وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى " [النساء: 142]. قال: هؤلاء المنافقون، أمنهم الله ورسوله على دينه، فخانوا، وأظهروا الإيمان وأسروا الكفر.
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذاً: يا أيها الذين آمنوا، لا تنقصوا الله حقوقه عليكم من فرائضه، ولا رسوله من واجب طاعته عليكم، ولكن أطيعوهما فيما أمراكم به ونهياكم عنه، لا تنقصوهما، " وتخونوا أماناتكم "، وتنقصوا أديانكم وواجب أعمالكم ولازمها لكم، " وأنتم تعلمون "، أنها لازمة عليكم، واجبة بالحجج التي قد ثبتت لله عليكم.
روي أنها نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر حين أشار إلى بني قريظة بالذبح. قال أبو لبابة:
والله ما زالت قدماي حتى علمت أني قد خنت الله ورسوله، فنزلت هذه الآية. فلما نزلت شد نفسه إلى سارية من سواري المسجد، وقال: والله لا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى أموت، أو يتوب الله علي. الخبر مشهور. وعن عكرمة قال:
لما كان شأن قريظة بعث النبي صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله عنه فيمن كان عنده من الناس، فلما انتهى إليهم وقعوا في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء جبريل عليه السلام على فرس أبلق فقالت عائشة رضي الله عنها: فلكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح الغبار عن وجه جبريل عليهما السلام، فقلت: هذا دحية يا رسول الله؟ فقال: هذا جبريل عليه السلام. قال: يا رسول الله ما يمنعك من بني قريظة أن تأتيهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فكيف لي بحصنهم؟ فقال جبريل: فإني أدخل فرسي هذا عليهم. فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً معرورىً، فلما رآه علي رضي الله عنه قال: يا رسول الله، لا عليك ألا تأتيهم، فإنهم يشتمونك. فقال: كلا إنها ستكون تحية. فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا إخوة القردة والخنازير فقالوا: يا أبا القاسم، ما كنت فحاشاً! فقالوا: لا ننزل على حكم محمد، ولكنا ننزل على حكم سعد بن معاذ، فنزل. فحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بذلك طرقني الملك سحراً فنزل فيهم "يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون". نزلت في أبي لبابة، أشار إلى بني قريظة حين قالوا: ننزل على حكم سعد بن معاذ، لا تفعلوا فإنه الذبح، وأشار إلى حلقه. وقيل: نزلت الآية في أنهم كانوا يسمعون الشيء من النبي صلى الله عليه وسلم فيلقونه إلى المشركين ويفشونه. وقيل: المعنى بغلول الغنائم. ونسبتها إلى الله، لأنه هو الذي أمر بقسمتها. وإلى الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه المؤدي عن الله عز وجل والقيم بها. والخيانة: الغدر وإخفاء الشيء، ومنه: "يعلم خائنة الأعين" [غافر: 19] و"كان عليه السلام يقول:
اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع ومن الخيانة فإنها بئست البطانة". خرجه النسائي عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول....، فذكره. "وتخونوا أماناتكم" في موضع جزم، نسقاً على الأول. وقد يكون على الجواب، كما يقال: لا تأكل السمك وتشرب الللبن. والأمانات: الأعمال التي ائتمن الله عليها العباد. وسميت أمانة لأنها يؤمن معها من منع الحق، مأخوذة من الأمن. وقد تقدم في النساء القول في أداء الأمانات والودائع وغير ذلك. "وأنتم تعلمون" أي ما في الخيانة من القبح والعار. وقيل: تعلمون أنها أمانة.
قال عبد الرزاق بن أبي قتادة والزهري: أنزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة لينزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشاروه في ذلك فأشار عليهم بذلك وأشار بيده إلى حلقه, أي إنه الذبح, ثم فطن أبو لبابة ورأى أنه قد خان الله ورسوله, فحلف لا يذوق ذواقاً حتى يموت أو يتوب الله عليه, وانطلق إلى مسجد المدينة فربط نفسه في سارية منه, فمكث كذلك تسعة أيام حتى كان يخر مغشياً عليه من الجهد حتى أنزل الله توبته على رسوله, فجاء الناس يبشرونه بتوبة الله عليه, وأرادوا أن يحلوه من السارية, فحلف لا يحله منها إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده, فحله, فقال: يا رسول الله: إني كنت نذرت أن أنخلع من مالي صدقة, فقال "يجزيك الثلث أن تصدق به". وقال ابن جرير: حدثني الحارث حدثنا عبد العزيز حدثنا يونس بن الحارث الطائفي حدثنا محمد بن عبيد الله بن عون الثقفي عن المغيرة بن شعبة قال: نزلت هذه الاية في قتل عثمان, رضي الله عنه "يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول" الاية.
وقال ابن جرير أيضاً: حدثنا القاسم بن بشر بن معروف حدثنا شبابة بن سوار حدثنا محمد بن المحرم قال لقيت عطاء بن أبي رباح فحدثني قال: حدثني جابر بن عبد الله أن أبا سفيان خرج من مكة فأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبا سفيان بمكان كذا وكذا, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن أبا سفيان في موضع كذا وكذا فاخرجوا إليه واكتموا" فكتب رجل من المنافقين إليه إن محمداً يريدكم فخذوا حذركم فأنزل الله عز وجل "لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم" الاية, هذا حديث غريب جداً, وفي سنده وسياقه نظر, وفي الصحيحين قصة حاطب بن أبي بلتعة أنه كتب إلى قريش يعلمهم بقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم عام الفتح, فأطلع الله رسوله على ذلك, فبعث في إثر الكتاب فاسترجعه واستحضر حاطباً فأقر بما صنع, وفيها فقام عمر بن الخطاب فقال يا رسول الله: ألا أضرب عنقه, فإنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين ؟ فقال: "دعه فإنه قد شهد بدراً, وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم". قلت: والصحيح أن الاية عامة, وإن صح أنها وردت على سبب خاص, فالأخذ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب عند الجماهير من العلماء. والخيانة تعم الذنوب الصغار والكبار اللازمة والمتعدية. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "وتخونوا أماناتكم" الأمانة, الأعمال التي ائتمن الله عليها العباد, يعني الفريضة. يقول: "لا تخونوا" لا تنقضوها. وقال في رواية: "لا تخونوا الله والرسول", يقول بترك سنته وارتكاب معصيته.
وقال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير في هذه الاية, أي لا تظهروا له من الحق ما يرضى به منكم, ثم تخالفوه في السر إلى غيره, فإن ذلك هلاك لأماناتكم, وخيانة لأنفسكم. وقال السدي: إذا خانوا الله والرسول فقد خانوا أماناتهم, وقال أيضاً: كانوا يسمعون من النبي صلى الله عليه وسلم الحديث فيفشونه حتى يبلغ المشركين, وقال عبد الرحمن بن زيد: نهاكم أن تخونوا الله والرسول كما صنع المنافقون, وقوله "واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة", أي اختبار وامتحان منه لكم إذ أعطاكموها ليعلم أتشكرونه عليها وتطيعونه فيها أو تشتغلون بها عنه وتعتاضون بها منه كما قال تعالى: "إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم" وقال "ونبلوكم بالشر والخير فتنة". وقال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ". وقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم" الاية, وقوله "وأن الله عنده أجر عظيم" أي ثوابه وعطاؤه وجناته خير لكم من الأموال والأولاد, فإنه قد يوجد منهم عدو, وأكثرهم لا يغني عنك شيئاً, والله سبحانه هو المتصرف المالك للدنيا والاخرة ولديه الثواب الجزيل يوم القيامة. وفي الأثر يقول الله تعالى: يا ابن آدم, اطلبني تجدني, فإن وجدتني وجدت كل شيء, وإن فتك فاتك كل شيء, وأنا أحب إليك من كل شيء, وفي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "ثلاث من كن فيه, وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما, ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله, ومن كان أن يلقى في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه", بل حب رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدم على الأولاد والأموال والنفوس, كما ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وأهله وماله والناس أجمعين".
والخون أصله كما في الكشاف: النقص كما أن الوفاء التمام، ثم استعمل في ضد الأمانة والوفاء، لأنك إذا خنت الرجل في شيء فقد أدخلت عليه النقصان، وقيل معناه: الغدر وإخفاء الشيء. ومنه قوله تعالى: "يعلم خائنة الأعين" نهاهم الله عن أن يخونوه بترك شيء مما افترضه عليهم، أو يخونوا رسوله بترك شيء مما أمهنهم عليه، أو بترك شيء مما سنه لهم، أو يخونوا شيئاً من الأمانات التي اؤتمنوا عليها، وسميت أمانات لأنه يؤمن معها من منع الحق، مأخذوة من الأمن، وجملة 27- "وأنتم تعلمون" في محل نصب على الحال: أي وأنتم تعلمون أن ذلك الفعل خيانة فتفعلون الخيانة عن عمد، أو أنتم من أهل العلم لا من أهل الجهل.
27 - " يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول " ، قال السدي : كانوا يسمعون الشيء من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيفشونه ، حتى يبلغ المشركين .
وقال الزهري و الكلبي : نزلت الآية في أبي لبابة ، هارون بن عبد المنذر الأنصاري ، من بني عوف بن مالك ، وذلك "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر يهود بني قريظة إحدى وعشرين ليلة ، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلح على ما صالح عليه إخوانهم من بني النضير ،على أن يسيروا إلى إخوانهم إلى أذرعات و أريحاء من أرض الشام ، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم ذلك إلا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ ، فأبوا وقالوا : أرسل إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر ، وكان مناصحاً لهم ، لأن ماله وولده وعياله كانت عندهم ، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وآتاهم ، فقالوا له : يا أبا لبابة ما ترى أننزل على حكم سعد بن معاذ ؟ فأشار أبو لبابة بيده إلى حلقة أنه الذبح ،فلا تفعلوا ، قال أبو لبابة : والله ما زالت قدماي في مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله ثم انطلق على وجهه ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم وشد نفسه على سارية من سواري المسجد وقال : والله لا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى أموت أو يتوب الله علي فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره قال : أما لو جاءني لاستغفرت له فأما إذ فعل ما فعل فإني لا أطلقه حتى يتوب الله عليه ، فمكث سبعة أيام ، لا يذوق طعاماً ولا شراباً حتى خر مغشياً عليه ثم تاب الله عليه ، فقيل له : يا أبا لبابة قد تيب عليك ، فقال : لا والله لا أحل نفسي حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلني ، فجاءه فحله بيده ، ثم قال أبو لبابة : يا رسول الله إن من تمام توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأن أنخلع من مالي كله ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا يجزيك الثلث فتصدق به فنزلت فيه " لا تخونوا الله والرسول "" .
" وتخونوا أماناتكم " ، أي : [ ولا تخونوا أماناتكم ] ، " وأنتم تعلمون " ، أنها أمانة . وقيل : وأنتم تعلمون أن ما فعلتم ، من الإشارة إلى الحلق ،خيانة
قال السدي : إذا خانوا الله والرسول فقد خانوا أماناتهم .
وقال ابن عباس : لا تخونوا الله بترك فرائضه والرسول بترك سنته وتخونوا أمانتكم .
قال ابن عباس : هي ما يخفى عن أعين الناس من فرائض الله ، والأعمال التي ائتمن الله عليها .
قال قتادة : اعلموا أن دين الله أمانة فأدوا إلى الله عز وجل ما ائتمنكم عليه من فرائض وحدوده ،ومن كانت عليه أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها .
27. " يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول " بتعطيل الفرائض والسنن ، أو بأن تضمروا خلاف ما تظهرون ن أو بالغلول في المغانم . وروي : "أنه عليه الصلاة والسلام حاصر بني قريظة إحدى وعشرين ليلة ، فسألوه الصلح كما صالح إخوانهم بين النضير على سعد بن معاذ فأبوا وقالوا : أرسل إلينا أبا لبابة وكان مناصحاً لهم لأن عياله وماله في أيديهم ، فبعثه إليهم فقالوا ما ترى هل ننزل على حكم سعد بن معاذ ، فأشار إلى حلقه أنه الذبح ، قال أبو لبابة : فما زالت قدماي حتى علمت أني قد خنت الله ورسوله فنزلت . فشد نفسه على سارية في المسجد وقال : والله لا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى أموت أو يتوب الله علي ، فمكث سبعة أيام حتى خر مغشياً عليه ، ثم تاب الله عليه فقيل له : قد تيب عليك فحل نفسك فقال : لا والله لا أحلها حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلني فجاءه فحله بيده فقال إن من تمام توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب ، وأن أنخلع من مالي فقال عليه الصلاة والسلام يجزيك الثلث أن تتصدق به ) " . وأصل الخون النقص كما أن أصل الوفاء التمام ، واستعماله في ضد الأمانة لتضمنه إياه . " وتخونوا أماناتكم " فيما بينكم وهو مجزوم بالعطف على الأول أو منصوب على الجواب الواو . " وأنتم تعلمون " أنكم تخونون، أو أنتم علماء تميزون الحسن من القبيح . " واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة " لأنهم سبب الوقوع في الإثم أو العقاب ، او محنة من الله تعالى ليبلوكم فيهم فلا يحملنكم حبهم على الخيانة كأبي لبابة . " وأن الله عنده أجر عظيم " لمن آثر رضا الله عليهم وراعى حدوده فيهم ، فأنيطوا هممكم بما يؤديكم إليه .
27. O ye who believe! Betray not Allah and His messenger, nor knowingly betray your trusts.
27 - O ye that believe Betray not the trust of God and the apostle, nor misappropriate knowingly things entrusted to you.