[النازعات : 26] إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى
26 - (إن في ذلك) المذكور (لعبرة لمن يخشى) الله تعالى
وقوله : " إن في ذلك لعبرة لمن يخشى " يقول تعالى ذكره : إن في العقوبة التي عاقب الله بها فرعون في عاجل الدنيا ، وفي أخذه إياه نكال الآخرة والأولى ، عظة ومعتبراً لمن يخاف الله ويخشى عقابه ، وأخرج نكال الآخرة مصدراً من قوله " فأخذه الله " لأن قوله " فأخذه الله " نكل به ، فجعل " نكال الآخرة " مصدراً من معناه ، لا من لفظه .
قوله تعالى:" إن في ذلك لعبرة" أي اعتباراً وعظة. " لمن يخشى" أي يخاف الله عز وجل.
يخبر تعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم عن عبده ورسوله موسى عليه السلام أنه ابتعثه إلى فرعون, وأيده الله بالمعجزات, ومع هذا استمر على كفره وطغيانه حتى أخذه الله أخذ عزيز مقتدر, وكذلك عاقبة من خالفك وكذب بما جئت به, ولهذا قال في آخر القصة: "إن في ذلك لعبرة لمن يخشى" فقوله تعالى: "هل أتاك حديث موسى" أي هل سمعت بخبره "إذ ناداه ربه" أي كلمه نداء "بالواد المقدس" أي المطهر "طوى" وهو اسم الوادي على الصحيح كما تقدم في سورة طه, فقال له: "اذهب إلى فرعون إنه طغى" أي تجبر وتمرد وعتا "فقل هل لك إلى أن تزكى" أي قل له هل لك أن تجيب إلى طريقة ومسلك تزكى به وتسلم وتطيع "وأهديك إلى ربك" أي أدلك إلى عبادة ربك "فتخشى" أي فيصير قلبك خاضعاً له مطيعاً خاشعاً بعدما كان قاسياً خبيثاً بعيداً من الخير " فأراه الآية الكبرى " يعني فأظهر له موسى مع هذه الدعوة الحق حجة قوية ودليلاً واضحاً على صدق ما جاءه به من عند الله "فكذب وعصى" أي فكذب بالحق وخالف ما أمره به من الطاعة, وحاصله أنه كفر بقلبه فلم ينفعل لموسى بباطنه ولا بظاهره وعلمه بأن ما جاء به حق لا يلزم منه أنه مؤمن به, لأن المعرفة علم القلب والإيمان عمله وهو الانقياد للحق والخضوع له.
وقوله تعالى: "ثم أدبر يسعى" أي في مقابلة الحق بالباطل وهو جمعه السحرة ليقابلوا ما جاء به موسى عليه السلام من المعجزات الباهرات "فحشر فنادى" أي في قومه "فقال أنا ربكم الأعلى" قال ابن عباس ومجاهد : وهذه الكلمة قالها فرعون بعد قوله ما علمت لكم من إله غيري بأربعين سنة قال الله تعالى: " فأخذه الله نكال الآخرة والأولى " أي انتقم الله منه انتقاماً جعله به عبرة ونكالاً لأمثاله من المتمردين في الدنيا "ويوم القيامة بئس الرفد المرفود" كما قال تعالى: "وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون" وهذا هو الصحيح في معنى الاية أن المراد بقوله: " نكال الآخرة والأولى " أي الدنيا والاخرة, وقيل المراد بذلك كلمتاه الأولى والثانية, وقيل كفره وعصيانه والصحيح الذي لا شك فيه الأول, وقوله: "إن في ذلك لعبرة لمن يخشى" أي لمن يتعظ وينزجر.
26- "إن في ذلك لعبرة لمن يخشى" أي فيما ذكر من قصة فرعون وما فعل به عبرة عظيمة لمن شأنه أن يخشى الله ويتقيه، ويخاف عقوبته ويحاذر غضبه.
وقد أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن علي بن أبي طالب في قوله: "والنازعات غرقاً" قال: هي الملائكة تنزع روح الكفار "والناشطات نشطاً" قال: هي الملائكة تنشط أرواح الكفار ما بين الأظفار والجلد حتى تخرجها "والسابحات سبحا" هي الملائكة تسبح بأرواح المؤمنين بين السماء والأرض "فالسابقات سبقاً" هي الملائكة يسبق بعضها بعضاً بأرواح المؤمنين إلى الله "فالمدبرات أمراً" هي الملائكة تدبر أم العباد من السنة إلى السنة. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس "والنازعات غرقاً" قال: هي أنفس الكفار تنزع ثم تنشط ثم تغرق في النار. وأخرج الحاكم وصححه عنه " والنازعات غرقا * والناشطات نشطا " قال: الموت. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود "والنازعات غرقاً" قال: الملائكة الذي يلون أنفس الكفار إلى قوله: "والسابحات سبحا" قال: الملائكة. وأخرج ابن مردويه عن معاذ بن جبل قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسله: "لا تمزق الناس فتمزقك كلاب النار، قال الله: "والناشطات نشطاً" أتدري ما هو؟ قلت: يا نبي الله ما هو؟ قال: كلاب في النار تنشط اللحم والعظم". وأخرج ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب أن ابن الكواء سأله عن "المدبرات أمراً" قال: هي الملائكة يدبرون ذكر الرحمن وأمره. وأخرج ابن أبي الدنيا في ذكر الموت عن ابن عباس قال: "المدبرات أمراً" ملائكة يكونون مع ملك الموت يحضرون الموتى عند قبض أرواحهم، فمنهم من يعرج بالروح، ومنهم من يؤمن على الدعاء، ومنهم من يستغفر للميت حتى يصلى عليه ويدلى في حفرته. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه "يوم ترجف الراجفة" قال: النفخة الأولى "تتبعها الرادفة" قال: النفخة الثانية "قلوب يومئذ واجفة" قال: خائفة " أإنا لمردودون في الحافرة " قال: الحياة. وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبي بن كعب قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ربع الليل قام فقال: أيها الناس اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه". وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه والديلمي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ترجف الأرض رجفاً وتزلزل بأهلها وهي التي يقول الله " يوم ترجف الراجفة * تتبعها الرادفة " يقول: مثل السفينة في البحر تكفأ بأهلها مثل القنديل المعلق بأرجائه" وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس "قلوب يومئذ واجفة" قال: وجلة متحركة. وأخرج عبد بن حميد عنه " أإنا لمردودون في الحافرة " قال: خلقاً جديداً. وأخرج أبو عبيد في فضائله وابن الأنباري في الوقف والابتداء وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً أنه سئل عن قوله: "فإذا هم بالساهرة" فقال: الساهرة وجه الأرض، وفي لفظ قال: الأرض كلها ساهرة، ألا ترى قول الشاعر:
صيد بحر وصيد ساهرة
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عنه أيضاً "هل لك إلى أن تزكى" قال: هل لك أن تقول. لا إله إلا الله. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً "فأخذه الله نكال الآخرة" قال: قوله: "أنا ربكم الأعلى" والأولى قال: قوله: "ما علمت لكم من إله غيري". وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو قال: كان بين كلمتيه أربعون سنة.
26- "إن في ذلك"، الذي فعل بفرعون حين كذب وعصى، "لعبرةً"، لعظة، "لمن يخشى"، الله عز وجل.
26-" إن في ذلك لعبرةً لمن يخشى " لم كان من شأنه الخشية .
26. Lo! herein is indeed a lesson for him who feareth.
26 - Verily in this is an instructive warning for whosoever feareth (God).