[المرسلات : 39] فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ
39 - (فإن كان لكم كيد) حيلة في دفع العذاب عنكم (فكيدون) فافعلوها
قوله تعالى : " فإن كان لكم كيد فكيدون " يقول : والله منجز لكم ما وعدكم في الدنيا من العقاب على تكذيبكم إياه بأنكم مبعوثون لهذا اليوم إن كانت لكم حيلة تحتالونها في التخلص من عقابه اليوم فاحتالوا .
قوله تعالى:" فإن كان لكم كيد" أي حيلة في الخلاص من الهلاك" فكيدون" أي فاحتالوا لأنفسكم وقاووني ولن تجدوا ذلك . وقيل: أي " فإن كان لكم كيد" أي قدرتم على حرب ((فكيدوني)) أي حاربوني. كذا روى الضحاك عن ابن عباس. قال: يريد كنتم في الدنيا تحاربون محمداً وتحاربونني فاليوم حاربوني. وقيل: أي إنكم كنتم في الدنيا تعملون بالمعاصي وقد عجزتم الان عنها وعن الدفع عن أنفسكم. وقيل: إنه من قول النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون كقول هود: " فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون"[ هود:55]
يقول تعالى مخبراً عن الكفار المكذبين بالمعاد والجزاء والجنة والنار أنهم يقال لهم يوم القيامة: "انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون * انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب" يعني لهب النار إذا ارتفع وصعد معه دخان فمن شدته وقوته أن له ثلاث شعب "لا ظليل ولا يغني من اللهب " أي ظل الدخان المقابل للهب لا ظليل هو في نفسه, ولا يغني من اللهب يعني ولا يقيهم حر اللهب. وقوله تعالى: "إنها ترمي بشرر كالقصر" أي يتطاير الشرر من لهبها كالقصر, قال ابن مسعود : كالحصون, وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة ومالك عن زيد بن أسلم وغيرهم: يعني أصول الشجر "كأنه جمالة صفر" أي كالإبل السود, قاله مجاهد والحسن وقتادة والضحاك واختاره ابن جرير , وعن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير : "جمالة صفر" يعني حبال السفن, وعنه أعني ابن عباس : "جمالة صفر" قطع نحاس, وقال البخاري : حدثنا عمرو بن علي ,حدثنا يحيى أنبأنا سفيان عن عبد الرحمن بن عابس قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما "إنها ترمي بشرر كالقصر" قال: كنا نعمد إلى الخشبة ثلاثة أذرع وفوق ذلك فنرفعه للبناء فنسميه القصر "كأنه جمالة صفر" حبال السفن تجمع حتى تكون كأوساط الرجال "ويل يومئذ للمكذبين" ثم قال تعالى: "هذا يوم لا ينطقون" أي لا يتكلمون "ولا يؤذن لهم فيعتذرون" أي لا يقدرون على الكلام ولا يؤذن لهم فيه ليعتذروا بل قد قامت عليهم الحجة ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون, وعرصات القيامة حالات, والرب تعالى يخبر عن هذه الحالة تارة وعن هذه الحالة تارة, ليدل على شدة الأهوال والزلازل يومئذ, ولهذا يقول بعد كل فصل من هذا الكلام: "ويل يومئذ للمكذبين".
وقوله تعالى: "هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين * فإن كان لكم كيد فكيدون" وهذه مخاطبة من الخالق تعالى لعباده يقول لهم: "هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين" يعني أنه جمعهم بقدرته في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر. وقوله تعالى: "فإن كان لكم كيد فكيدون" تهديد شديد ووعيد أكيد أي إن قدرتم على أن تتخلصوا من قبضتي وتنجوا من حكمي فافعلوا فإنكم لا تقدرون على ذلك كما قال تعالى: "يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان" وقد قال تعالى: "ولا تضرونه شيئاً" وفي الحديث: "يا عبادي إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني ولن تبلغوا ضري فتضروني".
وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن المنذر الطريقي الأودي , حدثنا محمد بن فضيل , حدثنا حصين بن عبد الرحمن عن حسان بن أبي المخارق , عن أبي عبد الله الجدلي قال: أتيت بيت المقدس فإذا عبادة بن الصامت وعبد الله بن عمرو وكعب الأحبار يتحدثون في بيت المقدس فقال عبادة : إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والاخرين في صعيد واحد ينفذهم البصر ويسمعهم الداعي, ويقول الله: "هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين * فإن كان لكم كيد فكيدون" اليوم لا ينجو مني جبار عنيد, ولا شيطان مريد, فقال عبد الله بن عمرو : فإنا نحدث يومئذ أنها تخرج عنق من النار فتنطلق, حتى إذا كانت بين ظهراني الناس نادت: أيها الناس إني بعثت إلى ثلاثة أنا أعرف بهم من الأب بولده ومن الأخ بأخيه لا يغيبهم عني وزر ولا تخفيهم عني خافية, الذي جعل مع الله إلهاً آخر, وكل جبار عنيد وكل شيطان مريد, فتنطوي عليهم فتقذف بهم في النار قبل الحساب بأربعين سنة.
39- "فإن كان لكم كيد" أي إن قدرتم على كيد الآن "فكيدون" وهذا تقريع وتوبيخ لهم. قال مقاتل: يقول إن كان لكم حيلة فاحتالوا لأنفسكم، وقيل المعنى: فإن قدرتم على حرب فحاربون، وقيل إن هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون كقول هود: "فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون".
39- "فإن كان لكم كيد فكيدون"، قال مقاتل: إن كانت لكم حيلة فاحتالوا لأنفسكم.
39-" فإن كان لكم كيد فكيدون " تقريع لهم على كيدهم للمؤمنين في الدنيا وإظهار لعجزهم .
39. If now ye have any wit, outwit Me.
39 - Now, if ye have a trick (or plot), use it against Me!