[الإنسان : 3] إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا
3 - (إنا هديناه السبيل) بينا له طريق الهدى ببعث الرسل (إما شاكرا) أي مؤمنا (وإما كفورا) حالان من المفعول أي بينا له في حال شكره أو كفره المقدرة وإما لتفصيل الأحوال
يعني جل ثناؤه بقوله " إنا هديناه السبيل " إنا بينا له طريق الجنة ، وعرفناه سبيله ، إن شكر ، أو كفر وإذا وجه الكلام إلى هذا المعنى ، كانت إما وإما في معنى الجزاء ، وقد يجوز أن تكون إما وإما بمعنى واحد ، كما قال " إما يعذبهم وإما يتوب عليهم " [ التوبة : 106 ] ، فيكون قوله " إما شاكرا وإما كفورا " حالاً من الهاء التي في هديناه ، فيكون معنى الكلام إذا وجه ذلك إلى هذا التأويل : إنا هديناه السبيل إما شقياً وإما سعيداً ، وكان بعض نحويي البصرة يقول : ذلك كما قال : ( إما العذاب وإما الساعة ) كأنك لم تذكر إما ، وإن شئت ابتدأت ما بعدها فرفعته .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثني عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " إنا هديناه السبيل " قال : الشقوة والسعادة .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " إنا هديناه السبيل إما شاكرا " للنعم " وإما كفورا " لها .
حدثني يونس ،قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " من نطفة أمشاج نبتليه " ... إلى " إنا هديناه السبيل " قال : ننظر أي شيء يصنع ، أي الطريق يسلك ، وأي الأمرين يأخذ ، قال : وهذا الاختبار .
قوله تعالى: " إنا هديناه السبيل" أي بينا له وعرفناه طريق الهدى والضلال، والخير والشر ببعث الرسل، فآمن او كفر، كقوله تعالى: " وهديناه النجدين" [ البلد: 10]. وقال مجاهد : أي بينا له السبيل الى الشقاء والسعادة. وقال الضحاك وابو صالح والسدي : السبيل هنا خروجه من الرحم. وقيل : منافعة ومضارة التي يهتدي اليها بطبعه وكما عقله." إما شاكرا وإما كفورا" أي ايهما فعل فقد بينا له. قال الكوفيون: ((ان)) ها هنا تكون جزاء و((ما)) زائدة أي بينا له الطريق ان شكر او كفر. واختاره الفراء ولم يجزه البصريون، اذ لا تدخل((ان)) للجزاء على الأسماء الا ان يضمر بعدها فعل. وقيل: أي هديناه الرشد، أي بينا له سبيل التوحيد بنصب الأدلة عليه، ثم ان خلقنا له الهداية اهتدى وآمن، وان خذلناه كفر. وهو كما تقول: قد نصحت لك، ان شئت فاقبل، وان شئت فاترك، أي فإن شئت، فتحذف الفاء. وكذا " إما شاكرا" والله اعلم. ويقال: هديته السبيل وللسبيل والى السبيل. وقد تقدم في ((الفاتحة)) وغيرها. وجمع بين الشاكر والكفور، ولم يجمع بين الشكور والكفور مع اجتماعهما في معنى المبالغة، نفياً للمبالغة في الشكر وإثباتاً لها في الكفر، لأن شكر الله تعالى لا يؤدي، فانتفت عنه المبالغة، ولم تنتف عن الكفر المبالغة، فقل شكره، لكثره النعم عليه وكثره كفره وإن قل مع الإحسان اليه. حكاه الماوردي .
يقول تعالى مخبراً عن الإنسان أنه أوجده بعد أن لم يكن شيئاً يذكر لحقارته وضعفه فقال تعالى: " هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا " ثم بين ذلك فقال جل جلاله: "إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج" أي أخلاط, والمشج والمشيج: الشيء المختلط بعضه في بعض, قال ابن عباس في قوله تعالى: "من نطفة أمشاج" يعني ماء الرجل وماء المرأة إذا اجتمعا واختلطا, ثم ينتقل بعد من طور إلى طور وحال إلى حال ولون إلى لون, وهكذا قال عكرمة ومجاهد والحسن والربيع بن أنس : الأمشاج هو اختلاط ماء الرجل بماء المرأة.
وقوله تعالى: "نبتليه" أي نختبره كقوله جل جلاله: "ليبلوكم أيكم أحسن عملاً" "فجعلناه سميعاً بصيراً" أي جعلنا له سمعاً وبصراً يتمكن بهما من الطاعة والمعصية.
وقوله جل وعلا: "إنا هديناه السبيل" أي بيناه له ووضحناه وبصرناه به كقوله جل وعلا: "وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى" وكقوله جل وعلا: "وهديناه النجدين" أي بينا له طريق الخير وطريق الشر, وهذا قول عكرمة وعطية وابن زيد ومجاهد في المشهور عنه والجمهور. وروي عن مجاهد وأبي صالح والضحاك والسدي أنهم قالوا في قوله تعالى: "إنا هديناه السبيل" يعني خروجه من الرحم, وهذا قول غريب والصحيح المشهور الأول. وقوله تعالى: "إما شاكراً وإما كفوراً" منصوب على الحال من الهاء في قوله: "إنا هديناه السبيل" تقديره فهو في ذلك إما شقي وإما سعيد, كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي مالك الأشعري قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل الناس يغدو فبائع نفسه فموبقها أو معتقها".
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق , حدثنا معمر عن ابن خثيم عن عبد الرحمن بن سابط عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة : "أعاذك الله من إمارة السفهاء قال: وما إمارة السفهاء ؟ قال: أمراء يكونون من بعدي لا يهتدون بهداي, ولا يستنون بسنتي فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولست منهم ولا يردون على حوضي, ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم وسيردون على حوضي. يا كعب بن عجرة , الصوم جنة والصدقة تطفى الخطيئة, والصلاة قربات ـ أو قال برهان ـ يا كعب بن عجرة إنه لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت, النار أولى به, يا كعب , الناس غاديان فمبتاع نفسه فمعتقها, وبائع نفسه فموبقها" ورواه عن غياث بن وهب عن عبد الله بن عثمان بن خثيم به. وقد تقدم في سورة الروم عند قوله جل جلاله "فطرة الله التي فطر الناس عليها" من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه فإذا أعرب عنه لسانه فإما شاكراً وإما كفوراً".
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو عامر , حدثنا عبد الله بن جعفر عن عثمان بن محمد عن المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه " عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من خارج يخرج إلا ببابه رايتان: راية بيد ملك وراية بيد شيطان, فإن خرج لما يحب الله اتبعه الملك برايته, فلم يزل تحت راية الملك حتى يرجع إلى بيته, وإن خرج لما يسخط الله اتبعه الشيطان برايته فلم يزل تحت راية الشيطان حتى يرجع إلى بيته " .
ثم ذكر سبحانه أنه أعطاءه ما يصح معه الابتلاء فقال: 3- "إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً" أي بينا له وعرفناه طريق الهدى والضلال والخير والشر كما في قوله: "وهديناه النجدين" قال مجاهد: أي بينا السبيل إلى الشقاء والسعادة. وقال الضحاك والسدي وأبو صالح: السبيل هنا خروجه من الرحم، وقيل منافعه ومضاره التي يهتدي إليها بطبعه وكمال عقله، وانتصاب شاكراً وكفوراً على الحال من مفعول هديناه: أي مكناه من سلوك الطريق في حالتيه جميعاً، وقيل على الحال من سبيل على المجاز: أي عرفناه السبيل إما سبيلاً شاكراً وإما سبيلاً كفوراً. وحكى مكي عن الكوفيين أن قوله إما هي إن شرطية زيدت بعدها ما: أي بينا له الطريق إن شكر وإن كفر. واختار هذا الفراء، ولا يجيزه البصريون لأن إن الشرطية لا تدخل على الأسماء إلا أن يضمر بعدها فعل، ولا يصح هنا إضمار الفعل لأنه كان يلزم رفع شاكراً وكفوراً. ويمكن أن يضمر فعل ينصب شاكراً وكفوراً، وتقديره: إن خلقناه شاكراً فشكور وإن خلقناه كافراً فكفور، وهذا على قراءة الجمهور "إما شاكراً وإما كفوراً" بكسر همزة إما. وقرأ أبو السماك وأبو العجاج بفتحها، وهي على الفتح إما العاطفة في لغة بعض العرب، أو هي التفصيلية وجوابها مقدر، وقيل انتصب شاكراً وكفوراً بإضمار كان، والتقدير: سواء كان شاكراً أو كان كفوراً.
3- "إنا هديناه السبيل"، أي بينا له سبيل الحق والباطل والهدى والضلالة، وعرفناه طريق الخير والشر. "إما شاكراً وإما كفوراً"، إما مؤمناً سعيداً وإما كافراً شقياً. وقيل: معنى الكلام الجزاء، يعني: بينا له الطريق إن شكر أو كفر.
3-" إنا هديناه السبيل " أي بنصب الدلائل وإنزال الآيات ." إما شاكراً وإما كفوراً " حالان من الهاء . " إما " للتفصيل أو التقسيم أي " هديناه " في حاليه جميعاً أو مقسوماً إليهما بعضهم " شاكراً " بالاهتداء والأخذ فيه ، وبعضهم كفور بالإعراض عنه ، أو من " السبيل " ووصفه بالشكر والكفر مجاز . وقرئ " أما " بالفتح على حذف الجواب ولعله لم يقل كافراً ليطابق قسيمه محافظة على الفواصل ، وإشعاراً بأن الإنسان لا يخلو عن كفران غالباً وإنما المؤاخذ به التوغل فيه .
3. Lo! We have shown him the way, whether he be grateful or disbelieving.
3 - We showed him the Way: whether he be grateful or ungrateful (rests on his will).