[الإنسان : 28] نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا
28 - (نحن خلقناهم وشددنا) قوينا (أسرهم) أعضاءهم ومفاصلهم (وإذا شئنا بدلنا) جعلنا (أمثالهم) في الخلقة بدلا منهم بأن نهلكهم (تبديلا) تأكيد ووقعت إذا موقع إن نحو إن يشأ يذهبكم لأنه تعالى لم يشأ ذلك وإذا لما يقع
يقول تعالى ذكره : " نحن خلقنا " هؤلاء المشركين بالله المخالفين أمره ونهيه " وشددنا أسرهم " وشددنا خلقهم ، من قولهم : قد أسر هذا الرجل فأحسن أسره ، بمعنى : قد خلق فأحسن خلقه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " نحن خلقناهم وشددنا أسرهم " يقول : شددنا خلقهم .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله " وشددنا أسرهم " قال : خلقهم .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " وشددنا أسرهم " : خلقهم .
وقال آخرون : الأسر : المفاصل .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة مثله .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، سمعته ، يعني خلاداً يقول : سمعت أبا سعيد ، وكان قرأ القرآن على أبي هريرة قال : ما قرأت القرآن إلا على أبي هريرة ، هو أقرأني ، وقال في هذه الآية " وشددنا أسرهم " قال : هي المفاصل .
وقال آخرون : بل هو القوة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال : ابن زيد في قوله " وشددنا أسرهم " قال : الأسر : القوة .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب القول الذي اخترناه ، وذلك أن الأسر ، وهو ما ذكرت عند العرب ، ومنه قول الأخطل :
من كل محتسب شديد أسره سلس القياد تخاله مختالا
ومنه قول العامة : خذه بأسره : أي هو لك كله .
وقوله : " وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا " يقول : وإذا نحن شئنا أهلكنا هؤلاء وجئنا بآخرين سواهم من جنسهم أمثالهم من الخلق ، مخالفين لهم في العمل .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " بدلنا أمثالهم تبديلا " قال : بني آدم الذي خالفوا طاعة الله ، قال : وأمثالهم من بني آدم .
قوله تعالى:" نحن خلقناهم " أي من طين. " وشددنا أسرهم" أي خلقهم، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة ومقاتل وغيرهم. والأسر الخلق، قال ابو عبيد : يقال فرس شديد الأسر أي الخلق. ويقال أسره الله جل ثناؤه إذا شدد خلقه، قال لبيد:
ساهم الوجه شديد أسره مشرف الحارك محبوك الكتد
وقال الأخطل:
من كل مجتنب شديد أسره سلس القياد تخاله مختالاً
وقال ابو هريرة والحسن والربيع: شددنا مفاصلهم وأوصالهم بعضها إلى بعض بالعروق والعصب. وقال مجاهد في تفسير الأسر : هو الشرج ، أي إذا خرج الغائط والبول تقبض الموضع. وقال ابن زيد: القوة . وقال ابن أحمر يصف فرساً:
يمشي بأوظفة شداد أسرها صم السنابك لا تقي بالجدجد
واشتقاقه من الإسار وهو القد الذي يشد به الأقتاب، يقال : أسرت القتب أسراً أي شددته وربطته، ويقال : ما أحسن أس رقتبة أي شده وربطه، ومنه قولهم : خذه بأسره. إذا أرادوا أن يقولوا هو لك كله، كأنهم أرادوا تعكيمه وشده لم يفتح ولم ينقص منه شيء. ومنه الأسير لأنه كان يكتف بالإسار. والكلام خرج مخرج الامتنان عليهم بالنعم حين قابلوها بالمعصية. أي سويت خلقك وأحكمته بالقوى ثم انت تكفر بي. " وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا" قال ابن عباس : يقول لو نشاء لأهلكناهم وجئنا بأطوع لله منهم. وعنه أيضاً: لغيرنا محاسنهم إلى أسمج الصور وأقبحها. كذلك روى الضحاك عنه. والأول رواه عنه ابو صالح.
يقول تعالى ممتناً على رسوله صلى الله عليه وسلم بما أنزله عليه من القرآن العظيم تنزيلاً: "فاصبر لحكم ربك" أي كما أكرمتك بما أنزلت عليك فاصبر على قضائه وقدره واعلم أنه سيدبرك بحسن تدبيره "ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً" أي لا تطع الكافرين والمنافقين إن أرادوا صدك عما أنزل إليك بل بلغ ما أنزل إليك من ربك وتوكل على الله فإن الله يعصمك من الناس, فالاثم هو الفاجر في أفعاله والكفور هو الكافر قلبه "واذكر اسم ربك بكرة وأصيلاً" أي أول النهار وآخره "ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلاً طويلاً" كقوله تعالى: "ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً" وكقوله تعالى: "يا أيها المزمل * قم الليل إلا قليلا * نصفه أو انقص منه قليلاً * أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً" ثم قال تعالى منكراً على الكفار ومن أشبههم في حب الدنيا والإقبال عليها والانصباب إليها وترك الدار الاخرة وراء ظهورهم "إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوماً ثقيلاً" يعني يوم القيامة ثم قال تعالى: "نحن خلقناهم وشددنا أسرهم" قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: يعني خلقهم "وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلاً" أي وإذا شئنا بعثناهم يوم القيامة وبدلناهم فأعدناهم خلقاً جديداً, وهذا استدلال بالبداءة على الرجعة. وقال ابن زيد وابن جرير "وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلاً" أي وإذا شئنا أتينا بقوم آخرين غيرهم كقوله تعالى: "إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديراً" وكقوله تعالى: " إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد * وما ذلك على الله بعزيز ".
ثم قال تعالى: "إن هذه تذكرة" يعني هذه السورة تذكرة "فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً" أي طريقاً ومسلكاً أي من شاء اهتدى بالقرآن كقوله تعالى: " وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر " الاية, ثم قال تعالى: "وما تشاؤون إلا أن يشاء الله" أي لا يقدر أحد أن يهدي نفسه ولا يدخل في الإيمان ولا يجر لنفسه نفعاً "إلا أن يشاء الله إن الله كان عليماً حكيماً" أي عليم بمن يستحق الهداية فييسرها له ويقيض له أسبابها, ومن يستحق الغواية فيصرفه عن الهدى. وله الحكمة البالغة, والحجة الدامغة, ولهذا قال تعالى: "إن الله كان عليماً حكيماً" ثم قال: "يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذاباً أليماً" أي يهدي من يشاء ويضل من يشاء فمن يهده فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. آخر تفسير سورة الإنسان, و لله الحمد والمنة.
28- "نحن خلقناهم" أي ابتدأنا خلقهم من تراب، ثم من نطفة ثم من علقة، ثم من مضغة إلى أن كمل خلقهم، ولم يكن لغيرنا في ذلك عمل ولا سعي لا اشتراكاً ولا استقلالاً "وشددنا أسرهم" الأسر: شدة الخلق، يقال شد الله أسر فلان: أي قوى خلقه. قال مجاهد وقتادة ومقاتل وغيرهم: شددنا خلقهم. قال الحسن: شددنا أوصالهم بعضاً إلى بعض بالعروق والعصب. قال أبو عبيد: يقال فرس شديد الأسر: أي الخلق. قال لبيد:
ســاهم الوجــه شديد أسره مشرف الحارك محبوك القتد
وقال الأخطل:
من كل مجتنب شديد أسره سلس القيــاد تخــالــه مختـالا
وقال ابن زيد: الأسر القوة، واشتقاقه من الإسار، وهو القد الذي تشد به الأقتاب. ومنه قول ابن أحمر يصف فرساً:
يمشي بأوطفة شداد أسرها شم السبائك لا تفي بالجدجد
"وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا" أي لو شئنا لأهلكناهم وجئنا بأطوع لله منهم. وقيل المعنى: مسخناهم إلى أسمج صورة وأقبح خلقة.
28- "نحن خلقناهم وشددنا"، قوينا وأحكمنا "أسرهم"، قال مجاهد وقتادة ومقاتل: "أسرهم" أي: خلقهم، يقال: رجل حسن الأسر، أي: الخلق.
وقال الحسن: يعني أوصالهم بعضها إلى بعض بالعروق والعصب.
وروي عن مجاهد في تفسير الأسر قال: الشرج، يعني: موضع مصرفي البول والغائط، إذا خرج الأذى تقبضا. "وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلاً"، أي: إذا شئنا أهلكناهم وأتينا بأشباههم فجعلناهم بدلاً منهم.
28-" نحن خلقناهم وشددنا أسرهم " وأحكمنا ربط مفاصلهم بالأعصاب . " وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلاً " وإذا شئنا أهلكناهم و " بدلنا أمثالهم تبديلاً " في الخلقة ، وشدة الأسر يعني النشأة الثانية ولذلك جيء بـ" إذا " أو بدلنا غيرهم ممن يطيع " وإذا " لتحقق القدرة وقوة الداعية .
28. We, even We, created them, and strengthened thee frame. And when We will, We can replace them, bringing others like them in their stead.
28 - It is We Who created them, and We have made their joints strong; but, when We will, We can substitute the like of them by a complete change.