[المدثر : 6] وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ
6 - (ولا تمنن تستكثر) بالرفع حال أي لا تعط شيئا فتطلب أكثر منه وهذا خاص به صلى الله عليه وسلم لأنه مأمور بأجمل الأخلاق وأشرف الآداب
ك واخرج الطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة صنع لقريش طعاما فلما أكلوا قال ما تقولون في هذا الرجل فقال بعضهم ساحر وقال بعضهم ليس بساحر وقال بعضهم كاهن وقال بعضهم ليس بكاهن وقال بعضهم شاعر وقال بعضهم ليس بشاعر وقال بعضهم سحر يؤثر فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فحزن وقنع رأسه وتدثر فأنزل الله يا أيها المدثر قم فأنذر إلى قوله تعالى ولربك فاصبر
وقوله " ولا تمنن تستكثر " اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : ولا تعط يا محمد عطية لتعطى أكثر منها .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله " ولا تمنن تستكثر " قال : لا تعط عطية تلتمس بها أفضل منها .
حدثنا أبو حميد الحمصي أحمد بن المغيرة ، قال : ثني أبو حيوة شريح بن يزيد الحضرمي ، قال : ثني أرطاة عن ضمر بن حبيب و أبي الأحوص في قوله " ولا تمنن تستكثر " قال : لا تعط شيئاً ، لتعطى أكثر منه .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، قال : أخبرني من سمع عكرمة ، يقول : " ولا تمنن تستكثر " قال : لا تعط العطية لتريد أن تأخذ أكثر منها .
حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي ، قال : ثنا فضيل ، عن منصور ، عن إبراهيم " ولا تمنن تستكثر " قال : لا تعط كيما تزداد .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا سفيان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، في قوله " ولا تمنن تستكثر " قال : لا تعط شيئاً لتأخذ أكثر منه .
حدثا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سلمة ، عن الضحاك " ولا تمنن تستكثر " قال : لا تعط لتعطى أكثر منه .
قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، في قوله " ولا تمنن تستكثر " قال : لا تعط لتعطى أكثر منه .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ، في قوله " ولا تمنن تستكثر " قال : لا تعط شيئاً لتزداد .
حدثنا أبو كريب قال : ثنا وكيع ، عن ابن أبي رواد ، عن الضحاك ، قال : هو الربا الحلال ، كان للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن أبي حجيرة ، عن الضحاك ، هما ربوان : حلال ، وحرام ، فأما الحلال : فالهدايا ، والحرام : فالربا .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " ولا تمنن تستكثر " يقول : لا تعط شيئاً ، إنما بك مجازاة الدنيا ومعارضها .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " ولا تمنن تستكثر " قال : لا تعط شيئاً لتثاب أفضل منه ، وقاله أيضاً طاوس .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " ولا تمنن تستكثر " قال : تعطي مالاً مصانعة رجاء أفضل منه من الثواب في الدنيا .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : لا تعط لتعطى أكثر منه .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم " ولا تمنن تستكثر " قال : لا تعط لتزداد .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن رجل ، عن الضحاك بن مزاحم " ولا تمنن تستكثر " قال : هي للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، وللناس عامة موسع عليهم .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ولا تمنن عملك على ربك تستكثر .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا مجاهد بن موسى ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سفيان بن حسين ، عن الحسن ، في قوله " ولا تمنن تستكثر " قال : لا تمنن عملك تستكثره على ربك .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا هوذة ، قال : ثنا عوف ، عن الحسن " ولا تمنن تستكثر " قال : لا تمنن تستكثر عملك .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا يونس بن نافع أبو غانم ، عن أبي سهل كثير بن زياد ، عن الحسن " ولا تمنن تستكثر " يقول : لا تمنن تستكثر عملك الصالح .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران عن سفيان ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس ، " ولا تمنن تستكثر " قال : لا يكثر عملك في عينك ، فإنه فيما أنعم الله عليك وأعطاك قليل .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : لا تضعف أن تستكثر من الخير ، ووجهوا معنى قوله " ولا تمنن " أي لا تضعف ، من قولهم : حبل منين : إذا كان ضعيفاً .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو حميد بن المغيرة الحمصي ، قال : ثنا عبد الله بن عمر ، قال : ثنا محمد بن سلمة ، عن خصيف عن مجاهد ، في قوله " ولا تمنن تستكثر " قال : لا تضعف أن تستكثر من الخير ، قال : تمنن في كلام العرب : تضعف .
وقال آخرون في ذلك : لا تمنن بالنبوة على الناس ، تأخذ عليه منهم أجر .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " ولا تمنن تستكثر " قال : لا تمنن بالنبوة والقرآن الذي أرسلناك به تستكثرهم به ، تأخذ عليه عوضاً من الدنيا .
وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب في ذلك قول من قال : معنى ذلك : ولا تمنن على ربك من أن تستكثر عملك الصالح .
وإنما قلت ذلك أولى بالصواب ، لأن ذلك في سياق آيات تقدم فيهن أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالجد في الدعاء إليه ، والصبر على ما يلقى من الأذى فيه ، فهذه بأن تكون من أنواع تلك ، أشبه منها بأن تكون من غيرها ، وذكر عن عبد الله بن مسعود أن ذلك في قراءته ( ولا تمنن تستكثر ) .
الأولى - قوله تعالى: " ولا تمنن تستكثر" فيه احد عشر تأويلاً ، الأول - لا تمنن على ربك بما تتحمله من اثقال النبوة، كالذي يستكثر ما يتحمله بسبب الغير. الثاني- لا تعط عطية تلتمس بها افضل منها، قاله ابن عباس وعكرمة وقتادة. قال الضحاك: هذا حرمه الله على رسول الله صلى ا لله عليه وسلم لأنه مامور باشرف الآداب واجل الأخلاق، واباحه لأمته، وقاله مجاهد. الثالث - عن مجاهد ايضاً: لا تضعف ان تستكثر من الخير، من قولك حبل منين اذا كان ضعيفا، ودليله قراءة ابن مسعود (( ولا تمنن تستكثر من الخير)) الرابع- عن مجاهد ايضاً والربيع: لا تعظم عملك في عينك ان تستكثر من الخير، فإنه مما انعم الله عليك. قال ابن كيسان : لا تستكثر عملك فتراه من نفسك ، انما عملك منه من الله عليك، اذ جعل الله لك سبيلا الى عبادته. الخامس - قال الحسن : لا تمنن على الله بعملك فتستكثره. السادس - لا تمنن بالنبوة والقرآن على الناس فتأخذ منهم اجراً تستكثر به .
السابع- قال القرظي : لا تعط مالك مصانعة. الثامن - قال زيد بن اسلم: اذا اعطيت عطية فأعطها لربك.
التاسع - لا تقل دعوت فلم يستجب لي. العاشر - لا تعمل طاعة وتطلب ثوابها، ولكن اصبر حتى يكون الله هو الذي يثيبك عليها. الحادي عشر - لا تفعل الخير لترائي به الناس.
الثانية - هذه الأقوال وان كانت مرادة فأظهرها قول ابن عباس: لا تعط لتأخذ اكثر مما اعطيت من المال، يقال: منت فلاناً كذا أي اعطيته. ويقال للعطية المنة، فكأنه امر بأن تكون عطاياه الله، لا لارتقاب ثواب من الخلق عليها، لأنه عليها السلام ما كان يجمع الدنيا، ولهذا قال :
(( ما لي مما افاء الله عليكم الا الخمس والخمس مردود عليكم)وكان ما يفضل من نفقه عياله مصروفا الى مصالح المسلمين، ولهذا لم يورث، لأنه كان لا يملك لنفسه الادخار والاقتناء، وقد عصمه الله تعالى عن الرغبة في شيء من الدنيا، ولذلك حرمت عليه الصدقة وابيحت له الهدية، فكان يقبلها ويثبت عليها. وقال :((لو دعيت الى كراع لأجبت ولو اهدي الي ذراع لقبلت)) ابن العربي وكان يقبلها سنة ولا يستكثرها شرعة، واذا كان لا يعطي عطية يستكثر بها الأغنياء اولى بالاجتناب، لأنها باب من ابواب المذلة، وكذلك قول من قال : ان معناها لاتعطي عطية تنتظر ثوابها، فإن الانتظار تعلق بالأطماع، وذلك في حيزه بحكم الامتناع، وقد قال الله تعالى له : " ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى " [ طه: 131] وذلك جائز لسائر الخلق، لأنه من متاع الدنيا، وطلب الكسب والتكاثر بها. واما من قال اراد به العمل أي لا تمنن بعملك على الله فتستكثره فهو صحيح، فإن ابن ادم لو اطاع الله عمره من غير فتور لما بلغ لنعم الله بعض الشكر.
الثالثة - قوله تعالى : " ولا تمنن" قراءة العامة بإظهار التضعيف. وقرأ ابو السمال العدوي واشهب العقيلي والحسن (( ولا تمن)) مدغمة مفتوحة. (( تستكثر)) : قراءة العامة بالرفع وهو في معنى الحال، تقول : جاء زيد يركض أي راكضاً، أي لا تعط شيئاً مقدراً ان تاخذ بدله ما هو اكثر منه. وقرأ الحسن بالجزم على جواب النهي وهو رديء، لأنه ليس بجواب. ويجوز ان يكون بدلاً من ((تمنن)) كأنه قال : لا تستكثر. وانكره ابو حاتم وقال : لأن المن ليس بالاستكثار فيبدل منه. ويحتمل ان يكون سكن تخفيفاً كعضد. او ان يعتبر حال الوقف. وقرأ الأعمش ويحي(( تستكثر)) بالنصب، توهم لام كي ، كأنه قال : ولا تمنن لتستكثر. وقيل: هو بإضمار ((أن )) كقوله :
ألا أيهذا الزاجري احضر الوغى
ويؤيده قراءة ابن مسعود (( ولا تمنن ان تستكثر)) قال الكسائي : فإذا الكسائي: فإذا حذف ((أن)) رفع وكان المعنى واحداً. وقد يكون المن بمعنى التعداد على المنعم عليه بالنعم، فيرجع الى القول الثاني، ويعضده قوله تعالى : " لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى" [ البقرة: 264] وقد يكون مرادا في هذه الآية . والله اعلم.
ثبت ,في صحيح البخاري من حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر أنه كان يقول: أول شيء نزل من القرآن "يا أيها المدثر" وخالفه الجمهور فذهبوا إلى أن أول القرآن نزولاً قوله تعالى: "اقرأ باسم ربك الذي خلق" كما سيأتي ذلك هنالك إن شاء الله تعالى. قال البخاري : حدثنا يحيى , حدثنا وكيع عن علي بن المبارك , عن يحيى بن أبي كثير قال: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن فقال: "يا أيها المدثر" قلت: "اقرأ باسم ربك الذي خلق" فقال أبو سلمة : سألت جابر بن عبد الله عن ذلك وقلت له مثل ما قلت لي فقال جابر: لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "جاورت بحراء فلما قضيت جواري هبطت فنوديت, فنظرت عن يميني فلم أر شيئاً, ونظرت عن شمالي فلم أر شيئاً, ونظرت أمامي فلم أر شيئاً ونظرت خلفي فلم أر شيئاً, فرفعت رأسي فرأيت شيئاً, فأتيت خديجة فقلت دثروني وصبوا علي ماء بارداً ـ قال ـ فدثروني وصبوا علي ماء بارداً ـ قال ـ فنزلت " يا أيها المدثر * قم فأنذر * وربك فكبر "" هكذا ساقه من هذا الوجه. وقد رواه مسلم من طريق عقيل عن ابن شهاب عن أبي سلمة قال: أخبرني جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه: "فبينا أنا أمشي إذ سمعت صوتاً من السماء فرفعت بصري قبل السماء, فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض فجثثت منه حتى هويت إلى الأرض, فجئت إلى أهلي فقلت: زملوني زملوني فزملوني, فأنزل الله تعالى " يا أيها المدثر * قم فأنذر * وربك فكبر * وثيابك فطهر * والرجز فاهجر " قال أبو سلمة : والرجز الأوثان ـ ثم حمي الوحي وتتابع" هذا لفظ البخاري , وهذا السياق هو المحفوظ وهو يقتضي أنه قد نزل الوحي قبل هذا لقوله: "فإذا الملك الذي جاءني بحراء" وهو جبريل حين أتاه بقوله: "اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم" ثم إنه حصل بعد هذا فترة ثم نزل الملك بعد هذا.
ووجه الجمع أن أول شيء نزل بعد فترة الوحي هذه السورة, كما قال الإمام أحمد : حدثنا حجاج , حدثنا ليث , حدثنا عقيل عن ابن شهاب قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يقول: أخبرني جابر بن عبد الله " أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ثم فتر الوحي عني فترة فبينا أنا أمشي سمعت صوتاً من السماء, فرفعت بصري قبل السماء فإذا الملك الذي جاءني قاعد على كرسي بين السماء والأرض فجثيت منه فرقاً حتى هويت إلى الأرض, فجئت أهلي فقلت لهم زملوني زملوني فزملوني, فأنزل الله تعالى: "يا أيها المدثر * قم فأنذر * وربك فكبر * وثيابك فطهر * والرجز فاهجر" ثم حمي الوحي وتتابع" أخرجاه من حديث الزهري به. وقال الطبراني : حدثنا محمد بن علي بن شعيب السمسار , حدثنا الحسن بن بشر البجلي , حدثنا المعافى بن عمران عن إبراهيم بن يزيد : سمعت ابن أبي مليكة يقول سمعت ابن عباس يقول: إن الوليد بن المغيرة صنع لقريش طعاماً, فلما أكلوا منه قال: ما تقولون في هذا الرجل ؟ فقال بعضهم: ساحر, وقال بعضهم ليس بساحر, وقال بعضهم كاهن, وقال بعضهم ليس بكاهن, وقال بعضهم: شاعر, وقال بعضهم: ليس بشاعر, وقال بعضهم: بل سحر يؤثر, فأجمع رأيهم على أنه سحر يؤثر, فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فحزن وقنع رأسه وتدثر, فأنزل الله تعالى: "يا أيها المدثر * قم فأنذر * وربك فكبر * وثيابك فطهر * والرجز فاهجر * ولا تمنن تستكثر * ولربك فاصبر" وقوله تعالى: "قم فأنذر" أي شمر عن ساق العزم وأنذر الناس, وبهذا حصل الإرسال كما حصل بالأول النبوة.
"وربك فكبر" أي عظم. وقوله تعالى: "وثيابك فطهر" قال الأجلح الكندي عن عكرمة , عن ابن عباس أنه أتاه رجل فسأله عن هذه الاية "وثيابك فطهر" قال: لا تلبسها على معصية ولا على غدرة. ثم قال: أما سمعت قول غيلان بن سلمة الثقفي :
فإني بحمد الله لا ثوب فاجر لبست ولا من غدرة أتقنع
وقال ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في الاية "وثيابك فطهر" قال: في كلام العرب نقي الثياب وفي رواية بهذا الإسناد فطهر من الذنوب, وكذا قال إبراهيم والشعبي وعطاء , وقال الثوري عن رجل عن عطاء عن ابن عباس في هذه الاية "وثيابك فطهر" قال: من الإثم, وكذا قال إبراهيم النخعي وقال مجاهد "وثيابك فطهر" قال: نفسك ليس ثيابك, وفي رواية عنه "وثيابك فطهر" أي عملك فأصلح, وكذا قال أبو رزين , وقال في رواية أخرى "وثيابك فطهر" أي لست بكاهن ولا ساحر فأعرض عما قالوا. وقال قتادة "وثيابك فطهر" أي طهرها من المعاصي, وكانت العرب تسمي الرجل إذا نكث ولم يف بعهد الله إنه لدنس الثياب, وإذا وفى وأصلح إنه لمطهر الثياب, وقال عكرمة والضحاك : لا تلبسها على معصية. وقال الشاعر:
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه فكل رداء يرتديه جميل
وقال العوفي عن ابن عباس "وثيابك فطهر" يعني لا تكن ثيابك التي تلبس من مكسب غير طائب, ويقال: لا تلبس ثيابك على معصية, وقال محمد بن سيرين "وثيابك فطهر" أي اغسلها بالماء, وقال ابن زيد : وكان المشركون لا يتطهرون فأمره الله أن يتطهر وأن يطهر ثيابه, وهذا القول اختاره ابن جرير , وقد تشمل الاية جميع ذلك مع طهارة القلب, فإن العرب تطلق الثياب عليه كما قال امرؤ القيس:
أفاطم مهلاً بعض هذا التدلل وإن كنت قد أزمعت هجري فأجملي
وإن تك قد ساءتك مني خليقة فسلي ثيابي من ثيابك تنسل
وقال سعيد بن جبير "وثيابك فطهر" وقلبك ونيتك فطهر, وقال محمد بن كعب القرظي والحسن البصري : وخلقك فحسن, وقوله تعالى: "والرجز فاهجر" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : والرجز وهو الأصنام فاهجر, وكذا قال مجاهد وعكرمة وقتادة والزهري وابن زيد : إنها الأوثان, وقال إبراهيم والضحاك "والرجز فاهجر" أي اترك المعصية, وعلى كل تقدير فلا يلزم تلبسه بشيء من ذلك كقوله تعالى: "يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين" "وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين". وقوله تعالى: "ولا تمنن تستكثر" قال ابن عباس : لا تعط العطية تلتمس أكثر منها, وكذا قال عكرمة ومجاهد وعطاء وطاوس وأبو الأحوص وإبراهيم النخعي والضحاك وقتادة والسدي وغيرهم, وروي عن ابن مسعود أنه قرأ " ولا تمنن تستكثر " وقال الحسن البصري : لا تمنن بعملك على ربك تستكثره وكذا قال الربيع بن أنس واختاره ابن جرير , وقال خصيف عن مجاهد في قوله تعالى: "ولا تمنن تستكثر" قال: لا تضعف أن تستكثر من الخير, قال: تمنن في كلام العرب تضعف, وقال ابن زيد : لا تمنن بالنبوة على الناس تستكثرهم بها تأخذ عليه عوضاً من الدنيا. فهذه أربعة أقوال والأظهر القول الأول, والله أعلم.
وقوله تعالى: "ولربك فاصبر" أي اجعل صبرك على أذاهم لوجه ربك عز وجل قاله مجاهد . وقال إبراهيم النخعي : اصبر عطيتك لله عز وجل. وقوله تعالى: " فإذا نقر في الناقور * فذلك يومئذ يوم عسير * على الكافرين غير يسير " قال ابن عباس ومجاهد والشعبي وزيد بن أسلم والحسن وقتادة والضحاك والربيع بن أنس والسدي وابن زيد "الناقور" الصور, قال مجاهد : وهو كهيئة القرن. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج , حدثنا أسباط بن محمد عن مطرف عن عطية العوفي عن ابن عباس "فإذا نقر في الناقور" فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر فينفخ ؟ فقال: قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما تأمرنا يا رسول الله ؟ قال: قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا"وهكذا رواه الإمام أحمد عن أسباط به, ورواه ابن جرير عن أبي كريب عن ابن فضيل وأسباط كلاهما عن مطرف به, ورواه من طريق أخرى عن العوفي عن ابن عباس به.
وقوله تعالى: "فذلك يومئذ يوم عسير" أي شديد "على الكافرين غير يسير" أي غير سهل عليهم كما قال تعالى: "يقول الكافرون هذا يوم عسر", وقد روينا عن زرارة بن أوفى قاضي البصرة أنه صلى بهم الصبح, فقرأ هذه السورة فلما وصل إلى قوله تعالى: " فإذا نقر في الناقور * فذلك يومئذ يوم عسير * على الكافرين غير يسير " شهق شهقة ثم خر ميتاً رحمه الله تعالى.
6- "ولا تمنن تستكثر" قرأ الجمهور لا تمنن بفك الإدغام، وقرأ الحسن وأبو اليمان والأشهب العقيلي بالإدغام، وقرأ الجمهور تستكثر بالرفع على أنه حال: أي ولا تمنن حال كونك مستكثراً، وقيل على حذف أن، والأصل ولا تمنن أن تستكثر، فلما حذفت رفع. قال الكسائي: فإذا حذف أن رفع الفعل. وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش تستكثر بزيادة أن. وقرأ الحسن أيضاً وابن أبي عبلة تستكثر بالجزم على أنه بدل من تمنن كما في قوله: " يلق أثاما * يضاعف له "، وقول الشاعر:
متى تأتنا تلمم بنا في ديـارنـا تجد حطباً جزلاً ونـاراً تأججـا
أو الجزم لإجراء الوصل مجرى الوقف: كما في قول امرئ القيس:
فاليوم أشرب غير مستحقب إثماً من الله ولا واغل
بتسكين أشرب. وقد اعترض على هذه القراءة، لأن قوله تستكثر لا يصح أن يكون بدلاً من تمنن، لأن المن غير الاستكثار، ولا يصح أن يكون جواباً للنهي.
واختلف السلف في معنى الآية، فقيل المعنى: لا تمنن على ربك بما تتحمله من أعباء النبوة كالذي يستكثر ما يتحمله بسبب الغير، وقيل لا تعط عطية تلتمس فيها أفضل منها قاله عكرمة وقتادة. قال الضحاك: هذا حرمه [الله] على رسوله، لأنه مأمور بأشرف الآداب وأجل الأخلاق، وأباحه لأمته. وقال مجاهد: لا تضعف أن تستكثر من الخير، من قولك حبل متين: إذا كان ضعيفاً. وقال الربيع بن أنس: لا تعزم عملك في عينك أن تستكثر من الخير. وقال ابن كيسان: لا تستكثر عملاً فتراه من نفسك، إنما عملك منة من الله عليك إذ جعل لك سبيلاً إلى عبادته. وقيل لا تمنن بالنبوة والقرآن على الناس فتأخذ منهم أجراً تستكثره. وقال محمد بن كعب: لا تعط مالك مصانعة. وقال زيد بن أسلم: إذا أعطيت عطية فأعطها لربك.
6- "ولا تمنن تستكثر"، أي: لا تعط مالك مصانعةً لتعطى أكثر منه، هذا قول أكثر المفسرين، قال الضحاك ومجاهد: كان هذا للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة. قال الضحاك: هما رباءان حلال وحرام، فأما الحلال فالهدايا، وأما الحرام فالربا. قال قتادة: لا تعط شيئاً طمعاً لمجازاة الدنيا، يعني أعط لربك وأرد به الله. وقال الحسن: معناه لا تمنن على الله بعملك فتستكثره، قال الربيع: لا تكثرن عملك في عينك فإنه فيما أنعم الله عليك وأعطاك قليل. وروى خصيف عن مجاهد: ولا تضعف أن تستكثر من الخير، من قولهم: حبل متين إذا كان ضعيفاً، دليله: قراءة ابن مسعود: ولا تمنن أن تستكثر، قال ابن زيد معناه: لا تمنن بالنبوة على الناس فتأخذ عليها أجراً أو عرضاً من الدنيا.
6-" ولا تمنن تستكثر " أي لا تعط مستكثراً ، نهى عن الاستفزاز وهو أن يهب شيئاً طامعاً في عوض أكثر ، نهي تنزيه أو نهياً خاصاً به لقوله عليه الصلاة والسلام " المستفزز يثاب من هبته " والموجب له ما فيه من الحرص والصنة ، أو " لا تمنن " على الله تعالى بعبادتك مستكثراً إياها ، أو على الناس بالتبليغ به الأجر منهم أو مستكثراً إياه ، وقرئ " تستكثر " بالسكون للوقف أو الإبدال من تمنن على أنه من بكذا ، أو " تستكثر " بمعنى تجده كثيراً وبالنصب على إضمار أن ، وقد قرئ بها على هذا يجوز أن يكون الرفع بحذفها وإبطال عملها ، كما روي : احضر الوغى . بالرفع .
6. And show not favor, seeking worldly gain!
6 - Nor expect, in giving, any increase (for thyself)!