[المدثر : 25] إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ
25 - (إن) ما (هذا إلا قول البشر) كما قالوا إنما يعلمه بشر
وقوله : " إن هذا إلا قول البشر " يقول تعالى ذكره مخبراً عن قيل الوحيد في القرآن " إن هذا إلا قول البشر " ما هذا الذي يتلوه محمد إلا قول البشر يقول : ما هو إلا كلام ابن آدم ، وما هو بكلام الله .
قوله تعالى:" إن هذا إلا قول البشر" أي ما هذا الا كلام المخلوقين، يختدع به القلوب كما تختدع بالسحر. قال السدي : يعنون انه من قول ابي اليسر عبد لبني الحضرمي، كان يجالس النبي صلى الله عليه وسلم، فنسبوه الى انه تعلم منه ذلك . وقيل : اراد انه تلقنه من اهل بابل. وقيل : عن مسيلمة. وقيل : عن عدي الحضرمي الكاهن. وقيل : انما تلقنه ممن ادعى النبوة قبله، فنسج على منوالهم. قال ابو سعيد الضرير: ان هذا الا امر سحر يؤثر أي يورث.
يقول تعالى متوعداً لهذا الخبيث الذي أنعم الله عليه بنعم الدنيا فكفر بأنعم الله وبدلها كفراً وقابلها بالجحود بآيات الله والافتراء عليها, وجعلها من قول البشر وقد عدد الله عليه نعمه حيث قال تعالى: "ذرني ومن خلقت وحيداً" أي خرج من بطن أمه وحده لا مال له ولا ولد ثم رزقه الله تعالى: "مالاً ممدوداً" أي واسعاً كثيراً قيل ألف دينار وقيل مائه ألف دينار, وقيل أرضاً يستغلها, وقيل غير ذلك وجعل له "بنين شهوداً" قال مجاهد لا يغيبون أي حضوراً عنده لا يسافرون بالتجارات بل مواليهم وأجراؤهم يتولون ذلك عنهم: وهم قعود عند أبيهم يتمتع بهم ويتملى بهم, وكانوا فيما ذكره السدي وأبو مالك وعاصم بن عمر بن قتادة ثلاثة عشر, وقال ابن عباس ومجاهد كانوا عشرة وهذا أبلغ في النعمة وهو إقامتهم عنده "ومهدت له تمهيداً" أي مكنته من صنوف المال والأثاث وغير ذلك.
" ثم يطمع أن أزيد * كلا إنه كان لآياتنا عنيدا " أي معانداً وهو الكفر على نعمه بعد العلم قال الله تعالى: "سأرهقه صعوداً" قال الإمام أحمد : حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفاً, قبل أن يبلغ قعره, والصعود جبل من نار يتصعد فيه الكافر سبعين خريفاً, ثم يهوي به كذلك فيه أبداً" وقد رواه الترمذي عن عبد بن حميد عن الحسن بن موسى الأشيب به, ثم قال غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة عن دراج , كذا قال, وقد رواه ابن جرير عن يونس عن عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث عن دراج وفيه غرابة ونكارة.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة وعلي بن عبد الرحمن المعروف بعلان المقري قال: حدثنا منجاب , أخبرنا شريك عن عمار الدهني عن عطية العوفي عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم "سأرهقه صعوداً" قال: "هو جبل في النار من نار يكلف أن يصعده فإذا وضع يده ذابت وإذا رفعها عادت, فإذا وضع رجله ذابت وإذا رفعها عادت" ورواه البزار وابن جرير من حديث شريك به. وقال قتادة عن ابن عباس : صعوداً صخرة في جهنم يسحب عليها الكافر على وجهه. وقال السدي : صعوداً صخرة ملساء في جهنم يكلف أن يصعدها وقال مجاهد "سأرهقه صعوداً" أي مشقة من العذاب, وقال قتادة : عذاباً لا راحة فيه, واختاره ابن جرير . وقوله تعالى: "إنه فكر وقدر" أي إنما أرهقناه صعوداً أي قربناه من العذاب الشاق لبعده عن الإيمان لأنه فكر وقدر أي تروى ماذا يقول في القرآن حين سئل عن القرآن ففكر ماذا يختلق من المقال "وقدر" أي تروى "فقتل كيف قدر * ثم قتل كيف قدر" دعاء عليه "ثم نظر" أي أعاد النظرة والتروي "ثم عبس" أي قبض بين عينيه وقطب "وبسر" أي كلح وكره ومنه قول توبة بن الحمير :
وقد رابني منها صدود رأيته وإعراضها عن حاجتي وبسورها
وقوله: "ثم أدبر واستكبر" أي صرف عن الحق ورجع القهقهرى مستكبراً عن الانقياد للقرآن "فقال إن هذا إلا سحر يؤثر" أي هذا سحر ينقله محمد عن غيره ممن قبله ويحكيه عنهم, ولهذا قال: "إن هذا إلا قول البشر" أي ليس بكلام الله, وهذا المذكور في هذا السياق هو الوليد بن المغيرة المخزومي أحد رؤساء قريش لعنه الله, وكان من خبره في هذا ما رواه العوفي عن ابن عباس قال دخل الوليد بن المغيرة على أبي بكر بن أبي قحافة فسأله عن القرآن, فلما أخبره خرج على قريش فقال يا عجباً لما يقول ابن أبي كبشة, فو الله ما هو بشعر ولا بسحر ولا بهذي من الجنون, وإن قوله لمن كلام الله فلما سمع بذلك النفر من قريش ائتمروا وقالوا: والله لئن صبأ الوليد لتصبو قريش, فلما سمع بذلك أبو جهل بن هشام قال: أنا والله أكفيكم شأنه فانطلق حتى دخل عليه بيته, فقال للوليد: ألم تر إلى قومك قد جمعوا لك الصدقة ؟ فقال: ألست أكثرهم مالاً وولداً ؟ فقال أبو جهل: يتحدثون أنك إنما تدخل على ابن أبي قحافة لتصيب من طعامه, فقال الوليد: أقد تحدث به عشيرتي ؟ فلا والله لا أقرب ابن أبي قحافة ولاعمر ولا ابن أبي كبشة, وما قوله إلا سحر يؤثر فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم " ذرني ومن خلقت وحيدا " إلى قوله " لا تبقي ولا تذر " وقال قتادة : زعموا أنه قال: والله لقد نظرت فيما قال الرجل فإذا هو ليس بشعر وإن له لحلاوة, وإنه عليه لطلاوة, وإن ليعلو وما يعلى عليه وما أشك أنه سحر فأنزل الله: "فقتل كيف قدر" الاية.
"ثم عبس وبسر" قبض ما بين عينيه وكلح, وقال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى , حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن عباد بن منصور عن عكرمة أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن, فكأنه رق له, فبلغ ذلك أبا جهل بن هشام فأتاه فقال أي عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً. قال: لم ؟ قال يعطونكه فإنك أتيت محمداً تتعرض لما قبله, قال قد علمت قريش أني أكثرهم مالاً, قال: فقل فيه قولاً يعلم قومك أنك منكر لما قال وأنك كاره له, قال فماذا أقول فيه, فو الله ما منكم رجل أعلم بالأشعار مني ولا أعلم برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن, والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا, والله إن لقوله الذي يقوله لحلاوة, وإنه ليحطم ما تحته وإنه ليعلو وما يعلى, وقال والله لا يرضى قومك حتى تقول فيه, قال فدعني حتى أتفكر فيه, فلما فكر قال: إن هذا إلا سحر يؤثره عن غيره, فنزلت: " ذرني ومن خلقت وحيدا " حتى بلغ " تسعة عشر " وقد ذكر محمد بن إسحاق وغير واحد نحواً من هذا, وقد زعم السدي أنهم لما اجتمعوا في دار الندوة ليجمعوا رأيهم على قول يقولونه فيه قبل أن يقدم عليهم وفود العرب للحج ليصدوهم عنه, فقال قائلون: شاعر وقال آخرون: ساحر وقال آخرون: كاهن وقال آخرون: مجنون كما قال تعالى: "انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا" كل هذا والوليد يفكر فيما يقوله فيه, ففكر وقدر ونظر وعبس وبسر, فقال: إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر, قال الله تعالى: "سأصليه سقر" أي سأغمره فيها من جميع جهاته, ثم قال تعالى: "وما أدراك ما سقر" وهذا تهويل لأمرها وتفخيم, ثم فسر ذلك بقوله تعالى: "لا تبقي ولا تذر" أي تأكل لحومهم وعروقهم وعصبهم وجلودهم ثم تبدل غير ذلك, وهم في ذلك لا يموتون ولا يحيون, قاله ابن بريدة وأبو سنان وغيرهم.
وقوله تعالى: "لواحة للبشر" قال مجاهد أي للجلد, وقال أبو رزين : تلفح الجلد لفحة فتدعه أسود من الليل, وقال زيد بن أسلم : تلوح أجسادهم عليها. وقال قتادة : "لواحة للبشر" أي حراقة للجلد وقال ابن عباس : تحرق بشرة الإنسان. وقوله تعالى: "عليها تسعة عشر" أي من مقدمي الزبانية عظيم خلقهم غليظ خلقهم.
وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة , حدثنا إبراهيم بن موسى , حدثنا ابن أبي زائدة , أخبرني حارث عن عامر عن البراء في قوله تعالى: "عليها تسعة عشر" قال: إن رهطاً من اليهود سألوا رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خزنة جهنم فقال: الله ورسوله أعلم, فجاء الرجل فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى عليه ساعتئذ "عليها تسعة عشر" فأخبر أصحابه وقال: "ادعهم أما إني سائلهم عن تربة الجنة إن أتوني, أما إنها درمكة بيضاء ، فجاؤوه فسألوه عن خزنة جهنم فأهوى بأصابع كفيه مرتين وأمسك الإبهام في الثانية ثم قال: أخبروني عن تربة الجنة ، فقالوا: أخبرهم يا ابن سلام , فقال: كأنها خبزة بيضاء: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إن الخبز إنما يكون من الدرمك" هكذا وقع عند ابن أبي حاتم عن البراء والمشهور عن جابر بن عبد الله كما قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده حدثنا منده, حدثنا أحمد بن عبدة , أخبرنا سفيان ويحيى بن حكيم , حدثنا سفيان عن مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد غلب أصحابك اليوم. فقال: بأي شيء ؟ قال: سألتهم يهود هل أعلمكم نبيكم عدة خزنة أهل النار ؟ قالوا: لا نعلم حتى نسأل نبينا صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفغلب قوم يسألون عما لا يعلمون فقالوا لا نعلم حتى نسأل نبينا صلى الله عليه وسلم ؟ علي بأعداء الله لكنهم قد سألوا نبيهم أن يريهم الله جهرة فأرسل إليهم فدعاهم قالوا: يا أبا القاسم كم عدة خزنة أهل النار ؟ قال: هكذا وطبق كفيه ثم طبق كفيه مرتين وعقد واحدة وقال لأصحابه: إن سئلتم عن تربة الجنة فهي الدرمك فلما سألوه فأخبرهم بعدة خزنة أهل النار قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تربة الجنة ؟ فنظر بعضهم إلى بعض فقالوا: خبزة يا أبا القاسم. فقال: الخبز من الدرمك " وهكذا رواه الترمذي عند هذه الاية عن ابن أبي عمر عن سفيان به, وقال هو والبزار لا يعرف إلا من حديث مجالد , وقد رواه الإمام أحمد عن علي بن المديني عن سفيان فقص الدرمك فقط.
25- "إن هذا إلا قول البشر" يعني أنه كلام الإنس، وليس بكلام الله، وهو تأكيد لما قبله، وسيأتي أن الوليد بن المغيرة إنما قال هذا القول إرضاءً لقومه بعد اعترافه أن له حلاوة، وأن عليه طلاوة إلى آخر كلامه.
25- "إن هذا إلا قول البشر"، يعني يساراً وجبراً فهو يأثره عنهما. وقيل: يرويه عن مسيلمة صاحب اليمامة.
25-" إن هذا إلا قول البشر " كالتأكيد للجملة الأولى ولذلك لم يعطف عليها .
25. This naught else than speech of mortal man.
25 - This is nothing but the word of a mortal!