[المزمل : 17] فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا
17 - (فكيف تتقون إن كفرتم) في الدنيا (يوما) مفعول تتقون أي عذابه بأي حصن تتحصنون من عذاب يوم (يجعل الولدان شيبا) جمع أشيب لشدة هوله وهو يوم القيامة والأصل في شين شيبا الضم وكسرت لمجانسة الياء ويقال في اليوم الشديد يوم يشيب نواصي الأطفال وهو مجاز ويجوز أن يكون المراد في الآية الحقيقية
يقول تعالى ذكره للمشركين به ، فكيف تخافون أيها الناس يوماً يجعل الولدان شيباً إن كفرتم بالله ، ولم تصدقوا به ، وذكر أن ذلك كذلك في قراءة عبد الله بن مسعود .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله " فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا " يقول : كيف تتقون يوماً وأنتم قد كفرتم به ولا تصدقون به .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " فكيف تتقون إن كفرتم " قال : والله لا يتقي من كفر بالله ذلك اليوم .
وقوله : " يوما يجعل الولدان شيبا " يعني يوم القيامة ، وإنما تشيب الولدان من شدة هوله وكربه .
كما حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " يوما يجعل الولدان شيبا " كان ابن مسعود يقول : ( إذا كان يوم القيامة دعا ربنا الملك آدم ، فيقول : يا آدم قم فابعث بعث النار ، فيقول آدم : أي رب لا علم لي إلا ما علمتني ، فيقول الله له : أخرج من كل ألف تسع مئة وتسعة وتسعين ، فيساقون إلى النار سوداً مقرنين ، زرقاً كالحين ، فيشيب هنالك كل وليد ) .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " يوما يجعل الولدان شيبا " قال : تشيب الصغار من كرب ذلك اليوم .
قوله تعالى : " فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا" هو توبيخ وتقريع، أي كيف تتقون العذاب ان كفرتم. وفيه تقديم وتأخير، أي كيف تتقون يوماً يجعل الولدان شيباً ان كفرتم. وكذا قراءة عبد الله وعطية. قال الحسن : أي بأي صلاة تتقون العذاب؟ بأي صوم تتقون العذاب؟ وفي اضمار، أي كيف تتقون عذاب يوم. وقال قتادة : والله ما يتقي من كفر بالله ذلك اليوم بشيء. و((يوماً) مفعول بـ((تتقون)) على هذه القراءة وليس بظرف، وان قدر الكفر بمعنى الجحود كان اليوم مفعول ((كفرتم)) وقال بعض المفسرين: وقف التمام على قوله: " كفرتم " والابتداء (( يوماً )) يذهب الى ان اليوم مفعول(( يجعل)) والفعل لله عزوجل ، وكأنه قال : يجعل الله الولدان شيباً في يوم. قال ابن الأنباري: وهذا لا يصلح، لأن اليوم هو الذي يفعل هذا من شدة هوله. المهدوي: والضمير في (( يجعل )) يجوز ان يكون لله عز وجل، ويجوز ان يكون لليوم، واذا كان لليوم صلح ان يكون صفة له، ولا يصلح ذلك اذا كان الضمير لله عز وجل الا مع تقدير حذف كأنه قال : يوماً يجعل الله الولدان فيه شيباً. ابن الانباري : ومنهم من نصب اليوم ب((كفرتم)) وهذا قبيح، لأن اليوم اذا علق ب (( كفرتم)) احتاج الى صفة، أي كفرتم بيوم. فإن احتج محتج بأن الصفة قد تحذف وينصب ما بعدها، احتججنا عليه بقراءة عبد الله (( فكيف تتقون يوماً)).
قلت: هذه القراءة ليست متواترة، وانما جاءت على وجه التفسير. واذا كان الكفر بمعنى الجحود ف(( يوماً)) مفعول صريح من غير صفة ولا حذفها، أي فكيف تتقون الله وتخشونه ان جحدتم يوم القيامة والجزاء. وقرأ ابو السمال قعنب(( فكيف تتقون)) بكسر النون على الإضافة. و" الولدان" الصبيان. وقال السدي: هم اولاد الزنا. وقيل : اولاد المشركين. والعموم اصح، أي يشيب فيه الصغير من غير كبر. وذلك حين يقال: (( يا آدم قم فابعث بعث النار)) على ما تقدم في اول سورة (( الحج)) قال القشيري : ثم إن أهل الجنة يغير الله احوالهم واوصافهم على ما يريد. وقيل : هذا ضرب مثل لشدة ذلك اليوم وهو مجاز، لأن يوم القيامة لا يكون فيه ولدان، ولكن معناه ان هيبة ذلك اليوم بحال لو كان فيه هناك صبي لشاب رأسه من الهيبة. ويقال : هذا وقت الفزع، وقبل ان ينفخ في الصور نفخة الصعق، فالله اعلم. الزمخشري : وقد مر بي في بعض الكتب ان رجلا امسى فاحم الشعر كحنك الغراب، فأصبح وهو ابيض الرأس واللحية كالثغامة، فقال : أريت القيامة والجنة والنار في المنام، ورأيت الناس يقادون في السلاسل الى النار، فمن هول ذلك اصبحت كما ترون. ويجوز ان يوصف اليوم بالطول، وان الأطفال يبلغون فيه أوان الشيخوخة والشيب.
يقول تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم بالصبر على ما يقوله من كذبه من سفهاء قومه, وأن يهجرهم هجراً جميلاً وهو الذي لا عتاب معه ثم قال له متهدداً لكفار قومه ومتوعداً, وهو العظيم الذي لا يقوم لغضبه شيء "وذرني والمكذبين أولي النعمة" أي دعني والمكذبين المترفين أصحاب الأموال فإنهم على الطاعة أقدر من غيرهم وهم يطالبون من الحقوق بما ليس عند غيرهم "ومهلهم قليلاً" أي رويداً كما قال تعالى: "نمتعهم قليلاً ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ", ولهذا قال ههنا: "إن لدينا أنكالاً" وهي القيود, قاله ابن عباس وعكرمة وطاوس ومحمد بن كعب وعبد الله بن بريدة وأبو عمران الجوني وأبو مجلز والضحاك وحماد بن أبي سليمان وقتادة والسدي وابن المبارك والثوري وغير واحد "وجحيماً" وهي السعير المضطرمة "وطعاماً ذا غصة" قال ابن عباس : ينشب في الحلق فلا يدخل ولا يخرج "وعذاباً أليماً * يوم ترجف الأرض والجبال" أي تزلزل "وكانت الجبال كثيباً مهيلاً" أي تصير ككثبان الرمل بعد ما كانت حجارة صماء ثم إنها تنسف نسفاً فلا يبقى منها شيء إلا ذهب حتى تصير الأرض قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً أي وادياً ولا أمناً أي رابية, ومعناه لا شيء ينخفض ولا شيء يرتفع, ثم قال تعالى مخاطباً لكفار قريش والمراد سائر الناس: "إنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم" أي بأعمالكم "كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً * فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذاً وبيلاً" قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي والثوري "أخذاً وبيلاً" أي شديداً أي فاحذروا أنتم أن تكذبوا هذا الرسول فيصيبكم ما أصاب فرعون حيث أخذه الله أخذ عزيز مقتدر كما قال تعالى: " فأخذه الله نكال الآخرة والأولى " وأنتم أولى بالهلاك والدمار إن كذبتم رسولكم, لأن رسولكم أشرف وأعظم من موسى بن عمران, ويروى عن ابن عباس ومجاهد .
وقوله تعالى: "فكيف تتقون إن كفرتم يوماً يجعل الولدان شيباً" يحتمل أن يكون يوماً معمولاً لتتقون كما حكاه ابن جرير عن قراءة ابن مسعود فكيف تخافون أيها الناس يوماً يجعل الولدان شيباً إن كفرتم بالله ولم تصدقوا به ؟ ويحتمل أن يكون معمولاً لكفرتم فعلى الأول كيف يحصل لكم أمان من يوم هذا الفزع العظيم إن كفرتم, وعلى الثاني كيف يحصل لكم تقوى إن كفرتم يوم القيامة وجحدتموه, وكلاهما معنى حسن, ولكن الأول أولى والله أعلم. ومعنى قوله "يوماً يجعل الولدان شيباً" أي من شدة أهواله وزلازله وبلابله, وذلك حين يقول الله تعالى لادم ابعث بعث النار فيقول من كم. فيقول من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة. قال الطبراني : حدثنا يحيى بن أيوب العلاف حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا نافع بن يزيد , حدثنا عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ "يوماً يجعل الولدان شيباً" قال: "ذلك يوم القيامة وذلك يوم يقول الله لادم قم فابعث من ذريتك بعثاً إلى النار, قال من كم يا رب ؟ قال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون وينجو واحد فاشتد ذلك على المسلمين وعرف ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال حين أبصر ذلك في وجوههم إن بني آدم كثير, وإن يأجوج ومأجوج من ولد آدم, وإنه لا يموت منهم رجل حتى ينتشر لصلبه ألف رجل ففيهم وفي أشباههم جنة لكم" هذا حديث غريب وقد تقدم في أول سورة الحج ذكر هذه الأحاديث. وقوله تعالى: "السماء منفطر به" قال الحسن وقتادة أي بسببه من شدته وهوله, ومنهم من يعيد الضمير على الله تعالى: وروي عن ابن عباس ومجاهد وليس بقوي لأنه لم يجر له ذكر ههنا, وقوله تعالى: "كان وعده مفعولاً" أي كان وعد هذا اليوم مفعولاً أي واقعاً لا محالة وكائناً لا محيد عنه.
17- "فكيف تتقون" أي كيف تقون أنفسكم "إن كفرتم" أي إن بقيتم على كفركم "يوماً" أي عذاب يوم "يجعل الولدان شيبا" لشدة هوله: أي يصير الولدان شيوخاً، والشيب جمع أشيب، وهذا يجوز أن يكون حقيقة، وأنهم يصيرون كذلك، أو تمثيلاً، لأن من شاهد الهول العظيم تقاصرت قواه وضعفت أعضاؤه وصار كالشيخ في الضعف وسقوط القوة، وفي هذا تقريع لهم شديد وتوبيخ عظيم. قال الحسن: أي كيف تتقون يوماً يجعل الولدان شيباً إن كفرتم، وكذا قرأ ابن مسعود وعطية، ويوماً مفعول به لتتقون. قال ابن الأنباري: ومنهم من نصب اليوم بكفرتم، وهذا قبيح، والولدان الصبيان.
17- "فكيف تتقون إن كفرتم"، أي: كيف لكم بالتقوى يوم القيامة إذ كفرتم في الدنيا يعني لا سبيل لكم إلى التقوى إذا وافيتم يوم القيامة؟ وقيل: معناه كيف تتقون العذاب يوم القيامة وبأي شيء تتحصنون منه إذا كفرتم؟ " يوما يجعل الولدان شيبا "، شمطاً من هوله وشدته، ذلك حين يقال لآدم قم فابعث بعث النار من ذريتك.
17-" فكيف تتقون " أنفسكم ." إن كفرتم " بقيتم على الكفر . " يوماً " عذاب يوم ." يجعل الولدان شيباً " من شدة هوله وهذا على الفرض أو التمثيل ، وأصله أن الهموم تضعف القوى وتسرع الشيب ، ويجوز أن يكون وصفاً لليوم بالطول .
17. Then how, if ye disbelieve, will ye protect yourselves upon the day which will turn children grey,
17 - Then how shall ye, if ye deny (God), guard yourselves against a Day that will make children hoary headed?