[الجن : 4] وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا
4 - (وأنه كان يقول سفيهنا) جاهلنا (على الله شططا) غلوا في الكذب بوصفه بالصاحبة والولد
يقول عز وجل مخبراً عن قيل النفر من الجن استمعوا القرآن " أنه كان يقول سفيهنا " وهو إبليس .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا " وهو إبليس .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن رجل من المكيين ، عن مجاهد " سفيهنا على الله شططا " قال إبليس ، ثم قال سفيان : سمعت أن الرجل إذا سجد جلس إبليس يبكي يقول : يا ويله أمر بالسجود فعصى ، فله النار ، وأمر ابن آدم بالسجود فسجد ، فله الجنة .
حدثني ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، قال : تلا قتادة " وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا * وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا " فقال : عصاه والله سفيه الجن ، كما عصاه سفيه الإنس .
وأما الشطط من القول ، فإنه ما كان تعدياً .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : ثنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا " قال : ظلماً .
قوله تعالى : " وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا " الهاء في ((انه)) للأمر أو الحديث، وفي ((كان)) اسمها، وما بعدها الخبر. ويجوز أن تكون ((كان)) زائدة. والسفيه هنا إبليس في قول مجاهد وابن جريج وقتادة. ورواه أبو بردة بن أبي موسى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل : المشركون من الجن، قال قتادة: عصاه سفيه الجن كما عصاه سفيه الإنس. والشطط والاشتطاط: الغلو في الكفر. وقال أبو مالك : هو الجور . الكلبي : هو الكذب. وأصله البعد فيعبر به عن الجور لبعده عن العدل، وعن الكذب لبعده عن الصدق، قال الشاعر:
بأية حال حكموا فيك فاشتطوا وما ذاك إلا حيث يممك الوخط
يقول تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخبر قومه أن الجن استمعوا القرآن, فآمنوا به وصدقوه وانقادوا له, فقال تعالى: "قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآناً عجباً * يهدي إلى الرشد" أي إلى السداد والنجاح "فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداً" وهذا المقام شبيه بقوله تعالى: "وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن" وقد قدمنا الأحاديث الواردة في ذلك بما أغنى عن إعادته ههنا.
وقوله تعالى: "وأنه تعالى جد ربنا" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: "جد ربنا" أي فعله وأمره وقدرته. وقال الضحاك عن ابن عباس : جد الله آلاؤه وقدرته ونعمته على خلقه, وروي عن مجاهد وعكرمة : جلال ربنا, وقال قتادة : تعالى جلاله وعظمته وأمره, وقال السدي : تعالى أمر ربنا: وعن أبي الدرداء ومجاهد أيضاً وابن جريج : تعالى ذكره وقال سعيد بن جبير : "تعالى جد ربنا" أي تعالى ربنا, فأما ما رواه ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرى , حدثنا سفيان عن عمرو , عن عطاء , عن ابن عباس , قال: الجد أب ولو علمت الجن أن في الإنس جداً ما قالوا تعالى جد ربنا, فهذا إسناد جيد ولكن لست أفهم ما معنى هذا الكلام ولعله قد سقط شيء والله أعلم.
وقوله تعالى: "ما اتخذ صاحبة ولا ولداً" أي تعالى عن اتخاذ الصاحبة والأولاد, أي قالت الجن: تنزه الرب جل جلاله حين أسلموا وآمنوا بالقرآن عن اتخاذ الصاحبة والولد ثم قالوا "وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططاً" قال مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي "سفيهنا" يعنون إبليس "شططاً" قال السدي عن أبي مالك : "شططاً" أي جوراً, وقال ابن زيد : أي ظلماً كبيراً ويحتمل أن يكون المراد بقولهم سفيهنا اسم جنس لكل من زعم أن لله صاحبة أو ولداً, ولهذا قالوا "وأنه كان يقول سفيهنا" أي قبل إسلامه "على الله شططاً" أي باطلاً وزوراً, ولهذا قالوا "وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذباً" أي ما حسبنا أن الإنس والجن يتمالؤون على الكذب على الله تعالى في نسبة الصاحبة والولد إليه, فلما سمعنا هذا القرآن وآمنا به علمنا أنهم كانوا يكذبون على الله في ذلك.
وقوله تعالى: "وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً" أي كنا نرى أن لنا فضلاً على الإنس لأنهم كانوا يعوذون بنا إذا نزلوا وادياً أو مكاناً موحشاً من البراري وغيرها, كما كانت عادة العرب في جاهليتها يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجان أن يصيبهم بشيء يسوؤهم, كما كان أحدهم يدخل بلاد أعدائه في جوار رجل كبير وذمامه وخفارته, فلما رأت الجن أن الإنس يعوذون بهم من خوفهم منهم زادوهم رهقاً أي خوفاً وإرهاباً وذعراً حتى بقوا أشد منهم مخافة وأكثر تعوذاً بهم, كما قال قتادة "فزادوهم رهقاً" أي إثماً وازدادت الجن عليهم جراءة. وقال السدي : كان الرجل يخرج بأهله فيأتي الأرض فينزلها فيقول: أعوذ بسيد هذا الوادي من الجن أن أضر أنا فيه أو مالي أو ولدي أو ماشيتي, قال قتادة : فإذا عاذ بهم من دون الله رهقتهم الجن الأذى عند ذلك.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد يحيى بن سعيد القطان , حدثنا وهب بن جرير , حدثنا أبي , حدثنا الزبير بن الخريت عن عكرمة قال: كان الجن يفرقون من الإنس كما يفرق الإنس منهم أو أشد, فكان الإنس إذا نزلوا وادياً هرب الجن فيقول سيد القوم نعوذ بسيد أهل هذا الوادي, فقال الجن نراهم يفرقون منا كما نفرق منهم فدنوا من الإنس فأصابوهم بالخبل والجنون, فذلك قول الله عز وجل: "وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً" أي إثماً. وقال أبو العالية والربيع وزيد بن أسلم "رهقاً" أي خوفاً وقال العوفي عن ابن عباس "فزادوهم رهقاً" أي إثماً, وكذا قال قتادة وقال مجاهد : زاد الكفار طغياناً.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا فروة بن أبي المغراء الكندي , حدثنا القاسم بن مالك ـ يعني المزني ـ عن عبد الرحمن بن إسحاق عن أبيه عن كردم بن أبي السائب الأنصاري قال: خرجت مع أبي من المدينة في حاجة وذلك أول ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة, فآوانا المبيت إلى راعي غنم, فلما انتصف الليل جاء ذئب فأخذ حملاً من الغنم فوثب الراعي فقال: يا عامر الوادي جارك, فنادى مناد لا نراه يقول: يا سرحان أرسله. فأتى الحمل يشتد حتى دخل في الغنم لم تصبه كدمة. وأنزل الله تعالى على رسوله بمكة "وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً" ثم قال: وروي عن عبيد بن عمير ومجاهد وأبي العالية والحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي نحوه وقد يكون هذا الذئب الذي أخذ الحمل, وهو ولد الشاة, كان جنياً حتى يرهب الإنسي ويخاف منه, ثم رده عليه لما استجار به ليضله ويهينه ويخرجه عن دينه والله أعلم. وقوله تعالى: "وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحداً" أي لن يبعث الله بعد هذه المدة رسولاً, قاله الكلبي وابن جرير .
4- "وأنه كان يقول سفيهنا"" وأنه كان رجال من الإنس" قالا: لأنه من الوحي، وكسرا ما بقي لأنه من كلام الجن. وقرأ الجمهور "وأنه لما قام عبد الله" بالفتح لأنه معطوف على قوله: أنه استمع. وقرأ نافع وابن عامر وشيبة وزر بن حبيش وأبو بكر والمفضل عن عاصم بالكسر في هذا الموضع عطفاً على "فآمنا به" بذلك التقدير السابق، واتفقوا على الفتح في "أنه استمع" كما اتفقوا على الفتح في "أن المساجد" وفي " وألو استقاموا " واتفقوا على الكسر في "فقالوا إنا سمعنا" و" قل إنما أدعو ربي " و"قل إن أدري" و"قل إني لا أملك لكم". والجد عند أهل اللغة العظمة والجلال، يقال جد في عيني: أي عظم، فالمعنى: ارتفع عظمة ربنا وجلاله، وبه قال عكرمة ومجاهد. وقال الحسن: المراد تعالى غناه، ومنه قيل للحظ جد، ورجل مجدود: أي محفوظ وفي الحديث "ولا ينفع ذا الجد منك الجد" قال أبو عبيد والخليل: أي لا ينفع ذا الغنى منك الغنى: أي إنما تنفعه الطاعة، وقال القرطبي والضحاك: جده آلاؤه ونعمه على خلقه. وقال أبو عبيدة والأخفش: ملكه وسلطانه. وقال السدي: أمره. وقال سعيد بن جبير "وأنه تعالى جد ربنا" أي تعالى ربنا، وقيل جده قدرته. وقال محمد بن علي بن الحسين وابنه جعفر الصادق والربيع بن أنس: ليس لله جد، وإنما قالته الجن للجهالة. قرأ الجمهور "جد" بفتح الجيم، وقرأ عكرمة وأبو حيوة ومحمد بن السميفع بكسر الجيم، وهو ضد الهزل، وقرأ أبو الأشهب جدي ربنا أي جدواه ومنفعته. وروي عن عكرمة أيضاً أنه قرأ بتنوين جد ورفع ربنا على أنه بدل من جد "ما اتخذ صاحبة ولا ولداً" هذا بيان لتعالي جده سبحانه. قال الزجاج: تعالى جلال ربنا وعظمته عن أن يتخذ صاحبة أو ولداً، وكأن الجن نبهوا بهذا على خطأ الكفار الذين ينسبون إلى الله الصحابة والولد، ونزهوا الله سبحانه عنهما " وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا " الضمير في أنه للحديث أو الأمر، وسفيهنا يجوز أن يكون اسم كان، ويقول الخبر، ويجوز أن يكون سفيهنا فاعل يقول، والجملة خبر كان، واسمها ضمير يرجع إلى الحديث أو الأمر. ويجوز أن تكون كان زائدة، ومرادهم بسفيههم عصاتهم ومشركوهم. وقال مجاهد وابن جريح وقتادة: أرادوا به إبليس، والشطط: الغلو في الكفر. وقال أبو مالك: الجور، وقال الكلبي: الكذب، وأصله البعد عن القصد ومجاوزة الحد. ومنه قول الشاعر:
بأية حال حكموا فيك فاشتطوا وما ذاك إلا حيث يممك الوخط
4- "وأنه كان يقول سفيهنا"، جاهلنا، قال مجاهد وقتادة: هو إبليس، "على الله شططاً"، كذباً وعدواناً، وهو وصفه بالشريك والولد.
4-" وأنه كان يقول سفيهنا " إبليس أو مردة الجن . " على الله شططاً " قولاً ذا شطط وهو البعد ومجاوزة الحد ، أو هو شطط لفرط ما أشط فيه ، وهو نسبة الصاحبة والولد إلى الله .
4. And that the foolish one among us used to speak concerning Allah an atrocious lie.
4 - There were some foolish ones among us, who used to utter extravagant lies against God;