[الجن : 19] وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا
19 - (وأنه) بالفتح والكسر استئنافا والضمير للشأن (لما قام عبد الله) محمد النبي صلى الله عليه وسلم (يدعوه) يعبده ببطن نخل (كادوا) أي الجن المستمعون لقراءئه (يكونون عليه لبدا) بكسر اللام وضمها جمع لبدة كاللبد في ركوب بعضهم بعضا ازدحاما حرصا على سماع القرآن
وقوله : " وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا " يقول : وأنه لما قام محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الله يقول : ( لا إله إلا الله ) " كادوا يكونون عليه لبدا " يقول : كادوا يكونون على محمد جماعات بعضها فوق بعض ، واحدها لبدة ، وفيها لغتان : كسر اللام لبدة ، ومن كسرها جمعها لبد ، وضم اللام لبدة ، ومن ضمها جمعها لبد بضم اللام ، أو لابد ، ومن جمع لابد قال لبداً مثل راكع وركعاً ، وقراء الأمصار على كسر اللام من لبد ، غير ابن محيصن ، فإنه كان يضمها ، وهما بمعنى واحد ، غير أن القراءة التي عليها قراء الأمصار أحب إلي ، والعرب تدعو الجراد الكثير الذي قد ركب بعضه بعضاً لبدة ، ومنه قول عبد مناف بن ربعي الهذلي :
صابوا بستة أبيات وأربعة حتى كأن عليهم جابياً لبدا
والجابي : الجراد الذي يجبي كل شيء يأكله .
واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله " كادوا يكونون عليه لبدا " فقال بعضهم : عني بذلك الجن أنهم كادوا يركبون رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمعوا القرآن .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا " يقول : لما سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن ، ودنوا منه فلم يعلم بهم حتى أتاه الرسول ، فجعل يقرئه " قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن " .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " كادوا يكونون عليه لبدا " كادوا يركبونه حرصاً على ما سمعوا منه من القرآن .
قال أبو جعفر : ومن قال هذا القول جعل قوله " وأنه لما قام عبد الله " مما أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فيكون معناه : قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن ، وأنه لما قام عبد الله يدعوه .
وقال آخرون : بل هذا من قول النفر من الجن لما رجعوا إلى قومهم أخبروهم بما رأوا من طاعة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم له وائتمامهم به في الركوع والسجود .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن معمر ، قال : ثنا أبو مسلم ، عن أبي عوانة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قول الجن لقومهم " لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا " قال : لما رأوه يصلي وأصحابه يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده قال : عجبوا من طواعية أصحابه له ، قال : فقالوا لقومهم : لما قام عبد الله يدعوه ، كادوا يكونون عليه لبداً .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن مغيرة عن زياد ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : " وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا " قال : كان أصحاب نبي الله صلى الله عليه وسلم يأتمون به ، فيركعون بركوعه ، ويسجدون بسجوده ، ومن قال هذا القول الذي ذكرناه عن ابن عباس و سعيد فتح الألف من قوله ( وأنه ) عطف بها على قوله " وأنه تعالى جد ربنا " مفتوحة ، وجاز له كسرها على الابتداء .
وقال آخرون : بل ذلك من خبر الله الذي أوحاه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم لعلمه أن الإنس والجن تظاهروا عليه ، ليبطلوا الحق الذي جاءهم به ، فأبى الله إلا إتمامه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا " قال : تلبدت الإنس والجن على هذا الأمر ليطفئوه ، فأبى الله إلا أن ينصره ويمضيه ، ويظهره على من ناوأه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله " لبدا " قال : لما قام النبي صلى الله عليه وسلم تلبدت الجن والإنس ، فحرصوا على أن يطفئوا هذا النور الذي أنزله الله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " كادوا يكونون عليه لبدا " قال : تظاهروا عليه بعضهم على بعض ، تظاهروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن قال هذا القول فتح الألف من قوله ( وأنه ) .
وأولى الأقوال بالصواب في ذلك قول من قال : ذلك خبر من الله عن أن رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم لما قام يدعوه كادت العرب عليه جميعاً في إطفاء نور الله .
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات بالصواب لأن قوله " وأنه لما قام عبد الله يدعوه " عقيب قوله " وأن المساجد لله " وذلك من خبر الله فكذلك قوله " وأنه لما قام عبد الله يدعوه " وأخرى أنه تعالى ذكره أتبع ذلك قوله " فلا تدعوا مع الله أحدا " فمعلوم أن الذي يتبع ذلك الخبر عما لقي المأمور بأن لا يدعو مع الله أحداً في ذلك ، لا الخبر عن كثرة إجابة المدعوين وسرعتهم إلى الإجابة .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا هوذة ، قال : ثنا عوف ، عن الحسن ، في قوله " وأنه لما قام عبد الله يدعوه " قال : لما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( لا إله إلا الله ) ويدعو الناس إلى ربهم كادت العرب تكون عليه جميعاً .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى ، قال : ثنا سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن رجل ، عن سعيد بن جبير ، في قوله " كادوا يكونون عليه لبدا " قال : تراكبوا عليه .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن سعيد بن جبير " كادوا يكونون عليه لبدا " قال : بعضهم على بعض .
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله " كادوا يكونون عليه لبدا " يقول : أعواناً .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " كادوا يكونون عليه لبدا " قال : جميعاً .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد " كادوا يكونون عليه لبدا " قال : جميعاً .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد " كادوا يكونون عليه لبدا " واللبد : الشيء الذي بعضه فوق بعض .
قوله تعالى : " وأنه لما قام عبد الله يدعوه " يجوز الفتح أي أوحي الله اليه انه. ويجوز الكسر على الاستئناف. و (( عبد الله )) هنا محمد صلى الله عليه وسلم حين كان يصلي ببطن نخلة ويقرأ القرآن، حسب ما تقدم أول السورة" يدعوه" أي يعبده. وقال ابن جريج : (( يدعوه )) أي قام اليهم داعياً الى الله تعالى. " كادوا يكونون عليه لبدا" قال الزبير بن العوام: هم الجن حين استمعوا القرآن. وقيل : كادوا يركبونه حرصاً، قاله الضحاط. ابن عباس : رغبة في سماع الذكر. وروي برد عن مكحول : الن الجني بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة وكانوا سبعين ألفاً، وفرغوا من بيعته عند انشقاق الفجر. وعن ابن عباس أيضاً : إن هذا من قول الجن لما رجعوا الى قومهم اخبروهم بما رأوه من طاعة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وائتمامهم به في الركوع والسجود . وقيل : المعنى كاد المشركون يركبون بعضهم بعضاً، حرداً على النبي صلى الله عليه وسلم . وقال الحسن وقتادة وابن زيد : يعني " لما قام عبد الله" محمد بالدعوة تلبدت الإنس والجن على هذا الأمر ليطفئوه، وأبى الله الا ان ينصره ويتم نوره، واختار الطبري ان يكون المعنى : كادت العرب يجتمعون على النبي صلى الله عليه وسلم، ويتظاهرون على إطفاء النور الذي جاء به. وقال مجاهد : قوله (( لبداً)) جماعات وهو من تلبد الشيء على الشيء أي تجمع، ومنه اللبد الذي يفرش لتراكم صوفه، وكل شيء ألصقته إلصاقاً شديداً فقد لبدته، وجمع اللبدة لبد مثل قربة وقرب. ويقال للشعر الذي على ظهر الأسد لبدة وجمعها لبد، قال زهير:
لدى أسد السلاح مقذف له لبد اظفاره لم تقلم
ويقال للجراد الكثير : لبد. وفيه أربع لغات وقراءات، فتح الباء وكسر اللام، وهي قراءة العامة. وضم اللام وفتح الباء، وهي قراءة مجاهدو ابن محيصن وهشام عن اهل الشام، واحدتها لبدة. وبضم اللام والباء، وهي قراءة أبي حيوة ومحمد بن السميقيع وأبي الأشهب العقيلي والجحدري أيضاً واحدها لابد، مثل راكع وركع، وساجد وسجد. وقيل : اللبد بضم اللام وفتح الباء الشيء الدائم، ومنه قيل لنسر لقمان لبد لدوامه وبقائه، قال النابغة :
أخنى عليها الذي أخنى على لبد
القشيري : وقرئ (( لبدا)) بضم اللام والباء، وهو جمع لبيد، وهو الجولق الصغير. وفي الصحاح : وقوله تعالى " أهلكت مالا لبدا" [ لبداً : 6] أي جما. ويقال أيضاً : الناس لبد أي مجتمعون، واللبد أيضاً الذي لا يسافر ولا يبرح منزله. قال الشاعر:
من امرئ ذي سماح لا تزال له بزلاء يعيا بها الجثامة اللبد
ويروي : اللبد. قال ابو عبيد : وهو أشبه.
والبزلاء : الرأي الجيد. وفلان نهاض ببزلاء: إذا كان ممن يقوم بالأمور العظام، قال الشاعر :
إني إذا شغلت قوماً فروجهم رحب المسالك نهاض ببزلاء
ولبد: آخر نسور لقمان، وهو ينصرف، لأنه ليس بمعدول. وتزعم العرب ان لقمان هو الذي بعثته عاد في وفدها الى الحرم يستسقي لها، فلما أهلكوا خير لقمان بين بقاء سبع بعرات سمر، من أظب عفر، في جبل وعر، لا يمسها القطر، أو بقاء سبعة أنسر كلما هلك نسر خلف بعده نسر، فاختار النسور، وكان آخر نسورة يسمى لبدا، وقد ذكرته الشعراء، قال النابغة :
أضحت خلاء وأمسى أهلها احتملوا أختي عليها الذي أخنى على لبد
واللبيد : الجوالق الصغير، يقال: ألبدت القربة جعلتها في لبيد. ولبيد : اسم شاعر من بني عامر.
يقول تعالى آمراً عباده أن يوحدوه في محال عبادته ولا يدعى معه أحد ولا يشرك به, كما قال قتادة في قوله تعالى: " وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا " قال: كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا بالله, فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يوحدوه وحده. وقال ابن أبي حاتم : ذكر علي بن الحسين , حدثنا إسماعيل بن بنت السدي , أخبرنا رجل سماه عن السدي , عن أبي مالك أو أبي صالح , عن ابن عباس في قوله: " وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا " قال: لم يكن يوم نزلت هذه الاية في الأرض مسجد إلا المسجد الحرام ومسجد إيليا بيت المقدس. وقال الأعمش : قالت الجن: يا رسول الله ائذن لنا فنشهد معك الصلوات في مسجدك, فأنزل الله تعالى: " وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا " يقول: صلوا لا تخالطوا الناس. وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد حدثنا مهران , حدثنا سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن محمود عن سعيد بن جبير " وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا " قال: قالت الجن لنبي الله صلى الله عليه وسلم كيف لنا أن نأتي المسجد ونحن ناؤون ؟ أي بعيدون عنك, وكيف نشهد الصلاة ونحن ناؤون عنك ؟ فنزلت " وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا ".
وقال سفيان عن خصيف عن عكرمة : نزلت في المساجد كلها, وقال سعيد بن جبير : نزلت في أعضاء السجود, أي هي لله فلا تسجدوا بها لغيره. وذكروا عند هذا القول الحديث الصحيح من رواية عبد الله بن طاوس عن أبيه , عن ابن عباس رضي الله عنهما, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة ـ أشار بيده إلى أنفه ـ واليدين والركبتين وأطراف القدمين", وقوله تعالى: "وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبداً" قال العوفي عن ابن عابس يقول لما سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن كادوا يركبونه من الحرص لما سمعوه يتلو القرآن ودنوا منه, فلم يعلم بهم حتى أتاه الرسول فجعل يقرئه "قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن" يستمعون القرآن هذا قول, وهو مروي عن الزبير بن العوام رضي الله عنه, وقال ابن جرير : حدثني محمد بن معمر , حدثنا أبو مسلم عن أبي عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال الجن لقومهم: "لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبداً" قال: لما رأوه يصلي وأصحابه يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده, قال: عجبوا من طواعية أصحابه له قال: فقالوا لقومهم "لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبداً" وهذا قول ثان وهو مروي عن سعيد بن جبير أيضاً, وقال الحسن : لما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا إله إلا الله ويدعو الناس إلى ربهم كادت العرب تلبد عليه جميعاً.
وقال قتادة في قوله: "وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبداً" قال: تلبدت الإنس والجن على هذا الأمر ليطفئوه, فأبى الله إلا أن ينصره ويمضيه ويظهره على من ناوأه, وهذا قول ثالث وهو مروي عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقول ابن زيد , وهو اختيار ابن جرير وهو الأظهر لقوله بعده: "قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحداً" أي قال لهم الرسول لما آذوه وخالفوه وكذبوه وتظاهروا عليه ليبطلوا ما جاء به من الحق واجتمعوا على عداوته " إنما أدعو ربي " أي إنما أعبد ربي وحده لا شريك له وأستجير به وأتوكل عليه "ولا أشرك به أحداً " وقوله تعالى: "قل إني لا أملك لكم ضراً ولا رشداً" أي إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي وعبد من عباد الله ليس إلي من الأمر شيء في هدايتكم ولا غوايتكم, بل المرجع في ذلك كله إلى الله عز وجل, ثم أخبر عن نفسه أيضاً أنه لا يجيره من الله أحد أي لو عصيته فإنه لا يقدر أحد على إنقاذي من عذابه "ولن أجد من دونه ملتحداً" قال مجاهد وقتادة والسدي : لا ملجأ. وقال قتادة أيضاً "قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحداً" أي لا نصير ولا ملجأ وفي رواية: لا ولي ولا موئل.
وقوله تعالى: "إلا بلاغاً من الله ورسالاته" قال بعضهم هو مستثنى من قوله: " قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا " " إلا بلاغا " ويحتمل أن يكون استثناء من قوله: "لن يجيرني من الله أحد" أي لا يجيرني منه ويخلصني إلا إبلاغي الرسالة التي أوجب أداءها علي, كما قال تعالى: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس" وقوله تعالى: "ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً" أي أنا أبلغكم رسالة الله فمن يعص بعد ذلك فله جزاءً على ذلك نار جهنم, خالدين فيها أبداً أي لا محيد لهم عنها ولا خروج لهم منها. وقوله تعالى: " حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا " أي حتى إذا رأى هؤلاء المشركون من الجن والإنس ما يوعدون يوم القيامة, فسيعلمون يومئذ من أضعف ناصراً وأقل عدداً, هم أم المؤمنون الموحدون لله تعالى, أي بل المشركون لا ناصر لهم بالكلية وهم أقل عدداً من جنود الله عز وجل.
19- "وأنه لما قام عبد الله" قد قدمنا أن الجمهور قرأوا هنا بفتح أن، عطفاً على أنه استمع: أي وأوحى إلي أن الشأن لما قام عبد الله، وهو النبي صلى الله عليه وسلم "يدعوه" أي يدعوا الله ويعبده، وذلك ببطن نخلة كما تقدم حين قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ويتلوا القرآن وقد قدمنا أيضاً قراءة من قرأ بكسر إن هنا، وفيها غموض وبعد عن المعنى المراد "كادوا يكونون عليه لبداً" أي كاد الجن يكونون على رسول الله لبداً: أي متراكمين من ازدحامهم عليه لسماع القرآن منه. قال الزجاج: ومعنى لبداً: يركب بعضهم بعضاً، ومن هذا اشتقاق هذه اللبود التي تفرش. قرأ الجمهور "لبداً" بكسر اللام وفتح الباء. وقرأ مجاهد وابن محيصن وهشام بضم اللام وفتح الباء، وقرأ أبو حيوة ومحمد بن السميفع والعقيلي والجحدري بضم الباء واللام. وقرأ الحسن وأبو العالية والأعرج بضم اللام وتشديد الباء مفتوحة. فعلى القراءة الأولى المعنى ما ذكرناه، وعلى قراءة ضم اللام يكون المعنى كثيراً كما في قوله: "أهلكت مالاً لبداً" وقيل المعنى: كاد المشركون يركب بعضهم بعضاً حرداً على النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الحسن وقتادة وابن زيد: لما قام عبد الله محمد بالدعوة، تلبدت الإنس والجن على هذا الأمر ليطفؤه، فأبى الله إلا أن ينصره، ويتم نوره. واختار هذا ابن جرير. قال مجاهد لبداً: أي جماعات، وهو من تلبد الشيء على الشيء أي اجتمع ومنه اللبد الذي يفرش لتراكم صوفه، وكل شيء ألصقته إلصاقاً شديداً فقد لبدته، ويقال للشعر الذي على ظهر الأسد لبدة، وجمعها لبد ويقال للجراد الكثير لبد، ويطلق اللبد بضم اللام وفتح الباء على الشيء الدائم، ومنه قيل لنسر لقمان لبد لطول بقائه، وهو المقصود بقول النابغة:
أخنى عليها الذي أخنى على لبد
19- "وأنه لما قام عبد الله"، قرأ نافع وأبو بكر بكسر الهمزة، وقرأ الباقون بفتحها / "لما قام عبد الله" يعني النبي صلى الله عليه وسلم، "يدعوه"، يعني يعبده ويقرأ القرآن، ذلك حين كان يصلي ببطن نخلة ويقرأ القرآن، "كادوا"، يعني الجن، "يكونون عليه لبداً"، أي يركب بعضهم بعضاً، ويزدحمون حرصاً على استماع القرآن. هذا قول الضحاك ورواية عطية عن ابن عباس.
وقال سعيد بن جبير عنه: هذا من قول النفر الذين رجعوا إلى قومهم من الجن أخبروهم بما رأوا من طاعة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم واقتدائهم به في الصلاة.
وقال الحسن وقتادة وابن زيد يعني لما قام عبد الله بالدعوة تلبدت الإنس والجن، وتظاهروا عليه ليبطلوا الحق الذي جاءهم به، ويطفئوا نور الله، فأبى الله إلا أن يتم نوره، ويتم هذا الأمر، وينصره على من ناوأه.
وقرأ هشام عن ابن عامر: "لبداً" بضم اللام، وأصل اللبد: الجماعات بعضها فوق بعض، ومنه سمى اللبد الذي يفرش لتراكمه، وتلبد الشعر: إذا تراكم.
19-" وأنه لما قام عبد الله " أي النبي عليه الصلاة والسلام وإنما ذكر بلفظ العبد للتواضع فإنه واقع موقع كلامه عن نفسه ، والاشعار بما هو المقتضى لقيامه . " يدعوه " يعبده " كادوا " كاد الجن . " يكونون عليه لبداً " متراكمين من ازدحامهم عليه تعجباً مما رأوا من عبادته وسمعوا من قراءته ، أو كاد الإنس يكونون عليه مجتمعين لإبطال أمره ، وهو جمع لبدة وهو ما تلبد بعضه كلبدة الإسد ، وعن ابن عامر لبداً بضم اللام جمع لبدة وهي لغة . وقرئ لبداً كسجداً جمع لابدو لبداً كصبر جمع لبود .
19. And when the slave of Allah stood up in prayer to Him, they crowded on him, almost stifling.'
19 - Yet when the Devotee of God stands forth to invoke Him, they just make round him a dense crowd.