[الجن : 16] وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا
16 - قال تعالى في كفار مكة (وأن) مخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي وأنهم وهو معطوف على أنه استمع (لو استقاموا على الطريقة) أي طريقة الإسلام (لأسقيناهم ماء غدقا) كثيرا من السماء وذلك بعدما رفع المطر عنهم سبع سنين
وأخرج عن مقاتل في قوله وأن استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا قال نزلت في كفار قريش حين منع المطر سبع سنين
يقول تعالى ذكره : وأن لو استقام هؤلاء القاسطون على طريقة الحق والاستقامة " لأسقيناهم ماء غدقا " يقول : لوسعنا عليهم في الرزق ، وبسطناهم في الدنيا " لنفتنهم فيه " يقول لنختبرهم فيه .
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا " يعني بالاستقامة : الطاعة ، فأما الغدق فالماء الطاهر الكثير " لنفتنهم فيه " يقول : لنبتليهم به .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، عن عبيد الله بن أبي زياد ، عن مجاهد " وألو استقاموا على الطريقة " طريقة الإسلام " لأسقيناهم ماء غدقا " قال : نافعاً كثيراً ، لأعطيناهم مالاً كثيراً " لنفتنهم فيه " حتى يرجعوا لما كتب عليهم من الشقاء .
حدثنا إسحاق بن زيد الخطابي ، قال : ثنا الفريابي ، عن سفيان ، عن عبيد الله بن أبي زياد ، عن مجاهد مثله .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن عبيد الله بن أبي زياد ، عن مجاهد " وألو استقاموا على الطريقة " قال : طريقة الحق " لأسقيناهم ماء غدقا " يقول مالاً كثيراً " لنفتنهم فيه " قال : لنبتليهم به حتى يرجعوا إلى ما كتب عليهم من الشقاء .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن مجاهد ، عن أبيه ، مثله .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن علقمة بن مرثد ، عن مجاهد " وألو استقاموا على الطريقة " قال : الإسلام " لأسقيناهم ماء غدقا " قال :الكثير " لنفتنهم فيه " قال : لنبتليهم به .
قال : ثنا مهران ، عن أبي سنان ، عن غير واحد ، عن مجاهد " ماء غدقا " قال : الماء ، والغدق : الكثير " لنفتنهم فيه " حتى يرجعوا إلى علمي فيهم .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " لأسقيناهم ماء غدقا " قال : لأعطيناهم مالاً كثيراً ، قوله " لنفتنهم فيه " قال : لنبتليهم .
حدثني أبو السائب ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن بعض أصحابه ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن سعيد بن جبير ، في قوله " وألو استقاموا على الطريقة " قال : الدين " لأسقيناهم ماء غدقا " قال : مالاً كثيراً " لنفتنهم فيه " يقول : لنبتليهم به .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا " قال : لو آمنوا كلهم لأوسعنا عليهم من الدنيا قال الله " لنفتنهم فيه " يقول : لنبتليهم بها .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " لأسقيناهم ماء غدقا " قال : لو اتقوا لوسع عليهم في الرزق " لنفتنهم فيه " قال : لنبتليهم فيه .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس " ماء غدقا " قال : عيشاً رغداً .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا " قال : الغدق الكثير : مال كثير " لنفتنهم فيه " لنختبرهم فيه .
حدثنا عمرو بن عبد الحميد الآملي ، قال : ثنا المطلب بن زياد ، عن التيمي ، قال : قال عمر رضي الله عنه في قوله " وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا " قال : أينما كان الماء كان المال وأينما كان الماء كانت الفتنة .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وأن لو استقاموا على الضلالة لأعطيناهم سعة من الرزق لنستدرجهم بها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا المعتمر بن سليمان ، قال : سمعت عمران بن حدير ، عن أبي مجلز ، قال : وأن لو استقاموا على طريقة الضلالة .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وأن لو استقاموا على طريقة الحق وآمنوا لوسعنا عليهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول : في قوله " وألو استقاموا على الطريقة " قال : هذا مثل ضربه الله كقوله " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم " [ المائدة : 66 ] ، وقوله تعالى " ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض " [ الأعراف : 36 ] والماء الغدق يعني : الماء الكثير " لنفتنهم فيه " لنبتليهم فيه .
قوله تعالى : " وألو استقاموا على الطريقة" هذا من قول الله تعالى. أي لو آمن هؤلاء الكفار لوسعنا عليهم في الدنيا وبسطنا لهم في الرزق. وهذا محمول على الوحي، أي أوحي إلي أن لو استقاموا. ذكر ابن بحر: كل ما في هذه السورة من (( إن)) المكسورة المثقلة فهي حكاية لقول الجن الذين استمعوا القرآن، فرجعوا الى قومهم منذرين، وكل ما فيها من ان المفتوحة المخففة فهي وحي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ابن الأنباري: ومن كسر الحروف وفتح (( وأن لو استقاموا)) أضمر يميناً تاماً، تأويلها : والله ان لو استقاموا على الطريقة، كما يقال في الكلام : والله ان قمت لقمت، ووالله لو قمت قمت، قال الشاعر:
أما والله ان لو كنت حرا وما بالحر انت ولا العتيق
ومن فتح ما قبل المخففة نسقها - أعني الخفيفة - على (( أوحي إلي انه))، ((و أن لو استقاموا )) أو على (( آمنا به)) وبأن لو استقاموا. ويجوز لمن كسر الحروف كلها الى ((أن )) المخففة، ان يعطف المخففة على ((أوحي الى )) او على (( آمنا به)) ، ويستغني عن إضمار اليمين. وقراءة العامة بكسر الواو من ((لو)) لالتقاء الساكنين. وقرأ ابن وثاب والأعمش بضم الواو. و ماء غدقا أي واسعاص كثيراً، وكانوا قد حبس عنهم المطر سبع سنين، يقال : غدقت العين تغدق، فهي غدقة، إذا كثر ماؤها. وقيل : المراد الخلق كلهم أي لو استقاموا على الطريقة طريقة الحق والإيمان والهدى وكانوا مؤمنين مطيعين " لأسقيناهم ماء غدقا " أي كثيراً.
يقول تعالى مخبراً عن الجن أنهم قالوا مخبرين عن أنفسهم "وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك" أي غير ذلك "كنا طرائق قدداً" أي طرائق متعددة مختلفة وآراء متفرقة, قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد "كنا طرائق قدداً" أي منا المؤمن ومنا الكافر. وقال أحمد بن سليمان النجاد في أماليه: حدثنا أسلم بن سهل بحشل , حدثنا علي بن الحسن بن سليمان وهو أبو الشعثاء الحضرمي شيخ مسلم , حدثنا أبو معاوية قال: سمعت الأعمش يقول تروح إلينا جني فقلت له: ما أحب الطعام إليكم ؟ فقال الأرز, قال: فأتيناهم به فجعلت أرى اللقم ترفع ولا أرى أحداً, فقلت فيكم من هذه الأهواء التي فينا ؟ قال: نعم فقلت فما الرافضة فيكم ؟ قال: شرنا. عرضت هذا الإسناد على شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزني فقال هذا إسناد صحيح إلى الأعمش , وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة العباس بن أحمد الدمشقي قال: سمعت بعض الجن وأنا في منزل لي بالليل ينشد:
قلوب براها الحب حتى تعلقت مذاهبها في كل غرب وشارق
تهيم بحب الله والله ربها معلقة بالله دون الخلائق
وقوله تعالى: "وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هرباً" أي نعلم أن قدرة الله حاكمة علينا وأنا لا نعجزه في الأرض, ولو أمعنا في الهرب فإنه علينا قادر لا يعجزه أحد منا "وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به" يفتخرون بذلك وهو مفخر لهم وشرف رفيع وصفة حسنة, وقولهم "فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخساً ولا رهقاً" قال ابن عباس وقتادة وغيرهما: فلا يخاف أن ينقص من حسناته أو يحمل عليه غير سيئاته كما قال تعالى: "فلا يخاف ظلماً ولا هضماً" " وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون " أي منا المسلم ومنا القاسط, وهو الجائر عن الحق الناكب عنه, بخلاف المقسط فإنه العادل "فمن أسلم فأولئك تحروا رشداً" أي طلبوا لأنفسهم النجاة "وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطباً" أي وقوداً تسعر بهم.
وقوله تعالى: " وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا * لنفتنهم فيه " اختلف المفسرون في معنى هذا على قولين: (أحدهما) وأن لو استقام القاسطون على طريقة الإسلام وعدلوا إليها واستمروا عليها "لأسقيناهم ماء غدقاً" أي كثيراً, والمراد بذلك سعة الرزق, كقوله تعالى: " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم " وكقوله تعالى: "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض" وعلى هذا يكون معنى قوله: "لنفتنهم فيه" أي لنختبرهم, كما قال مالك عن زيد بن أسلم : لنفتنهم لنبتليهم من يستمر على الهداية ممن يرتد إلى الغواية.
(ذكر من قال بهذا القول) قال العوفي عن ابن عباس : " وألو استقاموا على الطريقة " يعني بالاستقامة الطاعة, وقال مجاهد " وألو استقاموا على الطريقة " قال: الإسلام وكذا قال سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وعطاء والسدي ومحمد بن كعب القرظي, وقال قتادة " وألو استقاموا على الطريقة " يقول: لو آمنوا كلهم لأوسعنا عليهم من الدنيا وقال مجاهد : " وألو استقاموا على الطريقة " أي: طريقة الحق, وكذا قال الضحاك واستشهد على ذلك بالايتين اللتين ذكرناهما, وكل هؤلاء أو أكثرهم قالوا في قوله: "لنفتنهم فيه" أي لنبتليهم به. وقال مقاتل : نزلت في كفار قريش حين منعوا المطر سبع سنين.
(والقول الثاني) " وألو استقاموا على الطريقة " الضلال "لأسقيناهم ماء غدقاً" أي لأوسعنا عليهم الرزق استدراجاً, كما قال تعالى: "فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون" وكقوله: " أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين * نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون " وهذا قول أبي مجلز لاحق بن حميد , فإنه قال في قوله تعالى: " وألو استقاموا على الطريقة " أي طريقة الضلالة, رواه ابن جرير وابن أبي حاتم , وحكاه البغوي عن الربيع بن أنس وزيد بن أسلم والكلبي وابن كيسان وله اتجاه, ويتأيد بقوله لنفتنهم فيه. وقوله: "ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذاباً صعداً" أي عذاباً مشقاً شديداً موجعاً مؤلماً, قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة وابن زيد : "عذاباً صعداً" أي مشقة لا راحة معها, وعن ابن عباس : جبل في جهنم, وعن سعيد بن جبير : بئر فيها.
16- "وألو استقاموا على الطريقة" هذا ليس من قول الجن بل هو معطوف على "أنه استمع نفر من الجن" والمعنى: وأوحى إلي أن الشأن لو استقام الجن أو الإنس أو كلاهما على الطريقة، وهي طريقة الإسلام، وقد قدمنا أن القراءة اتفقوا على فتح أن ههنا. قال ابن الأنباري: والفتح هنا على إضمار يمين تأويلها، والله أن لو استقاموا علىالطريقة كما فعل، يقال في الكلام والله لو قمت لقمت كما في قول الشاعر:
أما والله أن لو كنت حراً ولا بالحر أنت ولا العتيق
قال: أو على "أوحي إلي أنه استمع"، " وألو استقاموا "، أو على "آمنا به": أي آمنا به، وبأن لو استقاموا. قرأ الجمهور بكسر الواو من لو لالتقاء الساكنين. وقرأ ابن وثاب والأعمش بضمها "لأسقيناهم ماء غدقاً" أي كثيراً واسعاً. قال مقاتل: ماء كثيراً من السماء، وذلك بعد ما رفع عنهم المطر سبع سنين. وقال ابن قتيبة: المعنى لو آمنوا جميعاً لوسعنا عليهم في الدنيا، وضرب الماء الغدق مثلاً لأن الخير كله والرزق بالمطر، وهذا كقوله: "ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا" الآية، وقوله: " ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب " وقوله: " استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين " الآية. وقيل المعنى: وأن لو استقام أوبهم على عبادته وسجد لآدم ولم يكفر وتبعه ولده على الإسلام لأنعمنا عليهم، واختار هذا الزجاج. والماء الغدق: هو الكثير في لغة العرب.
ثم رجع إلى كفار مكة فقال:
16- " وألو استقاموا على الطريقة "، اختلفوا في تأويلها، فقال قوم: لو استقاموا على طريقة الحق والإيمان والهدى فكانوا مؤمنين مطيعين، "لأسقيناهم ماءً غدقاً"، كثيراً، قال مقاتل: وذلك بعدما رفع عنهم المطر سبع سنين. وقالوا معناه لو آمنوا لوسعنا عليهم في الدنيا وأعطيناهم مالاً كثيراً وعيشاً رغداً، وضرب الماء الغدق مثلاً، لأن الخير والرزق كله في المطر، كما قال: "ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم" الآية (المائدة- 66). وقال: "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء" الآية (الأعراف-96).
16-" وألو استقاموا " أي أن الشأن لو استقام الجن أو الإنس أو كلاهما . " على الطريقة " أي على الطريقة المثلى . " لأسقيناهم ماءً غدقاً " لوسعنا عليهم الرزق، وتخصيص الماء الغدق وهو الكثير بالذكر لأنه أصل المعاش والسعة ولعزة وجوده بين العرب .
16. If they (the idolaters) tread the right path, We shall give them to drink of water in abundance
16 - (And God's Message is): If they (the Pagans) had (only) remained on the (right) Way, we should certainly have bestowed on them Rain in abundance.