[الجن : 12] وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَبًا
12 - (وأنا ظننا أن) مخففة من الثقيلة أنه (لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا) لا نفوته كائنين في الأرض أو هاربين منها في السماء
وقوله " وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض " يقول : وأنا علمنا أن لن نعجز الله في الأرض إن أراد بنا سوءاً " ولن نعجزه هربا " إن طلبنا فنفوته ، وإنما وصفوا الله بالقدرة عليهم حيث كانوا .
قوله تعالى: " وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض" الظن هنا بمعنى العلم واليقينن وهو خلاف الظن في قوله تعالى : " وأنا ظننا أن لن تقول" [ الجن: 5] ، " وأنهم ظنوا" [ الجن: 7] أي علمنا بالاستدلال واتفكر في آيات الله: انا في قبضته وسلطانه، لن نفوته بهرب ولا غيره. و" هربا" مصدر في موضع الحال أي هاربين.
يقول تعالى مخبراً عن الجن أنهم قالوا مخبرين عن أنفسهم "وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك" أي غير ذلك "كنا طرائق قدداً" أي طرائق متعددة مختلفة وآراء متفرقة, قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد "كنا طرائق قدداً" أي منا المؤمن ومنا الكافر. وقال أحمد بن سليمان النجاد في أماليه: حدثنا أسلم بن سهل بحشل , حدثنا علي بن الحسن بن سليمان وهو أبو الشعثاء الحضرمي شيخ مسلم , حدثنا أبو معاوية قال: سمعت الأعمش يقول تروح إلينا جني فقلت له: ما أحب الطعام إليكم ؟ فقال الأرز, قال: فأتيناهم به فجعلت أرى اللقم ترفع ولا أرى أحداً, فقلت فيكم من هذه الأهواء التي فينا ؟ قال: نعم فقلت فما الرافضة فيكم ؟ قال: شرنا. عرضت هذا الإسناد على شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزني فقال هذا إسناد صحيح إلى الأعمش , وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة العباس بن أحمد الدمشقي قال: سمعت بعض الجن وأنا في منزل لي بالليل ينشد:
قلوب براها الحب حتى تعلقت مذاهبها في كل غرب وشارق
تهيم بحب الله والله ربها معلقة بالله دون الخلائق
وقوله تعالى: "وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هرباً" أي نعلم أن قدرة الله حاكمة علينا وأنا لا نعجزه في الأرض, ولو أمعنا في الهرب فإنه علينا قادر لا يعجزه أحد منا "وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به" يفتخرون بذلك وهو مفخر لهم وشرف رفيع وصفة حسنة, وقولهم "فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخساً ولا رهقاً" قال ابن عباس وقتادة وغيرهما: فلا يخاف أن ينقص من حسناته أو يحمل عليه غير سيئاته كما قال تعالى: "فلا يخاف ظلماً ولا هضماً" " وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون " أي منا المسلم ومنا القاسط, وهو الجائر عن الحق الناكب عنه, بخلاف المقسط فإنه العادل "فمن أسلم فأولئك تحروا رشداً" أي طلبوا لأنفسهم النجاة "وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطباً" أي وقوداً تسعر بهم.
وقوله تعالى: " وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا * لنفتنهم فيه " اختلف المفسرون في معنى هذا على قولين: (أحدهما) وأن لو استقام القاسطون على طريقة الإسلام وعدلوا إليها واستمروا عليها "لأسقيناهم ماء غدقاً" أي كثيراً, والمراد بذلك سعة الرزق, كقوله تعالى: " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم " وكقوله تعالى: "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض" وعلى هذا يكون معنى قوله: "لنفتنهم فيه" أي لنختبرهم, كما قال مالك عن زيد بن أسلم : لنفتنهم لنبتليهم من يستمر على الهداية ممن يرتد إلى الغواية.
(ذكر من قال بهذا القول) قال العوفي عن ابن عباس : " وألو استقاموا على الطريقة " يعني بالاستقامة الطاعة, وقال مجاهد " وألو استقاموا على الطريقة " قال: الإسلام وكذا قال سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وعطاء والسدي ومحمد بن كعب القرظي, وقال قتادة " وألو استقاموا على الطريقة " يقول: لو آمنوا كلهم لأوسعنا عليهم من الدنيا وقال مجاهد : " وألو استقاموا على الطريقة " أي: طريقة الحق, وكذا قال الضحاك واستشهد على ذلك بالايتين اللتين ذكرناهما, وكل هؤلاء أو أكثرهم قالوا في قوله: "لنفتنهم فيه" أي لنبتليهم به. وقال مقاتل : نزلت في كفار قريش حين منعوا المطر سبع سنين.
(والقول الثاني) " وألو استقاموا على الطريقة " الضلال "لأسقيناهم ماء غدقاً" أي لأوسعنا عليهم الرزق استدراجاً, كما قال تعالى: "فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون" وكقوله: " أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين * نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون " وهذا قول أبي مجلز لاحق بن حميد , فإنه قال في قوله تعالى: " وألو استقاموا على الطريقة " أي طريقة الضلالة, رواه ابن جرير وابن أبي حاتم , وحكاه البغوي عن الربيع بن أنس وزيد بن أسلم والكلبي وابن كيسان وله اتجاه, ويتأيد بقوله لنفتنهم فيه. وقوله: "ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذاباً صعداً" أي عذاباً مشقاً شديداً موجعاً مؤلماً, قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة وابن زيد : "عذاباً صعداً" أي مشقة لا راحة معها, وعن ابن عباس : جبل في جهنم, وعن سعيد بن جبير : بئر فيها.
12- "وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض" الظن هنا بمعنى العلم واليقين: أي وإنا علمنا أن الشأن لن نعجز الله في الأرض أينما كنا فيها، ولن نفوته إن أراد بنا أمراً "ولن نعجزه هرباً" أي هاربين منها، فهو مصدر في موضع الحال.
12- "وأنا ظننا"، علمنا وأيقنا، " أن لن نعجز الله في الأرض "، أي: لن نفوته إن أراد بنا أمراً، "ولن نعجزه هرباً"، إن طلبنا.
12-" وأنا ظننا " علمنا . " أن لن نعجز الله في الأرض " كائنين في الأرض أينما كنا فيها . " ولن نعجزه هربا " هاربين منها إلى السماء ، أو لن نعجزه في الأرض إن أراد بنا أمراً ولن نعجزه هرباً إلى طلبنا .
12. And we know that we cannot escape from Allah in the earth, nor can we escape by flight.
12 - But we think that we can by no means frustrate God throughout the earth, nor can we frustrate Him by flight.