[المعارج : 43] يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ
43 - (يوم يخرجون من الأجداث) القبور (سراعا) إلى المحشر (كأنهم إلى نصب) وفي قراءة بضم الحرفين شيء منصوب كعلم أو راية (يوفضون) يسرعون
وقوله " يوم يخرجون " بيان وتوجيه عن اليوم الأول الذي في قوله " يومهم الذي يوعدون " وتأويل الكلام : حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدونه يوم يخرجون من الأجداث وهي القبور : واحدها جدث " سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون " .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " يوم يخرجون من الأجداث سراعا " أي من القبور سراعا .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر عن قتادة ، مثله . وقد بينا الجدث فيما مضى قبل بشواهده ، وما قال أهل العلم فيه .
وقوله " إلى نصب يوفضون " يقول : كأنهم إلى علم قد نصب لهم يستبقون . وأجمعت قراء الأمصار على فتح النون من قوله " نصب " غير الحسن البصري ، فإنه ذكر عنه أنه كان يضمها مع الصاد ، وكأن من فتحها يوجه النصب إلى أنه مصدر من قول القائل : نصبت الشيء أنصبه نصبا ، وكأن تأويله عندهم كأنهم إلى صنم منصوب يسرعون سعيا، وأما من ضمها مع الصاد فإنه واحد الأنصاب ، وهي آلهتهم التي كانوا يعبدونها .
وأما قوله " يوفضون " فإن الأيفاض : هو الإسراع ، ومنه قول الشاعر :
لأنعتن نعامة ميفاضا خرجاء تغدو تطلب الإضاضا
يقول : تطلب ملجأ تلجأ إليه ، والإيفاض : السرعة ، وقال رؤبة :
تمشي بنا الجد على أوفاض
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا ابن أبي عدي ، عن عوف ، عن أبي العالية، أنه قال في هذه الآية " كأنهم إلى نصب يوفضون " قال : إلى علامات يستبقون .
حدثنا محمد بن سعيد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " كأنهم إلى نصب يوفضون" قال : إلى علم يسعون.
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا .عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " يوفضون " قال : يستبقون.
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " كأنهم إلى نصب يوفضون " قال إلى علم يسعون .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر عن قتادة " كأنهم إلى نصب يوفضون "، قال : يسعون .
حدثنا علي بن سهل ، قال :ثنا الوليد بن مسلم قال : سمعت أبا عمر يقول : سمعت يحيى بن أبي كثير يقول : " كأنهم إلى نصب يوفضون " قال : إلى غية يستبقون .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " إلى نصب يوفضون " إلى علم ينطلقون.
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان " إلى نصب يوفضون " قال : إلى علم يستبقون .
حدثني يونس ،قال ك أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ،في قوله " كأنهم إلى نصب يوفضون " قال : النصب :حجارة كانوا يعبدونها ، حجارة طوال يقال لها نصب . وفي قوله " يوفضون " قال : يسرعون إلى نصب يوفضون ، قال ابن زيد : والأنصاب التي كان أهل الجاهلية يعبدونها ويأتونها ويعظمونها ، كان أحدهم يحمله معه ، فإذا رأى أحسن منه أخذه ، وألقى هذا ، فقال له: " كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم " ( النحل : 76 ) .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو عامر ، قال: ثنا مرة، عن الحسن ، في قوله " كأنهم إلى نصب يوفضون " قال : يبتدرون إلى نصبهم أيهم يستلمه أول.
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا حماد بن مسعدة ، قال : ثنا قرة ، عن الحسن ، مثله .

قوله تعالى: "يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون".
يوم بدل من يومهم الذي قبله، وقراءة العامة "يخرجون" بفتح الياء وضم الراء على أنه مسمى الفاعل. وقرأ السلمي والمغيرة والأعشى عن عاصم يخرجون بضم الياء وفتح الراء على الفعل المجهول. والأجداث: القبور، واحدها جدث. وقد مضى في سورة يس. "سراعا" حين يسمعون الصيحة الآخرة إلى إجابة الداعي، وهو نصب على الحال. "كأنهم إلى نصب يوفضون" قراءة العامة بفتح النون وجزم الصاد. وقرأ ابن عامر وحفص بضم النون والصاد. وقرأ عمرو بن ميمون و أبو رجاء وغيرهما بضم النون وإسكان الصاد. والنصب والنصب لغتان مثل الضعف والضعف. الجوهري: والنصب ما نصب فعبد من دون الله، وكذلك النصب بالضم، وقد يحرك. قال الأعشى: وذا المنصوب لا تنسكنه لعـافية والله ربـك فـاعبدا
أراد فاعبدون فوقف بالألف، كما تقول: رأيت زيدا. والجمع الأنصاب. وقوله: وذا النصب بمعنى إياك وذا النصب. والنصب الشر والبلاء، ومنه قوله تعالى: "أني مسني الشيطان بنصب وعذاب"ص:41 . وقال الأخفش والفراء: النصب جمع النصب مثل رهن ورهن، والأنصاب جمع نصب، فهو جمع الجمع . وقيل: النصب والأنصاب واحد. وقيل: النصب جمع نصاب، وهو حجر أو صنم يذبح عليه، ومنه قوله تعالى: "وما ذبح على النصب" المائدة:3 . وقد قيل: نصب ونصب ونصب بمعنى واحد، كما قيل عمر وعمر وعمر. ذكره النحاس: قال ابن عباس: إلى نصب إلى غاية، وهو التي تنصب إليها بصرك. وقال الكبي: إلى شيء منصوب، علم أو راية. وقال الحسن: كانوا يبتدرون إذا طلعت الشمس إلى نصبهم التي كانوا يعبدونها من دون الله لا يلوى أولهم على آخرهم. "يوفضون" يسرعون. والإيفاض الإسراع. قال الشاعر:
فـوارس ذبيـان تحت الحديـ ـد كالجن يوفضن من عبقر
عبقر: موضع تزعم العرب أنه من أرض الجن. قال لبيد: كهول وشبان كجنة عبقر
وقال الليث: وفضت الإبل تفض وفضاً، وأوفضها صاحبها. فالإيفاض متعد، والذي في الآية لازم. يقال: وفض وأفض واستوفض بمعنى أسرع.
يقول تعالى منكراً على الكفار الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وهم مشاهدون له ولما أرسله الله به من الهدى وما أيده الله به من المعجزات الباهرات, ثم هم مع هذاكله فارون منه متفرقون عنه, شاردون يميناً وشمالاً فرقاً فرقاً, وشيعاً شيعاً, كما قال تعالى: "فما لهم عن التذكرة معرضين * كأنهم حمر مستنفرة * فرت من قسورة" الاية. وهذه مثلها فإنه قال تعالى: " فمال الذين كفروا قبلك مهطعين " أي فما لهؤلاء الكفار الذين عندك يا محمد مهطعين أي مسرعين نافرين منك, كما قال الحسن البصري : مهطعين أي منطلقين "عن اليمين وعن الشمال عزين" واحدها عزة أي متفرقين, وهو حال من مهطعين أي في حال تفرقهم واختلافهم كما قال الإمام أحمد في أهل الأهواء فهم مخالفون للكتاب مختلفون في الكتاب متفقون على مخالفة الكتاب وقال العوفي عن ابن عباس " فمال الذين كفروا قبلك مهطعين ", قال قبلك ينظرون "عن اليمين وعن الشمال عزين" قال: العزين العصب من الناس عن يمين وشمال معرضين يستهزئون به, وقال ابن جرير : حدثنا ابن بشار حدثنا أبو عامر , حدثنا قرة عن الحسن في قوله: "عن اليمين وعن الشمال عزين" أي متفرقين يأخذون يميناً وشمالاً يقولون: ما قال هذا الرجل ؟
وقال قتادة "مهطعين" عامدين "عن اليمين وعن الشمال عزين" أي فرقاً حول النبي صلى الله عليه وسلم لا يرغبون في كتاب الله ولا في نبيه صلى الله عليه وسلم وقال الثوري وشعبة وعبثر بن القاسم وعيسى بن يونس ومحمد بن فضيل ووكيع ويحيى القطان وأبو معاوية , كلهم عن الأعمش , عن المسيب بن رافع , عن تميم بن طرفة , عن جابر بن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عليهم وهم حلق فقال: "ما لي أراكم عزين ؟" رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن جرير من حديث الأعمش به, وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار , حدثنا مؤمل , حدثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير , عن أبي سلمة , عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم حلق فقال: "ما لي أراكم عزين ؟" وهذا إسناده جيد ولم أره في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه.
وقوله تعالى: " أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم * كلا " أي: أيطمع هؤلاء والحالة هذه من فرارهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفارهم عن الحق أن يدخلوا جنات النعيم ؟ كلا بل مأواهم جهنم. ثم قال تعالى مقرراً لوقوع المعاد والعذاب بهم الذي أنكروا كونه واستبعدوا وجوده مستدلاً عليهم بالبداءة التي الإعادة أهون منها, وهم معترفون بها, فقال تعالى: "إنا خلقناهم مما يعلمون" أي من المني الضعيف, كما قال تعالى: "ألم نخلقكم من ماء مهين" وقال: " فلينظر الإنسان مم خلق * خلق من ماء دافق * يخرج من بين الصلب والترائب * إنه على رجعه لقادر * يوم تبلى السرائر * فما له من قوة ولا ناصر " ثم قال تعالى: "فلا أقسم برب المشارق والمغارب" أي الذي خلق السموات والأرض وجعل مشرقاً ومغرباً وسخر الكواكب تبدو من مشارقها وتغيب في مغاربها. وتقدير الكلام ليس الأمر كما تزعمون أن لا معاد ولا حساب ولا بعث ولا نشور, بل كل ذلك واقع وكائن لا محالة, ولهذا أتى بلا في ابتداء القسم ليدل على أن المقسم عليه نفي, وهو مضمون الكلام وهو الرد على زعمهم الفاسد في نفي يوم القيامة. وقد شاهدوا من عظيم قدرة الله تعالى ما هو أبلغ من إقامة القيامة, وهو خلق السموات والأرض وتسخير ما فيهما من المخلوقات من الحيوانات والجمادات وسائر صنوف الموجودات, ولهذا قال تعالى: "لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون".
وقال تعالى: " أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير " وقال تعالى في الاية الأخرى: " أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم * إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون " وقال ههنا: " فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون * على أن نبدل خيرا منهم " أي يوم القيامة نعيدهم بأبدان خير من هذه فإن قدرته صالحة لذلك "وما نحن بمسبوقين" أي بعاجزين كما قال تعالى: " أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه * بلى قادرين على أن نسوي بنانه " وقال تعالى: " نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين * على أن نبدل أمثالكم وننشئكم في ما لا تعلمون " واختار ابن جرير "على أن نبدل خيراً منهم" أي: أمة تطيعنا ولا تعصينا وجعلها كقوله: "وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم" والمعنى الأول أظهر لدلالة الايات الأخر عليه والله سبحانه وتعالى أعلم.
ثم قال تعالى: "فذرهم" أي يا محمد "يخوضوا ويلعبوا" أي دعهم في تكذيبهم وكفرهم وعنادهم "حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون" أي فسيعلمون غب ذلك ويذوقون وباله "يوم يخرجون من الأجداث سراعاً كأنهم إلى نصب يوفضون" أي: يقومون من القبور إذا دعاهم الرب تبارك وتعالى لموقف الحساب ينهضون سراعاً كأنهم إلى نصب يوفضون, قال ابن عباس ومجاهد والضحاك : إلى علم يسعون, وقال أبو العالية ويحيى بن أبي كثير إلى غاية يسعون إليها, وقد قرأ الجمهور إلى نصب بفتح النون وإسكان الصاد وهو مصدر بمعنى المنصوب, وقرأ الحسن البصري نصب بضم النون والصاد وهو الصنم أي كأنهم في إسراعهم إلى الموقف كما كانوا في الدنيا يهرولون إلى النصب إذا عاينوه, يوفضون يبتدرون أيهم يستلمه أول. وهذا مروي عن مجاهد ويحيى بن أبي كثير ومسلم البطين وقتادة والضحاك والربيع بن أنس وأبي صالح وعاصم بن بهدلة وابن زيد وغيرهم, وقوله تعالى: "خاشعة أبصارهم" أي خاضعة "ترهقهم ذلة" أي في مقابلة ما استكبروا في الدنيا عن الطاعة "ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون". آخر تفسير سورة سأل سائل, ولله الحمد والمنة.
43- "يوم يخرجون من الأجداث سراعاً" يوم بدل من يومهم، وسراعاً منتصب على الحال من ضمير يخرجون، قرأ الجمهور "يخرجون" على البناء للفاعل. وقرأ السلمي والأعمش والمغيرة وعاصم في رواية على البناء للمفعول، والأجداث جمع جدث، وهو القبر "كأنهم إلى نصب يوفضون" قرأ الجمهور "نصب" بفتح النون وسكون الصاد. وقرأ ابن عامر وحلص بضم النون والصاد، وقرأ عمرو بن ميمون وأبو رجاء بضم النون وإسكان الصاد. قال في الصحاح: والنصب ما نصب فعبد من دون الله، وكذا النصب بالضم، وقد يحرك. قال الأعشى:
وذا النصب المنصوب لا تعبدنه ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا
والجمع الأنصاب، وقال الأخفش والفراء: النصب جمع النصب، مثل رهن ورهن، والأنصاب جمع النصب، فهو جمع الجمع، وقيل النصب جمع نصاب، وهو حجر أو صنم يذبح عليه، ومنه قوله -وما ذبح على النصب- وقال النحاس: نصب ونصب بمعنى واحد، وقيل معنى "إلى نصب" إلى غاية، وهي التي تنصب إليها بصرك، وقال الكلبي: إلى شيء منصوب علم أو راية: أي كأنهم إلى علم يدعون إليه، أو راية تنصب لهم يوفضون، قال الحسن: كانوا يبتدرون إذا طلعت الشمس إلى نصبهم التي كانوا يعبدونها من دون الله لا الصيد فيها مخافة انفلاته. ومعنى يوفضون: يسرعون، والإيفاض الإسراع. يقال أوفض إيفاضاً: أي أسرع إسراعاً، ومنه قول الشاعر:
فوارس ذبيان تحت الحديد كالجن يوفض من عبقر
وعبقر: قرية من قرى الجن كما تزعم العرب، ومنه قول لبيد:
كهول وشبان كجنة عبقر
43- "يوم يخرجون من الأجداث"، من القبور، "سراعاً"، إلى إجابة الداعي، "كأنهم إلى نصب"، قرأ ابن عامر وابن عباس وحفص: "نصب" بضم النون والصاد، وقرأ الآخرون بفتح النون وسكون الصاد، يعنون إلى شيء منصوب، يقال: فلان نصب عيني. وقال الكلبي: إلى علم وراية. ومن قرأ بالضم، قال مقاتل والكسائي: يعني إلى أوثانهم التي كانوا يعبدونها من دون الله كقوله: "وما ذبح على النصب" (المائدة- 3). قال الحسن: يسرعون إليها أيهم يتسلمها ألولاً، "يوفضون"، يسرعون.
43-" يوم يخرجون من الأجداث سراعاً " مسرعين جمع سريع " كأنهم إلى نصب " منصوب للعبادة أو علم " يوفضون " يسرعون وقرأ ابن عامر و حفص " إلى نصب " بضم النون والصاد والباقون من السبعة نصب بفتح النون وسكون الصاد وقرئ بالضم على أنه تخفيف " نصب " أو جمع .
43. The day when they come forth from the graves in haste. as racing to a goal,
43 - The Day whereon they will issue from their sepulchres in sudden haste as if they were rushing to a goal post (fixed for them),