[المعارج : 18] وَجَمَعَ فَأَوْعَى
18 - (وجمع) المال (فأوعى) أمسكه في وعائه ولم يؤد حق الله منه
وقوله " وجمع فأوعى " يقول : وجمع مالا فجعله في وعاء ، ومنع حق الله منه ، فلم يزك ولم ينفق فيما أوجب الله عليه 'نفاقه فيه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " وجمع فأوعى " قال : جمع المال .
حدثنا محمد بن منصور الطوسي ،قال : ثنا أبو قطن ، قال : ثنا المسعودى ، عن الحكم ، قال : كان عبد الله بن عكيم ، لا يربط كيسه ، يقول : سمعت الله يقول " وجمع فأوعى ".
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " وجمع فأوعى " كان جموعا قموما للخبيث .

"وجمع فأوعى" أي جمع المال فجعله في وعائه ومنع منه حق الله تعالى، فكان جموعاً منوعاً. قال الحكم: كان عبد الله بن عكيم لا يربط كيسه ويقول سمعت الله يقول: "وجمع فأوعى".
يقول تعالى العذاب واقع بالكافرين: "يوم تكون السماء كالمهل" قال ابن عباس ومجاهد وعطاء وسعيد بن جبير وعكرمة والسدي وغير واحد: أي كدردي الزيت "وتكون الجبال كالعهن" أي كالصوف المنفوش, قاله مجاهد وقتادة والسدي , وهذه الاية كقوله تعالى: "وتكون الجبال كالعهن المنفوش" وقوله تعالى: " ولا يسأل حميم حميما * يبصرونهم " أي لا يسأل القريب قريبه عن حاله وهو يراه في أسوأ الأحوال فتشغله نفسه عن غيره, قال العوفي عن ابن عباس : يعرف بعضهم بعضاً ويتعارفون بينهم ثم يفر بعضهم من بعض بعد ذلك يقول الله تعالى: " لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه " وهذه الاية الكريمة كقوله تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً إن وعد الله حق" وكقوله تعالى: "وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى" وكقوله تعالى: "فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون" وكقوله تعالى: " يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه * لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه " وقوله تعالى: "يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه * وصاحبته وأخيه * وفصيلته التي تؤويه * ومن في الأرض جميعاً ثم ينجيه * كلا" أي لا يقبل منه فداء ولو جاء بأهل الأرض وبأعز ما يجده من المال ولو بملء الأرض ذهباً, أو من ولده الذي كان في الدنيا حشاشة كبده يود يوم القيامة إذا رأى الأهوال أن يفتدي من عذاب الله به ولا يقبل منه.
قال مجاهد والسدي "فصيلته" قبيلته وعشيرته, وقال عكرمة : فخذه الذي هومنهم, وقال أشهب عن مالك : فصيلته: أمه, وقوله تعالى: "إنها لظى" يصف النار وشدة حرها "نزاعة للشوى" قال ابن عباس ومجاهد : جلدة الرأس, وقال العوفي عن ابن عباس " نزاعة للشوى " الجلود والهام, وقال مجاهد : ما دون العظم من اللحم, وقال سعيد بن جبير : للعصب والعقب. وقال أبو صالح "نزاعة للشوى" يعني أطراف اليدين والرجلين, وقال أيضاً "نزاعة للشوى" لحم الساقين, وقال الحسن البصري وثابت البناني "نزاعة للشوى" أي مكارم وجهه, وقال الحسن أيضاً: تحرق كل شيء فيه ويبقى فؤاده يصيح. وقال قتادة "نزاعة للشوى" أي نزاعة لهامته ومكارم وجهه وخلقه وأطرافه. وقال الضحاك : تبري اللحم والجلد عن العظم حتى لا تترك منه شيئاً, وقال ابن زيد : الشوى الاراب العظام, فقوله نزاعة قال: تقطع عظامهم ثم تبدل جلودهم وخلقهم.
وقوله تعالى: "تدعو من أدبر وتولى * وجمع فأوعى" أي تدعو النار إليها أبناءها الذين خلقهم الله لها, وقدر لهم أنهم في الدار الدنيا يعملون عملها, فتدعوهم يوم القيامة بلسان اطلق ذلق ثم تلتقطهم من بين أهل المحشر كما يلتقط الطير الحب, وذلك أنهم كما قال الله عز وجل: كانوا ممن أدبر وتولى أي كذب بقلبه وترك العمل بجوارحه "وجمع فأوعى" أي جمع المال بعضه على بعض فأوعاه أي أوكاه ومنع حق الله منه من الواجب عليه في النفقات ومن إخراج الزكاة, وقد ورد في الحديث "لا توعي فيوعي الله عليك" وكان عبد الله بن عكيم لا يربط له كيساً ويقول: سمعت الله يقول: "وجمع فأوعى" وقال الحسن البصري : يا ابن آدم سمعت وعيد الله ثم أوعيت الدنيا. وقال قتادة في قوله: "وجمع فأوعى" قال: كان جموعاً قموماً للخبيث.
18- "وجمع فأوعى" أي جمع المال فجعله في وعاء، قيل إنها تقول إلي يا مشرك، إلي يا منافق، وقيل معنى تدعو تهلك، تقول العرب: دعاك الله: أي أهلكك، وقيل ليس هو الدعاء باللسان، ولكن دعاؤها إياهم تمكنها من عذابهم، وقيل المراد أن خزنة جهنم تدعو الكافرين والمنافقين فأسند الدعاء إلى النار، من باب إسناد ما هو للحال إلى المحل، وقيل هو تمثيل وتخييل، ولا دعاء في الحقيقة، والمعنى: أن مصيرهم إليها، كما قال الشاعر:
ولقد هبطنا الواد بين قوادنا ندعو الأنيس به الغصيص الأبكم
والغصيص الأبكم: الذباب، وهي لا تدعو، وفي هذا ذم لمن جمع المال فأوعاه، وكنزه ولم ينفقه في سبل الخير، أو لم يؤد زكاته.
وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد والنسائي وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "سأل سائل" قال: هو النضر بن الحرث قال: "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء" وفي قوله: "بعذاب واقع" قال: كائن " للكافرين ليس له دافع * من الله ذي المعارج " قال: ذي الدرجات. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه في قوله: "سأل سائل" قال: سال واد في جهنم. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: "ذي المعارج" قال: ذي العلو والفواضل. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: "في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة" قال: منتهى أمره من أسف الأرضين إلى منتهى أمره من فوق سبع سموات مقدار خمسين ألف سنة، ويوم كان مقداره ألف سنة قال: يعني بذلك ينزل الأمر من السماء إلى الأرض ومن الأرض إلى السماء في يوم واحد، فذلك مقدار ألف سنة، لأن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال: غلظ كل أرض خمسمائة عام، وغلظ كل سماء خمسمائة عام، وبين كل أرض خمسمائة عام، ومن السماء إلى السماء خمسمائة عام، فذلك قوله: "في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة". وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في البعث عنه أيضاً في قوله: "في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون" قال: هذا في الدنيا تعرج الملائكة في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون، وفي قوله: "في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة" فهذا يوم القيامة جعله الله على الكافر مقدار خمسين ألف سنة. وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي عنه أيضاً في قوله: "في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة" قال: لو قدرتموه لكان خمسين ألف سنة من أيامكم. قال: يعني يوم القيامة. وقد قدمنا عن ابن عباس الوقف في الجمع بين الآيتين في سورة السجدة. وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري قال: "قيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم كان يوم مقداره خمسين ألف سنة ما أطول هذا اليوم؟ فقال: والذي نفسي بيده إنه ليخفف عن المؤمن حتى يكون أهون عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا". وفي إسناده دراج عن أبي الهيثم، وهما ضعيفان. وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي في البعث عن أبي هريرة مرفوعاً قال: ما قدر طول يوم القيامة على المؤمنين إلا كقدر ما بين الظهر إلى العصر. وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن ابن عباس في قوله: "فاصبر صبراً جميلاً" قال: لا تشكو إلى أحد غيري. وأخرج أحمد وعبد بن حميد وبان المنذر والخطيب في المتفق والمفترق والضياء في المختارة عن ابن عباس في قوله: "يوم تكون السماء كالمهل" قال: كدردي الزيت. وأخرج ابن جرير عنه قال: "يبصرونهم" يعرف بعضهم بعضاً ويتعارفون ثم يفر بعضهم من بعض. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً في قوله: "نزاعة للشوى" قال: تنزع أم الرأس.
18- "وجمع"، أي: جمع المال، "فأوعى"، أمسكه في الوعاء ولم يؤد حق الله منه.
18-" وجمع فأوعى " وجمع المال فجعله في وعاء وكنزه حرصاً وتأميلاً .
18. And hoarded (wealth) and withheld it.
18 - And collect (wealth) and hide it (from use)!