[الأعراف : 50] وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ
50 - (ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله) من الطعام (قالوا إن الله حرمهما) منعهما (على الكافرين)
قال أبو جعفر : وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن استغاثة أهل النار بأهل الجنة، عند نزول عظيم البلاء بهم من شدة العطش والجوع ، عقوبة من الله لهم على ما سلف منهم في الدنيا من ترك طاعة الله ، وأداء ما كان فرض عليهم فيها في أموالهم من حقوق المساكين من الزكاة والصدقة .
يقول تعالى ذكره : " ونادى أصحاب النار" ، بعد ما دخلوها، " أصحاب الجنة" ، بعد ما سكنوها ، " أن " ، يا أهل الجنة، " أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله " ، أي : أطعمونا مما رزقكم الله من الطعام ، كما :
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله " ، قال : من الطعام .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله " ، قال : يستطعمونهم ويستسقونهم .
فأجابهم أهل الجنة : إن الله حرم الماء والطعام على الذين جحدوا توحيده ، وكذبوا في الدنيا رسله . والهاء والميم في قوله : " إن الله حرمهما" ، عائدتان على" الماء" وعلى ما التي في قوله : " أو مما رزقكم الله " .
وبنحو ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن عثمان الثقفي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : " ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله " ، قال : ينادي الرجل أخاه وأباه فيقول : قد احترقت ، أفض علي من الماء فيقال لهم : أجيبوهم فيقولون : إإن الله حرمها على الكافرين .
وحدثني المثنى قال ، حدثنا ابن دكين قال ، حدثنا سفيان ، عن عثمان ، عن سعيد بن جبير : " ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله " ، قال : ينادي الرجل أخاه : يا أخي ، قد احترقت فاغثني فيقول : " إن الله حرمهما على الكافرين " .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " قالوا إن الله حرمهما على الكافرين " ، قال : طعام أهل الجنة وشرابها .
قوله تعالى: "ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله" فيه ثلاث مسائل:
الأولى: قوله تعالى: "ونادى" قيل: إذا صار أهل الأعراف إلى الجنة طمع أهل النار فقالوا: يا ربنا إن لنا قرابات في الجنة فأذن لنا حتى نراهم ونكلمهم. وأهل الجنة لا يعرفونهم لسواد وجوههم، فيقولون: "أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله" فبين أن ابن آدم لا يستغني عن الطعام والشراب وإن كان في العذاب. "قالوا إن الله حرمهما على الكافرين" يعني طعام الجنة وشرابها. والإفاضة التوسعة، يقال: أفاض عليه نعمه.
الثانية: في هذه الآية دليل على أن سقي الماء من أفضل الأعمال. وقد سئل ابن عباس: أي الصدقة أفضل؟ فقال: الماء، ألم تروا إلى أهل النار حين استغاثوا بأهل الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله؟. وروى أبو داود "أن سعداً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
أي الصدقة أعجب إليك؟ قال: الماء". وفي رواية: فحفر بئراً فقال هذه لأم سعد. وعن أنس قال: "قال سعد: يا رسول الله، إن أم سعد كانت تحب الصدقة، أفينفعها أن أتصدق عنها؟ قال: نعم وعليك بالماء". وفي رواية "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سعد بن عبادة أن يسقي عنها الماء". فدل على أن تسقي الماء من أعظم القربات عند الله وقد قال بعض التابعين: من كثرت ذنوبه فعليه بسقي الماء. وقد غفر الله ذنوب الذي سقى الكلب، فكيف بمن سقى رجلاً مؤمناً موحداً وأحياه. روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
بينا رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فنزل بئراً فشرب منها ثم خرج فإذا كلب يأكل الثرى من العطش فقال لقد بلغ هذا الكلب مثل الذي بلغ بي فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ثم رقي فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له. قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم لأجراً؟ قال: في كل ذات كبد رطبة أجر". وعكس هذا ما رواه مسلم عن عبد الله بن عمر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار لا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض". وفي حديث عائشة "عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
ومن سقى مسلماً شربة من ماء حيث يوجد الماء فكأنما أعتق رقبة ومن سقى مسلماً شربة من ماء حيث لا يوجد الماء فكأنما أحياها". خرجه ابن ماجة في السنن.
الثالثة: وقد استدل بهذه الآية من قال: إن صاحب الحوض والقربة أحق بمائه، وأن له منعه ممن أراده لأن معنى قوله أهل الجنة: "إن الله حرمهما على الكافرين" لا حق لكم فيها. وقد بوب البخاري رحمه الله على هذا المعنى: (باب من رأى أن صاحب الحوض والقربة أحق بمائه) وأدخل في الباب عن أبي هريرة "عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
والذي نفسي بيده لأذودن رجالاً عن حوضي كما تذاد الغريبة من الإبل عن الحوض". قال المهلب: لا خلاف أن صاحب الحوض أحق بمائه، لقوله عليه السلام: "لأذودن رجالاً عن حوضي".
يخبر تعالى عن ذلة أهل النار وسؤالهم أهل الجنة من شرابهم وطعامهم وأنهم لا يجابون إلى ذلك قال السدي "ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله" يعني الطعام وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: يستطعمونهم ويستسقونهم, وقال الثوري عن عثمان الثقفي عن سعيد بن جبير في هذه الاية قال, ينادي الرجل أباه أوأخاه فيقول له قد احترقت فأفض علي من الماء فيقال لهم أجيبوهم فيقولون "إن الله حرمهما على الكافرين" وروي من وجه آخر عن سعيد عن ابن عباس مثله سواء وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم "إن الله حرمهما على الكافرين" يعني طعام الجنة وشرابها.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا نصر بن علي أخبرنا موسى بن المغيرة حدثنا أبو موسى الصفار في دار عمرو بن مسلم قال: سألت ابن عباس أو سئل أي الصدقة أفضل ؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أفضل الصدقة الماء ألم تسمع إلى أهل النار لما استغاثوا بأهل الجنة قالوا أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله" وقال أيضاً: حدثنا أحمد بن سنان حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن أبي صالح قال لما مرض أبو طالب قالوا له لو أرسلت إلى ابن أخيك هذا فيرسل إليك بعنقود من الجنة لعله أن يشفيك به, فجاءه الرسول وأبو بكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر إن الله حرمهما على الكافرين.
ثم وصف تعالى الكافرين بما كانوا يعتمدونه في الدنيا باتخاذهم الدين لهوا ولعباً واغترارهم بالدنيا وزينتها وزخرفها عما أمروا به من العمل للاخرة, وقوله "فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا" أي يعاملهم معاملة من نسيهم, لأنه تعالى لا يشذ عن علمه شيء ولا ينساه كما قال تعالى: "في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى" وإنما قال تعالى هذا من باب المقابلة كقوله "نسوا الله فنسيهم" وقال "كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى" وقال تعالى: "وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا" وقال العوفي عن ابن عباس في قوله "فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا" قال نسيهم الله من الخير ولم ينسهم من الشر, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال نتركهم كما تركوا لقاء يومهم هذا, وقال مجاهد نتركهم في النار, وقال السدي نتركهم من الرحمة كما تركوا أن يعملوا للقاء يومهم هذا, وفي الصحيح أن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: ألم أزوجك ؟ ألم أكرمك ؟ ألم أسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع ؟ فيقول بلى فيقول أظننت أنك ملاقي ؟ فيقول لا فيقول الله تعالى فاليوم أنساك كما نسيتني ؟
قوله: 50- "أن أفيضوا علينا من الماء" الإفاضة: التوسعة، يقال: أفاض عليه نعمه، طلبوا منهم أن يواسوهم بشيء من الماء أو بشيء مما رزقهم الله من غيره من الأشربة أو الأطعمة، فأجابوا بقولهم: "إن الله حرمهما" أي الماء وما رزقهم الله من غيره "على الكافرين" فلا نواسيكم بشيء مما حرمه الله عليكم، وقيل: إن هذا النداء من أهل النار كان بعد دخول أهل الأعراف الجنة.
50- قوله تعالى" ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا "، أي صبوا، " علينا من الماء أو مما رزقكم الله"، أي أوسعوا علينا مما رزقكم الله من طعام الجنة.
قال عطاء عن ابن عباس لما صار أصحاب الأعراف إلى الجنة طمع أهل النار في الفرج، وقالوا يا رب إن لنا قرابات من أهل الجنة، فأذن لنا حتى نراهم ونكلمهم، فينظرون إلى قرابتهم في الجنة وما هم فيه من النعيم فيعرفونهم ولم يعرفهم أهل الجنة لسواد وجوههم، فينادي أصحاب النار أصحاب الجنة بأسمائهم، وأخبروهم بقراباتهم: أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله،" قالوا إن الله حرمهما على الكافرين"، يعني: الماء والطعام،
50. " ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء " أي صبوه ،وهو دليل على أن الجنة فوق النار . " أو مما رزقكم الله " من سائر الأشربة ليلائم الإفاضة ، أو من الطعام كقوله : علفتها تبناً وماء بارداً . " قالوا إن الله حرمهما على الكافرين " منعهما عنهم منع المحرم من المكلف.
50. And the dwellers of the Fire cry out unto the dwellers of the Garden; Pour on us some water or some of that where with Allah hath provided you. They say: Lo! Allah hath forbidden both to disbelievers (in His guidance),
50 - The companions of the fire will call to the companions of the garden: Pour down to us water or anything that God doth provide for your sustenance. they will say: both these things hath God forbidden to those who rejected him;