[الأعراف : 175] وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ
175 - (واتل) يا محمد (عليهم) أي اليهود (نبأ) خبر (الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها) خرج بكفره كما تخرج الحية من جلدها وهو بلعم بن باعوراء من علماء بني إسرائيل ، سئل أن يدعو على موسى وأهدي إليه شيء فدعا فانقلب عليه واندلع لسانه على صدره (فأتبعه الشيطان) فأدركه فصار قرينه (فكان من الغاوين)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبي محمد صلى الله عليه وسلم: " واتل "، يا محمد، على قومك، " نبأ الذي آتيناه آياتنا "، يعني خبره وقصته.
وكانت آيات الله للذي آتاه الله إياها فيما يقال: اسم الله الأعظم، وقيل: النبوة.
واختلف أهل التأويل فيه.
فقال بعضهم: هو رجل من بني إسرائيل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا شعبة، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله في هذه الآية: " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها "، قال: هو بلعم.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله، مثله.
... قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق ، عن عبد الله قال: هو بلعم بن أبر.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق ، عن ابن مسعود في قوله: " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا "، قال: رجل من بني إسرائيل يقال له: بلعم بن أبر.
حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر، وابن مهدي، وابن أبي عدي قالوا، حدثنا شعبة، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق ، عن عبد الله: أنه قال في هذه الآية، فذكر مثله، ولم يقل: ((بن أبر)).
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق ، عن ابن مسعود: " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها "، قال: رجل من بني إسرائيل يقال له: بلعم بن أبر.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمران بن عيينة، عن حصين، عن عمران بن الحارث، عن ابن عباس قال: هو بلعم بن باعر.
حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق ، عن ابن مسعود في قوله: " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا " إلى " فكان من الغاوين "، هو بلعم بن أبر.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري ، عن الأعمش، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق ، عن ابن مسعود، مثله، إلا أنه قال: ابن أبر، بضم ((الراء)).
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها "، قال: هو رجل من مدينة الجبارين يقال له: بلعم.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : " فانسلخ منها "، قال: بلعام بن باعر، من بني إسرائيل.
حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد قال، سمعت مجاهداً يقول، فذكر مثله.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، أخبرني عبد الله بن كثير: أنه سمع مجاهداً يقول، فذكر مثله.
حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الرحمن، وابن أبي عدي، عن شعبة، عن حصين، عن عكرمة قال في: " الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها "، قال: هو بلعام.
وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا غندر، عن شعبة، عن حصين، عن عكرمة قال: هو بلعم.
((( قال حدثنا عمران بن عيينة، عن حصين، عن عكرمة قال: هو بلعم.
حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا بشر قال، حدثنا شعبة ، عن حصين قال: سمعت عكرمة يقول: هو بلعام.
حدثنا الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل، عن حصين، عن مجاهد قال: هو بلعم.
حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل، عن مغيرة، عن مجاهد عن ابن عباس قال: هو بلعم.
وقالت ثقيف: هو أمية بن أبي الصلت.
وقال آخرون: كان بلعم هذا من أهل اليمن.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها "، قال: هو رجل يدعى بلعم، من أهل اليمن.
وقال آخرون: كان من الكنعانيين.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها "، قال: هو رجل من مدينة الجبارين، يقال له: بلعم.
وقال آخرون: هو أمية بن أبي الصلت.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا سعيد بن السائب، عن غطيف بن أبي سفيان، عن يعقوب، ونافع بن عاصم، عن عبد الله بن عمرو قال في هذه الآية: " الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها "، قال: هو أمية بن أبي الصلت.
حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي قال، أنبأنا شعبة، عن يعلى بن عطاء، عن نافع بن عاصم قال: قال عبد الله بن عمرو: هو صاحبكم أمية بن أبي الصلت.
حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الرحمن، ووهب بن جرير قالا، حدثنا شعبة، عن يعلى ابن عطاء، عن نافع بن عاصم، عن عبد الله بن عمرو، بمثله.
حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعيد قال، حدثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن رجل، عن عبد الله بن عمرو: " ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه "، قال: هو أمية بن أبي الصلت.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عندر، عن شعبة، عن يعلى بن عطاء قال: سمعت نافع بن عاصم بن عروة بن مسعود قال: سمعت عبد الله بن عمرو قال في هذه الآية: " الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها "، قال: هو صاحبكم، يعني أمية بن أبي الصلت.
... قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن حبيب، عن رجل، عن عبد الله بن عمرو قال: هو أمية بن أبي الصلت.
... قال حدثنا يزيد، عن شريك، عن عبد الملك، عن فضالة - أو ابن فضالة - عن عبد الله بن عمرو قال: هو أمية.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن عبد الملك بن عمير قال: تذاكروا في جامع دمشق هذه الآية: " فانسلخ منها "، فقال بعضهم: نزلت في بلعم بن باعوراء. وقال بعضهم: نزلت في الراهب. فخرج عليهم عبد الله بن عمرو بن العاص فقالوا: فيمن نزلت هذه؟ نزلت في أمية بن أبي الصلت الثقفي.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الكلبي، " الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها "، قال: هو أمية بن أبي الصلت. وقال: قتادة يشك فيه، يقول بعضهم: بلعم، ويقول بعضهم: أمية بن أبي الصلت.
قال أبو جعفر: واختلف أهل التأويل في الآيات التي كان أوتيها، التي قال جل ثناؤه: " آتيناه آياتنا ".
فقال بعضهم: كانت اسم الله الأعظم.
ذكر من قال ذلك:
حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط ، عن السدي قال: إن الله لما انقضت الأربعون سنة، يعني التي قال الله فيها: " إنها محرمة عليهم أربعين سنة " [المائدة: 26]. بعث يوشع بن نون نبياً، فدعا بني إسرائيل، فأخبرهم أنه نبي، وأن الله قد أمره أن يقاتل الجبارين، فبايعوه وصدقوه. وانطلق رجل من بني إسرائيل يقال له: ((بلعم)) وكان عالماً، يعلم الاسم الأعظم المكتوم، فكفر، وأتى الجبارين فقال: لا ترهبوا بني إسرائيل، فإني إذا خرجتم تقاتلونهم أدعو عليهم دعوةً فيهلكون! وكان عندهم فيما شاء من الدنيا، غير أنه كان لا يستطيع أن يأتي النساء من عظمهن، فكان ينكح أتاناً له، وهو الذي يقول الله: " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها "، أي: تبصر، " فانسلخ منها " إلى قوله: " ولكنه أخلد إلى الأرض ".
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا "، قال: هو رجل يقال له ((بلعم))، وكان يعلم اسم الله الأعظم.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها "، قال: كان لا يسأل الله شيئاً إلا أعطاه.
وقال آخرون: بل الآيات التي كان أوتيها، كتاب من كتب الله.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو تميلة ، عن أبي حمزة، عن جابر، عن مجاهد ، وعكرمة ، عن ابن عباس قال: كان في بني إسرائيل بلعام بن باعر، أوتي كتاباً.
وقال آخرون: بل كان أوتي النبوة.
ذكر من قال ذلك:
حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد، عن غيره - قال الحارث: قال عبد العزيز: يعني: عن غير نفسه - عن مجاهد قال: هو نبي في بني إسرائيل، يعني بلعم، أوتي النبوة، فرشاة قومه على أن يسكت، ففعل وتركهم على ما هم عليه.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه: أنه سئل عن الآية: " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها "، فحدث عن سيار: أنه كان رجلاً يقال له ((بلعام))، وكان قد أوتي النبوة، وكان مجاب الدعوة.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتلو على قومه خبر رجل كان آتاه حججه وأدلته، وهي ((الآيات)).
وقد دللنا على أن معنى: ((الآيات))، الأدلة والأعلام، فيما مضى، بما أغنى عن إعادته.
وجائز أن يكون الذي كان الله آتاه ذلك ((بلعم)) وجائز أن يكون ((أمية)).
وكذلك ((الآيات)) إن كانت بمعنى الحجة التي هي بعض كتب الله التي أنزلها على بعض أنبيائه، فتعلمها الذي ذكره الله في هذه الآية، وعناه بها، فجائز أن يكون الذي كان أوتيها ((بلعم))، وجائز أن يكون ((أمية))، لأن ((أمية)) كان، فيما يقال، قد قرأ من كتب أهل الكتاب.
وإن كانت بمعنى كتاب أنزله الله على من أمر نبي الله عليه السلام أن يتلو على قومه نبأه، أو بمعنى اسم الله الأعظم، أو بمعنى النبوة، فغير جائز أن يكون معنياً به ((أمية))، لأن ((أمية)) لا تختلف الأمة في أنه لم يكن أوتي شيئاً من ذلك، ولا خبر بأي ذلك المراد، وأي الرجلين المعني، يوجب الحجة، ولا في العقل دلالة على أي ذلك المعني به من أي.
فالصواب أن يقال فيه ما قال الله، ونقر بظاهر التنزيل على ما جاء به الوحي من الله.
وأما قوله: " فانسلخ منها "، فإنه يعني: خرج من الآيات التي كان الله آتاها إياه، فتبرأ منها.
وبنحو ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قال: لما نزل موسى عليه السلام ... - يعني بالجبارين - ومن معه، أتاه - يعني بلعم - أتاه بنو عمه وقومه، فقالوا: إن موسى رجل حديد، ومعه جنود كثيرة، وإنه إن يظهر علينا يهلكنا، فادع الله أن يرد عنا موسى ومن معه. قال: إني إن دعوت الله أن يرد موسى ومن معه، ذهبت دنياي وآخرتي! فلم يزالوا به حتى دعا عليهم، فسلخه الله مما كان عليه، فلدلك قوله: " فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ".
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: كان الله آتاه آياته فتركها.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال: قال ابن جريج ، قال ابن عباس: " فانسلخ منها "، قال: نزع منه العلم.
وقوله: " فأتبعه الشيطان "، يقول: فصيره لنفسه تابعاً ينتهي إلى أمره في معصية الله، ويخالف أمر ربه في معصية الشيطان وطاعة الرحمن.
وقوله: " فكان من الغاوين "، يقول: فكان من الهالكين، لضلاله وخلافه أمر ربه، وطاعة الشيطان.
ذكر أهل الكتاب قصة عرفوها في التوراة. واختلف في تعيين الذي أوتي الآيات. فقال ابن مسعود وابن عباس: هو بلعام بن باعوراء، ويقال نعام، من بني إسرائيل في زمن موسى عليه السلام، وكان بحيث إذا نظر رأى العرش. وهو المعني بقوله: "واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا" ولم يقل آية، وكان في مجلسه اثنتا عشرة ألف محبرة للمتعلمين الذين يكتبون عنه. ثم صار بحيث أنه كان أول من صنف كتاباً في أن ليس للعالم صانع. قال مالك بن دينار: بعث بلعام بن باعوراء إلى ملك مدين ليدعوه إلى الإيمان، فأعطاه وأقطعه فاتبع دينه وترك دين موسى، ففيه نزلت هذه الآيات. روى المعتمر بن سليمان عن أبيه قال: كان بلعام قد أوتى النبوة، وكان مجاب الدعوة، فلما أقبل موسى في بني إسرائيل يريد قتال الجبارين، سأل الجبارون بلعام بن باعوراء أن يدعو على موسى فقام ليدعو فتحول لسانه بالدعاء على أصحابه. فقيل له في ذلك، فقال: لا أقدر على أكثر مما تسمعون، واندلع لسانه على صدره. فقال: قد ذهبت مني الآن الدنيا والآخرة، فلم يبق إلا المكر والخديعة والحيلة، وسأمكر لكم، فإني أرى أن تخرجوا إليهم فتياتكم فإن الله يبغض الزنى، فإن وقعوا فيه هلكوا، ففعلوا فوقع بنو إسرائيل في الزنى، فأرسل الله عليهم الطاعون فمات منهم سبعون ألفاً، وقد ذكر هذا الخبر بكماله الثعلبي وغيره. وروي أن بلعام بن باعوراء دعا ألا يدخل موسى مدينة الجبارين، فاستجيب له وبقي في التيه. فقال موسى: يا رب بأي ذنب بقينا في التيه. فقال: بدعاء بلعام. قال: فكما سمعت دعاءه علي فاسمع دعائي عليه. فدعا موسى أن ينزع الله عنه الاسم الأعظم، فسلخه الله ما كان عليه، وقال أبو حامد في آخر كتاب منهاج العارفين له: وسمعت بعض العارفين يقول إن بعض الأنبياء سأل الله تعالى عن أمر بلعام وطرده بعد تلك الآيات والكرامات، فقال الله تعالى: لم يشكرني يوماً من الأيام على ما أعطيته، ولو شكرني على ذلك مرة لما سلبته. وقال عكرمة: كان بلعام نبياً وأوتي كتاباً. وقال مجاهد: إنه أوتي النبوة، فرشاه قومه على أن يسكت ففعل وتركهم على ما هم عليه. قال الماوردي: وهذا غير صحيح، لأن الله تعالى لا يصطفي لنبوته إلا من علم أنه لا يخرج عن طاعته إلى معطيته. وقال عبد الله بن عمرو بن العاص وزيد بن أسلم: نزلت في أمية بن أبي الصلت الثقفي، وكان قد قرأ الكتب وعلم أن الله مرسل رسولاً في ذلك الوقت، وتمنى أن يكون هو ذلك الرسول، فلما أرسل الله محمداً صلى الله عليه وسلم حسده وكفر به. وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"آمن شعره وكفر قلبه". وقال سعيد بن المسيب: نزلت في أبي عامر بن صيفي، وكان يلبس المسوح في الجاهلية، فكفر بالنبي صلى الله عليه وسلم. وذلك أنه "دخل على النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فقال: يا محمد، ما هذا الذي جئت به؟ قال: جئت بالحنيفية دين إبراهيم. قال: فإني عليها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لست عليها لأنك أدخلت فيها ما ليس منها. فقال أبو عامر: أمات الله الكاذب منا طريداً وحيداً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم أمات الله الكاذب منا كذلك. وإنما قال هذا يعرض برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث خرج من مكة. فخرج أبو عامر إلى الشام ومر إلى قيصر وكتب إلى المنافقين: استعدوا فإني آتيكم من عند قيصر بجند لنخرج محمداً من المدينة، فمات بالشام وحيداً". وفيه نزل: "وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل" [التوبة: 107] وسيأتي في براءة. وقال ابن عباس في رواية: نزلت في رجل كان له ثلاث دعوات يستجاب له فيها، وكانت له امرأة يقال لها البسوس فكان له منها ولد، فقالت: اجعل لي منها دعوة واحدة. فقال: لك واحدة، فما تأمرين؟ قالت: ادع الله أن يجعلني أجمل امرأة في بني إسرائيل. فلما علمت أنه ليس فيهم مثلها رغبت عنه، فدعا الله عليها أن يجعلها كلبة نباحة. فذهب فيها دعوتان، فجاء بنوها وقالوا: لا صبر لنا عن هذا، وقد صارت أمنا كلبة يعيرنا الناس بها، فادع الله أن يردها كما كانت، فدعا فعادت إلى ما كانت، وذهبت الدعوات فيها. والقول الأول أشهر وعليه الأكثر. قال عبادة بن الصامت: نزلت في قريش، آتاهم الله آياته التي أنزلها الله تعالى على محمد صلى الله عليه وسلم فانسلخوا منها ولم يقبلوها. قال ابن عباس: كان بلعام من مدينة الجبارين. وقيل: كان من اليمن. "فانسلخ منها" أي من معرفة الله تعالى، أي نزع منه العلم الذي كان يعلمه. وفي الحديث "عن النبي صلى الله عليه وسلم:
العلم علمان علم في القلب فذلك العلم النافع وعلم على اللسان فذلك حجة الله تعالى على ابن آدم". فهذا مثل علم بلعام وأشباهه، نعوذ بالله منه، ونسأله التوفيق والممات على التحقيق. والانسلاخ: الخروج، يقال: انسلخت الحية من جلدها أي خرجت منه. وقيل: هذا من المقلوب، أي انسلخت الآيات منه. "فأتبعه الشيطان" أي لحق به، يقال: أتبعت القوم أي لحقتهم. وقيل: نزلت في اليهود والنصارى، انتظروا خروج محمد صلى الله عليه وسلم فكفروا به.
قال عبد الرزاق: عن سفيان الثوري عن الأعمش ومنصور عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى: "واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها" الاية قال: هو رجل من بني إسرائيل يقال له بلعم بن باعوراء وكذا رواه شعبة وغير واحد عن منصور به وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن عباس: هو صيفي بن الراهب قال قتادة وقال كعب: كان رجلاً من أهل البلقاء وكان يعلم الاسم الأكبر وكان مقيماً ببيت المقدس مع الجبارين وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنه: هو رجل من أهل اليمن يقال له بلعم آتاه الله آياته فتركها, وقال مالك بن دينار: كان من علماء بني إسرائيل وكان مجاب الدعوة يقدمونه في الشدائد بعثه نبي الله موسى عليه السلام إلى ملك مدين يدعوه إلى الله فأقطعه وأعطاه فتبع دينه وترك دين موسى عليه السلام وقال سفيان بن عيينة عن حصين عن عمران بن الحارث عن ابن عباس: هو بلعم بن باعوراء, وكذا قال مجاهد وعكرمة وقال ابن جرير: حدثني الحارث حدثنا عبد العزيز حدثنا إسرائيل عن مغيرة عن مجاهد عن ابن عباس قال: هو بلعام وقالت ثقيف: هو أمية بن أبي الصلت وقال شعبة عن يعلى بن عطاء عن نافع بن عاصم عن عبد الله بن عمرو في قوله "واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا" الاية قال: هو صاحبكم أمية بن أبي الصلت وقد روي من غير وجه عنه وهو صحيح إليه وكأنه إنما أراد أن أمية بن أبي الصلت يشبهه فإنه كان قد اتصل إليه علم كثير من علم الشرائع المتقدمة ولكنه لم ينتفع بعلمه فإنه أدرك زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغته أعلامه وآياته ومعجزاته وظهرت لكل من له بصيرة ومع هذا اجتمع به ولم يتبعه وصار إلى موالاة المشركين ومناصرتهم وامتداحهم ورثى أهل بدر من المشركين بمرثاة بليغة قبحه الله. وقد جاء في بعض الأحاديث أنه ممن آمن لسانه ولم يؤمن قلبه فإن له أشعاراً ربانية وحكماً وفصاحة ولكنه لم يشرح الله صدره للإسلام. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا ابن أبي نمر حدثنا سفيان عن أبي سعيد الأعور عن عكرمة عن ابن عباس في قوله "واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها" قال هو رجل أعطي ثلاث دعوات يستجاب له فيهن وكانت له امرأة له منها ولد فقالت اجعل لي منها واحدة قال فلك واحدة فما الذي تريدين ؟ قالت ادع الله أن يجعلني أجمل امرأة في بني إسرائيل فدعا الله فجعلها أجمل امرأة في بني إسرائيل فلما علمت أن ليس فيهم مثلها رغبت عنه وأرادت شيئاً آخر فدعا الله أن يجعلها كلبة فصارت كلبة فذهبت دعوتان فجاء بنوها فقالوا ليس بنا على هذا قرار قد صارت أمنا كلبة يعيرنا الناس بها فادع الله أن يردها إلى الحال التي كانت عليها فدعا الله فعادت كما كانت وذهبت الدعوات الثلاث وتسمى البسوس, غريب, وأما المشهور في سبب نزول هذه الاية الكريمة فإنما هو رجل من المتقدمين في زمن بني إسرائيل كما قال ابن مسعود وغيره من السلف, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: هو رجل من مدينة الجبارين يقال له بلعام وكان يعلم اسم الله الأكبر, وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيره من علماء السلف: كان مجاب الدعوة ولا يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه, وأغرب بل أبعد بل أخطأ من قال: كان قد أوتي النبوة فانسلخ منها, حكاه ابن جرير عن بعضهم ولا يصح, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: لما نزل موسى بهم يعني بالجبارين ومن معه أتاه ـ يعني بلعم ـ أتاه بنو عمه وقومه فقالوا: إن موسى رجل حديد ومعه جنود كثيرة وإنه إن يظهر علينا يهلكنا فادع الله أن يرد عنا موسى ومن معه, قال: إني إن دعوت الله أن يرد موسى ومن معه ذهبت دنياي وآخرتي, فلم يزالوا به حتى دعا عليهم فسلخه الله ما كان عليه, فذلك قوله تعالى: "فانسلخ منها فأتبعه الشيطان" الاية. وقال السدي: لما انقضت الأربعون سنة التي قال الله "فإنها محرمة عليهم أربعين سنة" بعث يوشع بن نون نبياً فدعا بني إسرائيل فأخبرهم أنه نبي وأن الله أمره أن يقاتل الجبارين فبايعوه وصدقوه, وانطلق رجل من بني إسرائيل يقال له بلعام فكان عالماً يعلم الاسم الأعظم المكتوم فكفر ـ لعنه الله ـ وأتى الجبارين وقال لهم: لا ترهبوا بني إسرائيل فإني إذا خرجتم تقاتلونهم أدعو عليهم دعوة فيهلكون وكان عندهم فيما شاء من الدنيا غير أنه كان لا يستطيع أن يأتي النساء لعظمهن فكان ينكح أتاناً له وهو الذي قال الله تعالى: "فانسلخ منها" وقوله تعالى: "فأتبعه الشيطان" أي استحوذ عليه وعلى أمره فمهما أمره امتثل وأطاعه ولهذا قال: "فكان من الغاوين" أي من الهالكين الحائرين البائرين وقد ورد في معنى هذه الاية حديث رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده حيث قال حدثنا محمد بن مرزوق حدثنا محمد بن بكر عن الصلت بن بهرام حدثنا الحسن حدثنا جندب البجلي في هذا المسجد أن حذيفة يعني ابن اليمان رضي الله عنه حدثه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن مما أتخوف عليكم رجل قرأ القرآن حتى إذا رؤيت بهجته عليه وكان رداؤه الإسلام اعتراه إلى ما شاء الله انسلخ منه ونبذه وراء ظهره وسعى على جاره بالسيف ورماه بالشرك" قال قلت يا نبي الله أيهما أولى بالشرك المرمي أو الرامي ؟ قال "بل الرامي" إسناد جيد والصلت بن بهرام كان من ثقات الكوفيين ولم يرم بشيء سوى الإرجاء وقد وثقه الإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهما.
وقوله تعالى: "ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه" يقول تعالى: "ولو شئنا لرفعناه بها" أي لرفعناه من التدنس عن قاذورات الدنيا بالايات التي آتيناه إياها "ولكنه أخلد إلى الأرض" أي مال إلى زينة الحياة الدنيا وزهرتها وأقبل على لذاتها ونعيمها وغرته كما غرت غيره من غير أولي البصائر والنهى, وقال أبو الراهويه في قوله تعالى: "ولكنه أخلد إلى الأرض" قال: تراءى له الشيطان على علوة من قنطرة بانياس, فسجدت الحمارة لله وسجد بلعام للشيطان, وكذا قال عبد الرحمن بن جبير بن نفير وغير واحد, وقال الإمام أبو جعفر ابن جرير رحمه الله: وكان من قصة هذا الرجل ما حدثنا محمد بن عبد الأعلى, حدثنا المعتمر عن أبيه أنه سئل عن هذه الاية "واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا" فحدث عن سيار أنه كان رجلاً يقال له بلعام وكان مجاب الدعوة, قال: وإن موسى أقبل في بني إسرائيل يريد الأرض التي فيها بلعام أو قال: الشام قال: فرعب الناس منه رعباً شديداً فأتوا بلعام فقالوا: ادع الله على هذا الرجل وجيشه, قال حتى أؤامر ربي أو حتى أؤامر, قال فآمر في الدعاء عليهم فقيل له لا تدع عليهم فإنهم عبادي وفيهم نبيهم, قال: فقال لقومه إني قد آمرت ربي في الدعاء عليهم وإني قد نهيت فأهدوا له هدية فقبلها ثم راجعوه فقالوا: ادع عليهم فقال: حتى أمؤامر ربي فأمر فلم يأمره بشيء فقال: قد وامرت فلم يأمرني بشيء فقالوا: لو كره ربك أن تدعو عليهم لنهاك كما نهاك المرة الأولى, قال: فأخذ يدعو عليهم فإذا دعا عليهم جرى على لسانه الدعاء على قومه, وإذا أراد أن يدعو أن يفتح لقومه دعا أن يفتح لموسى وجيشه أو نحواً من ذلك إن شاء الله, قال: فقالوا ما نراك تدعو إلا علينا, قال: ما يجري على لساني إلا هكذا ولو دعوت عليه أيضاً ما استجيب لي ولكن سأدلكم على أمر عسى أن يكون فيه هلاكهم, إن الله يبغض الزنا وإنهم إن وقعوا في الزنا هلكوا ورجوت أن يهلكهم الله فأخرجوا النساء تستقبلهم فإنهم قوم مسافرون فعسى أن يزنوا فيهلكوا قال: ففعلوا فأخرجوا النساء تستقبلهم قال وكان للملك ابنة فذكر من عظمها ما الله أعلم بهو فقال: فقال أبوها أو بلعام لا تمكني نفسك إلا من موسى, قال: ووقعوا في الزنا قال: فأتاها رأس سبط من أسباط بني إسرائيل فأرادها على نفسه, فقالت: ما أنا بممكنة نفسي إلا من موسى: رجل من بني هارون ومعه الرمح فيطعنهما. قال: وأيده الله بقوة فانتظمهما جميعاً ورفعهما على رمحه فرآهما الناس ـ أو كما حدث ـ قال: وسلط الله عليهم الطاعون فمات منهم سبعون ألفاً. قال أبو المعتمر: فحدثني سيار أن بلعاماً ركب حمارة له حتى أتى العلولي أو قال طريقاً من العلولي جعل يضربها ولا تتقدم وقامت عليه فقالت: علام تضربني ؟ أما ترى هذا الذي بين يديك ؟ فإذا الشيطان بين يديه قال: فنزل وسجد له قال الله تعالى: " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين * ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون " قال: فحدثني بهذا سيار ولا أدري لعله قد دخل فيه شيء من حديث غيره (قلت) هو بلعام ويقال بلعم بن باعوراء ويقال ابن أبر, ويقال ابن باعور بن شهتوم بن قوشتم بن ماب بن لوط بن هاران ويقال بن حران بن آزر وكان يسكن قرية من قرى البلقاء, قال ابن عساكر: وهو الذي كان يعرف اسم الله الأعظم فانسلخ من دينه له ذكر في القرآن ثم أورد من قصته نحواً مما ذكرناه ها هنا أورده عن وهب وغيره والله أعلم. وقال محمد بن إسحاق بن سيار: عن سالم أبي النضر أنه حدث أن موسى عليه السلام لما نزل في أرض بني كنعان من أرض الشام, أتى قوم بلعام إليه فقالوا له: هذا موسى بن عمران في بني إسرائيل قد جاء يخرجنا من بلادنا ويقتلنا ويحلها بني إسرائيل, وإنا قومك وليس لنا منزل وأنت رجل مجاب الدعوة فاخرج فادع الله عليهم, قال ويلكم نبي الله معه الملائكة والمؤمنون كيف أذهب أدعو عليهم وأنا أعلم من الله ما أعلم ؟ قالوا له: ما لنا من منزل فلم يزالوا به يرققونه ويتضرعون إليه حتى فتنوه فافتتن فركب حمارة له متوجهاً إلى الجبل الذي يطلعه على عسكر بني إسرائيل وهو جبل حسبان, فلما سار عليها غير كثير ربضت به فنزل عنها فضربها حتى إذا أزلقها قامت فركبها, فلم تسر به كثيراً حتى ربضت به فضربها حتى إذا أزلقها أذن لها فكلمته حجة عليه فقالت: ويحك يا بلعم أين تذهب ؟ أما ترى الملائكة أمامي تردني عن وجهي هذا ؟ تذهب إلى نبي الله والمؤمنين لتدعو عليهم, فلم ينزع عنها يضربها فخلى الله سبيلها حين فعل بها ذلك, فانطلقت به حتى إذا أشرفت به على رأس حسبان على عسكر موسى وبني إسرائيل جعل يدعو عليهم ولا يدعو عليهم بشر إلا صرف الله لسانه إلى قومه ولا يدعو لقومه بخير إلا صرف لسانه إلى بني إسرائيل, فقال له قومه: أتدري يا بلعم ما تصنع ؟ إنما تدعو لهم وتدعو علينا قال فهذا مالا أملك, هذا شيء قد غلب الله عليه, قال: واندلع لسانه فوقع على صدره فقال لهم: قد ذهبت مني الان الدنيا والاخرة ولم يبق إلا المكر والحيلة فسأمكر لكم وأحتال, جملوا النساء وأعطوهن السلع ثم أرسلوهن إلى العسكر يبعنها فيه ومروهن فلا تمنع امرأة نفسها من رجل أرادها فإنهم إن زنى رجل منهم واحد كفيتموهم, ففعلوا فلما دخلت النساء العسكر مرت امرأة من الكنعانيين اسمها كسبى ـ ابنة صور رأس أمته ـ برجل من عظماء بني إسرائيل وهو زمري بن شلوم رأس سبط شمعون بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام فلما رآها أعجبته, فقام فأخذ بيدها وأتى بها موسى وقال: إني أظنك ستقول هذا حرام عليك ؟ قال: أجل هي حرام عليك لا تقربها, قال فوالله لا أطيعك في هذا فدخل بها قبته فوقع عليها وأرسل الله عز وجل الطاعون في بني إسرائيل, وكان فنحاص بن العيزار بن هارون صاحب أمر موسى وكان غائباً حين صنع زمري بن شلوم ما صنع, فجاء والطاعون يجوس فيهم فأخبر الخبر فأخذ حربته وكانت من حديد كلها, ثم دخل القبة وهما متضاجعان فانتظمهما بحربته ثم خرج بهما رافعهما إلى السماء والحربة قد أخذها بذراعه واعتمد بمرفقه على خاصرته وأسند الحربة إلى لحييه وكان بكر العيزار, وجعل يقول اللهم هكذا نفعل بمن يعصيك ورفع الطاعون, فحسب من هلك من بني إسرائيل في الطاعون فيما بين أن أصاب زمري المرأة إلى أن قتله فنحاص, فوجدوه قد هلك منهم سبعون ألفاً والمقلل لهم يقول عشرون ألفاً في ساعة من النهار, فمن هنالك تعطي بنو إسرائيل ولد فنحاص من كل ذبيحة ذبحوها الرقبة والذراع واللحى والبكر من كل أموالهم وأنفسها لأنه كان بكر أبيه العيزار, ففي بلعام بن باعوراء أنزل الله " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين * ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون " وقوله تعالى: "فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث" اختلف المفسرون في معناه, فعلى سياق ابن إسحاق عن سالم عن أبي النضر أن بلعاماً اندلع لسانه على صدره, فتشبيهه بالكلب في لهيثه في كلتا حالتيه إن زجر وإن ترك ظاهر, وقيل معناه فصار مثله في ضلاله واستمراره فيه وعدم انتفاعه إلى الإيمان وعدم الدعاء كالكلب في لهيثه في حالتيه إن حملت عليه وإن تركته هو يلهث في الحالين, فكذلك هذا لا ينتفع بالموعظة والدعوة إلى الإيمان ولا عدمه كما قال تعالى: "سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون" "استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم" ونحو ذلك, وقيل معناه أن قلب الكافر والمنافق والضال ضعيف فارغ من الهدى فهو كثير الوجيب, فعبر عن هذا بهذا نقل نحوه عن الحسن البصري وغيره, وقوله تعالى: "فاقصص القصص لعلهم يتفكرون" يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم "فاقصص القصص لعلهم" أي لعل بني إسرائيل العالمين بحال بلعام وما جرى له في إضلال الله إياه وإبعاده من رحمته, بسبب أنه استعمل نعمة الله عليه في تعليمه الاسم الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب في غير طاعة ربه بل دعا به على حزب الرحمن وشعب الإيمان, أتباع عبده ورسوله في ذلك الزمان, كليم الله موسى بن عمران عليه السلام, ولهذا قال "لعلهم يتفكرون" أي فيحذروا أن يكونوا مثله, فإن الله قد أعطاهم علماً وميزهم على من عداهم من الأعراب, وجعل بأيديهم صفة محمد صلى الله عليه وسلم يعرفونها كما يعرفون أبناءهم, فهم أحق الناس وأولاهم باتباعه ومناصرته ومؤازرته كما أخبرتهم أنبياؤهم بذلك وأمرتهم به, ولهذا من خالف منهم ما في كتابه وكتمه فلم يعلم به العباد أحل الله به ذلاً في الدنيا موصولاً بذل الاخرة. وقوله "ساء مثلاً القوم الذين كذبوا بآياتنا" يقول تعالى ساء مثلاً مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا أي ساء مثلهم أن شبهوا بالكلاب التي لا همة لها إلا في تحصيل أكلة أو شهوة فمن خرج عن حيز العلم والهدى وأقبل على شهوة نفسه واتبع هواه صار شبيهاً بالكلب وبئس المثل مثله ولهذا ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ليس لنا مثل السوء, العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه," وقوله "وأنفسهم كانوا يظلمون" أي ما ظلمهم الله ولكن هم ظلموا أنفسهم بإعراضهم عن اتباع الهدى, وطاعة المولى, إلى الركون إلى دار البلى, والإقبال على تحصيل اللذات وموافقة الهوى.
قوله: 175- "واتل" معطوف على الأفعال المقدرة في القصص السابقة: وإيراد هذه القصة منه سبحانه وتذكير أهل الكتاب بها لأنها كانت مذكورة عندهم في التوراة. وقد اختلف في هذا الذي أوتي الآيات "فانسلخ منها" فقيل: هو بلعم بن باعوراء، وكان قد حفظ بعض الكتب المنزلة، وقيل: كان قد أوتي النبوة وكان مجاب الدعوة، بعثه الله إلى مدين يدعوهم إلى الإيمان، فأعطوه الأعطية الواسعة فاتبع دينهم وترك ما بعث به، فلما أقبل موسى في بني إسرائيل لقتال الجبارين، سأل الجبارون بلعم بن باعوراء أن يدعو على موسى، فقام ليدعو عليه فتحول لسانه بالدعاء على أصحابه، فقيل له في ذلك فقال: لا أقدر على أكثر مما تسمعون، واندلع لسانه على صدره فقال: قد ذهبت مني الآن الدنيا والآخرة فلم يبق إلا المكر والخديعة والحيلة وسأمكر لكم، وإني أرى أن تخرجوا إليهم فتياتكم فإن الله يبغض الزنا، فإن وقعوا فيه هلكوا، فوقع بنو إسرائيل في الزنا، فأرسل الله عليهم الطاعون فمات منهم سبعون ألفاً، وقيل: إن هذا الرجل اسمه باعم وهو من بني إسرائيل، وقيل: المراد به أمية بن أبي الصلت الثقفي، وكان قد قرأ الكتب وعلم أن الله مرسل رسولاً في ذلك، فلما أرسل الله محمداً صلى الله عليه وسلم حسده وكفر به، وقيل: هو أبو عامر بن صيفي وكان يلبس المسوح في الجاهلية، فكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، وقيل: نزلت في قريش آتاهم الله آياته التي أنزلها على محمد صلى الله عليه وسلم فكفروا بها، وقيل: نزلت في اليهود والنصارى انتظروا خروج محمد صلى الله عليه وسلم فكفروا به. قوله: "فانسلخ منها" أي من هذه الآيات التي أوتيها كما تنسلخ الشاة عن جلدها فلم يبق له بها اتصال "فأتبعه الشيطان" عند انسلاخه عن الآيات: أي لحقه فأدركه وصار قريناً له، أو فأتبعه خطواته، وقرئ فاتبعه بالتشديد بمعنى تبعه "فكان من الغاوين" المتمكنين في الغواية وهم الكفار.
175 - قوله تعالى : " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها " الآية . اختلفوا فيه ، قال ابن عباس : هو بلعم بن باعوراء . وقال مجاهد : بلعام بن باعر . وقال عطية عن ابن عباس : كان من بني إسرائيل . وروي عن علي بن أبي طلحة رضي الله عنه أنه كان من الكنعانيين من مدينة الجبارين . وقال مقاتل : هو من مدينة بلقا .
وكانت قصته - على ما ذكره ابن عباس و ابن إسحاق و السدي وغيرهم - أن موسى لم قصد حرب الجبارين ونزل أرض بني كنعان من أرض الشام أتي قوم بلعم إلى بلعم - وكان عنده اسم الله الأعظم - فقالوا : إن موسى رجل حديد ومعه جند كثير ، وأنه جاء يخرجنا من بلادنا ويقتلنا ويحلها بني إسرائيل ، وأنت رجل مجاب الدعوة ، فاخرج فادع الله أن يردهم عنا ، فقال : ويلكم نبي الله ومعه الملائكة والمؤمنون كيف أدعو عليهم وأنا أعلم من الله ما أعلم ، وإني إن فعلت هذا ذهبت دنياي وآخرتي ، فراجعوه وألحوا عليه فقال : حتى أؤامر ربي ، وكان لا يدعوه حتى ينظر ما يؤمر به في المنام فآمر في الدعاء عليهم ، فقيل له في المنام لا تدع عليهم ، فقيل له في المنام لا تدع عليهم ، فقال لقومه . إني قد آمرت ربي وإني قد نهيت فأهدوا إليه هدية فقبلها ، ثم راجعوه فقال : حتى أؤامر ، فآمر ، فلم يجز إليه شيء ، فقال : قد أمرت فلم يجز إلي شيء ، فقالوا : لو كره ربك أن تدعو عليهم لنهاك كما نهاك في المرة الأولى ، فلم يزالوا يتضرعون إليه حتى فتنوه فافتتن فركب أتاناً له متوجهاً إلى جبل يطلعه على معسكر بني إسرائيل يقال له حسبان ، فلما سار عليها غير كثير ربضت به ، فنزل عنها فضربها حتى إذا أذلقها قامت فركبها ، فلم تسر به كثيراً حتى ربضت ، ففعل بها مثل ذلك فقامت ، فركبها فلم تسر به كثيراً حتى ربضت ، فضربها حتى أذلقها ، أذن الله لها بالكلام فكلمته حجةً عليه ، فقالت : ويحك يا بلعم أين تذهب بي ؟ ألا ترى الملائكة أمامي تردني عن وجهي هذا ؟ أتذهب بي إلى نبي الله والمؤمنين تدعو عليهم ؟ فلم ينزع ، فخلى الله سبيلها فانطلقت حتى إذا أشرفت به على جبل حسبان جعل يدعو عليهم ولا يدعو عليهم بشيء إلا صرف الله به لسانه إلى قومه ، ولا يدعو لقومه بخير إلا صرف الله به لسانه إلى بني إسرائيل . فقال له قومه : يا بلعم أتدري ماذا تصنع إنما تدعو لهم علينا ؟ ! فقال : هذا ما لا أملكه ، هذا شيء قد غلب الله عليه ، فاندلع لسانه فوقع على صدره ، فقال لهم : قد ذهبت الآن مني الدنيا والآخرة فلم يبق إلا المكر والحيلة ، فسأمكر لكم وأحتال ، جملوا النساء وزينوهن وأعطوهن السلع ثم أرسلوهن إلى المعسكر يبعنها فيه ، ومروهن فلا تمنع امرأة نفسها من رجل أرادها ، فإنهم أن زنا رجل واحد منهم كفيتموهم ، ففعلوا فلما دخل النساء المعسكر مرت امرأة من الكنعانيين ، اسمها كستى بنت صور ، برجل من عظماء بني إسرائيل يقال له زمري بن شلوم رأس سبط شمعون بن يعقوب ، فقام إليها فأخذ بيدها حين { أعجبه جمالها } ثم أقبل بها حتى وقف بها على موسى ، فقال : إني أظنك ستقول هذه حرام عليك ؟ قال : أجل هي حرام عليك لا تقربها ، قال : فوالله لا أطيعك في هذا ، ثم دخل بها قبته فوقع عليها فأرسل الله الطاعون على بني إسرائيل في الوقت ، وكان فنحاص بن العيزار بن هارون صاحب أمر موسى ، وكان رجلاً قد أعطي بسطة في الخلق وقوة في البطش ، وكان غائباً حين صنع زمري بن شلوم ما صنع ، فجاء والطاعون يجوس بني إسرائيل ، فأخبر الخبر ، فأخذ حربته وكانت من حديد كلها ، ثم دخل عليهما القبة ، وهما متضاجعان فانتظمهما بحربته ، ثم خرج بهما رافعهما إلى السماء ، والحربة قد أخذها بذراعه واعتمد بمرفقه على خاصرته ، وأسند الحربة إلى لحيته وكان بكر العيزار ، وجعل يقول : اللهم هكذا نفعل بمن يعصيك . ورفع الطاعون ، فحسب من هلك من بني إسرائيل في الطاعون فيما بين أصاب زمري المرأة إلى أن قتله فنحاص ، فوجدوا قد هلك منهم سبعون ألفاً في ساعة من النهار ، فمن هنالك يعطي بنو إسرائيل ولد فنحاص من كل ذبيحة ذبحوها القبة والذراع واللحى ، لاعتماده بالحربة على خاصرته ، وأخذه إياها بذراعه ، وإسناده إياها إلى لحيته ، والبكر من كل أموالهم وأنفسهم ، لأنه كان بكر العيزار وفي بلعم أنزل الله تعالى " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا " الآية .
وقال مقاتل : إن ملك البلقاء قال لبلعام : ادع الله على موسى ، فقال : إنه من أهل ديني لا أدعو عليه ، فنحت خشبة ليصلبه فلما رأى ذلك خرج على أتان له ليدعو عليه ، فلما عاين عسكرهم قامت به الأتان ووقفت فضربها ، فقالت : لم تضربني ؟ إني مأمورة وهذه نار أمامي قد منعتني أن أمشي فرجع وأخبر الملك فقال : لتدعون عليه أو لأصلبنك ، فدعا على موسى بالاسم الأعظم : أن لا يدخل المدينة ، فاستجيب له ووقع موسى وبنو إسرائيل في التيه بدعائه ، فقال موسى : يا رب بأي ذنب وقعنا في التيه ؟ فقال : بدعاء بلعام . قالم : فكما سمعت دعاءه على فاسمع دعائي عليه ، { فدعا موسى عليه السلام } أن ينزع عنه الاسم الأعظم والإيمان ، فنزع الله عنه المعرفة وسلخه منها فخرجت من صدره كحمامة بيضاء ، فذلك قوله " فانسلخ منها " .
وقال عبدالله بن عمرو بن العاص ، و سعيد بن المسيب ، و زيد بن أسلم نزلت هذه الآية في أمية بن أبي الصلت الثقفي ، وكانت قصته : أنه كان قد قرأ الكتب وعلم أن الله مرسل رسولاً فرجا أن يكون هو ذلك الرسول ، فلما أرسل محمد صلى الله عليه وسلم حسده وكفر به ، وكان صاحب حكمة وموعظة حسنة ، وكان قصد بعض الملوك فلما رجع مر على قتلى بدر ، فسأل عنهم فقيل : قتلهم محمد ، فقال : لو كان نبياً ما قتل أقرباءه . فلما مات أمية أتت أخته فارعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وفاة أخيها فقالت : بينما هو راقد أتاه آتيان فكشفا سقف البيت ، فنزلا فقعد أحدهما عند رجليه والآخر عند رأسه ، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه : أوعى ؟ قال : وعى ،ل قال : أزكى؟ قال : أبى ، قالت : فسألته عن ذلك فقال : خير أريد بي ، فصرف عني فغشي عليه ، فما أفاق قال :
كل عيش وإن تطاول دهراً صائر مرة إلى أن يزولا
ليتني كنت قبل ما قد بدا لي في قلال الجبار أرعى الوعولا
إن يوم الحساب يوم عظيم شاب فيه الصغير يوماً ثقيلاً
ثم قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنشديني من شعر أخيك ، فأنشدته بعض قصائده ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : آمن شعره وكفر قلبه " فأنزل الله عز وجل " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها " الآية .
وفي رواية عن ابن عباس : أنها نزلت في البسوس ، رجل من بني إسرائيل وكان قد أعطي له ثلاث دعوات مستجابات ، وكانت له امرأة منها ولد ، فقالت : اجعل لي منها دعوة ، فقال لك منها واحدة فما تريدين ؟ قالت : ادع الله أن يجعلني أجمل امرأة في بني إسرائيل ، فدعا لها فجعلت أجمل النساء في بني إسرائيل ، فلما علمت أنه ليس فيهم مثلها رغبت عنه ، فغضب الزوج ودعا عليها فصارت كلبةً نباحة ، فذهبت فيها دعوتان ، فجاء بنوها وقالوا : ليس لنا على هذا قرار ، قد صارت أمنا كلبة نباحة ، والناس يعيروننا بها ، ادع الله أن يردها إلى الحال التي كانت عليها ،فدعا الله فعادت كما كانت ، فذهبت فيها الدعوات كلها . والقولان الأولان أظهر . وقال الحسن وابن كيسان : نزلت في منافقي أهل الكتاب الذين كانوا يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم .
وقال قتادة : هذا مثل ضربه الله عز وجل لمن عرض عليه الهدى فأبى أن يقبله ، فذلك قوله " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا " . قال ابن عباس و السدي : اسم الله الأعظم . قال ابن زيد : كان لا يسأل شيئاً إلا أعطاه . وقال ابن عباس في رواية أخرى : أوتي كتاباً من كتب الله فانسلخ ، أي : خرج منها كما تنسلخ ، أي : خرج منها كما تنسلخ الحية من جلدها . " فأتبعه الشيطان " ، أي : لحقه وأدركه ، " فكان من الغاوين " .
175. " واتل عليهم " أي على اليهود . " نبأ الذي آتيناه آياتنا " هو أحد علماء بني إسرائيل ، أو أمية بن أبي الصلت فإنه كان قد قرأ الكتب وعلم أن الله تعالى مرسل رسولا في ذلك الزمان ، ورجا أن يكون هو فلما بعث محمد عليه السلام حسده وكفر به ، أو بلعم بن باعوراء من الكنعانيين أوتي علم بعض كتب الله " فانسلخ منها " من الآيات بأن كفر بها وأعرض عنها . " فأتبعه الشيطان " حتى لحقه وقيل استتبعه . " فكان من الغاوين " فصار من الضالين ، روي أن قومه سألوه أن يدعو علي موسى ومن معه فقال : كيف أدعو على من معه الملائكة، فألحوا حتى دعا عليهم فبقوا في التيه .
175. Recite unto them the tale of him to whom We gave Our revelations, but he sloughed them off, so Satan overtook him and he became of those who lead astray.
175 - Relate to them the story of the man to whom we sent our signs, but he passed them by: so Satan followed him up, and he went astray.