[الأعراف : 101] تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ
101 - (تلك القرى) التي مر ذكرها (نقص عليك) يا محمد (من أنبائها) أخبار أهلها (ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات) المعجزات الظاهرات (فما كانوا ليؤمنوا) عند مجيئهم (بما كذبوا) كفروا به (من قبل) قبل مجيئهم بل استمروا على الكفر (كذلك) الطبع (يطبع الله على قلوب الكافرين)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: هذه القرى التي ذكرت لك، يا محمد، أمرها و أمر أهلها، يعني. قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وشعيب، " نقص عليك من أنبائها "، فنخبرك عنها وعن أخبار أهلها، وما كان من أمرهم وأمر رسل الله التي أرسلت إليهم، لتعلم أننا ننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا على أعدائنا وأهل الكفر بنا، ويعلم مكذبوك من قومك ما عاقبة أمر من كذب رسل الله، فيرتدعوا عن تكذيبك، وينيبوا إلى توحيد الله وطاعته، " ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات "، يقول: ولقد جاءت أهل القرى التي قصصت عليك نبأها، " رسلهم بالبينات "، يعني بالحجج البينات، " فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل ".
ثم اختلف أهل التأويل بتأويل ذلك.
فقال بعضهم: معناه: فما كان هؤلاء المشركون الذين أهلكناهم من أهل القرى ليؤمنوا عند إرسالنا إليهم بما كرهوا من قبل ذلك، وذلك يوم أخذ ميثاقهم حين أخرجهم من ظهر آدم عليه السلام.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل "، قال: ذلك يوم أخذ منهم الميثاق فآمنوا كرهاً.
وقال آخرون: معنى ذلك: فما كانوا ليؤمنوا عند مجيء الرسل، بما سبق في علم الله أنهم يكذبون به يوم أخرجهم من صلب آدم عليه السلام.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج ، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب: " فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل "، قال: كان في علمه يوم أقروا له بالميثاق.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس قال: يحق على العباد أن يأخذوا من العلم ما أبدى لهم ربهم والأنبياء، ويدعوا علم ما أخفى الله عليهم، فإن علمه نافذ فيما كان وفيما يكون، وفي ذلك قال: " ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين "، قال: نفذ علمه فيهم، أيهم المطيع من العاصي حيث خلقهم في زمان آدم. وتصديق ذلك حيث قال لنوح: " اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم " [هود: 48]، وقال في ذلك: " ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون " [الأنعام: 28]، وفي ذلك قال: " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " [الإسراء: 15]، وفي ذلك قال: " لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل " [النساء: 165]، ولا حجة لأحد على الله.
وقال آخرون: معنى ذلك: " فما كانوا "، لو أحييناهم بعد هلاكهم ومعاينتهم ما عاينوا من عذاب الله، " ليؤمنوا بما كذبوا من قبل " هلاكهم، كما قال جل ثناؤه: " ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه " [الأنعام: 28].
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله الله: " بما كذبوا من قبل "، كقوله: " ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه " [الأنعام: 28].
قال أبو جعفر: وأشبه هذه الأقوال بتأويل الآية وأولاها بالصواب، القول الذي ذكرناه عن أبي بن كعب والربيع. وذلك أن من سبق في علم الله تبارك وتعالى أنه لا يؤمن به، فلن يؤمن أبداً. وقد كان سبق في علم الله تبارك وتعالى لمن هلك من الأمم التي قص نبأهم في هذه السورة، أنه لا يؤمن أبداً، فأخبر جل ثناؤه عنهم أنهم لم يكونوا ليؤمنوا بما هم به مكذبون في سابق علمه، قبل مجيء الرسل عند مجيئهم إليهم.
ولو قيل: تأويله: فما كان هؤلاء الذين ورثوا الأرض، يا محمد، من مشركي قومك من بعد أهلها، الذين كانوا بها من عاد وثمود، ليؤمنوا بما كذب به الذين ورثوها عنهم من توحيد الله ووعده ووعيده، كان وجهاً ومذهباً، غير أني لا أعلم قائلاً قاله ممن يعتمد على علمه بتأويل القرآن.
وأما الذي قاله مجاهد من أن معناه: لو ردوا ما كانوا ليؤمنوا، فتأويل لا دلالة عليه من ظاهر التنزيل، ولا من خبر عن الرسول صحيح. وإذ كان ذلك كذلك، فأولى منه بالصواب ما كان عليه من ظاهر التنزيل دليل.
وأما قوله: " كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين "، فإنه يقول تعالى ذكره: كما طبع الله على قلوب هؤلاء الذين كفروا بربهم وعصوا رسله من هذه الأمم التي قصصنا عليك نبأهم، يا محمد، في هذه السورة، حتى جاءهم بأس الله فهلكوا به، " كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين "، الذين كتب عليهم أنهم لا يؤمنون أبداً من قومك.
قوله تعالى: "تلك القرى" أي هذه القرى التي أهلكناها، وهي قرى نوح وعاد ولوط وهود وشعيب المتقدمة الذكر. "نقص" أي نتلو. "عليك من أنبائها" أي من أخبارها. وهي تسلية للنبي عليه السلام والمسلمين. "فما كانوا ليؤمنوا" أي فما كان أولئك الكفار ليؤمنوا بعد هلاكهم لو أحييناهم، قاله مجاهد. نظيره "ولو ردوا لعادوا" [الأنعام: 28]. وقال ابن عباس والربيع: كان في علم الله تعالى يوم أخذ عليهم الميثاق أنهم لا يؤمنون بالرسل. "بما كذبوا من قبل" يريد يوم الميثاق حين أخرجهم من ظهر آدم فآمنوا كرهاً لا طوعاً. قال السدي: آمنوا يوم أخذ عليهم الميثاق كرهاً فلم يكونوا ليؤمنوا الآن حقيقة. وقيل: سألوا المعجزات، فلما رأوها ما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل رؤية المعجزة. نظيره "كما لم يؤمنوا به أول مرة" [الأنعام: 110]. "كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين" أي مثل طبعه على قلوب هؤلاء المذكورين كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين بمحمد صلى الله عليه وسلم.
لما قص تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم خبر قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وما كان من إهلاكه الكافرين وإنجائه المؤمنين, وأنه تعالى أعذر إليهم بأن بين لهم الحق بالحجج على ألسنة الرسل صلوات الله عليهم أجمعين, قال تعالى: "تلك القرى نقص عليك" أي يا محمد "من أنبائها" أي من أخبارها "ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات" أي الحجج على صدقهم فيما أخبروهم به, كما قال تعالى: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً" وقال تعالى: "ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد * وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم" وقوله تعالى: "فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل" الباء سببية, أي فما كانوا ليؤمنوا بما جاءتهم به الرسل بسبب تكذيبهم بالحق أول ما ورد عليهم حكاه ابن عطية رحمه الله وهو متجه حسن كقوله "وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون * ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة" الاية, ولهذا قال هنا " كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين * وما وجدنا لأكثرهم " أي لأكثر الأمم الماضية "من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين" أي ولقد وجدنا أكثرهم فاسقين خارجين عن الطاعة والامتثال. والعهد الذي أخذه هو ما جبلهم عليه وفطرهم عليه وأخذ عليهم في الأصلاب أنه ربهم ومليكهم وأنه لا إله إلا هو فأقروا بذلك وشهدوا على أنفسهم به, وخالفوه وتركوه وراء ظهورهم وعبدوا مع الله غيره بلا دليل ولا حجة لا من عقل ولا شرع, وفي الفطرة السليمة خلاف ذلك, وجاءت الرسل الكرام من أولهم إلى آخرهم بالنهي عن ذلك كما جاء في صحيح مسلم, يقول الله تعالى: " إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم " وفي الصحيحين "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه" الحديث.
وقال تعالى في كتابه العزيز "وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون" وقوله تعالى: "واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون" وقال تعالى: "ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت" إلى غير ذلك من الايات, وقد قيل في تفسير قوله تعالى: "فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل" ما روى أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب في قوله "فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل" قال كان في علمه تعالى يوم أقروا له بالميثاق, أي فما كانوا ليؤمنوا لعلم الله منهم ذلك, وكذا قال الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب عن أنس, واختاره ابن جرير, وقال السدي "فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل" قال: ذلك يوم أخذ منهم الميثاق فآمنوا كرهاً, وقال مجاهد في قوله "فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل" هذا كقوله "ولو ردوا لعادوا" الاية.
قوله: 101- "تلك القرى" أي التي أهلكناها وهي قرى نوح وصالح ولوط وشعيب المتقدم ذكرها "نقص عليك" أي نتلو عليك "من أنبائها" أي من أخبارها وهذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين ونقص إما في محل نصب على أنه حال، و "تلك القرى" مبتدأ وخبر، أو يكون في محل رفع على أنه الخبر، و "القرى" صفة لتلك، ومن في "من أنبائها" للتبعيض: أي نقص عليك بعض أنبائها، واللام في "لقد جاءتهم رسلهم بالبينات" جواب القسم. والمعنى: أن من أخبارهم أنها جاءتهم رسل الله ببيناته كما سبق بيانه في قصص الأنبياء المذكورين قبل هذا "فما كانوا ليؤمنوا" عند مجيء الرسل "بما كذبوا" به "من قبل" مجيئهم أو فما كانوا ليؤمنوا بما جاءتهم به الرسل في حال من الأحوال ولا في وقت من الأوقات بما كذبوا به قبل مجيئهم، بل هم مستمرون على الكفر متشبثون بأذيال الطغيان دائماً، ولم ينجع فيهم مجيء الرسل ولا ظهر له أثر، بل حالهم عند مجيئهم كحالهم قبله، وقيل المعنى: فما كانوا ليؤمنوا بعد هلاكهم بما كذبوا به لو أحييناهم كقوله: "ولو ردوا لعادوا" وقيل: سألوا المعجزات، فلما رأوها لم يؤمنوا بما كذبوا به من قبل رؤيتها. والأول أولى، ومعنى تكذيبهم قبل مجيء الرسل: أنهم كانوا في الجاهلية يكذبون بكل ما سمعوا به من إرسال الرسل، وإنزال الكتب. قوله: "كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين" أي مثل ذلك الطبع الشديد يطبع الله على قلوب الكافرين فلا ينجع فيهم بعد ذلك وعظ ولا تذكير ولا ترغيب ولا ترهيب.
101 - " تلك القرى " ، أي : هذه القرى التي ذكرت لك أمرها وأمر أهلها ، يعني : قرى قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وشعيب . " نقص عليك من أنبائها " ، أخبارها لما فيها من الاعتبار ، " ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات " ، بالآيات والمعجزات والعجائب ، " فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل " ، أي : فما كانوا ليؤمنوا بعد رؤية المعجزات والعجائب بما كذبوا من قبل رؤيتهم تلك العجائب ، نظيرة قوله عز وجل :" قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين " ( الأنعام - 28 ) .
قال ابن عباس والسدي يعني فما كان هؤلاء الكفار الذين أهلكناهم ليؤمنوا عند إرسال الرسل بما كذبوا من قبل يوم أخذ ميثاقهم حين أخرجهم من ظهر آدم ، فأقروا باللسان وأضمروا التكذيب . وقال مجاهد : معناه فما كانوا لو أحييناهم بعد إهلاكهم ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل هلاكهم ، كقوله عز وجل : " ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه " ( الأنعام ـ 28 ) .
قال يمان بن رباب : هذا على معنى أن كل نبي أنذر قومه بالعذاب فكذبوه ، يقول : ما كانوا لؤمنوا بما كذب به أوائلهم من الأمم الخالية ، بل كذبوا بما كذب أوائلهم ، نظيره قوله عز وجل : " كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون " ( الذاريات - 52 ) . " كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين " ، أي : كما طبع الله على قلوب الأمم الخالية التي أهلكها ، كذلك يطبع الله على قلوب الكفار الذين كتب عليهم أن لا يؤمنوا من قومك .
101. " تلك القرى " يعني قرى الأمم المار ذكرهم . " نقص عليك من أنبائها" حل إن جعل " القرى " خبرا وتكون إفادته بالتقييد بها، وخبر إن جعلت صفة ويجوز أن يكونا خبرين ," من" للتبعيض أي نقص بعض أنبائها ، ولها أنباء غيرها لا نقصها . " ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات " بالمعجزات " فما كانوا ليؤمنوا " عند مجيئهم بها . " بما كذبوا من قبل " بما كذبوه من قبل الرسل بل كانوا مستمرين على التكذيب ، أو فما كانوا ليؤمنوا مدة عمرهم بما كذبوا ب أولا حين جاءتهم الرسل ، ولم تؤثر فيهم قط دعوتهم المتطاولة والآيات المتتابعة ، واللام لتأكيد النفي والدلالة على أنهم ما صلحوا للإيمان لمنافاته لحالهم في التصميم على الكفر والطبع على قلوبهم . " كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين " فلا بلين شكيمتهم بالآيات والنذر .
101. Such were the townships. We relate some tidings of them unto thee (Muhammad). Their messengers verily came unto them with clear proofs (of Allah's Sovereignty), but they could not believe because they had before denied. Thus doth Allah print upon the hearts of disbelievers (that they hear not).
101 - Such were the towns whose story we (thus) relate unto thee: there came indeed to them their apostles with clear (signs): but they would not believe what they had rejected before. thus doth God seal up the hearts of those who reject faith.