[القلم : 43] خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ
43 - (خاشعة) حال من ضمير يدعون أي ذليلة (أبصارهم) لا يرفعونها (ترهقهم) تغشاهم (ذلة وقد كانوا يدعون) في الدنيا (إلى السجود وهم سالمون) فلا يأتون به بأن لا يصلوا
وقوله : " خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة " يقول : تغشاهم ذلة من عذاب الله " وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون " يقول : وقد كانوا في الدنيا يدعونهم إلى السجود له ، وهم سالمون ، لا يمنعهم من ذلك مانع ، ولا يحول بينه وبينهم حائل ، وقد قيل : السجود في هذا الموضع : الصلاة المكتوبة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم التيمي " وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون " قال : إلى الصلاة المكتوبة .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي سنان ، عن سعيد بن جبير " وقد كانوا يدعون إلى السجود " قال : يسمع المنادي إلى الصلاة المكتوبة فلا يجيبه .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن إبراهيم التيمي " وقد كانوا يدعون إلى السجود " قال : الصلاة المكتوبة .
وبنحو الذي قلنا في قوله " يدعون إلى السجود فلا يستطيعون " ... الآية ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله " وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون " قال : هم الكفار كانوا يدعون في الدنيا وهم آمنون . فاليوم يدعوهم وهم خائفون ، ثم أخبر الله سبحانه أنه حال بين أهل الشرك وبين طاعته في الدنيا والآخرة ، فأما في الدنيا فإنه قال " ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون " [ هود : 20 ] ، وأما في الآخرة فإنه قال " فلا يستطيعون * خاشعة أبصارهم " .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " يدعون إلى السجود فلا يستطيعون " ذلكم والله يوم القيامة ، ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " يؤذن للمؤمنين يوم القيامة في السجود ، فيسجد المؤمنون ، وبين كل مؤمنين منافق فيقسو ظهر المنافق عن السجود ، ويجعل الله سجود المؤمنين عليهم توبيخاً وذلاً وصغاراً وندامة وحسرة " .
وقوله " وقد كانوا يدعون إلى السجود " أي في الدنيا " وهم سالمون " : أي في الدنيا .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : بلغني أنه يؤذن للمؤمنين يوم القيامة في السجود بين كل مؤمنين منافق ، يسجد المؤمنون ولا يستطيع المنافق أن يسجد ، وأحسبه قال : تقسو ظهورهم ، ويكون سجود المؤمنين توبيخاً عليهم قال : " وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون " .
"خاشعة أبصارهم" أي ذليلة متواضعة، ونصبها على الحال."ترهقهم ذلة" وذلك أن المؤمنين يرفعون رؤوسهم ووجوههم أشد بياضاً من الثلج. وتسود وجوه المنافقين والكافرين حتى ترجع أشد سواداً من القار.
قلت: معنى حديث أبي موسى وابن مسعود ثابت في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري وغيره.
قوله تعالى: "وقد كانوا يدعون إلى السجود" أي في الدنيا. "وهم سالمون" معافون أصحاء. قال إبراهيم التيمي: أي يدعون بالأذان والإقامة فيأبونه. وقال سعيد بن جبير: كانوا يسمعون حي على الفلاح فلا يجيبون. وقال كعب الأحبار: والله ما نزلت هذه الآية إلا في الذين يتخلفون عن الجماعات. وقيل: أي بالتكليف الموجه عليهم في الشرع، والمعنى متقارب. وقد مضى في سورة البقرة الكلام في وجوب صلاة الجماعة. وكان الربيع بن خيثم قد فلج وكان يهادي بين الرجلين إلى المسجد، فقيل: يا أبا يزيد، لو صليت في بيتك لكانت لك رخصة. فقال : من سمع حي على الفلاح فليجب ولو حبواً. وقيل: لسعيد بن المسيب: إن طارقاً يريد قتلك فتغيب. فقال: أبحيث لا يقدر الله علي؟ فقيل له: اجلس في بيتك. فقال: اسمع حي على الفلاح، فلا أجيب !

لما ذكر تعالى أن للمتقين عند ربهم جنات النعيم, بين متى ذلك كائن وواقع فقال تعالى: "يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون" يعني يوم القيامة وما يكون فيه من الأهوال والزلازل والبلاء, والامتحان والأمور العظام. وقد قال البخاري ههنا: حدثنا آدم حدثنا الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم , عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياءً وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً" وهذا الحديث مخرج في الصحيحين وفي غيرهما من طرق, وله ألفاظ وهو حديث طويل مشهور, وقد قال عبد الله بن المبارك عن أسامة بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس "يوم يكشف عن ساق" قال: هو يوم القيامة يوم كرب وشدة, رواه ابن جرير ثم قال حدثنا ابن حميد , حدثنا مهران عن سفيان عن المغيرة عن إبراهيم عن ابن مسعود أو ابن عباس ـ الشك من ابن جرير ـ "يوم يكشف عن ساق" قال: عن أمر عظيم, كقول الشاعر:
مالت الحرب عن ساق
وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد "يوم يكشف عن ساق" قال: شدة الأمر, وقال ابن عباس : هي أول ساعة تكون في يوم القيامة, وقال ابن جرير عن مجاهد "يوم يكشف عن ساق" قال: شدة الأمر وجده, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله "يوم يكشف عن ساق" هو الأمر الشديد الفظيع من الهول يوم القيامة, وقال العوفي عن ابن عباس : قوله: "يوم يكشف عن ساق" يقول حين يكشف الأمر وتبدو الأعمال, وكشفه دخول الاخرة وكشف الأمر عنه, وكذا روى الضحاك وغيره عن ابن عباس : أورد ذلك كله أبو جعفر بن جرير , ثم قال: حدثني أبو زيد عمر بن شبة , حدثنا هارون بن عمر المخزومي , حدثنا الوليد بن مسلم , حدثنا أبو سعيد روح بن جناح عن مولى لعمر بن عبد العزيز عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "يوم يكشف عن ساق" يعني عن نور عظيم يخرون له سجداً ورواه أبو يعلى عن القاسم بن يحيى عن الوليد بن مسلم به وفيه رجل مبهم والله أعلم.
وقوله تعالى: "خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة" أي في الدار الاخرة بإجرامهم وتكبرهم في الدنيا فعوقبوا بنقيض ما كانوا عليه, ولما دعوا إلى السجود في الدنيا فامتنعوا منه مع صحتهم وسلامتهم كذلك عوقبوا بعدم قدرتهم عليه في الاخرة, إذا تجلى الرب عز وجل فيسجد له المؤمنون ولا يستطيع أحد من الكافرين ولا المنافقين أن يسجد, بل يعود ظهر أحدهم طبقاً واحداً كلما أراد أحدهم أن يسجد خر لقفاه عكس السجود, كما كانوا في الدنيا بخلاف ما عليه المؤمنون.
ثم قال تعالى: "فذرني ومن يكذب بهذا الحديث" يعني القرآن, وهذا تهديد شديد أي دعني وإياه أنا أعلم به منه كيف أستدرجه وأمده في غيه وأنظره ثم آخذه أخذ عزيز مقتدر, ولهذا قال تعالى: "سنستدرجهم من حيث لا يعلمون" أي وهم لا يشعرون بل يعتقدون أن ذلك من الله كرامة وهو في نفس الأمر إهانة, كما قال تعالى: " أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين * نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون " وقال تعالى: "فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون" ولهذا قال ههنا: "وأملي لهم إن كيدي متين" أي وأؤخرهم وأنظرهم وأمدهم وذلك من كيدي ومكري بهم, ولهذا قال تعالى: "إن كيدي متين" أي عظيم لمن خالف أمري وكذب رسلي واجترأ على معصيتي.
وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله تعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" ثم قرأ "وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد" وقوله تعالى: "أم تسألهم أجراً فهم من مغرم مثقلون * أم عندهم الغيب فهم يكتبون" تقدم تفسيرها في سورة الطور, والمعنى في ذلك أنك يا محمد تدعوهم إلى الله عز وجل بلا أجر تأخذه منهم, بل ترجو ثواب ذلك عند الله تعالى, وهم يكذبون بما جئتهم به بمجرد الجهل والكفر والعناد.
وانتصاب 43- "خاشعة أبصارهم" على الحال من ضمير يدعون، وأبصارهم مرتفع به على الفاعلية، ونسبة الخشوع إلى الأبصار، وهو الخضوع والذلة لظهور أثره فيها "ترهقهم ذلة" أي تغشاهم ذلة شديدة وحسرة وندامة "وقد كانوا يدعون إلى السجود" أي في الدنيا "وهم سالمون" أي معافون عن العلل متمكنون من الفعل. قال إبراهيم التميمي: يدعون بالأذان والإقامة فيأبون. وقال سعيد بن جبير: يسمعون حي على الفلاح فلا يجيبون. قال كعب الأحبار: والله ما نزلت هذه الآية إلا في الذين يتخلفون عن الجماعات. وقيل يدعون بالتكليف المتوجه عليهم بالشرع فلا يجيبون، وجملة "وهم سالمون" في محل نصب على الحال من ضمير يدعون.
43- "خاشعةً أبصارهم"، وذلك أن المؤمنين يرفعون رؤوسهم من السجود ووجوههم أشد بياضاً من الثلج، وتسود وجوه الكافرين والمنافقين، "ترهقهم ذلة"، يغشاهم ذل الندامة والحسرة، "وقد كانوا يدعون إلى السجود"، قال إبراهيم التيمي: يعني إلى الصلاة المكتوبة بالأذان والأقامة وقال سعيد بن جبير: كانوا يسمعون حي على الفلاح فلا يجيبون، "وهم سالمون"، أصحاء فلا يأتونه، قال كعب الأحبار: والله ما نزلت هذه الآية إلا في الذين يتخلفون عن الجماعات.
43-" خاشعةً أبصارهم ترهقهم ذلة " تلحقهم ذلة . " وقد كانوا يدعون إلى السجود " في الدنيا أو زمان الصحة . "وهم سالمون " متمكنون منه مزاحو العلل فيه .
43. With eyes downcast, abasement stupefying them. And they had been summoned to prostrate themselves while they were yet unhurt.
43 - Their eyes will be cast down, ignominy will cover them; seeing that they had been summoned aforetime to bow in adoration, while they were whole, (and had refused).