[الملك : 27] فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ
27 - (فلما رأوه) أي العذاب بعد الحشر (زلفة) قريبا (سيئت) اسودت (وجوه الذين كفروا وقيل) أي قال الخزنة لهم (هذا) العذاب (الذي كنتم به) بانذاره (تدعون) أنكم لا تبعثون وهذه حكاية حال تأتي عبر عنها بطريق المضي لتحقيق وقوعها
وقوله " فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا " يقول تعالى ذكره : فلما رأى هؤلاء المشركون عذاب الله زلفة ، يقول : قريباً ، وعاينوه ، سيئت وجوه الذين كفروا ، يقول : ساء الله بذلك وجوه الكافرين .
وبنحو الذي قلنا في قوله " زلفة " قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله " فلما رأوه زلفة سيئت " قال : لما عاينوه .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا يحيى بن أبي بكير ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي رجاء ، قال : سألت الحسن ، عن قوله " فلما رأوه زلفة " قال : معاينة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " فلما رأوه زلفة " قال : قد اقترب .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة ، قوله " فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا " لما عاينت من عذاب الله .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " فلما رأوه زلفة " قال : لما رأوا عذاب الله زلفة ، يقول سيئت وجوههم حين عاينوا من عذاب الله وخزيه ما عاينوا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " فلما رأوه زلفة سيئت " قيل : الزلفة حاضر قد حضرهم عذاب الله عز وجل .
" وقيل هذا الذي كنتم به تدعون " يقول : وقال الله لهم : هذا العذاب الذي كنتم به تذكرون ربكم أن يعجله لكم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " وقيل هذا الذي كنتم به تدعون " قال : استعجالهم بالعذاب .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الأمصار " هذا الذي كنتم به تدعون " بتشديد الدال بمعنى تفتعلون من الدعاء .
وذكر عن قتادة والضحاك أنهما قرآ ذلك ( تدعون ) بمعنى تفعلون في الدنيا .
حدثني أحمد بن يوسف ، قال : ثنا القاسم ، قال : ثنا حجاج ، عن هارون ، قال : أخبرنا أبان العطار و سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة أنه قرأها ( الذي كنتم به تدعون ) خفيفة ، ويقول : كانوا يدعون بالعذاب ، ثم قرأ " وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم " [ الأنفال : 32 ] .
والصواب من القراءة في ذلك ، ما عليه قراء الأمصار لإجماع الحجة من القراء عليه .
قوله تعالى: "فلما رأوه زلفة" مصدر بمعنى مزدلفاً، أي قريباً، قال مجاهد. الحسن: عياناً. وأكثر المفسرين على المعنى: فلما رأوه يعنى العذاب، وهو عذاب الآخرة. وقال مجاهد: يعني عذاب بدر. وقيل: أي رأوا ما وعدوا من الحشر قريباً منهم.ودل عليه "تحشرون". وقال ابن عباس: لما رأوا عملهم السيئ قريباً."سيئت وجوه الذين كفروا" أي فعل بها السوء. وقال الزجاج: تبين فيها السوء، أي ساءهم ذلك العذاب وظهر على وظهر على وجوههم سمة تدل على كفرهم، كقوله تعالى: "يوم تبيض وجوه وتسود وجوه" آل عمران:106 . وقرأ نافع وابن محيص وابن عامر والكسائي سئت بإشمام الضم. وكسر الباقون بغير إشمام طلباً للخفة. ومن ضم لاحظ الأصل. "وقيل هذا الذي كنتم به تدعون" قال الفراء: تدعون تفتعلون من الدعاء، وهو قول اكثر العلماء، أي تتمنون وتسألون. وقال ابن عباس: تكذبون، وتأويله: هذا الذي كنتم من أجله تدعون الأباطيل والأحاديث، قاله الزجاج. وقراءة العامة تدعون بالتشديد، وتأويله ما ذكرنا. وقرأ قتادة وابن أبي إسحاق والضحاك ويعقوب تدعون مخففة. قال قتادة: هو قولهم "ربنا عجل لنا قطنا" ص:16 . وقال الضحاك: هو قولهم "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء" الأنفال:32 الآية. وقال أبو العباس: تدعون تستعجلون، يقال: دعوت بكذا إذا طلبته، وادعيت افتعلت منه. النحاس: تدعون وتدعون بمعنى واحد، كما يقال: قدر واقتدر، وعدي واعتدي، إلا أن في افتعل معنى شئ بعد شئ، وفعل يقع على القليل والكثير.

يقول تعالى للمشركين الذين عبدوا معه غيره يبتغون عندهم نصراً ورزقاً, منكراً عليهم فيما اعتقدوه ومخبراً لهم أنه لا يحصل لهم ما أملوه, فقال تعالى: "أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن" أي ليس لكم من دونه من ولي ولا واق ولا ناصر لكم غيره, ولهذا قال تعالى: "إن الكافرون إلا في غرور" ثم قال تعالى: "أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه" أي من هذا الذي إذا قطع الله عنكم رزقه يرزقكم بعده, أي لا أحد يعطي ويمنع ويخلق ويرزق وينصر إلا الله عز وجل وحده لا شريك له, أي وهم يعلمون ذلك ومع هذا يعبدون غيره, ولهذا قال تعالى: "بل لجوا" أي استمروا في طغيانهم وإفكهم وضلالهم "في عتو ونفور" أي في معاندة واستكبار ونفور على إدبارهم عن الحق لا يسمعون له ولا يتبعونه.
ثم قال تعالى: "أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى! أمن يمشي سوياً على صراط مستقيم" وهذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر, فالكافر مثله فيما هو فيه كمثل من يمشي مكباً على وجهه, أي يمشي منحنياً لا مستوياً على وجهه أي لا يدري أين يسلك ولا كيف يذهب بل تائه حائر ضال, أهذا أهدى "أمن يمشي سوياً" أي منتصب القامة "على صراط مستقيم" أي على طريق واضح بين وهو في نفسه مستقيم وطريقه مستقيمة, هذا مثلهم في الدنيا وكذلك يكونون في الاخرة, فالمؤمن يحشر يمشي سوياً على صراط مستقيم مفض به إلى الجنة الفيحاء, وأما الكافر فإنه يحشر يمشي على وجهه إلى نار جهنم.
" احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون * من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم " الايات. أزواجهم: أشباههم. قال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا ابن نمير , حدثنا إسماعيل عن نفيع , قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قيل يا رسول الله كيف يحشر الناس على وجوههم ؟ فقال: "أليس الذي أمشاهم على أرجلهم قادراً على أن يمشيهم على وجوههم" وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من طريق وقوله تعالى: "قل هو الذي أنشأكم" أي ابتدأ خلقكم بعد أن لم تكونوا شيئاً مذكوراً "وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة" أي العقول والإدراك "قليلاً ما تشكرون" أي قلما تستعملون هذه القوى التي أنعم الله بها عليكم في طاعته وامتثال أوامره وترك زواجره "قل هو الذي ذرأكم في الأرض" أي بثكم ونشركم في أقطار الأرض وأرجائها مع اختلاف ألسنتكم في لغاتكم وألوانكم, وحلالكم وأشكالكم وصوركم "وإليه تحشرون" أي تجمعون بعد هذا التفرق والشتات, يجمعكم كما فرقكم ويعيدكم كما بدأكم. ثم قال تعالى مخبراً عن الكفار المنكرين للمعاد المستبعدين وقوعه " ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين " أي متى يقع هذا الذي تخبرنا بكونه من الاجتماع بعد هذا التفرق " قل إنما العلم عند الله " أي لا يعلم وقت ذلك على التعيين إلا الله عز وجل لكنه أمرني أن أخبركم أن هذا كائن وواقع لا محالة فاحذروه "وإنما أنا نذير مبين" أي وإنما علي البلاغ وقد أديته إليكم.
قال تعالى: "فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا" أي لما قامت القيامة وشاهدها الكفار ورأوا أن الأمر كان قريباً لأن كل ما هو آت آت وإن طال زمنه, فلما وقع ما كذبوا به ساءهم ذلك لما يعلمون ما لهم هناك من الشر أي فأحاط بهم ذلك وجاءهم من أمر الله ما لم يكن لهم في بال ولا حساب " وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون * وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون " ولهذا يقال لهم على وجه التقريع والتوبيخ "هذا الذي كنتم به تدعون" أي تستعجلون.
ثم ذكر الله سبحانه حالهم عند معاينة العذاب فقال: 27- "فلما رأوه زلفة" يعني رأوا العذاب قريباً، وزلفة مصدر بمعنى الفاعل: أي مزدلفاً أو حال من مفعول رأوا بتقدير مضاف: أي ذا زلفة وقرب. أو ظرف: أي رأوه في مكان ذي زلفة. قال مجاهد: أي قريباً. وقال الحسن: عياناً. قال أكثر المفسرين: المراد عذاب يوم القيامة، وقال مجاهد: المراد عذاب بدر، وقيل رأوا ما وعدوا به من الحش قريباً منهم كما يدل عليه قوله: "وإليه تحشرون" وقيل لما رأوا عملهم السيء قريباً "سيئت وجوه الذين كفروا" أي اسودت وعلتها الكآبة وغشيتها الذلة، يقال ساء الشيء يسوء فهو سيىء إذا قبح. قال الزجاج: المعنى تبين فيها السوء: أي ساءهم ذلك العذاب فظهر عليهم بسببه في وجوههم ما يدل على كفرهم كقوله: "يوم تبيض وجوه وتسود وجوه". قرأ الجمهور بكسر السين بدون إشمام، وقرأ نافع وابن عامر والكسائي وابن محيصن بالإشمام "وقيل هذا الذي كنتم به تدعون" أي قيل لهم توبيخاً وتقريعاً هذا المشاهد الحاضر من العذاب هو العذاب الذي كنتم به تدعون في الدنيا: أي تطلبونه وتستعجلون به استهزاء، على أن معنى تدعون الدعاء. قال الفراء: تدعون من الدعاء: أي تتمنون وتسألون، وبهذا قال الأكثر من المفسرين. وقال الزجاج: هذا الذي كنتم به تدعون الأباطيل والأحاديث. وقيل معنى تدعون: تكذبون، وهذا على قراءة الجمهور "تدعون" بالتشديد، فهو إما من الدعاء كما قال الأكثر، أو من الجعوى كما قال الزجاج ومن وافقه، والمعنى: أنهم كانوا يدعون أنه لا بعث ولا حشر ولا جنة ولا نار. وقرأ قتادة وابن أبي إسحاق ويعقوب والضحاك:"تدعون " مخففا ، ومعناها ظاهر . قال قتادة : هو قولهم " ربنا عجل لنا قطنا " وقال الضحاك : هو قولهم "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء" الآية. قال النحاس: تدعون وتدعون بمعنى واحد كما تقول قدر واقتدر، وغدا واغتدى، إلا أن أفعل معناه مضى شيئاً بعد شيء، وفعل يقع على القليل والكثير.
27- "فلما رأوه"، يعني: العذاب في الآخرة -على قول أكثر المفسرين- وقال مجاهد: يعني العذاب ببدر، "زلفةً"، أي قريباً وهو اسم يوصف به المصدر يستوي فيه المذكر والمؤنث والواحد والاثنان والجميع، "سيئت وجوه الذين كفروا"، اسودت وعليها كآبة، والمعنى قبحت وجوههم بالسواد، يقال: ساء الشيء يسوء فهو سيء إذا قبح، وسيء يساء إذا قبح، "وقيل"، لها أي قال الخزنة، "هذا"، أي هذا العذاب، "الذي كنتم به تدعون"، تفتعلون من الدعاء تدعون وتتمنون أنه يعجل لكم، وقرأ يعقوب تدعون بالتخفيف، وهي قراءة قتادة ومعناهما واحد مثل تذكرون وتذكرون.
27-" فلما رأوه " أي الوعد فإنه بمعنى الموعود . " زلفةً " ذا زلفة أي قرب منهم . " سيئت وجوه الذين كفروا " بأن علتها الكآبة وساءتها رؤية العذاب . " وقيل هذا الذي كنتم به تدعون " تطلبون وتستعجلون تفتعلون من الدعاء ، أو " تدعون " ان لا بعث فهو من الدعوى .
27. But when they see it nigh, the faces of those who disbelieve will be awry, and it will be said (unto them): This is that for which ye used to call.
27 - At length, when they see it close at hand, grieved will be the faces of the Unbelievers, and it will be said (to them): This is (the promise fulfilled), which ye were calling for!