[الملك : 15] هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ
15 - (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا) سهلة للمشي فيها (فامشوا في مناكبها) جوانبها (وكلوا من رزقه) المخلوق لأجلكم (وإليه النشور) من القبور للجزاء
وقوله " هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا " يقول تعالى ذكره : الله الذي جعل لكم الأرض ذلولاً سهلاً ، سهلها لكم " فامشوا في مناكبها " .
واختلف أهل العلم في معنى " مناكبها " فقال بعضهم : جبالها .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله " في مناكبها " يقول : جبالها .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الأعلى ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن بشير بن كعب أنه قرأ هذه الآية " فامشوا في مناكبها " فقال لجارية له : إن دريت ما مناكبها ، فأنت حرة لوجه الله ، قالت : فإن مناكبها : جبالها ، فكأنما سفع في وجهه ، ورغب في جاريته ، فسأل فمنهم من أمره ، ومنهم من نهاه ، فسأل أبا الدرداء ، فقال : الخير في طمأنينة ، والشر في ريبة ، فذر ما يريبك إلى ما لا يريبك .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا معاذ بن هشام ، قال : ثني أبي ، عن قتادة ، عن بشير بن كعب ، بمثله سواء .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " فامشوا في مناكبها " : جبالها .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله " في مناكبها " قال : في جبالها .
وقال آخرون : " مناكبها " : أطرافها ونواحيها .
ذكر من من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " فامشوا في مناكبها " يقول : امشوا في أطرافها .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، عن سعيد ، عن قتادة ، أن بشير بن كعب العدوي ، قرأ هذه الآية " فامشوا في مناكبها " فقال لجاريته : إن أخبرتني ما مناكبها ، فأنت حرة ، فقالت : نواحيها ، فأراد أن يتزوجها ، فسأل أبا الدرداء ، فقال : إن الخير في طمأنينة ، وإن الشر في ريبة ، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " فامشوا في مناكبها " قال : طرقها وفجاجها .
وأولى القولين عندي بالصواب قول من قال : معنى ذلك : فامشوا في نواحيها وجوانبها وذلك أن نواحيها نظير مناكب الإنسان التي هي من أطرافه .
وقوله " وكلوا من رزقه " يقول : وكلوا من رزق الله الذي أخرجه لكم من مناكب الأرض ، " وإليه النشور " يقول تعالى ذكره : وإلى الله نشركم من قبوركم .
قوله تعالى: "هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا" أي سهلة تستقرون عليها. والذلول المنقاد الذي يذل لك، والمصدر الذل وهو اللين والانقياد. أي لم يجعل الأرض بحيث يمتنع المشي فيها بالحزونة والغلطة. وقيل: أي ثبتها لئلا تزول بأهلها، ولو كانت تتكفأ متماثلة لما كانت منقادة لنا. وقيل: أشار إلى التمكن من الزرع والغرس وشق العيون والأنهار وحفر الآبار. "فامشوا في مناكبها" هو أمر إباحة، وفيه إظهار الامتنان.وقيل: هو خبر بلفظ الأمر، أي لكي تمشوا في أطرافها ونواحيها وآكامها وجبالها. وقال ابن عباس وقتادة وبشير بن كعب: "في مناكبها" في جبالها. وروي أن بشير بن كعب كانت له سرية فقال لها: إن أخبرتني ما مناكب الأرض فأنت حرة ؟ فقالت: مناكبها جبالها. فصارت حرة . فأراد أن يتزوجها فسأل أبا الدرداء فقال: دع ما يربيك إلى ما لا يربيك مجاهد: في أطرافها وعنه أيضاً: في طرقها وفجاجها. وقاله السدي والحسن . وقال الكلبي: في جوانبها. ومنكبا الرجل: جانباه. وأصل المنكب الجانب، ومنه منكب الرجل. والريح النكباء. ونكب فلان عن فلان. فيقول: امشوا حيث اردتم فقد جعلتها لكم ذلولاً لا تمتنع. وحكى قتادة عن أبي الجلد: أن الأرض أربعة وعشرون ألف فرسخ، فللسودان اثنا عشر ألفا، وللروم ثمانية الآف، وللفرس ثلاث الآف ، وللعرب ألف. "وكلوا من رزقه" أي مما أحله لكم، قاله الحسن. وقيل: مما أتيته لكم. "وإليه النشور" المرجع. وقيل: معناه أن الذي خلق السماء لا تفاوت فيها، والأرض ذلولاً قادر على أن ينشركم.
يقول تعالى مخبراً عمن يخاف مقام ربه فيما بينه وبينه إذا كان غائباً عن الناس, فينكف عن المعاصي ويقوم بالطاعات حيث لا يراه أحد إلا الله تعالى بأنه له مغفرة وأجر كبير أي تكفر عنه ذنوبه ويجازى بالثواب الجزيل, كما ثبت في الصحيحين "سبعة يظلهم الله تعالى في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله فذكر منهم رجلاً دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله, ورجلاً تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ". وقال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا طالوت بن عباد , حدثنا الحارث بن عبيد عن ثابت عن أنس قال: " قالوا يا رسول الله, إنا نكون عندك على حال فإذا فارقناك كنا على غيره قال: كيف أنتم وربكم ؟ قالوا: الله ربنا في السر والعلانية, قال: ليس ذلكم النفاق" لم يروه عن ثابت إلا الحارث بن عبيد فيما نعلمه ثم قال منبهاً على أنه مطلع على الضمائر والسرائر "وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور" أي بما يخطر في القلوب.
"ألا يعلم من خلق ؟" أي ألا يعلم الخالق, وقيل معناه ألا يعلم الله مخلوقه ؟ والأول أولى لقوله: "وهو اللطيف الخبير", ثم ذكر نعمته على خلقه في تسخيره لهم الأرض وتذليله إياها لهم بأن جعلها قارة ساكنة لا تميد ولا تضطرب بما جعل فيها من الجبال وأنبع فيها من العيون, وسلك فيها من السبل, وهيأ فيها من المنافع ومواضع الزروع والثمار فقال تعالى: "هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها" أي فسافروا حيث شئتم من أقطارها وترددوا في أقاليمها وأرجائها في أنواع المكاسب والتجارات, واعلموا أن سعيكم لا يجدي عليكم شيئاً إلا أن ييسره الله لكم, ولهذا قال تعالى: "وكلوا من رزقه" فالسعي في السبب لا ينافي التوكل كما قال الإمام أحمد : حدثنا أبو عبد الرحمن , حدثنا حيوة , أخبرني بكر بن عمرو أنه سمع عبد الله بن هبيرة يقول: إنه سمع أبا سهم الحبشاني يقول: إنه سمع عمر بن الخطاب يقول: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لوأنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير, تغدو خماصاً وتروح بطاناً" رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث ابن هبيرة , وقال الترمذي : حسن صحيح, فأثبت لها رواحاً وغدواً لطلب الرزق مع توكلها على الله عز وجل وهو المسخر المسير المسبب "وإليه النشور" أي المرجع يوم القيامة. قال ابن عباس ومجاهد والسدي وقتادة : مناكبها أطرافها وفجاجها ونواحيها, وقال ابن عباس وقتادة أيضاً: مناكبها الجبال, وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا عمرو بن حكام الأزدي , حدثنا شعبة عن قتادة عن يونس بن جبير عن بشير بن كعب أنه قرأ هذه الاية "فامشوا في مناكبها" فقال لأم ولد له: إن علمت ما مناكبها فأنت عتيقة فقالت: هي الجبال, فسأل أبا الدرداء فقال: هي الجبال.
ثم امتن سبحانه على عباده فقال: 15- "هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً" أي سهلة لينة تستقرون عليها، ولم يجعلها خشنة بحيث يمتنع عليكم السكون فيها والمشي عليها، والذلول في الأصل: هو المنقاد الذي يذل لك ولا يستصعب عليك والمصدر الذل، والفاء في قوله: "فامشوا في مناكبها" لترتيب الأمر بالمشي على الجعل المذكور، والأمر للإباحة. قال مجاهد والكلبي ومقاتل: مناكبها طرقها وأطرافها وجوانبها. وقال قتادة وشهر بن حوشب: مناكبها جبالها، وأصل المنكب الجانب، ومنه منكب الرجل، ومنه الريح النكباء، لأنها تأتي من جانب دون جانب "وكلوا من رزقه" أي مما رزقكم وخلقه لكم في الأرض "وإليه النشور" أي وغليه البعث من قبوركم، لا إلى غيره، وفي هذا وعيد شديد.
15- "هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً"، سهلاً لا يمتنع المشي فيها بالحزونة، "فامشوا في مناكبها"، قال ابن عباس وقتادة: في جبالها، وقال الضحاك: في آكامها. وقال مجاهد: في طرقها وفجاجها. قال الحسن: في سبلها. وقال الكلبي: في أطرافها. وقال مقاتل: في نواحيها. قال الفراء: في جوانبها والأصل في الكلمة الجانب، ومنه منكب الرجل والريح النكباء وتنكب فلان أي جانب. "وكلوا من رزقه"، مما خلقه رزقاً لكم في الأرض. "وإليه النشور"، أي: وإليه تبعثون من قبوركم.
15-" هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً " لينة يسهل لكم السلوك فيها . "فامشوا في مناكبها " في جوانبها أو جبالها ، وهو مثل لفرط التذليل فإن منكب البعير ينبو عن أن يطأه الراكب ولا يتذلل له ، فإذا جعل الأرض في الذلك بحيث يمشي في مناكبها لم يبق شيء لم يتذلل ." وكلوا من رزقه " والتمسوا من نعم الله . "وإليه النشور " المرجع فيسألكم من شكر ما أنعم عليكم .
15. He it is Who hath made the earth subservient unto you, so walk in the paths thereof and eat of His providence. And unto Him will be the resurrection (of the dead).
15 - It is He Who has made the earth manageable for you, so traverse ye through its tracts and enjoy of the Sustenance which He furnishes: but unto Him is the Resurrection.