[التحريم : 6] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ
6 - (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم) بالحمل على طاعة الله (نارا وقودها الناس) الكفار (والحجارة) كأصنامهمم منها يعني أنها مفرطة الحرارة تتقد بما ذكر لاكنار الدنيا تتقد بالحطب ونحوه (عليها ملائكة) خزنتها عدتهم تسعة عشر كما سيأتي في المدثر (غلاظ) من غلظ القلب (شداد) في البطش (لا يعصون الله ما أمرهم) بدل من الجلالة أي لا يعصون أمر الله (ويفعلون ما يؤمرون) تأكيد والآية تخويف للمؤمنين عن الارتداد وللمنافقين المؤمنين بألسنتهم دون قلوبهم
يقول تعالى ذكره : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله " قوا أنفسكم " يقول : علموا بعضكم بعضاً ما تقول به من تعلمونه النار ، وتدفعونها عنه إذا عمل به من طاعة الله ، واعملوا بطاعة الله .
وقوله " وأهليكم نارا " يقول : وعلموا أهليكم من العمل بطاعة الله ما يقون به أنفسهم من النار .
وبنحو الذي قلنا في ذلك أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن رجل ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله " قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة " قال : علموهم ، أدبوهم .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن رجل ، عن علي " قوا أنفسكم وأهليكم نارا " يقول : أدبوهم ، علموهم .
حدثني الحسين بن يزيد الطحان ، قال : ثنا سعيد بن خثيم ، عن محمد بن خالد الضبي عن الحكم ، عن علي بمثله .
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله " قوا أنفسكم وأهليكم نارا " يقول : اعملوا بطاعة الله ، واتقوا معاصي الله ، ومروا أهليكم بالذكر ينجيكم الله من النار .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله " قوا أنفسكم وأهليكم نارا " قال : اتقوا الله ، وأوصوا أهليكم بتقوى الله .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة " قال : يقيهم أن يأمرهم بطاعة الله ، وينهاهم عن معصيته ، وأن يقوم عليهم بأمر الله يأمرهم به ويساعدهم عليه ، فإذا رأيت لله معصية ردعهم عنها ، وزجرتهم عنها .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور عن معمر ، عن قتادة ، في قوله " قوا أنفسكم وأهليكم نارا " قال : مروهم بطاعة الله ، وانهوهم عن معصيته .
وقوله " وقودها الناس " يقول : حطبها الذي يوقد على هذه النار بنو آدم وحجارة الكبريت .
وقوله " عليها ملائكة غلاظ شداد " يقول : على هذه النار ملائكة من ملائكة الله ، غلاظ على أهل النار ، شداد عليهم " لا يعصون الله ما أمرهم " يقول : لا يخالفون الله في أمره الذي يأمرهم به " يفعلون ما يؤمرون " يقول : وينتهون إلى ما يأمرهم به ربهم .
فيه مسألة واحدة - هي الأمر بوقاية الإنسان نفسه وأهله النار. قال الضحاك: معناه قوا أنفسكم، وأهلوكم فليقوا أنفسهم ناراً وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: قوا أنفسكم وأمروا أهليكم بالذكر والدعاء حتى يقيهم اله بكم. وقال علي رضي الله عنه وقتادة ومجاهد: قوا أنفسكم بأفعالكم وقوا أهليكم بوصيتكم. ابن العربي: وهو الصحيح، والفقه الذي يعطيه العطف الذي يقتضي التشريك بين المعطوف والمعطوف عليه في معنى الفعل، كقوله: علفتها تبناً وماءً بارداً
وكقوله: رأيـت زوجـك فـي الـوغى متقلـداً سيفـاً ورمحـاً
فعلى الرجل أن يصلح نفسه بالطاعة، ويصلح أهله إصلاح الراعي للرعية. ففي صحيح الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالإمام الذي على الناس راع وهو مسؤول عنهم والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم" وعن هذا عبر الحسن في هذه الآية بقوله: يأمرهم ويناههم. وقال بعض العلماء لما قال: " قوا أنفسكم" دخل فيه الأولاد، لأن الولد بعض منه. كما دخل في قوله تعالى: " ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم" النور:61 فلم يفردوا بالذكر إفراد سائر القرابات. فيعلمه الحلال والحرام، ويجنبه المعاصي والآثام، إلى غير ذلك من الأحكام.
وقال عليه السلام: " حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه ويعلمه الكتابة ويزوجه إذا بلغ ".
وقال عليه السلام: " ما نحل والد ولداً أفضل من أدب حسن". وقد روى عمر بن شعيب عن أبيه عن جده: عن النبي صلى الله عليه وسلم " مروا أبنائكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع" . خرجه جماعة من أهل الحديث. وهذا لفظ أبي داود. وخرج أيضاً عن سمرة بن جندب قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم"مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين فإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها". وكذلك يخبر أهله بوقت الصلاة بوجوب الصيام ووجوب الفطر إذا وجب، مستنداً في ذلك إلى رواية الهلال. وقد روي عن مسلم: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوتر يقول: قومي فأوتري يا عائشة". وروي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " رحم الله امرءاً قام من الليل فصلى فأيقظ أهله فإن لم تقم رش وجهها بالماء. رحم الله امرأة قامت من الليل تصلي وأيقظت زوجها فإذا لم يقم رشت في وجهه من الماء ".
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: " أيقظوا صواحب الحجر" ويدخل هذا في عموم قوله تعالى: " وتعاونوا على البر والتقوى " المائدة:2 وذكر القشيري: أن عمر رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الآية: يا رسول الله، نقي أنفسنا، فكيف لنا بأهلينا ؟ فقال: تنهونهم عما نهاكم وتأمرونهم بما أمر الله. وقال مقاتل: ذلك حق عليه في نفسه وولده وأهله وعبيده وإمائه. قال الكيا: فعلينا تعليم أولادنا وأهلينا الدين والخير، وما لا يستغني عنه من الأدب. وهو قوله تعالى: " وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها " طه:132. ونحو قوله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: " وأنذر عشيرتك الأقربين ". وفي الحديث: ومروهم بالصلاة وهم أبناء سبع. " وقودها الناس والحجارة" تقدم في سورة البقرة القول فيه."عليها ملائكة غلاظ شداد" يعني الملائكة الزبانية غلاط القلوب لا يرحمون إذا استرحموا، خلقوا من الغضب، وحبب إليهم عذاب الخلق كما حبب لبني آدم آكل الطعام والشراب. "شداد" أي شداد الأبدان. وقيل: غلاط الأقوال شداد الأفعال، وقيل: غلاظ في أخذهم أهل النار شداد عليهم. يقال فلان شديد على فلان، أي قوي عليه يعذبه بأنواع العذاب. وقيل: أراد بالغلاط ضخامة أجسامهم، وبالشدة القوة. قال ابن عباس: ما بين منكبي الواحد منهم مسيرة سنة، وقوة الواحد منهم أن يضرب بالمقمع فيدفع بتلك الضربة سبعين ألف إنسان في قعر جهنم. وذكر ابن وهب قال: وحدثنا عبد الرحمن بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خزنة جهنم: " ما بين منكبي أحدكم كما بين المشرق والمغرب ".
قوله تعالى: " لا يعصون الله ما أمرهم " أي لا يخالفونه في أمره من زيادة أو نقصان. " ويفعلون ما يؤمرون " أي في وقته، فلا يؤخرونه ولا يقدمونه. وقيل أي لذتهم في امتثال أمر الله، كما أن سرور أهل الجنة في الكون في الجنة، ذكره بعد المعتزلة. وعندهم أنه يستحيل التكليف غداً. ولا يخفى معتقد أهل الحق في أن الله يكلف العبد اليوم وغداً، ولا ينكر التكليف في حق الملائكة. ولله أن يفعل ما يشاء.
قال سفيان الثوري عن منصور عن رجل عن علي رضي الله عنه في قوله تعالى: "قوا أنفسكم وأهليكم نارا" يقول: أدبوهم وعلموهم. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "قوا أنفسكم وأهليكم ناراً" يقول اعملوا بطاعة الله واتقوا معاصي الله, وأمروا أهليكم بالذكر ينجكم الله من النار, وقال مجاهد "قوا أنفسكم وأهليكم ناراً" قال اتقوا الله وأوصوا أهليكم بتقوى الله, وقال قتادة تأمرهم بطاعة الله وتنهاهم عن معصية الله وأن تقوم عليهم بأمر الله وتأمرهم به وتساعدهم عليه فإذا رأيت لله معصية ردعتهم عنها وزجرتهم عنها, وهكذا قال الضحاك ومقاتل: حق على المسلم أن يعلم أهله من قرابته وإمائه وعبيده ما فرض الله عليهم وما نهاهم الله عنه.
وفي معنى هذه الاية الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود والترمذي من حديث عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين فإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها" هذا لفظ أبي داود, وقال الترمذي: هذا حديث حسن, وروى أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك, قال الفقهاء وهكذا في الصوم ليكون ذلك تمريناً له على العبادة لكي يبلغ وهو مستمر على العبادة والطاعة ومجانبة المعصية وترك المنكر, والله الموفق.
وقوله تعالى: "وقودها الناس والحجارة" وقودها أي حطبها الذي يلقى فيها جثث بني آدم "والحجارة" قيل المراد بها الأصنام التي تعبد لقوله تعالى: "إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم" وقال ابن مسعود ومجاهد وأبو جعفر الباقر والسدي, هي حجارة من كبريت, زاد مجاهد: أنتن من الجيفة, وروى ذلك ابن أبي حاتم رحمه الله ثم قال حدثنا أبي حدثنا عبد الرحمن بن سنان المنقري حدثنا عبد العزيز ـ يعني ابن أبي رواد ـ قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الاية "يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة" وعنده بعض أصحابه وفيهم شيخ فقال الشيخ: يا رسول الله حجارة جهنم كحجارة الدنيا ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم "والذي نفسي بيده لصخرة من صخر جهنم أعظم من جبال الدنيا كلها قال: فوقع الشيخ مغشياً عليه, فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على فؤاده فإذا هو حي فناداه قال: يا شيخ قل لا إله إلا الله فقالها فبشره بالجنة. قال: فقال أصحابه يا رسول الله أمن بيننا ؟ قال: نعم يقول الله تعالى: "ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد" "هذا حديث مرسل غريب.
وقوله تعالى: "عليها ملائكة غلاظ شداد" أي طباعهم غليظة قد نزعت من قلوبهم الرحمة بالكافرين بالله (شداد) أي تركيبهم في غاية الشدة والكثافة والمنظر المزعج. كما قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا سلمة بن شبيب حدثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان حدثنا أبي عن عكرمة أنه قال: إذا وصل أول أهل النار إلى النار وجدوا على الباب أربعمائة ألف من خزنة جهنم سود وجوههم, كالحة أنيابهم, قد نزع الله من قلوبهم الرحمة ليس في قلب واحد منهم مثقال ذرة من الرحمة, لو طير الطير من منكب أحدهم لطار شهرين قبل أن يبلغ منكبه الاخر ثم يجدون على الباب التسعة عشر, عرض صدر أحدهم سبعون خريفاً ثم يهوون من باب إلى باب خمسمائة سنة ثم يجدون على كل باب منها مثل ما وجدوا على الباب الأول حتى ينتهوا إلى آخرها.
وقوله: "لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون" أي مهما أمرهم به تعالى يبادروا إليه لا يتأخرون عنه طرفة عين وهم قادرون على فعله ليس بهم عجز عنه, وهؤلاء هم الزبانية ـ عياذاً بالله منهم ـ وقوله: "يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون" أي يقال للكفرة يوم القيامة: لا تعتذروا فإنه لا يقبل منكم ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون, وإنما تجزون اليوم بأعمالكم, ثم قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً" أي توبة صادقة جازمة تمحو ما قبلها من السيئات, وتلم شعث التائب وتجمعه وتكفه عما كان يتعاطاه من الدناءات.
قال ابن جرير: حدثنا ابن مثنى حدثنا محمد, حدثنا شعبة عن سماك بن حرب: سمعت النعمان بن بشير يخطب, سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول "يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً" قال: يذنب ثم لا يرجع فيه, وقال الثوري عن سماك عن النعمان عن عمر قال: التوبة النصوح أن يتوب من الذنب ثم لا يعود فيه أو لا يريد أن يعود فيه. وقال أبو الأحوص وغيره عن سماك عن النعمان: سئل عمر عن التوبة النصوح فقال: أن يتوب الرجل من العمل السيء ثم لا يعود إليه أبداً. وقال الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله "توبة نصوحاً" قال: يتوب ثم لا يعود.
وقد روي هذا مرفوعاً فقال الإمام أحمد: حدثنا علي بن عاصم عن إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التوبة من الذنب أن يتوب منه ثم لا يعود فيه" تفرد به أحمد من طريق إبراهيم بن مسلم الهجري, وهو ضعيف, والموقوف أصح والله أعلم. ولهذا قال العلماء: التوبة النصوح هو أن يقلع عن الذنب في الحاضر ويندم على ما سلف منه في الماضي ويعزم على أن لا يفعل في المستقبل, ثم إن كان الحق لادمي رده إليه بطريقه. قال الإمام أحمد: حدثنا سفيان عن عبد الكريم, أخبرني زياد بن أبي مريم عن عبد الله بن مغفل قال: دخلت مع أبي على عبد الله بن مسعود فقال: أنت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "الندم توبة ؟" قال: نعم وقال مرة: نعم سمعته يقول: "الندم توبة" ورواه ابن ماجه عن هشام بن عمار عن سفيان بن عيينة عن عبد الكريم وهو ابن مالك الجزري به.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن عرفة, حدثني الوليد بن بكير أبو خباب عن عبد الله بن محمد العدوي عن أبي سنان البصري عن أبي قلابة, عن زر بن حبيش عن أبي بن كعب قال: قيل لنا أشياء تكون في آخر هذه الأمة عند اقتراب الساعة, منها نكاح الرجل امرأته أو أمته في دبرها, وذلك مما حرم الله عليه ورسوله ويمقت الله عليه ورسوله ومنها نكاح الرجل الرجل وذلك مما حرم الله ورسوله ويمقت الله عليه ورسوله, ومنها نكاح المرأة المرأة وذلك مما حرم الله ورسوله ويمقت الله عليه ورسوله, وليس لهؤلاء صلاة ما أقاموا على هذا حتى يتوبوا إلى الله توبة نصوحاً.
قال زر: فقلت لأبي بن كعب: فما التوبة النصوح ؟ فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: "هو الندم على الذنوب حين يفرط منك فتستغفر الله بندامتك منه عند الحاضر ثم لا تعود إليه أبداً". وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا عمرو بن علي, حدثنا عباد بن عمرو حدثنا أبو عمرو بن العلاء سمعت الحسن يقول: التوبة النصوح أن تبغض الذنب كما أحببته وتستغفر منه إذا ذكرته, فأما إذا جزم بالتوبة وصمم عليها فإنها تجب ما قبلها من الخطيئات, كما ثبت في الصحيح "الإسلام يجب ما قبله, والتوبة تجب ما قبلها" وهل من شرط التوبة النصوح الاستمرار على ذلك إلى الممات ـ كما تقدم في الحديث وفي الأثر ـ ثم لا يعود فيه أبداً. أو يكفي العزم على أن لا يعود في تكفير الماضي بحيث لو وقع منه ذلك الذنب بعد ذلك لا يكون ذلك ضاراً في تكفير ما تقدم لعموم قوله عليه السلام: "التوبة تجب ما قبلها ؟" وللأول أن يحتج بما ثبت في الصحيح أيضاً "من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية, ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والاخر" فإذا كان هذا في الإسلام الذي هو أقوى من التوبة فالتوبة بطريق الأولى, والله أعلم.
وقوله تعالى: "عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار" وعسى من الله موجبة "يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه" أي ولا يخزيهم معه يعني يوم القيامة "نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم" كما تقدم في سورة الحديد "يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير" قال مجاهد والضحاك والحسن البصري وغيرهم: هذا يقوله المؤمنون حين يرون يوم القيامة نور المنافقين قد طفىء. وقال الإمام أحمد: حدثنا إبراهيم بن إسحاق الطالقاني, حدثنا ابن المبارك عن يحيى بن حسان عن رجل من بني كنانة قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فسمعته يقول: "اللهم لا تخزني يوم القيامة".
وقال محمد بن نصر المروزي: حدثنا محمد بن مقاتل المروزي, حدثنا ابن المبارك, أنبأنا ابن لهيعة, حدثني يزيد بن أبي حبيب عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير أنه سمع أبا ذر وأبا الدرداء قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أول من يؤذن له في السجود يوم القيامة, وأول من يؤذن له برفع رأسه, فأنظر بين يدي فأعرف أمتي من بين الأمم وأنظر عن يميني فأعرف أمتي من بين الأمم, وأنظر عن شمالي فأعرف أمتي من بين الأمم, فقال رجل: يا رسول الله, وكيف تعرف أمتك من بين الأمم ؟ قال: غر محجلون من آثار الطهور ولا يكون أحد من الأمم كذلك غيرهم, وأعرفهم يؤتون كتبهم بأيمانهم وأعرفهم بسيماهم في وجوههم من أثر السجود, وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم".
قوله: 6- "يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم" بفعل ما أمركم به وترك ما نهاكم عنه "وأهليكم" بأمرهم بطاعة الله ونهيهم عن معاصيه "ناراً وقودها الناس والحجارة" أي ناراً عظيمة تتوقد بالناس وبالحجارة كمنا يتوقد غيرها بالحطب، وقد تقدم بيان هذا في سورة البقرة. قال مقاتل بن سليمان: المعنى قوا أنفسكم وأهليكم بالأدب الصالح النار في الآخرة. وقال مقاتل ومجاهد: قوا أنفسكم بأفعالكم، وقوا أهليكم بوصيتكم. قال ابن جرير: فعلينا أن نعلم أولادنا الدين والخير وما لا يستغنى عنه من الأدب، ومن هذا قوله: "وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها" وقوله: "وأنذر عشيرتك الأقربين" "عليها ملائكة غلاظ شداد" أي على النار خزنة من الملائكة يلون أمرها وتعذيب أهلها غلاظ على أهل النار شداد عليهم لا يرحمونهم إذا استرحموهم، لأن الله سبحانه خلقهم من غضبه وحبب إليهم تعذيب خلقه، وقيل المراد غلاظ القلوب شداد الأبدان، وقيل غلاظ الأقوال شداد الأفعال، وقيل الغلاظ ضخام الأجسام، والشداد الأقوياء "لا يعصون الله ما أمرهم" أي لا [يخالفونه] في أمره، وما في "ما أمرهم" يجوز أن تكون موصولة والعائد محذوف: أي لا يعصون الله الذي أمرهم به، ويجوز أن تكون مصدرية: أي لا يعصون الله أمره على أن يكون ما أمرهم بدل اشتمال من الاسم الشريف، أو على تقدير نزع الخافض: أي لا يعصون الله في أمره "ويفعلون ما يؤمرون" أي يؤدونه في وقته من غير تارخ لا يؤخرونه عنه ولا يقدمونه.
قوله عز وجل 6- "يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم"، قال عطاء عن ابن عباس: أي بالانتهاء عما نهاكم الله تعالى عنه / والعمل بطاعته، "وأهليكم ناراً"، يعني: مروهم بالخير وانهوهم عن الشر، وعلموهم وأدبوهم، تقوهم بذلك ناراً، "وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة"، يعني خزنة النار، "غلاظ"، فظاظ على أهل النار، "شداد"، أقوياء يدفع الواحد منهم بالدفعة الواحدة سبعين ألفاً في النار، وهم الزبانية، لم يخلق الله فيهم الرحمة، "لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون".
6-" يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم " بترك المعاصي وفعل الطاعات " وأهليكم " بالنصح والتأديب ،وقرئ و أهلوكم عطف على واو " قوا " ، فيكون " أنفسكم " أنفس القبيلين على تغليب المخاطبين . " ناراً وقودها الناس والحجارة " ناراً تتقد بهما اتقاد غيرها بالحطب . "عليها ملائكة " تلي أمرها وهو الزبانية . " غلاظ شداد " غلاظ الأقوال شداد الأفال ، أو غلاظ الخلق شداد الخلق أقوياء على الأفعال الشديدة " لا يعصون الله ما أمرهم " فيما مضى . "ويفعلون ما يؤمرون " فيما يستقبل ، أو لا يمتنعون عن قبول الأوامر والتزامها ويؤدون ما يؤمرون به .
6. O ye who believe! Ward off from yourselves and your families a Fire whereof the fuel is men and stones, over which are set angels strong, severe, who resist not Allah in that which He commandeth them, but do that which they are commanded.
6 - O ye who believe! Save yourselves and your families from a Fire whose fuel is Men and Stones, over which are (appointed) angels stern (and) severe, who flinch not (from executing) the Commands they receive from God, but do (precisely) what they are commanded.