[المنافقون : 3] ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ
3 - (ذلك) أي سوء عملهم (بأنهم آمنوا) باللسان (ثم كفروا) بالقلب أي استمروا على كفرهم به (فطبع) ختم (على قلوبهم) بالكفر (فهم لا يفقهون) الإيمان
بقول تعالى ذكره : إنهم ساء ما كانوا يعملون هؤلاء المنافقون الذين اتخذوا أيمانهم جنة من أجل أنهم صدقوا الله ورسوله ، ثم كفروا بشكهم في ذلك وتكذيبهم به .
وقوله " فطبع على قلوبهم " يقول : فجعل الله على قلوبهم ختماً بالكفر عن الإيمان ، وقد بينا في موضع غير هذا صفة الطبع على القلب بشواهدها ، وأقوال أهل العلم ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع .
وقوله " فهم لا يفقهون " يقول تعالى ذكره : فهم لا يفقهون صواباً من خطأ وحقاً من باطل ، لطبع الله على قلوبهم .
وكان قتادة يقول في ذلك ما :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ن قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون " أقروا بلا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقلوبهم منكرة تأبى ذلك .
قوله تعالى: " ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون ".
هذا إعلام من الله تعالى بأن المنافق كافر. أي أقروا باللسان ثم كفروا بالقلب وقيل: نزلت الآية في قوم آمنوا ثم ارتدوا " فطبع على قلوبهم " أي ختم عليها بالكفر " فهم لا يفقهون " الإيمان ولا الخير. وقرأ زيد بن على فطبع الله على قلوبهم.
يقول تعالى مخبراً عن المنافقين أنهم إنما يتفوهون بالإسلام إذا جاءوا النبي صلى الله عليه وسلم, فأما في باطن الأمر فليسوا كذلك بل على الضد من ذلك, ولهذا قال تعالى: "إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله" أي إذا حضروا عندك واجهوك بذلك, وأظهروا لك ذلك, وليس كما يقولون, ولهذا اعترض بجملة مخبرة أنه رسول الله فقال: "والله يعلم إنك لرسوله" ثم قال تعالى: "والله يشهد إن المنافقين لكاذبون" أي فيما أخبروا به وإن كان مطابقاً للخارج لأنهم لم يكونوا يعتقدون صحة ما يقولون ولا صدقه, ولهذا كذبهم بالنسبة إلى اعتقادهم.
وقوله تعالى: "اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله" أي اتقوا الناس بالأيمان الكاذبة والحلفان الاثمة ليصدقوا فيما يقولون, فاغتر بهم من لا يعرف جلية أمرهم, فاعتقدوا أنهم مسلمون, فربما اقتدى بهم فيما يفعلون وصدقهم فيما يقولون, وهم من شأنهم أنهم كانوا في الباطن لا يألون الإسلام وأهله خبالاً, فحصل بهذا القدر ضرر كبير على كثير من الناس, ولهذا قال تعالى: "فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون" ولهذا كان الضحاك بن مزاحم يقرؤها " اتخذوا أيمانهم جنة " أي تصديقهم الظاهر جنة أي تقية يتقون به القتل, والجمهور يقرؤها "أيمانهم" جمع يمين, وقوله تعالى: "ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون" أي إنما قدر عليهم النفاق لرجوعهم عن الإيمان إلى الكفران, واستبدالهم الضلالة بالهدى, فطبع الله على قلوبهم فهم لايفقهون. أي فلا يصل إلى قلوبهم هدى ولا يخلص إليها خير فلا تعي ولا تهتدي.
وقوله تعالى: "وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم" أي وكانوا أشكالاً حسنة وذوي فصاحة وألسنة, وإذا سمعهم السامع يصغي إلى قولهم لبلاغتهم, وهم مع ذلك في غاية الضعف والخور والهلع والجزع والجبن, ولهذا قال تعالى: " يحسبون كل صيحة عليهم " أي كلما وقع أمر أو كائنة أو خوف يعتقدون لجبنهم أنه نازل بهم كما قال تعالى: "أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيراً" فهم جهامات وصور بلا معاني, ولهذا قال تعالى: "هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون" أي كيف يصرفون عن الهدى إلى الضلال, وقد قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد, حدثنا عبد الملك بن قدامة الجمحي عن إسحاق بن بكير بن أبي الفرات عن سعيد بن أبي سعيد المقبري, عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن للمنافقين علامات يعرفون بها: تحيتهم لعنة وطعامهم نهبة وغنيمتهم غلول ولا يقربون المساجد إلا هجراً, ولا يأتون الصلاة إلا دبراً, مستكبرين لا يألفون ولا يؤلفون, خشب بالليل صخب بالنهار" وقال يزيد بن مرة: سخب بالنهار.
وفي ساء معنى التعجب والإشارة بقوله: 3- "ذلك" إلى ما تقدم ذكره من الكذب والصد وقبح الأعمال، وهو مبتدأ وخبره "بأنهم آمنوا" أي بسبب أنهم آمنوا في الظاهر نفاقاً "ثم كفروا" في الباطن، أو أظهروا الإيمان للمؤمنين وأظهروا الكفر للكافرين، وهذا صريح في كفر المنافقين، وقيل نزلت الآية في قوم آمنوا ثم ارتدوا. والأول أولى كما يفيده السياق "فطبع على قلوبهم" أي ختم عليها بسبب كفرهم. قرأ الجمهور "فطبع" على البناء للمفعول، والقائم مقام الفاعل الجار والمجرور بعده، وقرأ زيد بن علي على البناء للفاعل، والفاعل ضمير يعود إلى الله سبحانه، ويدل على هذا قراءة الأعمش فطبع الله على قلوبهم "فهم لا يفقهون" ما فيه من صلاحهم ورشادهم وهو الإيمان.
3- "ذلك بأنهم آمنوا"، أقروا باللسان إذا رأوا المؤمنين، "ثم كفروا"، إذا خلوا إلى المشركين، "فطبع على قلوبهم"، بالكفر، "فهم لا يفقهون"، / الإيمان.
3-" ذلك " إشارة إلى الكلام المتقدم أي ذلك القول الشاهد على سوء أعمالهم ، أو إلى الحال المذكورة من النفاق والكذب والاستجنان بالإيمان . " بأنهم آمنوا " بسبب أنهم آمنوا ظاهراً " ثم كفروا " سراً . " آمنوا " إذا رأوا آية " ثم كفروا " حيثما سمعوا من شياطينهم شبهة " فطبع على قلوبهم " حتى تمرنوا على الكفر فاستحكموا فيه . " فهم لا يفقهون " حقيه الإيمان ولا يعرفون صحته .
3. That is because they believed, then disbelieved, therefore their hearts are sealed so that they understand not.
3 - That is because they believed, then they rejected Faith: so a seal was set on their hearts: therefore they understand not.