[المنافقون : 2] اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
2 - (اتخذوا أيمانهم جنة) سترة على أموالهم ودمائهم (فصدوا) بها (عن سبيل الله) أي الجهاد فيه (إنهم ساء ما كانوا يعملون)
يقول تعالى ذكره : اتخذ المنافقون أيمانهم جنة ، وهي حلفهم .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " اتخذوا أيمانهم جنة " أي حلفهم جنة .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله " اتخذوا أيمانهم جنة " قال : يجتنون بها ، قال : ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " اتخذوا أيمانهم جنة " يقول : حلفهم بالله إنهم لمنكم جنة .
وقوله " جنة " : سترة يستترون بها كما يستتر المستجن بجنته في حرب وقتال ، فيمنعون بها أنفسهم وذراريهم وأموالهم ، ويدفعون بها عنها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " جنة " ليعصموا بها دماءهم وأموالهم .
وقوله " فصدوا عن سبيل الله " يقول : فأعرضوا عن دين الله الذي بعث به نبيه صلى الله عليه وسلم وشريعته التي شرعها لخلقه " إنهم ساء ما كانوا يعملون " إن هؤلاء المنافقين الذي اتخذوا أيمانهم جنة ساء ما كانوا يعملون في اتخاذهم أيمانهم جنة ، لكذبهم ونفاقهم ، وغير ذلك من أمورهم .
قوله تعالى " اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون "
فيه ثلاث مسائل: الأولى-: قوله تعالى " اتخذوا أيمانهم جنة " أي سترة. وليس يرجع إلى قوله " نشهد إنك لرسول الله " وإنما يرجع إلى سبب الآية التي نزلت عليه، حسب ما ذكره البخاري والترمذي عن ابن أبي أنه حلف ما قال وقد قال. وقال الضحال: يعني حلفهم بالله
" إنهم لمنكم " وقيل: يعنى بأيمانهم ما أخبر الرب عنهم في سورة براءة إذ قال: " يحلفون بالله ما قالوا ".
الثانية-: من قال أقسم بالله أو أشهد بالله أو أعزم بالله أو أحلف بالله، أو أقسمت بالله أو أشهدت بالله أو أعزمت بالله أو أحلفت بالله، فقال في ذلك كله بالله فلا خلاف أنها يمين. وكذلك عن مالك وأصحابه إن قال: أقسم أو أشهد أو أعزم أو أحلف، ولم يقل بالله، إذا أراد بالله . وإن لم يرد بالله فليس يمين. وحكاه الكيا عن الشافعي، قال الشافعي: إذا قال أشهد بالله ونوى اليمين كان يميناً. وقال أبو حنيفة وأصحابه: قال أشهد بالله لقد كان كذا كان يميناً، ول قال أشهد لقد كان كذا دون النية كان يمينا لهذه الآية، لأن الله تعالى ذكر منهم الشهادة ثم قال " اتخذوا أيمانهم جنة ". وعند الشافعي لا يكون ذلك يميناً وإن نوى اليمين، لأن قوله تعالى: "اتخذوا أيمانهم جنة " ليس يرجع إلى قوله: " قالوا نشهد " وإنما يرجع ما في براءة من قوله تعالى: " يحلفون بالله ما قالوا ".
الثالثة-: قوله تعالى: " فصدوا عن سبيل الله " أي أعرضوا، وهو من الصدود. أو صرفوا المؤمنين عن إقامة حكم الله عليهم من القتل والسبي وأخذ الأموال، فهو من الصد، أو منعوا الناس عن الجهاد بأن يتخلفوا ويقتدي بهم غيرهم. وقيل: فصدوا اليهود والمشركين عن الدخول في الإسلام، بأن يقولوا ها نحن كافرون بهم، ولو كان محمد حقاً لعرف هذا منا، ولجعلنا نكالاً . فبين الله أن حالهم لا يخفى عليه، ولكن حكمه أن من أظهر الإيمان أجرى عليه في الظاهر حكم الإيمان. " إنهم ساء ما كانوا يعملون " أي بئست أعمالهم الخبيثة - من نفاقهم وأيمانهم الكاذبة وصدقهم عن سبيل الله - أعمالاً.

يقول تعالى مخبراً عن المنافقين أنهم إنما يتفوهون بالإسلام إذا جاءوا النبي صلى الله عليه وسلم, فأما في باطن الأمر فليسوا كذلك بل على الضد من ذلك, ولهذا قال تعالى: "إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله" أي إذا حضروا عندك واجهوك بذلك, وأظهروا لك ذلك, وليس كما يقولون, ولهذا اعترض بجملة مخبرة أنه رسول الله فقال: "والله يعلم إنك لرسوله" ثم قال تعالى: "والله يشهد إن المنافقين لكاذبون" أي فيما أخبروا به وإن كان مطابقاً للخارج لأنهم لم يكونوا يعتقدون صحة ما يقولون ولا صدقه, ولهذا كذبهم بالنسبة إلى اعتقادهم.
وقوله تعالى: "اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله" أي اتقوا الناس بالأيمان الكاذبة والحلفان الاثمة ليصدقوا فيما يقولون, فاغتر بهم من لا يعرف جلية أمرهم, فاعتقدوا أنهم مسلمون, فربما اقتدى بهم فيما يفعلون وصدقهم فيما يقولون, وهم من شأنهم أنهم كانوا في الباطن لا يألون الإسلام وأهله خبالاً, فحصل بهذا القدر ضرر كبير على كثير من الناس, ولهذا قال تعالى: "فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون" ولهذا كان الضحاك بن مزاحم يقرؤها " اتخذوا أيمانهم جنة " أي تصديقهم الظاهر جنة أي تقية يتقون به القتل, والجمهور يقرؤها "أيمانهم" جمع يمين, وقوله تعالى: "ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون" أي إنما قدر عليهم النفاق لرجوعهم عن الإيمان إلى الكفران, واستبدالهم الضلالة بالهدى, فطبع الله على قلوبهم فهم لايفقهون. أي فلا يصل إلى قلوبهم هدى ولا يخلص إليها خير فلا تعي ولا تهتدي.
وقوله تعالى: "وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم" أي وكانوا أشكالاً حسنة وذوي فصاحة وألسنة, وإذا سمعهم السامع يصغي إلى قولهم لبلاغتهم, وهم مع ذلك في غاية الضعف والخور والهلع والجزع والجبن, ولهذا قال تعالى: " يحسبون كل صيحة عليهم " أي كلما وقع أمر أو كائنة أو خوف يعتقدون لجبنهم أنه نازل بهم كما قال تعالى: "أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيراً" فهم جهامات وصور بلا معاني, ولهذا قال تعالى: "هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون" أي كيف يصرفون عن الهدى إلى الضلال, وقد قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد, حدثنا عبد الملك بن قدامة الجمحي عن إسحاق بن بكير بن أبي الفرات عن سعيد بن أبي سعيد المقبري, عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن للمنافقين علامات يعرفون بها: تحيتهم لعنة وطعامهم نهبة وغنيمتهم غلول ولا يقربون المساجد إلا هجراً, ولا يأتون الصلاة إلا دبراً, مستكبرين لا يألفون ولا يؤلفون, خشب بالليل صخب بالنهار" وقال يزيد بن مرة: سخب بالنهار.
وقيل الجواب 2- "اتخذوا أيمانهم جنة" وهو بعيد "قالوا نشهد إنك لرسول الله" أكدوا شهادتهم بإن واللام للإشعار بأنها صادرة من صميم قلوبهم من خلوص اعتقادهم، والمراد بالمنافقين عبد الله بن أبي وأصحابه، ومعنى نشهد نحلف، فهو يجري مجرى القسم، ولذلك يلتقى بما يلتقى به القسم، ومن هذا قول قيس بن ذريح:
وأشهد عند الله أني أحبها فهذا لها عندي فما عندها ليا
ومثل نشهد نعلم، فإنه يجري مجرى القسم كما في قول الشاعر:
ولقد علمت لتأتين منيتي إن المنايا لا تطيش سهامها
وجمله "والله يعلم إنك لرسوله" معترضة مقررة لمضمون ما قبلها، وهو ما أظهروه من الشهادة، وإن كانت بواطنهم على خلاف ذلك "والله يشهد إن المنافقين لكاذبون" أي في شهادتهم التي زعموا أنها من صميم القلب وخلوص الاعتقاد، لا إلى منطوق كلامهم، وهو الشهادة بالرسالة، فإنه حق. والمعنى: "والله يشهد إنهم لكاذبون" فيما تضمنه كلامهم من التأكيد الدال على أن شهادتهم بذلك صادرة عن خلوص اعتقاد وطمأنينة قلب وموافقة باطن لظاهر "اتخذوا أيمانهم جنة" أي جعلوا حلفهم الذي حلفوا لكم به إنهم لمنكم وإن محمداً لرسول الله وقاية تقيهم منكم وسترة يستترون بها من القتل والأسر، والجملة مستأنفة لبيان كذبهم وحلفهم عليه، وقد تقدم قول من قال إنها جواب الشرط. قرأ الجمهور "أيمانهم" بفتح الهمزة، وقرأ الحسن بكسرها، وقد تقدم تفسير هذا في سورة المجادلة "فصدوا عن سبيل الله" أي منعوا الناس عن الإيمان والجهاد وأعمال الطاعة بسبب ما يصدر منهم من التشكيك والقدح في النبوة. وهذا معنى الصد الذي بمعنى الصرف، ويجوز أن يكون من الصدود: أي أعرضوا عن الدخول في سبيل الله وإقامة أحكامه "إنهم ساء ما كانوا يعملون" من النفاق والصد.
2- "اتخذوا أيمانهم جنةً"، سترة، "فصدوا عن سبيل الله"، منعوا الناس عن الجهاد والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم.
"إنهم ساء ما كانوا يعملون".
2-" اتخذوا أيمانهم " حلفهم الكاذب أو شهادتهم هذه ، فإنها تجري مجرى الحلف في التوكيد ، وقرئ إيمانهم " جنةً " وقاية من القتل والسبي " فصدوا عن سبيل الله " صداً أو صدوداً . " إنهم ساء ما كانوا يعملون " من نفاقهم وصدهم .
2. They make their faith a pretext that they may turn (men) from the way of Allah. Verily evil is that which they are wont to do,
2 - They have made their oaths a screen (for their misdeeds): thus they obstruct (men) from the Path of God: truly evil are their deeds.