[الصف : 2] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ
2 - (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون) في طلب الجهاد (ما لا تفعلون) إذ انهزمتم باحد
أخرج الترمذي والحاكم وصححه عن عبد الله بن سلام قال قعدنا نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتذاكرنا فقلنا لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لعلمناه فأنزل الله سبح لله ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فقرآها علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ختمها ك وأخرج ابن جرير عن ابن عباس نحوه
ك وأخرج عن أبي صالح قال قالوا لو كنا نعلم أي الأعمال أحب إلى الله وأفضل فنزلت يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة الآية فكرهوا الجهاد فنزلت يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفهلون ك وأخرج ابن ابي حاتم من طريق علي عن ابن عباس نحوه
وقوله : " يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون " يقول تعالى ذكره : يا أيها الذين آمنوا وصدقوا الله ورسوله ، لم تقولون القول الذي لا تصدقونه بالعمل ، فأعمالكم مخالفة أقوالكم .
فيه خمس مسائل :
الأولى - : قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون "روى الدارمي أبو محمد في مسندة أخبرنا محمد بن كثيرعن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عبد الله بن سلام قال :
قعدنا تفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتذاكرنا فقلنا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله تعالى لعملناه ، فأنزل الله تعالى : " سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم * يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون " حتى ختمها .قال عبد الله فقرأها علينا رسول الله صلى الله عله وسلم حتى ختمها .قال أبو سلمة : فقرأها علينان ابن سلام . قال يحيى : فقرأها علينا أبو سلمة وقرأها علنا يحيى وقرأها علينا الأوزاعي وقرأها علينا محمد .وقال ابن عباس قال عبد الله بن رواحة لوعلمنا أحب الأعمال إلى الله لعملناه .
فلما نزل الجهاد كرهوه . وقال المؤمنون يا رسول الله ،لونعلم أحب الأعمال إلى الله لسارعنا إليها ، فنزلت " هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم " فمكثوا زمانا يقولون : لو نعلم ما هي لاشتريناها بالأموال والانفس والاهلين ، فدلهم الله تعالى عليها بقوله : " تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم " الآية .فابتلوا يوم أحد ففروا ، فنزلت تعيرهم بترك الوفاء .وقال محمد بن كعب : لما أخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بثواب شهداء بدر قالت الصحابة :اللهم اشهد ! لئن لقينا قتالا لنفرغن فيه وسعنا ، ففروا يوم أحد فعيرهم الله بذلك .وقال قتادة و الضحاك نزلت في قوم كانوا يقولون : نحن جاهدنا وأبلينا ول يفعلوا .
" وقال صهيب : كان رجل قد آذى المسلمين يوم بدر وأنكهم فقتلته . فقال رجل يا يبي الله ،إني قتلت فلانا ، ففرح النبي صلى الله عليه وسلم بذلك . فقال عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف : ياصهيب أما أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنك قتلت فلانا ! فإن فلانا انتحل قتله ، فأخبره فقال : أذلك يا أبا يحيى ؟ قال نعم ، والله يا رسول الله ، فنزلت الآية في المنتحل" .وقال ابن زيد : نزلت في المنافقين ، كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه :إن خرجتم وقاتلتم خرجنا معكم وقاتلنا ، فلما خرجوا نكصوا عنهم وتخلفوا .
الهانية -: هذه الآية توجب على كل من ألزم نفسه عملا فيه طاعة أن يفي بها .وفي صحيح مسلم عن أبي موسى أنه بعث إلى قراء أهل البصرة قدخل عليه ثلثمائة رجل قد قرءوا القرآن ،فقال أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم ،فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فنقسوا قلوبكم كما قست قلوت من كان قبلكن .وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة بـبراءة فأنسيتها ، غير أني قد حفظت منها لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب .وكنا نقرأ سورة كنا كنا نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها ، غير أني حفظت منها " يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون " فثابت ف يالدين لفظا ومعنى في هذه السورة .وأما قوله : شهادة في أعناقكم قتسألون عنها يوم القيامة فمعنى ثابت في الدين ، فإن من التزم شيئا لزمه شراعا . والمتزم على قسمين :أحدهما - النذر ،وهو على قسمين ،نذر تقرب مبتدأ كقوله : لله علي صلاة وصوم وصدقة ، ونحوه من القرب . فهذا يلزم الوفاء به إجماعا .ونذر مباح وهو ما علق بشرط رغبة ، كقوله : إن قدم غائبي فعلي صدقة ، أو علق بشرط رهبة ، كقوله : إن كفاني الله شر كذا فعلي صدقة . فاختلف العلماء فيه ،فقال مالك و أبو حنيفة : يلزمه الوفاء به . وقال الشافعي في أحد أقوله :إنه لا يلزمه الوفاء به . وعموم الآية حجة لنا ، لأنها بمطلقها تتناول ذمم من قال ما لا يفعله على أي وجه كان من مطلق أو مقيد بشرط .وقد قال أصحابه : إن النذر إنما يكون بما القصد من ه القربة مما هو من جنس القربة وهذا وإن كان من جنس القربة لكنه لم يقصد به القربة ، وإنما قصد منع نفسه عن فعل أو الإقدام على فعل . قلنا : القرب الشرعية مشقات وكلف وإن كانت قربات . وهذا تكلف التزام هذه القربة بمشقة لجلب نفع أو دفع ضر ، فلم يخرج عن سنن التكليف ولا زال عن قصد التقرب . قال ابن العربي : فإن كان المقول منه وعدا فلا يخلو أن يكون منوطا بسبب كقوله : إن تزوجت أعنتك بدينار أو ابتعت حاجتك كذا أعطيك كذا .فهذا لازم إجماعا من الفقهاء . وغن كان وعدا مجردا فقيل يلزم بتعلقه . وتعلقوا بسبب ألآية ، فإنه روي أنهم كانوا يقولون لو نعلم أي الأعمال أفضل أو أحب إلى الله لعملناه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية .وهوحديث لا بأس به . وقد روي عن مجاهد أن عبد الله بن رواحة لما سمعها قال : لا أزال حبيسا في سبيل الله حتى أقتل والصحيح عندي : أن الوعد يجب الوفاء به علىكل حال إلا لعذر .
قلت : قال مالك : فأما العدة مثل أن يسأل الرجل أن يهب له الهبة فيقول له نعم ، ثم يبدو له ألا يفعل فما أرى ذلك يلزمه . وقال ابن القاسم : إذا وعد الغرماء فقال : اشهدكم أني قد وهبت لهمن أن يؤدي إليكم ، فإن هذا يلزمه . وأما أن يقول نعم أنا أفعل ،ثم يبدو له ،فلا أرى عليه ذلك .
قلت : أي لا يقضي عليه بذلك ،فأما في مكارم الأخلاق وحسن المرؤءة فنعم .وقد أثنى الله تعالى على من صدق وعده ووفى بنذره فقال : " والموفون بعهدهم إذا عاهدوا " [البقرة : 177 ] ،وقال تعالى : " واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد " [مريم : 54 ] وقد تقدم بنانه .
الثالثة -: قال النخعي ثلاث آيا ت منعتني أن أقص على الناس " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم " [البقرة : 44 ] " وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه " [هود : 88 ] ،" يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون " .وخرج أبو نعيم الحافظ من حديث مالك بن دينار عن ثمامة أن أنس بن مالك قال :
"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتيت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بماقارض من نار كلما قرحضت وفت قلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلا ء خطباء أمتك الذين يقولون ولا يفعلون ويقرءون كتاب الله ولا يعملون ." وعن بعض السلف أنه قيل له : حدثنا ، فسكت . ثم قيل له : حدثنا . فقال : أترونني أن أقول ما لا أفعل فأستعجل مقت الله ‍ !
الرابعة -: قوله تعالى : "لم تقولون ما لا تفعلون " استفهام على جهة الإنكار والتوبيخ ،علىأن يقول الإنسان عن نفسه من الخير ما لا يفعله .أما في الماضي فيكون كذبا وأما في المستقبل فيكون خلفا ، وكلاهما مذموم . وتأويل سفيان بن عيينة قوله تعالى : " لم تقولون ما لا تفعلون " أي لم تقولون ما ليس الأمر فيه إليكم ،فلا تدرون هل تفعلون أولا تفعلون . فعلى هذا يكون الكلام محمولا على ظاهره في إنكار القول .
قد تقدم الكلام على قوله تعالى: "سبح لله ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم" غير مرة بما أغنى عن إعادته. وقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون" إنكار على من يعد وعداً أو يقول قولاً لا يفي به, ولهذا استدل بهذه الاية الكريمة من ذهب من علماء السلف إلى أنه يجب الوفاء بالوعد مطلقاً, سواء ترتب عليه عزم الموعود أم لا, واحتجوا أيضاً من السنة بما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "آية المنافق ثلاث إذا وعد أخلف, وإذا حدث كذب, وإذا اؤتمن خان". وفي الحديث الاخر في الصحيح "أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها" فذكر منهن إخلاف الوعد, وقد استقصينا الكلام على هذين الحديثين في أول شرح البخاري ولله الحمد والمنة, ولهذا أكد الله تعالى هذا الإنكار عليهم بقوله تعالى: "كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون".
وقد روى الإمام أحمد وأبو داود عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا صبي فذهبت لأخرج لألعب فقالت أمي: يا عبد الله تعال أعطك فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما أردت أن تعطيه ؟" قالت: تمراً. فقال: "أما إنك لو لم تفعلي كتبت عليك كذبة" وذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى إلى أنه إذا تعلق بالوعد غرم على الموعود وجب الوفاء به كما لو قال لغيره تزوج ولك علي كل يوم كذا فتزوج وجب عليه أن يعطيه ما دام كذلك, لأنه تعلق به حق آدمي وهو مبني على المضايقة, وذهب الجمهور إلى أنه لا يجب مطلقاً, وحملوا الاية على أنها نزلت حين تمنوا فريضة الجهاد عليهم فلما فرض نكل عنه بعضهم كقوله تعالى: " ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا * أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ".
وقال تعالى: "ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة ؟ فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت" الاية. وهكذا هذه الاية معناها كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون" قال: كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون لوددنا أن الله عز وجل دلنا على أحب الأعمال إليه فنعمل به, فأخبر الله نبيه أن أحب الأعمال إيمان به لا شك فيه, وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقروا به, فلما نزل الجهاد كره ذلك ناس من المؤمنين وشق عليهم أمره فقال الله سبحانه وتعالى: " يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون " وهذا اختيار ابن جرير: وقال مقاتل بن حيان: قال المؤمنون لو نعلم أحب الأعمال إلى الله لعملنا به, فدلهم الله على أحب الأعمال إليه فقال: "إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً" فبين لهم فابتلوا يوم أحد بذلك, فولوا عن النبي صلى الله عليه وسلم مدبرين فأنزل الله في ذلك "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون" وقال: أحبكم إلي من قاتل في سبيلي.
ومنهم من يقول: أنزلت في شأن القتال, يقول الرجل قاتلت ولم يقاتل وطعنت ولم يطعن وضربت ولم يضرب وصبرت ولم يصبر. وقال قتادة والضحاك: نزلت توبيخاً لقوم كانوا يقولون قتلنا وضربنا وطعنا وفعلنا, ولم يكونوا فعلوا ذلك. وقال ابن زيد: نزلت في قوم من المنافقين كانوا يعدون المسلمين النصر ولا يفون لهم بذلك, وقال مالك عن زيد بن أسلم " لم تقولون ما لا تفعلون " قال: في الجهاد. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد " لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون * إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص " فما بين ذلك في نفر من الأنصار فيهم عبد الله بن رواحة قالوا في مجلس لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لعملنا بها حتى نموت فأنزل الله تعالى هذا فيهم, فقال عبد الله بن رواحة لا أبرح حبيساً في سبيل الله حتى أموت, فقتل شهيداً.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا فروة بن أبي المغراء, حدثنا علي بن مسهر عن داود بن أبي هند, عن أبي حرب بن أبي الأسود الديلي عن أبيه قال: بعث أبو موسى إلى قراء أهل البصرة, فدخل عليه منهم ثلثمائة رجل كلهم قد قرأ القرآن, فقال أنتم قراء أهل البصرة وخيارهم. وقال كنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيناها غير أني قد حفظت منها "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون" فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة ولهذا قال تعالى: "إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص" فهذا إخبار من الله تعالى بمحبته عباده المؤمنين إذا صفوا مواجهين لأعداء الله في حومة الوغى, يقاتلون في سبيل الله من كفر بالله لتكون كلمة الله هي العليا ودينه هو الظاهر العالي على سائر الأديان.
وقال الإمام أحمد: حدثنا علي بن عبد الله, حدثنا هشيم, أخبرنا مجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة يضحك الله إليهم: الرجل يقوم من الليل, والقوم إذا صفوا للصلاة, والقوم إذا صفوا للقتال" ورواه ابن ماجه من حديث مجالد عن أبي الوداك جبر بن نوف به وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين حدثنا الأسود يعني ابن شيبان حدثني يزيد بن عبد الله بن الشخير قال: قال مطرف كان يبلغني عن أبي ذر حديث كنت أشتهي لقاءه فلقيته, فقلت يا أبا ذر كان يبلغني عنك حديث فكنت أشتهي لقاءك, فقال: لله أبوك فقد لقيت فهات, فقلت كان يبلغني عنك أنك تزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثكم أن الله يبغض ثلاثة ويحب ثلاثة, قال أجل فلا إخالني أكذب على خليلي صلى الله عليه وسلم قلت فمن هؤلاء الثلاثة الذين يحبهم الله عز وجل ؟ فقال: رجل غزا في سبيل الله خرج محتسباً مجاهداً فلقي العدو فقتل وأنتم تجدونه في كتاب الله المنزل ثم قرأ "إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص" وذكر الحديث هكذا أورد هذا الحديث من هذا الوجه بهذا السياق, وهذا اللفظ واختصره, وقد أخرجه الترمذي والنسائي من حديث شعبة عن منصور بن المعتمر عن ربعي بن حراش عن زيد بن ظبيان عن أبي ذر بأبسط من هذا السياق وأتم, وقد أوردناه في موضع آخر ولله الحمد.
وعن كعب الأحبار أنه قال: يقول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: "عبدي المتوكل المختار ليس بفظ ولا غليط ولا صخاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر, مولده بمكة وهجرته بطابة وملكه الشام وأمته الحمادون يحمدون الله على كل حال, وفي كل منزلة لهم دوي كدوي النحل في جو السماء بالسحر, يوضون أطرافهم ويأتزرون على أنصافهم صفهم في القتال مثل صفهم في الصلاة" ثم قرأ "إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص" رعاة الشمس يصلون الصلاة حيث أدركتهم لو على ظهر دابة. رواه ابن أبي حاتم. وقال سعيد بن جبير في قوله تعالى: "إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً" قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقاتل العدو إلا أن يصافهم, وهذا تعليم من الله للمؤمنين. قال وقوله تعالى: "كأنهم بنيان مرصوص" أي ملتصق بعضه في بعض من الصف في القتال, وقال مقاتل بن حيان: ملتصق بعضه إلى بعض, وقال ابن عباس "كأنهم بنيان مرصوص" مثبت لا يزول ملصق بعضه ببعض.
وقال قتادة "كأنهم بنيان مرصوص" ألم تر إلى صاحب البنيان كيف لا يحب أن يختلف بنيانه. فكذلك الله عز وجل لا يحب أن يختلف أمره وإن الله صف المؤمنين في قتالهم وصفهم في صلاتهم, فعليكم بأمر الله فإنه عصمة لمن أخذ به, أورد ذلك كله ابن أبي حاتم, وقال ابن جرير: حدثني سعيد بن عمرو السكوني, حدثنا بقية بن الوليد عن أبي بكر بن أبي مريم عن يحيى بن جابر الطائي عن أبي بحرية قال: كانوا يكرهون القتال على الخيل ويستحبون القتال على الأرض لقول الله عز وجل: "إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص" قال: وكان أبو بحرية يقول: إذا رأيتموني ألتفت في الصف فجئوا في لحيي.
2- " يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون " هذا الاستفهام للتقريع والتوبيخ: أي لم تقولون من الخير ما لا تفعلونه، ولم مركبة من اللام الجارة، وما الاستفهامية، وحذفت ألفها تخفيفاً لكثرة استعمالها كما في نظائرها.
2- "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون"، قال المفسرون: إن المؤمنين قالوا: لو علمنا أحب الأعمال إلى الله عز وجل لعملناه، ولبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا. فأنزل الله عز وجل: "إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً" فابتلوا بذلك يوم أحد فولوا مدبرين، فأنزل الله تعالى "لم تقولون ما لا تفعلون"؟
وقال محمد بن كعب: لما أخبر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بثواب شهداء بدر، قالت الصحابة لئن لقينا بعده قتالاً لنفرغن فيه وسعنا، ففروا يوم أحد فعيرهم الله بهذه الآية.
وقال قتادة والضحاك: نزلت في شأن القتال، كان الرجل يقول: قاتلت ولم يقاتل، وطعنت ولم يطعن، وضربت ولم يضرب، فنزلت هذه الآية.
قال ابن زيد: نزلت في المنافقين كانوا يعدون النصر للمؤمنين وهم كاذبون.
2-" يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون " روي أن المسلمين قالوا :لو علمنا أحب الأعمال إلى الله تعالى لبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا فأنزل الله " إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً " فولوا يوم أحد فنزلت . و " لم " مركبة من لام الجر وما الاستفهامية والأكثر على حذف ألفها مع حرف الجر لكثرة استعمالها معاً واعتناقها في الدلالة على المستفهم عنه .
2. O ye who believe! why say ye that which ye do not?
2 - O ye who believe! Why say ye that which ye do not?