[الممتحنة : 6] لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ
6 - (لقد كان لكم) يا أمة محمد جواب قسم مقدر (فيهم أسوة حسنة لمن كان) بدل اشتمال من كم بإعادة الجار (يرجو الله واليوم الآخر) أي يخافهما أو يظن الثواب والعقاب (ومن يتول) بأن يوالي الكفار (فإن الله هو الغني) عن خلقه (الحميد) لأهل طاعته
وقوله : " لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة " يقول تعالى ذكره لقد كان لكم أيها المؤمنون قدوة حسنة في الذين ذكرهم إبراهيم والذين معه من الأنبياء صلوات الله عليهم والرسل " لمن كان يرجو الله واليوم الآخر " يقول : لمن كان منكم يرجو لقاء الله ، وثواب الله ، والنجاة في اليوم الآخر .
وقوله " ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد " يقول تعالى ذكره : ومن يتول عما أمره الله به وندبه إليه منكم ومن غيركم ، فأعرض عنه وأدبر مستكبراً ، ووالى أعداء الله ، وألقى إليهم بالمودة ، فإن الله هو الغني عن إيمانه به ، وطاعته إياه ، وعن جميع خلقه ، الحميد عند أهل المعرفة بأياديه وآلائه عندهم .
قوله تعالى : " لقد كان لكم فيهم " أي في إبراهيم ومن معه من الأنبياء والأولياء ، " أسوة حسنة " أي في التبرؤ من الكفار ، وقيل : كرر للتأكيد ، وقيل : نزل الثاني بعد الأول بمدة ، وما أكثر المكررات في القرآن على هذا الوجه ، " ومن يتول " أي عن الإسلام وقبول هذه المواعظ " فإن الله هو الغني " أي لم يتعبدهم لحاجته إليهم ، " الحميد " في نفسه وصفاته .
يقول تعالى لعباده المؤمنين الذين أمرهم بمصارمة الكافرين وعداوتهم ومجانبتهم والتبري منهم: "قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه" أي وأتباعه الذين آمنوا معه " إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم " أي تبرأنا منكم "ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم" أي بدينكم وطريقكم " وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا " يعني وقد شرعت العداوة والبغضاء من الان بيننا وبينكم, مادمتم على كفركم فنحن أبداً نتبرأ منكم ونبغضكم "حتى تؤمنوا بالله وحده" أي إلى أن توحدوا الله فتعبدوه وحده لا شريك له وتخلعوا ما تعبدون معه من الأوثان والأنداد. وقوله تعالى: "إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك" أي لكم في إبراهيم وقومه أسوة حسنة تتأسون بها إلا في استغفار إبراهيم لأبيه, فإنه إنما كان عن موعدة وعدها إياه, فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه, وذلك أن بعض المؤمنين كانوا يدعون لابائهم الذين ماتوا على الشرك ويستغفرون لهم ويقولون إن إبراهيم كان يستغفر لأبيه, فأنزل الله عز وجل " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم * وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم ".
وقال تعالى في هذه الاية: " قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء " أي ليس لكم في ذلك أسوة أي في الاستغفار للمشركين هكذا قال ابن عباس ومجاهد وقتادة ومقاتل بن حيان والضحاك وغير واحد.
ثم قال تعالى مخبراً عن قول إبراهيم والذين معه حين فارقوا قومهم وتبرءوا منهم, فلجأوا إلى الله وتضرعوا إليه فقالوا "ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير" أي توكلنا عليك في جميع الأمور وسلمنا أمورنا إليك وفوضناها إليك وإليك المصير أي المعاد في الدار الاخرة "ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا" قال مجاهد: معناه لا تعذبنا بأيديهم ولا بعذاب من عندك فيقولوا: لو كان هؤلاء على حق ما أصابهم هذا, وكذا قال الضحاك, وقال قتادة: لا تظهرهم علينا فيفتنونا بذلك يرون أنهم إنما ظهروا علينا لحق هم عليه, واختاره ابن جرير, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: لا تسلطهم علينا فيفتنونا.
وقوله تعالى: "واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم" أي واستر ذنوبنا عن غيرك واعف عنها فيما بيننا وبينك "إنك أنت العزيز" أي الذي لا يضام من لاذ بجنابك "الحكيم" في أقوالك وأفعالك وشرعك وقدرك ثم قال تعالى: " لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر " وهذا تأكيد لما تقدم ومستثنى منه ما تقدم أيضاً لأن هذه الأسوة المثبتة ههنا هي الأولى بعينها, وقوله تعالى: " لمن كان يرجو الله واليوم الآخر " تهييج إلى ذلك لكل مؤمن بالله والمعاد, وقوله تعالى: "ومن يتول" أي عما أمر الله به "فإن الله هو الغني الحميد" كقوله تعالى: "إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً فإن الله لغني حميد" وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: الغني الذي قد كمل في غناه وهو الله, هذه صفته لا تنبغي إلا له ليس له كفء وليس كمثله شيء سبحان الله الواحد القهار الحميد المستحمد إلى خلقه أي هو المحمود في جميع أقواله وأفعاله لا إله غيره ولا رب سواه.
6- " لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة " أي لقد كان لكم في إبراهيم والذين معه قدوة حسنة، وكرر هذا للمبالغة والتأكيد. وقيل إنهذا نزل بعد الأول بمدة "لمن كان يرجو الله واليوم الآخر" بدل من قوله لكم بدل بعض من كل. والمعنى: أن هذه الأسوة إنما تكون لمن يخاف الله ويخاف عقاب الآخرة، أو يطمع في الخير من الله في الدنيا وفي الآخرة "ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد" أي يعرض عن ذلك، فإن الله هو الغني عن خلقه الحميد إلى أوليائه.
6- "لقد كان لكم فيهم"، أي في إبراهيم ومن معه "أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر"، هذا بدل من قوله "لكم"، وبيان أن هذه الأسوة لمن يخاف الله ويخاف عذاب الآخرة، "ومن يتول"، يعرض عن الإيمان ويوال الكفار، "فإن الله هو الغني"، عن خلقه، "الحميد"، إلى أوليائه وأهل طاعته.
6-" لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة " تكرير لمزيد على التأسي بإبراهيم ولذلك صدر بالقسم وأبدل قوله : " لمن كان يرجو الله واليوم الآخر " من " لكم " فإنه يدل على أنه لا ينبغي لمؤمن أن يترك التأسي بهم ، وإن تركه مؤذن بسوء العقيدة ولذلك عقبه بقوله : " ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد " فإنه جدير بأن يوعد به الكفرة .
6. Verily ye have in them a goodly pattern for everyone who looketh to Allah and the Last Day. And whosoever may turn away, lo! still Allah, He is the Absolute, the Owner of Praise.
6 - There was indeed in them an excellent example for you to follow, for those whose hope is in God and in the Last Day. But if any turn away, truly God is Free of all wants, Worthy of all Praise.