[الممتحنة : 12] يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
12 - (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن) كما كان يفعل في الجاهلية من وأد البنات أي دفنهن أحياء خوف العار والفقر (ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن) أي بولد ملقوط ينسبنه إلى الزوج ووصف بصفة الولد الحقيقي فإن الأم إذا وضعته سقط بين يديها ورجليها (ولا يعصينك في) فعل (معروف) هو ما وافق طاعة الله كترك النياحة وتمزيق الثياب وجز الشعور وشق الجيب وخمش الوجه (فبايعهن) فعل ذلك صلى الله عليه وسلم بالقول ولم يصافح واحدة منهن (واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم)
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : " يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات " بالله " يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن " يقول : ولا يأتين بكذب يكذبنه في مولود يوجد بين أيديهن وأرجلهن ، وإنما معنى الكلام : ولا يلحقن بأزواجهن غير أولادهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله " ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن " يقول : لا يلحقن بأزواجهن غير أولادهم .
وقوله : " ولا يعصينك في معروف " يقول : ولا يعصينك يا محمد في معروف من أمر الله عز وجل تأمرهن به ، وذكر أن ذلك المعروف الذي شرط عليهن أن لا يعصين رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه هو النياحة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثنا معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله " ولا يعصينك في معروف " يقول : لا ينحن .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا عبد الله بن المبارك ، عن سفيان ، عن منصور ، عن سالم بن أبي الجعد " ولا يعصينك في معروف " ، قال : النوح .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن سالم بن أبي الجعد ، مثله .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن سالم ، مثله .
حدثنا محمد بن عبيد المحاربي ، قال : ثنا موسى بن عمير ، عن أبي صالح ، في قوله " ولا يعصينك في معروف " قال : في نياحة .
حدثنا ابن حميد ، قال ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن سالم بن أبي الجعد " ولا يعصينك في معروف " قال : النوح .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن زيد بن أسلم ، " ولا يعصينك في معروف " قال : لا يخدشن وجهاً ، ولا يشققن جيباً ، ولا يدعون ويلاً ، ولا ينشدن شعراً .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : كانت محنة النساء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : قل لهن : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئاً ، وكانت هند بنت عتبة بن ربيعة التي شقت بطن حمزة رحمة الله عليه متنكرة في النساء ، فقالت : إني لا أتكلم يعرفني ، وإن عرفني قتلني ، وإنما تنكرت فرقاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسكت النسوة اللاتي مع هند ، وأبين أن يتكلمن ، قالت هند وهي متنكرة : كيف يقبل من النساء شيئاً لم يقبله من الرجال ؟ فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم : وقال لعمر : قل لهن ولا يسرقن ، قالت هند : والله إني لأصيب من أبي سفيان الهنات ، ما أدري أيحلهن لي أم لا ، قال أبو سفيان : ما أصبت من شيء مضى ، أو قد بقي ، فهو لك حلال ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفها ، فدعاها فأتته ، فأخذت بيده ، فعاذت به ، فقال : أنت هند ؟ فقالت : عفا الله عما سلف ، فصرف عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " ولا يزنين " فقالت : يا رسول الله وهل تزني الحرة ؟ قال : ولا والله ما تزني الحرة ، قال : " ولا يقتلن أولادهن " قالت هند : أنت قتلتهم يوم بدر فأنت وهم أبصر ، قال : " ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف " قال : منعهن أن ينحن ، وكان أهل الجاهلية يمزقن الثياب ويخدشن الوجوه ، ويقطعن الشعور ، ويدعون بالثبور والويل .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك " حتى بلغ " فبايعهن " ذكر لنا "أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أخذ عليهن يومئذ النياحة ، ولا تحدثن الرجال ، إلا رجلاً منكن محرماً ، فقال عبد الرحمن بن عوف ، يا نبي الله إن لنا أضيافاً ، وإنا نغيب عن نسائنا ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس أولئك عنيت ".
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " ولا يعصينك في معروف " قال : هو النوح أخذ عليهن لا ينحن ، ولا يخلون بحديث الرجال إلا مع ذي محرم ، قال : فقال عبد الرحمن بن عوف : إنا نغيب ويكون لنا أضياف ، قال : ليس أولئك عنيت .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا سليمان ، قال : أخبرنا أبو هلال ، قال : ثنا قتادة ، في قوله " ولا يعصينك في معروف " قال : لا يحدثن رجلاً .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني ابن عياش ، عن سليمان بن سليمان عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : " جاءت أميمة بنت رقيقة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تبايعه على الإسلام ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئاً ، ولا تسرقي ولا تزني ، ولا تقتلي ولدك ، ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك ، ولا تنوحي ولا تبرجي تبرج الجاهلية الأولى " .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن محمد بن المنكدر ، عن أميمة بنت رقيقة ، قالت : جاءت نسوة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبايعنه ، فقال : فيما استطعن وأطلقن فقلن : الله ورسوله أرحم بنا منا بأنفسنا .
حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : ثنا أبي و شعيب بن الليث ، عن الليث ، قال ثنا خالد بن يزيد ، عن ابن أبي هلال ، عن ابن المنكدر : أن أميمة أخبرته أنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة ، فقلن : يا رسول الله ابسط يدك نصافحك ، فقال : إني لا أصافح النساء ، ولكن سآخذ عليكن ، فأخذ علينا حتى بلغ " ولا يعصينك في معروف " فقال فيما أطلقتن واستطعتن فقلن : الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا هارون ، عن عمرو ، عن عاصم ، عن ابن سيرين ، عن أم عطية الأنصارية ، قالت : كان فيما اشترط علينا من المعروف حين بايعنا أن لا ننوح ، فقالت امرأة من بني فلان : إن بني فلان أسعدوني ، فلا حتى أجزيهم ، فانطلقت فأسعدتهم ، ثم جاءت فبايعت ، قال : فما وفى منهن غيرها وغير أم سليم ابنة ملحان أم أنس بن مالك .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا أبو نعيم ، قال : ثنا عمرو بن فروخ القتات ، قال : ثنا مصعب بن نوح الأنصاري ، قال : أدركت عجوزاً لنا كانت فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت : فأتيته لأبايعه ، فأخذ علينا فيما ولا تنحن ، فقالت عجوز : يا نبي الله إن ناساً قد كانوا أسعدوني على مصائب أصابتني ، وإنهم قد أصابتهم مصيبة ، فأنا أريد أن أسعدهم ، قال : فانطلقي فكافئيهم ، ثم إنها أتت فبايعه ، قال : هو المعروف الذي قال الله " ولا يعصينك في معروف " .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن يزيد مولى الصهباء ، عن شهر بن حوشب ، عن أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في قوله " ولا يعصينك في معروف " قال : النوح .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا يونس ، قال : ثنا محمد بن إسحاق ، عن محمد بن المنكدر ،" عن أميمة بنت رقيقة التيمية ، قالت : بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة من المسلمين ، فقلنا له جئناك يا رسول الله نبايعك على أن لا نشرك بالله شيئاً ، ولا نسرق ولا نزني ، ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ، ولا نعصيك في معروف ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فيما استطعتن وأطقتن ، فقلنا الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا ، فقلنا : بايعنا يا رسول الله ، فقال : اذهبن فقد بايعتكن ، إنما قولي لمئة امرأة كقولي لامرأة واحدة ، وما صافح رسول الله صلى الله عليه وسلم منا أحداً ".
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا يونس بن بكير ، عن عيسى بن عبد الله التميمي ، عن محمد بن المنكدر ، عن أميمة بنت رقيقة خالة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : سمعتها تقول : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذ علينا أن لا نشرك بالله شيئاً ، فذكر مثل حديث محمد بن إسحاق .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن محمد بن المنكدر ، " عن أميمة بنت رقيقة ، قالت : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نساء نبايعه ، قالت : فأخذ علينا النبي صلى الله عليه وسلم بما في القرآن " أن لا يشركن بالله شيئا " ، ثم قال : فيما استطعتن وأطلقتن فقلنا : يا رسول الله ألا تصافحنا ؟ فقال : إني لا أصافح النساء ما قولي لامرأة واحدة إلا كقولي لمئة امرأة" .
حدثنا ابن عبد الرحيم البرقي ، قال : ثنا عمرو بن أبي سلمة ، عن زهير ، عن موسى بن عقبة ، عن محمد بن المنكدر ، عن أميمة بنت رقيقة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " ولا يعصينك في معروف " والمعروف : ما اشترط عليهن في البيعة أن يتبعن أمره .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله " ولا يعصينك في معروف " فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيه وخيرته من خلقه ثم لم يستحل له أمور أمر إلا بشرط لم يقل ولا يعصينك ويترك حتى قال في معروف ، فكيف ينبغي لأحد أن يطاع في غير معروف وقد اشترط الله هذا على نبيه ، قال : فالمعروف أمرهن به في الأمور كلها وينبغي لهن أن لا يعصين .
"حدثنا محمد بن سنان القزاز ، ثنا إسحاق بن إدريس ، ثنا إسحاق بن عثمان بن يعقوب ، قال : ثني إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية ، عن جدته أم عطية ، قالت : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، جمع بين نساء الأنصار في بيت ، ثم أرسل إلينا عمر بن الخطاب ، فقام على الباب فسلم علينا ، فرددن ، أو فرددنا عليه ، ثم قال : أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكن ، قالت : فقلنا مرحباً برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبرسول روسل الله ، فقال : تبايعن على أن لا تشركن بالله شيئاً ، ولا تسرقن ، ولا تزنين ؟ قالت : قلنا نعم ، فمد يده من خارج الباب أو البيت ، ومددنا أيدينا من داخل البيت ، ثم قال : اللهم أشهد ! قالت : وأمرنا في العيدين أن نخرج فيه الحيض والعواتق ، ولا جمعة علينا ، ونهانا عن اتباع الجنازة" قال إسماعيل : فسألت جدتي عن قول الله " ولا يعصينك في معروف " قالت : النياحة .
حدثني محمد بن عبد الرحيم البرقي ، قال : ثنا عمر بن أبي سلمة ، عن زهير ، في قول الله " ولا يعصينك في معروف " قال : لا يخلو الرجل بامرأة .
وقوله " فبايعهن " يقول جل ثناؤه : إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على هذه الشروط ، فبايعهن " واستغفر لهن الله " يقول : سل لهن الله أن يصفح عن ذنوبهن ، ويسترها عليهن بعفوه لهن عنها ، " إن الله غفور رحيم " يقول : إن الله ذو ستر على ذنوب من تاب إليه من ذنوبه أن يعذبه عليها بعد توبته منها .
فيه ثماني مسائل :
الأولى -: قوله تعالى : "يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك " لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة جاء نساء أهل مكة يبايعنه ، فأمر أن يأخذ عليهن ألا يشركن . "وفي صحيح مسلم : عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتحن بقول الله تعالى : " يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن " إلى آخر الآية . قالت عائشة فمن أقرر بهذا من المؤمنات فقد أقرن بالمحنة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقرن بذلك من قولهن قال لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلقن فقد بايعتكن ولا والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط ، غير أنه بايعهن بالكلام . قالت عائشة : ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء قط ، وكان يقول لهن إذا أخذ عليهن قد بايعتكن كلاما ".و"روي أنه عليه الصلاة والسلام بايع النساء وبين يديه وأيديهن ثوب ،كان يشرط عليهن . وقيل : لما فرغ من بيعة الرجال جلس علىالصفا ومع عمر أسفل منه ، فجعل يشترط على النساء البيعة وعمر يصافحهن ". وروي أنه كلف امرأة وقفت على الصفا فبايعتهن . ابن العربي : وذلك ضعيف ، وإنما ينبغي والتعويل على ما في الصحيح .وقالت أم عطية : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جمع نساء الانصار في بيت ثم أرسل إلنا عمر بن الخطاب ،فقام على فسلم فرددن عليه السلام ،فقال : أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكن ، ألا تشركن بالله شيئا . فقلن نعم .فمد يده من خارج البيت ومددنا أيدينا من داخل البيت ، ثم قال : اللهم اشهد . وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بايع النساء دعا بقدح من ماء ، فغمس يده فيه ثم أمر النساء فغمسن أيديهن فيه .
الثانية -: "روي :
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال : على ألا يشركن بالله شيئا " قالت هند بنت عتبة وهي منتقبة خوفا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرفها لما صنعته بحمزة يوم أحد : والله إنك لتأخذ علينا أمرا ما رأتك أخذته على الرجال - كان بايع الرجال يومئذ على الإسلام والجهاد فقط - فقال النبي صلى الله عليه وسلم :ولايسرقن فقالت هند : إن أبا سفيان رجل شحيح وإني أصيب من ماله قولتنا . فقال أبو سفيان : هو لك حلال . فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وعرفها وقال :أنت هند ؟ فقالت : عفا الله عما سلف . ثم قال :ولايزنين فقالت هند :أو تزني الحرة ! ثم قال :ولا يقتلن أولادهن أي لا يئدن الموءدات ولا يسقطن الأجنة .فقالت هند : ربيناهم صغارا وقتلتهم كبارا يوم بدر ، فأنتم وهم أبصر .وروى مقاتل أنها قالت :ربيناهم صغارا وقتلتموهم كبارا ، وأنتم وهم أعلم . فضحك عمر بن الخطاب حتىاستلقى .وكان حنظلة بن أبي سفيان وهو بكرها قتل يوم بدر .ثم قال :" ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف " .قيل :معنى " بين أيديهن " السنتهن بالنميمة .ومعنى بين "وأرجلهن " فروجهن . وقيل : ما كان يبن أيديهن من قبلة أو جسة ، وبين أرجلهن الجماع .وقيل :المعنى لايلحقن برجالهن ولدا من غيرهم . وهذا قول الجمهور .وكانت المرأة تلتقط ولدا فتلحقة بزوجها وتقول :هذا ولدي منك . فكان هذا من البهتان والافتراء .وقيل : ما بين يديها ورجليها كناية عن الولد ، لأن بطنها الذي تحمل فيه الولد بين يديها ، وفرجها الذي تلد منه بين رجليها . وهذا عام في الإتيان بولد وإلحاقه بالزوج وإن سبق النهي عن الزنى . وروي أن هند لما سمعت ذلك قالت : والله إن البهتان لأمر قبيح ، ما تأمر إلا بالأرشد وكارم الأخلاق ! . ثم قال : " ولا يعصينك في معروف " قال قتادة : لا ينحن .ولا تخلو امرأة منهن إلا بذي محرم .وقال سعيد بن المسيب ومحمد بن السائب و زيد بن أسلم : هو ألا يخمشن وجها ،ولا يشققن جيبا ،ولا يدعون ويلا ولا ينشرن شعرا ولا يحدثن الرجال إلا ذا محرم .
" وروت أم عطية عن النبي صلى الله عليه وسلم " ولا يعصينك في معروف " فقال : هو النوح ."
"وقال مصعب بن نوح : أدركت عجوزا ممن بايع النبي صلى الله عليه وسلم ، فحدثتني عنه عليه الصلاة والسلام في قوله " ولا يعصينك في معروف " فقال : النوح ." "وفي صحيح مسلم :
عن أم عطية لما نزلت هذه الآية " يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا " - إلى قوله تعالى : " ولا يعصينك في معروف " قال: كان منه النياحة قالت : فقلت يا رسول الله ، إلا آل فلان فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية ، فلا بد لي من أن اسعدهم .فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إلا أل فلان ."
"وعنها قالت : أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع البعة ألا ننوح ، فما وفت منا امرأة إلا خمس : أم سليم ، وأم العلاء ،وابنة سبرة امرأة معاذ أوابنة أبي سبرة ، وامرأة معاذ "وقيل : إن المعروف ها هنا الطاعة لله ولرسورله ، قاله ميمون بن مهران . وقال بكر بن عبد الله المزني : لا يعصينك في كل أمر فيه رشدهن . الكلبي :هو عام في معروف أمر الله عز وجل ورسوله به . فروي أن هندا قالت عند ذلك : ما جلسنا في مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيئ .
الثالثة - : ذكر الله عز وجل ورسوله عليه الصلاة والسلام في صفة البيعة خصالا شتى، صرح فيهن بأركان النهي في الدين ولم يذكر أركان الأمر . وهي ست أيضا : الشهادة ، والصلاة ،والزكاة ،والصيام ،والحج ،والاغتسال من الجنابة .وذلك لأن النهي دائما في كل زمان وكل الأحوال ، فكان التنبيه على اشتراط الدائم آكد .وقيل : إن هذه المناهي كان في النساء كثير من يرتكبها ولا يحجزهن عنها شرف النسب ،فخصت بالذكر لهذا .ونحو منه .
"قوله عليه الصلاة والسلام لوفد عبد القيس وأنهاكم عن الدباء والحنتم والنقير والمزفت " فنبههم على ترك المعصية في شرب الخمر دون سائر المعاصي ، لأنها كانت شهوتهم وعادتهم ، وإذا ترك المرء شهوته من المعاصي هان عليه ترك سائرها مما لا شهوة فيها .
الرابعة -: لما "قال النبي صلى الله علية وسلم في البيعة :ولا يسرقن قالت هند : يا رسول الله ، إن أبا سفيان رجل مسيك فهل علي حرج أن آخذ ما يكفيني وولدي ؟ قال : لا إلا بالمعروف فخشيت هند أن تقتصر على ما يعطيها فتضيع ، أوتأخذ أكثر من ذلك فتكون سارقة تاكثة للبيعة المذكوة . فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم :لا أي لاحرج عليك فيما اخذت بالمعروف ، " يعني من غير استطالة إلى أكثر من الحاجة .قال ابن العربي وهذا إنما هوفيما لا يخزنه عنها في حجاب ولا يضبط عليه بقفل ، فإنه إذا هتكته الزوجة وأخذت منه كانت سارقة تعصي به وتقطع يدها .
الخامسة - : " قال عبادة بن الصامت :
أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخذ على النساء :ألا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولاتزنوا ولاتقتلوا أولادكم ولا يعضه بعضكم بعضا ولا تعصوا في معروف أمركم به . " معنى يعضه يسحر . والعضه : السحر .ولهاذا قال ابن بحر وغيره في قوله تعالى :" ولا يأتين ببهتان " أنه السحر .وقال الضحاك : هذا نهي عن البهتان ، أي لا يعضهن رجلا ولا امرأة ."ببهتان " أي بسحر .والله أعلم ."يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا " والجمهور علىأن معنى ببهتان بولد يفترينه بين أيديهن ما أخذته لقيطا . " وأرجلهن " ما ولدته من الزنى . وقد تقدم .
السادس -: قوله تعالى : " ولا يعصينك في معروف " في البخاري عن ابن عباس في قوله تعالى : " ولا يعصينك في معروف " قال : إنما هو شرط شرطه الله للنساء . واختلف في معناه على ما ذكرنا . والصحيح أنه عام في جميع ما يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم وينهي عنه ، فيدخل فيه النوح وتخريق الثياب وحز الشعر والخلوة بغير محرم إلى غير ذلك . وهذه كلها كبائر ومن أفعال الجاهلية . وفي "صحيح مسلم عن أبي مالك الأشعري :
أن النبي صلى الله عليه وسلم :هذه النوائح يجعلن يوم القيامة صفين صفا عن اليمين وصفا عن اليسار ينبحن كما تنبح الكلاب في نوم كان مقداره خسين ألف سنة ثم يؤمر بهن إلى النار ."
وعنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تصلى الملائكة علىنائحة ولا مرنة " وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع نائحة فأتاها فضربها بالدرة حتى وقع خماراه عن رأسها .فقيل : يا أمير المؤمنين ،المرأة المرأة ‍ ! قد وقع خمارها .فقال : إنها لا حرمة لها . اسند جمية الثعلبي رحمه الله .أما تخصيص قوله : في معروف مع قوة قوله : ولا يعصينك ففيه قولان : احدهما - أنه تفسير للمعنى على التأيد ،كما قال تعالى : "قال رب احكم بالحق " [الأنبياء :112 ] لأنه لو قال الحكم لكفى . الثانية - إنما شرط المعروف ف بيعة النبي صلى الله عليه وسلم حتى يكون تنبيها علىأن غيره أولى بذلك وألزم وألزم له وأنفى للإشكال .
السابعة - : "روى البخاري عن عبادة بن الصامت قال :
كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أتبايعونني على ألا تشركوا بالله شيئا ولا تزنوا ولا تسرقوا قرأ آية النساء .واكثر لفظ سفيان قرأ في الآية فمن وفي منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله فهو إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له منها . " "وفي الصحيحين عن ابن عباس قال : شهدت الصلا ة يوم الفطر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان ، فكلهم يصليها قبل الخطبة هم يخطب ، فنزل نبي الله صلى الله عليه وسلم فكأني أنظر إليه حين يجلس الرجال بيده ، ثم أقبل يشقهم حتى أتى النساء مع بلال فقال : " يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن "- حتى فرغ من الآية كلها ،ثم قال حين فرغ -: أنتن على ذلك ؟ فقالت امرأة واحدة لم يجبه غيرها نعم يا رسول الله ، لا يدري الحسن من هي . قال :فتصدقن وبسط بال ثوبه فجعلن يلقين الفتخ والخواتيم في ثوب بلاب ." لفظ البخاري . الثامنة -: قالم المهدوي : أحمع المسلمون على أنه ليس للإمام أن يشترط عليهن هذا ،والأمر بذلك ندب لا إلزام .وقال بعض أهل النظر: إذا احتيج إلى المحنة من أجل تباعد الدار كان على إمام المسلين إقامة المحنة .
قال البخاري: حدثنا إسحاق حدثنا يعقوب بن إبراهيم, حدثنا ابن أخي ابن شهاب عن عمه قال: أخبرني عروة أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الاية " يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم "
قال عروة: قالت عائشة فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله: "قد بايعتك" كلاماً, ولا والله ما مست يده يد امرأة في المبايعة قط, وما يبايعهن إلا بقوله: "قد بايعتك على ذلك" هذا لفظ البخاري.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, حدثنا سفيان عن محمد بن المنكدر عن أميمة بنت رقيقة قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نساء لنبايعه, فأخذ علينا ما في القرآن أن لا نشرك بالله شيئاً الاية وقال "فيما استطعتن وأطقتن" قلنا الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا, قلنا: يا رسول الله ألا تصافحنا ؟ قال "إني لا أصافح النساء إنما قولي لامرأة واحدة كقولي لمائة امرأة" هذا إسناد صحيح وقد رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث سفيان بن عيينة والنسائي أيضاً من حديث الثوري ومالك بن أنس, كلهم عن محمد بن المنكدر عن أميمة به, وقال الترمذي: حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث محمد بن المنكدر, وقد رواه أحمد أيضاً من حديث محمد بن إسحاق عن محمد بن المنكدر عن أميمة به وزاد: ولم يصافح منا امرأة, وكذا رواه ابن جرير من طريق موسى بن عقبة عن محمد بن المنكدر به.
ورواه ابن أبي حاتم من حديث أبي جعفر الرازي عن محمد بن المنكدر, حدثتني أميمة بنت رقيقة وكانت أخت خديجة خالة فاطمة من فيها إلى في فذكره, وقال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني سليط بن أيوب بن الحكم بن سليم عن أمه سلمى بنت قيس, وكانت إحدى خالات رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صلت معه القبلتين, وكانت إحدى نساء بني عدي بن النجار قالت: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم نبايعه في نسوة من الأنصار, فلما شرط علينا ألا نشرك بالله شيئاً ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف قال: "ولا تغششن أزواجكن" قالت: فبايعناه ثم انصرفنا فقلت لامرأة منهن ارجعي فسلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما غش أزواجنا ؟ قالت: فسألته فقال "تأخذ ماله فتحابي به غيره".
وقال الإمام أحمد: حدثنا إبراهيم بن أبي العباس, حدثنا عبد الرحمن بن عثمان بن إبراهيم بن محمد بن حاطب, حدثني أبي عن أمه عائشة بنت قدامة يعني ابن مظعون قالت أنا مع أمي رائطة ابنة سفيان الخزاعية والنبي صلى الله عليه وسلم يبايع النسوة ويقول: "أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئاً ولا تسرقن ولا تزنين ولا تقتلن أولادكن ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن ولا تعصينني في معروف ـ قلن نعم ـ فيما استطعتن" فكن يقلن وأقول معهن وأمي تقول لي أي بنية نعم, فكنت أقول كما يقلن. وقال البخاري: حدثنا أبو معمر, حدثنا عبد الوارث, حدثنا أيوب عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية قالت: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ علينا " لا يشركن بالله شيئا " ونهانا عن النياحة فقبضت امرأة يدها قالت: أسعدتني فلانة فأريد أن أجزيها, فما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً, فانطلقت ورجعت فبايعها, ورواه مسلم.
وفي رواية: فما وفى منهن امرأة غيرها وغير أم سليم ابنة ملحان, وللبخاري عن أم عطية قالت: أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند البيعة أن لا ننوح, فما وفت منا امرأة غير خمسة نسوة. أم سليم وأم العلاء وابنة أبي سبرة امرأة معاذ وامرأتان أو ابنة أبي سبرة وامرأة معاذ وامرأة أخرى, وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعاهد النساء بهذه البيعة يوم العيد, كما قال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الرحيم, حدثنا هارون بن معروف, حدثنا عبد الله بن وهب, أخبرني ابن جريج أن الحسن بن مسلم أخبره عن طاوس عن ابن عباس قال: "شهدت الصلاة يوم الفطر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان, فكلهم يصليها قبل الخطبة ثم يخطب بعد, فنزل نبي الله صلى الله عليه وسلم فكأني أنظر إليه حين يجلس الرجال بيده, ثم أقبل يشقهم حتى أتى النساء مع بلال فقال: " يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف " حتى فرغ من الاية كلها ثم قال حين فرغ أنتن على ذلك ؟ فقالت امرأة واحدة ولم يجبه غيرها: نعم يا رسول الله, لا يدري الحسن من هي, قال: فتصدقن, قال: وبسط بلال ثوبه فجعلن يلقين الفتح والخواتيم في ثوب بلال ".
وقال الإمام أحمد: حدثنا خلف بن الوليد, حدثنا ابن عياش عن سليمان بن سليم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: جاءت أميمة بنت رقيقة إلى رسول الله تبايعه على الإسلام فقال: "أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئاً ولا تسرقي ولا تزني ولا تقتلي ولدك ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك ولا تنوحي ولا تبرجي تبرج الجاهلية الأولى" وقال الإمام أحمد: حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي إدريس الخولاني عن عبادة بن الصامت قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس فقال: "تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ـ قرأ الاية التي أخذت على النساء: "إذا جاءك المؤمنات " ـ فمن وفى منكم فأجره على الله, ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به فهو كفارة له, ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله عليه فهو إلى الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه" أخرجاه في الصحيحين.
وقال محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني, عن أبي عبد الله عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي عن عبادة بن الصامت قال: كنت فيمن حضر العقبة الأولى, وكنا اثني عشر رجلاً فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء, وذلك قبل أن يفرض الحرب على أن لا نشرك بالله شيئاً ولا نسرق ولا نزني, ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولانعصيه في معروف, وقال "فإن وفيتم فلكم الجنة" رواه ابن أبي حاتم, وقد روى ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب فقال: "قل لهن إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئاً" وكانت هند بنت عتبة بن ربيعة التي شقت بطن حمزة متنكرة في النساء فقالت: إني إن أتكلم يعرفني وإن عرفني قتلني, وإنما تنكرت فرقاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكت النسوة اللاتي مع هند وأبين أن يتكلمن فقالت هند وهي متنكرة: كيف تقبل من النساء شيئاً لم تقبله من الرجال ؟.
ففطن إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لعمر "قل لهن ولا يسرقن" قالت هند: والله إني لأصيب من أبي سفيان الهنات ما أدري أيحلهن لي أم لا ؟ قال أبو سفيان: ما أصبت من شيء مضى أو قد بقي فهو لك حلال, فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفها فدعاها فأخذت بيده فعاذت به فقال: "أنت هند ؟" قالت: عفا الله عما سلف, فصرف عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ولا يزنين" فقالت: يا رسول الله, وهل تزني امرأة حرة ؟ قال "لا والله ما تزني الحرة ـ قال ـ ولا يقتلن أولادهن" قالت هند: أنت قتلتهم يوم بدر فأنت وهم أبصر, قال: "ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن" قال "ولا يعصينك في معروف" قال: منعهن أن ينحن, وكان أهل الجاهلية يمزقن الثياب ويخدشن الوجوه ويقطعن الشعور, ويدعون بالويل والثبور. وهذا أثر غريب وفي بعضه نكارة والله أعلم, فإن أبا سفيان وامرأته لما أسلما لم يكن رسول الله يخيفهما بل أظهر الصفاء والود لهما, وكذلك كان الأمر من جانبه عليه السلام لهما.
وقال مقاتل بن حيان: أنزلت هذه الاية يوم الفتح, بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال على الصفا, وعمر بايع النساء تحتها عن رسول لله صلى الله عليه وسلم فذكر بقيته كما تقدم وزاد: فلما قال: ولا تقتلن أولادكن. قالت هند: ربيناهم صغاراً فقتلتموهم كباراً, فضحك عمر بن الخطاب حتى استلقى. رواه ابن أبي حاتم. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا نصر بن علي حدثتني أم غبطة بنت سليمان, حدثتني عمتي عن جدتها عن عائشة قالت: جاءت هند بنت عتبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لتبايعه فنظر إلى يدها فقال "اذهبي فغيري يدك" فذهبت فغيرتها بحناء ثم جاءت فقال "أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئاً" فبايعته وفي يدها سواران من ذهب, فقالت: ما تقول في هذين السوارين ؟ فقال "جمرتان من نار جهنم".
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا ابن فضيل عن حصين عن عامر هو الشعبي قال: بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء وفي يده ثوب قد وضعه على كفه ثم قال "ولا تقتلن أولادكن" فقالت امرأة: تقتل آباءهم وتوصينا بأولادهم ؟ قال, وكان بعد ذلك إذا جاء النساء يبايعنه جمعهن فعرض عليهن, فإذا أقررن رجعن, فقوله تعالى: "يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك" أي من جاءك منهن يبايع على هذه الشروط فبايعها "على أن لا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن" أموال الناس الأجانب, فأما إذا كان الزوج مقصراً في نفقتها فلها أن تأكل من ماله بالمعروف ما جرت به عادة أمثالها وإن كان من غير علمه عملاً بحديث هند بنت عتبة أنها قالت: يا رسول الله, إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني, فهل علي جناح إن أخذت من ماله بغير علمه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك" أخرجاه في الصحيحين.
وقوله تعالى: "ولا يزنين" كقوله تعالى: " ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا " وفي حديث سمرة: ذكر عقوبة الزناة بالعذاب الأليم في نار الجحيم. وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت عتبة تبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ عليها "أن لا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين" الاية, قال: فوضعت يدها على رأسها حياء فأعجبه ما رأى منها, فقالت عائشة: أقري أيتها المرأة فوالله ما بايعنا إلا على هذا, قالت: فنعم إذاً, فبايعها بالاية. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا ابن فضيل عن حصين عن عامر هو الشعبي قال: بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء وعلى يده ثوب قد وضعه على كفه ثم قال "ولا تقتلن أولادكن" فقالت امرأة: تقتل آباءهم وتوصي بأولادهم ؟ قال: وكان بعد ذلك إذا جاءت النساء يبايعنه جمعهن فعرض عليهن فإذا أقررن رجعن. وقوله تعالى: "ولا يقتلن أولادهن" وهذا يشمل قتله بعد وجوده كما كان أهل الجاهلية يقتلون أولادهم خشية الإملاق ويعم قتله وهو جنين, كما قد يفعله بعض الجهلة من النساء تطرح نفسها لئلا تحبل إما لغرض فاسد أو ما أشبهه.
وقوله تعالى: "ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن" قال ابن عباس: يعني لا يلحقن بأزواجهن غير أولادهم وكذا قال مقاتل. ويؤيد هذا الحديث الذي رواه أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح, حدثنا ابن وهب. حدثنا عمرو يعني ابن الحارث عن ابن الهاد عن عبد الله بن يونس عن سعيد المقبري عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين نزلت آية الملاعنة "أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها الله الجنة, وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه وفضحه على رؤوس الأولين والاخرين" وقوله تعالى: "ولا يعصينك في معروف" يعني فيما أمرتهن به من معروف ونهيتهن عنه من منكر. قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي قال: سمعت الزبير عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: "ولا يعصينك في معروف" قال: إنما هو شرط شرطه الله للنساء. وقال ميمون بن مهران: لم يجعل الله طاعة لنبيه إلا في المعروف والمعروف طاعة, وقال ابن زيد: أمر الله بطاعة رسوله وهو خيرة الله من خلقه في المعروف. وقد قال غيره عن ابن عباس وأنس بن مالك وسالم بن أبي الجعد وأبي صالح وغير واحد: نهاهن يومئذ عن النوح, وقد تقدم حديث أم عطية في ذلك أيضاً.
وقال ابن جرير: حدثنا بشر حدثنا يزيد حدثنا سعيد عن قتادة في هذه الاية ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ عليهن النياحة ولا تحدثن الرجال إلا رجلاً منكن محرماً, فقال عبد الرحمن بن عوف: يا رسول الله إن لنا أضيافاً وإنا نغيب عن نسائنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس أولئك عنيت, ليس أولئك عنيت" وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة حدثنا إبراهيم بن موسى الفراء أخبرنا ابن أبي زائدة حدثني مبارك عن الحسن قال: كان فيما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم ألا تحدثن الرجال إلا أن تكون ذات محرم, فإن الرجل لا يزال يحدث المرأة حتى يمذي بين فخذيه وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد حدثنا هارون عن عمرو عن عاصم عن ابن سيرين عن أم عطية الأنصارية قالت: كان فيما اشترط علينا رسول الله من المعروف حين بايعناه أن لا ننوح فقالت امرأة من بني فلان إن بني فلان أسعدوني فلا حتى أجزيهم, فانطلقت فأسعدتهم ثم جاءت فبايعت, قالت فما وفى منهن غيرها وغير أم سليم ابنة ملحان أم أنس بن مالك.
وقد روى البخاري هذا الحديث من طريق حفصة بنت سيرين عن أم عطية نسيبة الأنصارية رضي الله عنها. وقد روي نحوه من وجه آخر أيضاً قال: حدثنا ابن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا أبو نعيم حدثنا عمر بن فروخ القتاب حدثني مصعب بن نوح الأنصاري قال: أدركت عجوزاً لنا كانت فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم, قالت فأتيته لأبايعه فأخذ علينا فيما أخذ أن لا تنحن, فقالت عجوز يا رسول الله إن أناساً قد كانوا أسعدوني على مصائب أصابتني وإنهم قد أصابتهم مصيبة فأنا أريد أسعدهم قال: "فانطلقي فكافئيهم" فانطلقت فكافأتهم ثم إنها أتته فبايعته وقال هو المعروف الذي قال الله عز وجل: "ولا يعصينك في معروف" وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن منصور الرمادي حدثنا القعنبي حدثنا الحجاج بن صفوان عن أسيد بن أبي أسيد البراد عن امرأة من المبايعات قالت كان فيما أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نعصيه في معروف أن لا نخمش وجهاً ولا ننشر شعراً ولا نشق جيباً ولا ندعوا ويلاً.
وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن سنان القزاز حدثنا إسحاق بن إدريس حدثنا إسحاق بن عثمان أبو يعقوب, حدثني إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية عن جدته أم عطية قالت: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع نساء الأنصار في بيت ثم أرسل إلينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه, فقام على الباب وسلم علينا فرددن أو فرددنا عليه السلام, ثم قال أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكن قالت فقلنا: مرحباً برسول الله وبرسول رسول الله, فقال: تبايعن على أن لا تشركن بالله شيئاً ولا تسرقن ولا تزنين, قالت: فقلنا نعم, قالت فمد يده من خارج الباب أو البيت ومددنا أيدينا من داخل البيت ثم قال: اللهم اشهد, قالت, وأمرنا في العيدين أن نخرج فيه الحيض والعواتق ولا جمعة علينا, ونهانا عن اتباع الجنائز قال إسماعيل فسألت جدتي عن قوله تعالى: "ولا يعصينك في معروف" قالت: النياحة.
وفي الصحيحين من طريق الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية" وفي الصحيحين أيضاً عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم برىء من الصالقة والحالقة والشاقة. وقال الحافظ أيو يعلى: حدثنا هدبة بن خالد حدثنا أبان بن يزيد حدثنا يحيى بن أبي كثير أن زيداً حدثه أن أبا سلام حدثه أن أبا مالك الأشعري حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة على الميت ـ وقال ـ النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب". ورواه مسلم في صحيحه منفرداً به من حديث أبان بن يزيد العطار به وعن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن النائحة والمستمعة رواه أبو داود. وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن يزيد مولى الصهباء عن شهر بن حوشب عن أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى: "ولا يعصينك في معروف" قال النوح, ورواه الترمذي في التفسير عن عبد بن حميد عن أبي نعيم وابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع كلاهما عن يزيد بن عبد الله الشيباني مولى الصهباء به وقال الترمذي حسن غريب.
12- "يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك" أي قاصدات لمبايعتك على الإسلام، و"على أن لا يشركن بالله شيئاً" من الأشياء كائناً ما كان، هذا كان يوم فتح مكة، فإن نساء أهل مكة آتين رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايعنه، فأمره الله أن يأخذ عليهن أن لا يشركن "ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن" وهو ما كانت تفعله الجاهلية من وأد البنات " ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن " أي لا يلحقن بأزواجهم ولداً ليس منهم. قال الفراء: كانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها: هذا ولدي منك فذلك البهتان المفترى بين أيديهن وأرجلهن، وذلك أن الولد إذا وضعته الأم سقط بين يديها ورجليها، وليس المراد هنا أنها تنسب ولدها من الزنا إلى زوجها، لأن ذلك قد دخل تحت النهي عن الزنا "ولا يعصينك في معروف" أي في كل أمر هو طاعة لله. قال عطاء: في كل بر وتقوى، وقال المقاتلان: عنى بالمعروف النهي عن النوح، وتمزيق الثياب، وجز الشعر، وشق الجيب، وخمش الوجوه، والدعاء بالويل، وكذا قال قتادة وسعيد بن المسيب ومحمد بن السائب وزيد بن أسلم، ومعنى القرآن أوسمع مما قالوه. قيل ووجه التقييد بالمعروف، مع كونه صلى الله عليه وسلم لا يأمر إلا به، التنبيه على أنه لا يجوز طاعة مخلوق في معصية الخالق "فبايعهن" هذا جواب إذا، والمعنى إذا بايعنك على هذه الأمور فبايعهن، ولم يذكر في بيعتهن الصلاة والزكاة والصيام والحج لوضوح كون هذه الأمور ونحوها من أركان الدين وشعائر الإسلام، وإنما خص الأمور المذكور لكثرة وقوعها من النساء "واستغفر لهن الله" أي اطلب من الله المغفرة لهن بعد هذه المبايعة لهن منك "إن الله غفور رحيم" أي بليغ المغفرة والرحمة لعباده.
قوله عز وجل: 12- "يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك"، الآية. وذلك يوم فتح مكة لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيعة الرجال، وهو على الصفا وعمر بن الخطاب أسفل منه، وهو يبايع النساء بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبلغهن عنه، وهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان متنقبة متنكرة مع النساء خوفاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرفها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئاً، فرفعت هند رأسها وقالت: والله إنك لتأخذ علينا أمراً ما رأيناك أخذته على الرجال، وبايع الرجال يومئذ على الإسلام، والجهاد فقط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، "ولا يسرقن" فقالت هند: إن أبا سفيان رجل شحيح وإني أصبت من ماله هنات، فلا أدري أيحل لي أم لا؟ فقال أبو سفيان: ما أصبت من شيء فيما مضى وفيما غبر فهو لك حلال، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفها، فقال لها: وإنك لهند بنت عتبة؟ قالت: نعم فاعف عما سلف عفا الله عنك، فقال: "ولا يزنين"، فقالت هند: أو تزني الحرة؟ فقال: "ولا يقتلن أولادهن"، فقالت هند ربيناهم صغاراً وقتلتموهم كباراً فأنتم وهو أعلم، وكان ابنها حنظلة بن أبي سفيان قد قتل يوم بدر، فضحك عمر رضي الله عنه حتى استلقى، وتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن" -وهي أن تقذف ولداً على زوجها ليس منه- قالت هند: والله إن البهتان لقبيح وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق، فقال: "ولا يعصينك في معروف"، قالت هند: ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء. فأقر النسوة بما أخذ عليهن.
قوله عز وجل: "ولا يقتلن أولادهن"، أراد وأد البنات الذي كان يفعله أهل الجاهلية.
قوله "ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن": ليس المراد منه نهيهن عن الزنا، لأن النهي عن الزنا قد تقدم ذكره، بل المراد منه أن تلتقط مولوداً وتقول لزوجها هذا ولدي منك، فهو البهتان المفترى بين أيديهن وأرجلهن، لأن الولد إذا وضعته الأم سقط بين يديها ورجليها.
قوله "ولا يعصينك في معروف": أي في كل أمر وافق طاعة الله. قال بكر بن عبد الله المزني: في كل أمر فيه رشدهن. وقال مجاهد: لا تخلو المرأة بالرجال. وقال سعيد بن المسيب والكلبي وعبد الرحمن بن زيد: هو النهي عن النوح والدعاء بالويل وتمزيق الثوب وحلق الشعر ونتفه وخمش الوجه، ولا تحدث المرأة الرجال إلا ذا محرم، ولا تخلو برجل غير ذي محرم، ولا تسافر إلا مع ذي محرم.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا أيوب عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية قالت: "بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ علينا "أن لا يشركن بالله شيئاً"، ونهانا عن النياحة، فقبضت امرأة يدها فقالت: أسعدتني فلانة أريد أن أجزيها، فما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، فانطلقت ورجعت وبايعها".
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي، أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أخبرنا الحسين بن محمد بن الحسين الدينوري، حدثنا أحمد بن محمد بن إسحاق، حدثنا أبو يعلى الموصلي، حدثنا هدبة بن خالد، حدثنا أبان بن يزيد، حدثنا يحيى بن أبي كثير، أن زيداً حدثه، أن أبا سلام حدثه، أن أبا مالك الأشعري حدثه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم والنياحة". وقال: "النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقوم يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب".
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا عمرو بن حفص، حدثنا أبي أخبرنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية".
قوله: "فبايعهن"، يعني إذا بايعتك فبايعهن، "واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم".
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثني محمود، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع النساء بالكلام بهذه الآية: "لا يشركن بالله شيئاً" قالت: وما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة إلا امرأة يملكها".
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون، أخبرنا مكي بن عبدان، حدثنا عبد الرحمن بن بشر، حدثنا سفيان بن عيينة، عن محمد بن المنكدر، سمع أميمة بنت رقيقة تقول: "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة، فقال لنا: فيما استطعتن وأطقتن، فقلت: رسول الله صلى الله عليه وسلم أرحم بنا من أنفسنا، قلت: يا رسول الله بايعنا، قال سفيان: يعني صافحنا، فقال: إني لا أصافح النساء، إنما قولي لامرأة كقولي لمائة امرأة".
12-" يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا " نزلت يوم الفتح فإنه عليه الصلاة والسلام " لما فرغ من بيعة الرجال أخذ في بيعة النساء " . " ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن " يريد وأد البنات . " ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف " في حسنة تأمرهن بها ، والتقييد بالمعروف مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأمر إلا به تنبيه على أنه لا يجوز طاعة مخلوق في معصية الخالق . " فبايعهن " إذا بايعنك بضمان الثواب على الوفاء بهذه الأشياء . " واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم " .
12. O Prophet! If believing women come unto thee, taking oath of allegiance unto thee that they will ascribe nothing as partner unto Allah, and will neither steal nor commit adultery nor kill their children, nor produce any lie that they have devised between their hands and feet, nor disobey thee in what is right, then accept their allegiance and ask Allah to forgive them. Lo! Allah is Forgiving, Merciful.
12 - O Prophet! When believing women come to thee to take the oath of fealty to thee, that they will not associate in worship any other thing whatever with God, that they will not steal, that they will not commit adultery (or fornication), that they will not kill their children, that they will not utter slander, intentionally forging Falsehood, and that they will not disobey thee in any just matter, then do thou receive their fealty, and pray to God for the forgiveness (of their sins): for God is Oft Forgiving, Most Merciful.