[الأنعام : 90] أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ
90 - (أولئك الذين هدى) هم (الله فبهداهم) طريقهم من التوحيد والصبر (اقتده) بهاء السكت ووصلاً وفي قراءة بحذفها وصلا (قل) لأهل مكة (لا أسألكم عليه) أي القرآن (أجرا) تعطونيه (إن هو) ما القرآن (إلا ذكرى) عظة (للعالمين) الإنس والجن
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره : "أولئك"، هؤلاء القوم الذين وكلنا بآياتنا وليسوا بها بكافرين ، هم الذين هداهم الله لدينه الحق ، وحفظ ما وكلوا بحفظه من آيات كتابه ، والقيام بحدوده ، واتباع حلاله وحرامه ، والعمل بما فيه من أمر الله ، والانتهاء عما فيه من نهيه ، فوفقهم جل ثناؤه لذلك ، "فبهداهم اقتده"، يقول تعالى ذكره : فبالعمل الذي عملوا، والمنهاج الذي سلكوا، وبالهدى الذي هديناهم ، والتوفيق الذي وفقناهم ، "اقتده"، يا محمد، أي : فاعمل ، وخذ به واسلكه ، فإنه عمل لله شيه رضى، ومنهاج من سلكه اهتدى .
وهذا التأويل على مذهب من تأول قوله : "فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين"، أنهم الأنبياء المسمون في الآيات المتقدمة . وهو القول الذي اخترناه في تأويل ذلك.
وأما على تأويل من تأول ذلك : أن القوم الذين وكلوا بها هم أهل المدينة -أو: أنهم هم الملائكة - فإنهم جعلوا قوله : "فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين"، اعتراضاً بين الكلامين ، ثم ردوا قوله : "أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده"، على قوله : "أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة".
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : "ووهبنا له إسحاق ويعقوب" إلى قوله : "أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده"، يا محمد .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "أولئك الذين هدى الله"، يا محمد، "فبهداهم اقتده"، ولا تقتد بهؤلاء.
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثني أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قال : ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : "أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده".
حدثنا علي بن داود قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال : ثم قال في الأنبياء الذين سماهم في هذه الآية: "فبهداهم اقتده".
ومعنى : الاقتداء في كلام العرب ، بالرجل : اتباع أثره ، والأخذ بهديه . يقال : فلان يقدو فلاناً ، إذا نحا نحوه ، واتبع أثره ، قدة، وقدوة وقدوة وقدية.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : "قل" لهؤلاء الذين أمرتك أن تذكرهم بآياتي ، أن تبسل نفس بما كسبت ، من مشركي قومك يا محمد: "لا أسألكم"، على تذكيري إياكم ، والهدى الذي أدعوكم إليه ، والقرآن الذي جئتكم به ، عوضاً أعتاضه منكم عليه ، وأجراً آخذه منكم ، وما ذلك مني إلا تذكير لكم ، ولكل من كان مثلكم ممن هو مقيم على باطل ، بأس الله أن يحل بكم ، وسخطه أن ينزل بكم على شرككم به وكفركم ، وإنذار لجميعكم بين يدي عذاب شديد، لتذكروا وتنزجروا.
قوله تعالى:"أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده" فيه مسألتان:
الأولى: قوله تعالى: "فبهداهم اقتده" الاقتداء طلب موافقة الغير في فعله. فقيل: المعنى اصبر كما صبروا وقيل: معنى "ويعلم ما" التوحيد والشرائع مختلفة وقد احتج بعض العلماء بهذه الآية على وجوب اتباع شرائع الأنبياء فيما عدم فيه النص، كما في صحيح مسلم وغيره: "أن أخت الربيع أم حارثة جرحت إنساناً فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
القصاص القصاص فقالت أم الربيع: يا رسول الله أيقتص من فلانة؟! والله لا يقتص منها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله يا أم الربيع القصاص كتاب الله. قالت: والله لا يقتص منها أبداً. قال: فما زالت حتى قبلوا الدية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره". فأحال رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوله: "وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس" [المائدة: 45] الآية. وليس في كتاب الله تعالى نص على القصاص في السن إلا في هذه الآية، وهي خبر عن شرع التوراة ومع ذلك فحكم بها وأحال عليها. وإلى هذا ذهب معظم أصحاب مالك وأصحاب الشافعي، وأنه يجب العمل بما وجد منها. قال ابن بكير: وهو الذي تقتضيه أصول مالك وخالف في ذلك كثير من أصحاب مالك وأصحاب الشافعي والمعتزلة، لقوله تعالى: "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا" [المائدة: 48]. وهذا لا حجة فيه، لأنه يحتمل التقييد: إلا فيما قص عليكم من الأخبار عنهم مما لم يأت في كتابكم. وفي صحيح البخاري عن العوام قال: سألت مجاهداً عن سجدة ص فقال: سألت ابن عباس عن سجدة ص فقال: أو تقرأ "ومن ذريته داود وسليمان" إلى قوله: "أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده" وكان داود عليه السلام ممن أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم بالاقتداء به.
الثانية: قرأ حمزة و الكسائي اقتد قل بغير هاء في الوصل. وقرأ ابن عامر اقتد هي قل. قال النحاس: وهذا لحن، لأن الهاء لبيان الحركة في الوقف وليست بهاء إضمار ولا بعدها واو ولا ياء، وكذلك أيضاً لا يجوز فبهداهم اقتد قل. ومن اجتنب اللحن واتبع السواد قرأ "فبهداهم اقتده" فوقف ولم يصل، لأنه إن صل بالهاء لحن وإن حذفها خالف السواد. وقرأ الجمهور بالهاء في الوصل على نية الوقف وعلى نية الإدراج ابتاعاً لثباتها في الخط. وقرأ ابن عياش اقتده قل بكسر الهاء، وهو غلط لا يجوز في العربية.
قوله تعالى: "قل لا أسألكم عليه أجرا" أي جعلاً على القرآن. "إن هو" أي القرآن. "إلا ذكرى للعالمين" أي هو موعظة للخلق. وأضاف الهداية إليهم فقال: "فبهداهم اقتده" لوقوع الهداية بهم. وقال: "ذلك هدى الله" لأنه الخالق للهداية.
يذكر تعالى أنه وهب لإبراهيم إسحاق بعد أن طعن في السن, وأيس هو وامرأته سارة من الولد, فجاءته الملائكة وهم ذاهبون إلى قوم لوط, فبشروهما بإسحاق فتعجبت المرأة من ذلك, وقالت "يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً إن هذا لشيء عجيب * قالوا أتعجبين من أمر الله ؟ رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد" فبشروهما مع وجوده بنبوته, وبأن له نسلاً وعقباً, كما قال تعالى: "وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين" وهذا أكمل في البشارة وأعظم في النعمة, وقال " فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب " أي ويولد لهذا المولود ولد في حياتكما, فتقر أعينكما به, كما قرت بوالده, فإن الفرح بولد الولد شديد لبقاء النسل والعقب, ولما كان ولد الشيخ والشيخة قد يتوهم أنه لا يعقب لضعفه, وقعت البشارة به وبولده باسم يعقوب الذي فيه اشتقاق العقب والذرية, وكان هذا مجازاة لإبراهيم عليه السلام, حين اعتزل قومه وتركهم ونزح عنهم, وهاجر من بلادهم ذاهباً إلى عبادة الله في الأرض, فعوضه الله عز وجل عن قومه وعشيرته, بأولاد صالحين من صلبه على دينه, لتقر بهم عينه, كما قال تعالى: "فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبياً" وقال ههنا "ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلاً هدينا" وقوله "ونوحاً هدينا من قبل" أي من قبله هديناه كما هديناه, ووهبنا له ذرية صالحة, وكل منهما له خصوصية عظيمة, أما نوح عليه السلام, فإن الله تعالى لما أغرق أهل الأرض إلا من آمن به, وهم الذين صحبوه في السفينة, جعل الله ذريته هم الباقين, فالناس كلهم من ذريته, وأما الخليل إبراهيم عليه السلام, فلم يبعث الله عز وجل بعده نبياً, إلا من ذريته, كما قال تعالى: "وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب" الاية, وقال تعالى, "ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب" وقال تعالى: "أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً" وقوله في هذه الاية الكريمة "ومن ذريته" أي وهدينا من ذريته "داود وسليمان" الاية, وعود الضمير إلى نوح, لأنه أقرب المذكورين ظاهر لا إشكال فيه, وهو اختيار ابن جرير. وعوده إلى إبراهيم, لأنه الذي سيق الكلام من أجله حسن, لكن يشكل عليه لوط, فإنه ليس من ذرية إبراهيم, بل هو ابن أخيه ماران بن آزر, اللهم إلا أن يقال إنه دخل في الذرية تغليباً, وكما قال في قوله "أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي ؟ قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون" فإسماعيل عمه دخل في آبائه تغليباً, وكما قال في قوله " فسجد الملائكة كلهم أجمعون * إلا إبليس " فدخل إبليس في أمر الملائكة بالسجود, وذم على المخالفة لأنه كان في تشبه بهم, فعومل معاملتهم ودخل معهم تغليباً, وإلا فهو كان من الجن وطبيعته من النار, والملائكة من النور, وفي ذكر عيسى عليه السلام في ذرية إبراهيم أو نوح, على القول الاخر, دلالة على دخول ولد البنات في ذرية الرجل, لأن عيسى عليه السلام إنما ينسب إلى إبراهيم عليه السلام, بأمه عليها السلام, فإنه لا أب له. قال ابن أبي حاتم: حدثنا سهل بن يحيى العسكري, حدثنا عبد الرحمن بن صالح, حدثنا علي بن عابس, عن عبد الله بن عطاء المكي, عن أبي حرب بن أبي الأسود, قال: أرسل الحجاج إلى يحيى بن يعمر, فقال: بلغني أنك تزعم أن الحسن والحسين من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم, تجده في كتاب الله ـ وقد قرأته من أوله إلى آخره فلم أجده ؟ قال أليس تقرأ سورة الأنعام "ومن ذريته داود وسليمان" حتى بلغ "ويحيى وعيسى" قال بلى. قال أليس عيسى من ذرية إبراهيم وليس له أب ؟ قال صدقت. فلهذا إذا أوصى الرجل لذريته, أو وقف على ذريته, أو وهبهم, دخل أولاد البنات فيهم, فأما إذا أعطى الرجل بنيه, دخل أولاد البنات فيهم, فأما إذا أعطى الرجل بنيه, أو وقف عليهم, فإنه يختص بذلك بنوه لصلبه وبنو بنيه, واحتجوا بقول الشاعر العربي:
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأجانب
وقال آخرون: ويدخل بنو البنات فيهم أيضاً, لما ثبت في صحيح البخاري, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للحسن بن علي "إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" فسماه ابناً, فدل على دخوله في الأبناء. وقال آخرون: هذا تجوز, وقوله "ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم" ذكر أصولهم وفروعهم, وذوي طبقتهم وأن الهداية والاجتباء شملهم كلهم, ولهذا قال "واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم" ثم قال تعالى: "ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده" أي إنما حصل لهم ذلك بتوفيق الله وهدايته إياهم, "ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون" تشديد لأمر الشرك وتغليظ لشأنه وتعظيم لملابسته, كقوله تعالى: "ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك" الاية, وهذا شرط, والشرط لا يقتضي جواز الوقوع, كقوله "قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين" وكقوله "لو أردنا أن نتخذ لهواً لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين" وكقوله "لو أراد الله أن يتخذ ولداً لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار". وقوله تعالى: "أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة" أي أنعمنا عليه- بذلك, رحمة للعباد بهم ولطفاً منا بالخليقة, "فإن يكفر بها" أي بالنبوة, ويحتمل أن يكون الضمير عائداً على هذه الأشياء الثلاثة, الكتاب والحكم والنبوة, وقوله "هؤلاء" يعني أهل مكة, قاله ابن عباس وسعيد بن المسيب والضحاك وقتادة والسدي وغير واحد, "فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين" أي إن يكفر بهذه النعم, من كفر بها من قريش وغيرهم من سائر أهل الأرض, من عرب وعجم, ومليين وكتابيين, فقد وكلنا بها قوماً آخرين أي المهاجرين والأنصار وأتباعهم إلى يوم القيامة, "ليسوا بها بكافرين" أي لا يجحدون منها شيئاً, ولا يردون منها حرفاً واحداً, بل يؤمنون بجميعها, محكمها ومتشابهها, جعلنا الله منهم بمنه وكرمه وإحسانه, ثم قال تعالى مخاطباً عبده ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم "أولئك" يعني الأنبياء المذكورين, مع من أضيف إليهم من الاباء والذرية والإخوان, وهم الأشباه, "الذين هدى الله" أي هم أهل الهدى لا غيرهم "فبهداهم اقتده", أي اقتد واتبع, وإذا كان هذا أمراً للرسول صلى الله عليه وسلم, فأمته تبع له, فيما يشرعه ويأمرهم به, قال البخاري عند هذه الاية: حدثنا إبراهيم بن موسى, أخبرنا هشام أن ابن جريج أخبرهم قال: أخبرني سليمان الأحول أن مجاهداً أخبره, أنه سأل ابن عباس أفي (ص) سجدة ؟ فقال نعم, ثم تلا "ووهبنا له إسحاق ويعقوب" إلى قوله "فبهداهم اقتده" ثم قال هو منهم, زاد يزيد بن هارون, ومحمد بن عبيد, وسهل بن يوسف, عن العوام عن مجاهد, قلت لابن عباس فقال نبيكم صلى الله عليه وسلم ممن أمر أن يقتدي بهم. وقوله تعالى: "قل لا أسألكم عليه أجراً" أي لا أطلب منكم على إبلاغي إياكم هذا القرآن أجراً أي أجرة, ولا أريد منكم شيئاً, "إن هو إلا ذكرى للعالمين" أي يتذكرون به, فيرشدوا من العمى إلى الهدى, ومن الغي إلى الرشاد, ومن الكفر إلى الإيمان.
وهذا أولى لقوله فيما بعد "أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده" فإن الإشارة إلى الأنبياء المذكورين لا إلى المهاجرين والأنصار إذ لا يصح أن يؤمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهداهم، وتقديم بهداهم على الفعل يفيد تخصيص هداهم بالاقتداء، والاقتداء طلب موافقة الغير في فعله. وقيل المعنى: اصبر كما صبروا، وقيل: اقتد بهم في التوحيد، وإن كانت جزئيات الشرائع مختلفة، وفيها دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم مأمور بالاقتداء بمن قبله من الأنبياء فيما لم يرد عليه فيه نص. قوله: "قل لا أسألكم عليه أجراً" أمره الله بأن يخبرهم بأنه لا يسألهم أجراً على القرآن، وأن يقول لهم ما "هو إلا ذكرى" يعني القرآن "للعالمين" أي موعظة وتذكير للخلق كافة الموجودين عند نزوله ومن سيوجد من بعد.
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن كعب قال: الخال والد والعم والد، نسب الله عيسى إلى أخواله فقال: "ومن ذريته" حتى بلغ إلى قوله: "وزكريا ويحيى وعيسى". وأخرج أبو الشيخ والحاكم والبيهقي عن عبد الملك بن عمير قال: دخل يحيى بن يعمر على الحجاج فذكر الحسين، فقال الحجاج: لم يكن من ذرية النبي، فقال يحيى: كذب، فقال: صدقت. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي حرب بن أبي الأسود قال: أرسل الحجاج إلى يحيى بن يعمر فقال: بلغني أنك تزعم أن الحسن والحسين من ذرية النبي تجده في كتاب الله، وقد قرأته من أوله إلى آخره فلم أجده، فذكر يحيى بن يعمر نحو ما تقدم. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: "واجتبيناهم" قال: أخلصناهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: "ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون" قال: يريد هؤلاء الذين هديناهم وفعلنا بهم. وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد قال: الحكم اللب. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "فإن يكفر بها هؤلاء" يعني أهل مكة، يقول: إن يكفروا بالقرآن "فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين" يعني أهل المدينة والأنصار. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "فقد وكلنا بها قوماً" قال: هم الأنبياء الثمانية عشر الذين قال الله فيهم: "فبهداهم اقتده" قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتدي بهداهم وكان يسجد في ص، ولفظ ابن أبي حاتم عن مجاهد: سألت ابن عباس في السجدة التي في ص، فقال هذه الآية، وقال: أمر نبيكم أن يقتدي بداود عليه السلام. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "قل لا أسألكم عليه أجراً" قال: قل لهم يا محمد لا أسألكم على ما أدعوكم إليه عرضاً من عروض الدنيا.
90- " أولئك الذين هدى الله "، أي: هداهم الله، " فبهداهم"، فبسنتهم وسيرتهم ، " اقتده "، الهاء فيها هاء الوقف، وحذف حمزة و الكسائي الهاء في الوصل، والباقون بإثباتها وصلاً ووقفاً، وقرأ ابن عامر: " اقتده " باشباع الهاء كسراً " قل لا أسألكم عليه أجراً إن هو "، ما هو، "إلا ذكرى "، أي: تذكرة وعطية، " للعالمين ".
90 " أولئك الذين هدى الله " يريد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام المتقدم ذكرهم . " فبهداهم اقتده " فاختص طريقهم بالاقتداء والمراد بهداهم ما توافقوا عليه من التوحيد وأصول الدين دون الفروع المختلف فيها ، فإنها ليست هدى مضافا إلى الكل ولا يمكن التأسي بهم جميعا . فليس فيه دليل على أنه عليه الصلاة والسلام متعبد بشرع من قبله ، والهاء في " اقتده " للوقف ومن أثبتها في الدرج ساكنة كابن كثير و نافع وأبي عمرو و عاصم أجرى الوصل مجرى الوقف ، ويحذف الهاء في الوصل خاصة حمزة و الكسائي وأشبعها بالكسر ابن عامر برواية ابن ذكوان على أنها كناية المصدر وكسرها بغير إشباع برواية هشام " قل لا أسألكم عليه " أي على التبليغ أو القرآن " أجرا " جعلا من جهتكم كما لم يسأل من قبلي من النبيين ، وهذا من جملة ما أمر بالاقتداء بهم فيه . " إن هو " أي التبليغ أو القرآن أو الغرض . " إلا ذكرى للعالمين " إلا تذكيرا وموعظة لهم .
90. Those are they whom Allah guideth, so follow their guidance. Say (O Muhammad, unto mankind): I ask of you no fee for it. Lo! it is naught but a Reminder to (His) creatures.
90 - Those were the (prophets) who received God's guidance: copy the guidance they received; say: no reward for this do I ask of you: this is no less than a message for the nations.