[الأنعام : 73] وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ
73 - (وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق) أي محقا (و) اذكر (يوم يقول) للشيء (كن فيكون) هو يوم القيامة يقول للخلق قوموا فيقوموا (قوله الحق) الصدق الواقع لا محالة (وله الملك يوم ينفخ في الصور) القرن النفخة الثانية من إسرافيل لا ملك فيه لغيره {لمن الملك اليوم لله} (عالم الغيب والشهادة) ما غاب وما شوهد (وهو الحكيم) في خلقه (الخبير) بباطن الأشياء كظاهرها
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل ، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الأنداد، الداعيك إلى عبادة الأوثان : أمرنا لنسلم لرب العالمين ، الذي خلق السماوات والأرض بالحق ، لا من لا ينفع ولا يضر، ولا يسمع ولا يبصر.
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "بالحق".
فقال بعضهم: معنى ذلك ، وهو الذي خلق السماوات والأرض حقاً وصواباً، لا باطلاً وخطأ، كما قال تعالى ذكره : "وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا" [ص: 27]. قالوا : وأدخلت فيه الباء و الألف واللام ، كما تفعل العرب في نظائر ذلك فتقول : فلان يقول بالحق ، بمعنى : أنه يقول الحق . قالوا: ولا شيء في قوله بالحق غير إصابته الصواب فيه ، لا أن الحق معنى غير القول ، وإنما هو صفة للقول ، إذا كان بها القول ، كان القائل موصوفاً بالقول بالحق ، وبقول الحق . قالوا : فكذلك خلق السماوات والأرض ، حكمة من حكم الله . فالله موصوف بالحكمة في خلقهما وخلق ما سواهما من سائر خلقه ، لا أن ذلك حق سوى خلقهما خلقهما به.
وقال آخرون : معنى ذلك : خلق السماوات والأرض بكلامه وقوله لهما: "ائتيا طوعا أو كرها" [فصلت:11]. قالوا : فالحق ، في هذا الموضع معني به : كلامه . واستشهدوا لقيلهم ذلك بقوله: "ويوم يقول كن فيكون قوله الحق"، الحق هو قوله وكلامه . قالوا : والله خلق الأشياء بكلامه وقيله ، فما خلق به الأشياء فغير الأشياء المخلوقة. قالوا: فإذ كان ذلك كذلك ، وجب أن يكون كلام الله الذي خلق به الخلق غير مخلوق.
وأما قوله : "ويوم يقول كن فيكون"، فإن أهل العربية اختلفوا في العامل في يوم يقول ، وفي معنى ذلك.
فقال بعض نحوي البصرة: اليوم مضاف إلى "يقول كن فيكون". قال : وهو نصب ، وليس له خبر ظاهر، والله أعلم ، وهو على ما فسرت لك كأنه يعني بذلك أن نصبه على : واذكر يوم يقول كن فيكون . قال : وكذلك : "يوم ينفخ في الصور"، قال : وقال بعضهم : يوم ينفخ في الصور عالم الغيط والشهادة.
وقال بعضهم : "يقول كن فيكون" للصور خاصة- فمعنى الكلام على تأويلهم : يوم يقول للصور كن فيكون ، قوله الحق يوم ينفخ فيه عالم الغيب والشهادة - فيكون القول حينئذ مرفوعاً بـ "الحق" و"الحق" بـ القول ، وقوله : "يوم يقول كن فيكون" و "يوم ينفخ في الصور"، صلة "الحق".
وقال آخرون بل قوله: "كن فيكون"، معني به كل ما كان الله معيده في الآخرة بعد إفنائه ، ومنشئه بعد إعدامه ، فالكلام على مذهب هؤلاء، متناه عند قوله : "كن فيكون"، وقوله : "قوله الحق"، خبر مبتدأ، وتأويله : وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ، ويوم يقول للأشياء كن فيكون خلقهما بالحق بعد فنائهما. ثم ابتدأ الخبر عن قوله ووعده خلقه أنه معيدهما بعد فنائهما عن أنه حق فقال : قوله هذا، الحق الذي لا شك فيه . وأخبر أن له الملك يوم ينفخ في الصور، فـ "يوم ينفخ في الصور"، يكون على هذا التأويل من صلة الملك .
وقد يجوز على هذا التأويل أن يكون قوله : "يوم ينفخ في الصور" من صلة الحق.
وقال آخرون : بل معنى الكلام : ويوم يقول لما فني : "كن"، فيكون قوله الحق ، فجعل القول مرفوعا بقوله "ويوم يقول كن فيكون"، وجعل قوله : "كن فيكون"، للقول محلاً، وقوله : "يوم ينفخ في الصور"، من صلة "الحق"، كأنه وجه تأويل ذلك إلى : ويومئذ قوله الحق يوم ينفخ في الصور. وإن جعل على هذا التأويل "يوم ينفخ في الصور" بياناً عن اليوم الأول ، كان وجهاً صحيحاً. ولو جعل قوله : "قوله الحق"، مرفوعاً بقوله : "يوم ينفخ في الصور"، وقوله : "يوم ينفخ في الصور" محلاً، وقوله : "ويوم يقول كن فيكون" من صلته ، كان جائزاً.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر أنه المنفرد بخلق السماوات والأرض دون كل ما سواه ، معرفاً من أشرك به من خلقه جهله في عبادة الأوثان والأصنام ، وخطأ ما هم عليه مقيمون من عبادة ما لا يضر ولا ينفع ، ولا يقدر على اجتلاب نفع إلى نفسه ، ولا دفع ضر عنها، ومحتجاً عليهم في إنكارهم البعث بعد الممات والثواب والعقاب ، بقدرته على ابتداع ذلك ابتداءً، وأن الذي ابتدع ذلك غير متعذر عليه إفناؤه ثم إعادته بعد إفنائه ، فقال : "وهو الذي خلق"، أيها العادلون بربهم من لا ينفع ولا يضر ولا يقدر على شيء ، "السماوات والأرض بالحق"، حجة على خلقه ، ليعرفوا بها صانعها، وليستدلوا بها على عظيم قدرته وسلطانه ، فيخلصوا له العبادة، "ويوم يقول كن فيكون"، يقول : ويوم يقول حين تبدل الأرض غير الأرض والسماوات كذلك : "كن فيكون"، كما شاء تعالى ذكره، فتكون الأرض غير الأرض ، ويكون الكلام عند قوله : "كن فيكون" متناهياً.
وإذا كان كذلك معناه ، وجب أن يكون في الكلام محذوف يدل عليه الظاهر، ويكون معنى الكلام : ويوم يقول كذلك : "كن فيكون" تبدل السماوات والأرض غير السماوات والأرض. ويدل على ذلك قوله : "وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق"، ثم ابتدأ الخبر عن القول فقال : "قوله الحق"، بمعنى وعده هذا الذي وعد تعالى ذكره ، من تبديله السماوات والأرض غير الأرض والسماوات ، الحق الذي لا شك فيه ، "وله الملك يوم ينفخ في الصور" فيكون قوله : "يوم ينفخ في الصور"، من صلة "الملك"، ويكون معنى الكلام : ولله الملك يومئذ، لأن النفخة الثانية في الصور حال تبديل الله السماوات والأرض غيرهما.
وجائز أن يكون القول أعني : "قوله الحق"، مرفوعاً بقوله : "ويوم يقول كن فيكون"، ويكون قوله : "كن فيكون" محلاً للقول مرافعاً، فيكون تأويل الكلام : وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ، ويوم يبدلها غير السماوات والأرض ، فيقول لذلك : "كن فيكون"، "قوله الحق".
وأما قوله : "وله الملك يوم ينفخ في الصور"، فإنه خص بالخبر عن ملكه يومئذ، وإن كان الملك له خالصاً في كل وقت في الدنيا والآخرة، لأنه عنى تعالى ذكره أنه لا منازع له فيه يومئذ ولا مدعي له ، وأنه المنفرد به دون كل من كان ينازعه فيه في الدنيا من الجبابرة، فأذعن جميعهم يومئذ له به، وعلموا أنهم كانوا من دعواهم في الدنيا في باطل.
واختلف في معنى "الصور" في هذا الموضع.
فقال بعضهم : هو قرن ينفخ فيه نفختان : إحداهما لفناء من كان حياً على الأرض ، والثانية لنشر كل ميت. واعتلوا لقولهم ذلك بقوله : "ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون" [الزمر: 68]، وبالخبر الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إذ سئل عن الصور: هو قرن ينفخ فيه .
وقال آخرون : "الصور" في هذا الموضع جمع صورة، ينفخ فيها روحها فتحى، كقولهم: سور لسور ا المدينة ، وهو جمع سورة ، كما قال جرير:
سور المدينة والجبال الخشع
والعرب تقول : نفخ في الصور و نفخ الصور ، ومن قولهم : نفخ الصور ، قول الشاعر:
لولا ابن جعدة لم تفتح قهندزكم ولا خراسان حتى ينفخ الصور
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا، ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال : "إن إسرافيل قد التقم الصور وحنى جبهته ، ينتظر متى يؤمر فينفخ"، وأنه قال : "الصور قرن ينفخ فيه".
وذكر عن ابن عباس أنه كان يقول في قوله : "يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة" يعني : أن عالم الغيب والشهادة، هو الذي ينفخ في الصور.
حدثني به المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثنا معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله : "عالم الغيب والشهادة"، يعني : أن عالم الغيب والشهادة هو الذي ينفخ في الصور.
فكان ابن عباس تأول في ذلك أن قوله : "عالم الغيب والشهادة"، اسم الفاعل الذي لم يسم في قوله : "يوم ينفخ في الصور"، وأن معنى الكلام : يوم ينفخ الله في الصور، عالم الغيب والشهادة. كما تقول العرب : أكل طعامك ، عبد الله، فتظهر اسم الأكل بعد أن قد جرى الخبر بما لم يسم آكله. وذلك وإن كان وجهاً غير مدفوع ، فإن أحسن من ذلك أن يكون قوله : "عالم الغيب والشهادة"، مرفوعاً على أنه نعت لـ "الذي"، في قوله : "وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق".
وروي عنه أيضاً أنه كان يقول : "الصور" في هذا الموضع ، النفخة الأولى.
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة"، يعني بالصور: النفخة الأولى، ألم تسمع أنه يقول : "ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى" يعني الثانية "فإذا هم قيام ينظرون" [الزمر: 68].
ويعني بقوله : "عالم الغيب والشهادة"، عالم ما تعاينون ، أيها الناس ، فتشاهدونه ، وما يغيب عن حواسكم وأبصاركم فلا تحسونه ولا تبصرونه ، "وهو الحكيم"، في تدبيره وتصريفه خلقه من حال الوجود إلى العدم ، ثم من حال العدم والفناء إلى الوجود، ثم في مجازاتهم بما يجازيهم به من ثواب أو عقاب ، "الخبير"، بكل ما يعملونه وبكسبونه من حسن وسيئ، حافظ ذلك عليهم ليجازيهم على كل ذلك. يقول تعالى ذكره : فاحذروا، أيها العادلون بربكم ، عقابه ، فإنه عليم بكل ما تأتون وتذرون ، وهو لكم من وراء الجزاء على ما تعملون.
"وهو الذي خلق السماوات والأرض" أي فهو الذي يجب أن يعبد لا الأصنام. ومعنى "بالحق" أي بكلمة الحق. يعني قوله كن.
قوله تعالى: "ويوم يقول كن فيكون" أي واذكر يوم يقول كن. أو اتقوا يوم يقول كن. أو قدر يوم يقول كن. وقيل: هو عطف على الهاء في قوله: واتقوه. قالالفراء: كن فيكون يقال: إنه للصور خاصة، أي ويوم يقول للصور كن فيكون. وقيل: المعنى فيكون جميع ما أراد من موت الناس وحياتهم. وعلى هذين التأويلين يكون "قوله الحق" ابتداءً وخبراً. وقيل: إن قوله تعالى: قوله رفع بيكون، أي فيكون ما يأمر به. والحق من نعته. ويكون التمام على هذا فيكون قوله الحق. وقرأ ابن عامر فيكون بالنصب، وهو إشارة إلى سرعة الحساب والبعث. وقد تقدم في البقرة القول فيه مستوفى.
قوله تعالى: "يوم ينفخ في الصور" أي وله الملك يوم ينفخ في الصور. أو وله الحق يوم ينفخ في الصور. وقيل: هو بدل من يوم يقول. والصور قرن من نور ينفخ فيه النفخة الأولى للفناء والثانية للإنشاء. وليس جمع صورة كما زعم بعضهم، أي ينفخ في صور الموتى على ما نبينه. روى مسلم من حديث عبد الله بن عمرو:
"ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتاً ورفع ليتا -قال- وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله -قال- فيصعق ويصعق الناس ثم يرسل الله -أو قال ينزل الله- مطراً كأنه الطل فتنبت منه أجساد الناس ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون" وذكر الحديث.
وكذا في التنزيل "ثم نفخ فيه أخرى" [الزمر: 68] ولم يقل فيها، فعلم أنه ليس جمع الصورة. والأمم مجمعة على أن الذي ينفخ في الصور إسرافيل عليه السلام. قال أبو الهيثم: من أنكر أن يكون الصور قرنا فهو كمن ينكر العرش والميزان والصراط، وطلب لها تأويلات. قال ابن فارس: الصور الذي في الحديث كالقرن ينفخ فيه، والصور جمع صورة. وقال الجوهري: الصور القرن. قال الراجز:
لقد نطحناهم غداة الجمعين نطحاً شديداً لا كنطح الصورين
ومنه قوله: "ويوم ينفخ في الصور" [النمل: 87]. قال الكلبي: لا أدري ما هو الصور. ويقال: هو جمع صورة مثل بسرة وبسر، أي ينفخ في صور الموتى والأرواح. وقرأ الحسن يوم ينفخ في الصور. والصور (بكسر الصاد) لغة في الصور جمع صورة والجمع صوار، وصيار (بالياء) لغة فيه. وقال عمرو بن عبيد: قرأ عياض يوم ينفخ في الصور فهذا يعني به الخلق. والله أعلم.
قلت: وممن قال إن المراد بالصور في هذه الآية جمع صورة أبو عبيدة. وهذا وإن كان محتملاً فهو مردود بما ذكرناه من الكتاب والسنة. وأيضاً لا ينفخ في الصور للبعث مرتين، بل ينفخ فيه مرة واحدة، فإسرافيل عليه السلام ينفخ في الصور الذي هو القرن والله عز وجل يحيي الصور. وفي التنزيل "فنفخنا فيها من روحنا" [الأنبياء: 91].
قوله تعالى: "عالم الغيب والشهادة" برفع عالم صفة لـالذي، أي وهو الذي خلق السموات والأرض عالم الغيب. ويجوز أن يرتفع على إضمار المبتدأ. وقد روي عن بعضهم أنه قرأ ينفخ فيجوز أن يكون الفاعل عالم الغيب، لأنه إذا كان النفخ فيه بأمر الله عز وجل كان منسوباً إلى الله تعالى. ويجوز أن يكون ارتفع "عالم" حملاً على المعنى، كما أنشد سيبويه:
ليبك يزيد ضارع لخصومة
وقرأ الحسن و الأعمش عالم بالخفض على البدل من الهاء التي في له.
قال السدي: قال المشركون للمسلمين: اتبعوا سبيلنا واتركوا دين محمد, فأنزل الله عز وجل " قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا " أي في الكفر "بعد إذ هدانا الله" فيكون مثلنا مثل الذي استهوته الشياطين في الأرض, يقول: مثلكم إن كفرتم بعد إيمانكم, كمثل رجل خرج مع قوم على الطريق, فضل الطريق, فحيرته الشياطين, واستهوته في الأرض وأصحابه على الطريق فجعلوا يدعونه إليهم يقولون: ائتنا فإنا على الطريق, فأبى أن يأتيهم, فذلك مثل من يتبعهم بعد المعرفة بمحمد صلى الله عليه وسلم, ومحمد هو الذي يدعو إلى الطريق, والطريق هو الإسلام, رواه ابن جرير, وقال قتادة "استهوته الشياطين في الأرض" أضلته في الأرض, يعني استهوته سيرته, كقوله "تهوي إليهم" وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس, في قوله " قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا " الاية, هذا مثل ضربه الله للالهة ومن يدعو إليها, والدعاة الذين يدعون إلى هدى الله عز وجل, كمثل رجل ضل عن طريق تائهاً, إذ ناداه مناد: يا فلان بن فلان هلم إلى الطريق, وله أصحاب يدعونه يا فلان هلم إلى الطريق, فإن اتبع الداعي الأول انطلق به حتى يلقيه إلى الهلكة, وإن أجاب من يدعوه إلى الهدى, اهتدى إلى الطريق, وهذه الداعية التي تدعو في البرية من الغيلان, يقول: مثل من يعبد هذه الالهة من دون الله, فإنه يرى أنه في شيء, حتى يأتيه الموت فيستقبل الندامة والهلكة, وقوله "كالذي استهوته الشياطين في الأرض" هم الغيلان "يدعونه" باسمه واسم أبيه وجده, فيتبعها وهو يرى أنه في شيء فيصبح وقد رمته في هلكة, وربما أكلته, أو تلقيه في مضلة من الأرض يهلك فيها عطشاً, فهذا مثل من أجاب الالهة التي تعبد من دون الله عز وجل, رواه ابن جرير, وقال ابن أبي نجيح: عن مجاهد, "كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران" قال: رجل حيران يدعوه أصحابه إلى الطريق, وذلك مثل من يضل بعد أن هدي, وقال العوفي عن ابن عباس قوله "كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب" هو الذي لا يستجيب لهدى الله, وهو رجل أطاع الشيطان, وعمل في الأرض بالمعصية, وحاد عن الحق, وضل عنه, وله أصحاب يدعونه إلى الهدى, ويزعمون أن الذي يأمرونه به هدى, يقول الله ذلك لأوليائهم من الإنس, "إن الهدى هدى الله" والضلال ما يدعو إليه الجن, رواه ابن جرير, ثم قال: وهذا يقتضي أن أصحابه يدعونه إلى الضلال ويزعمون أنه هدى, قال وهذا خلاف ظاهر الاية, فإن الله أخبر أنهم يدعونه إلى الهدى, فغير جائز أن يكون ضلالاً, وقد أخبر الله أنه هدى, وهو كما قال ابن جرير: فإن السياق يقتضي أن هذا الذي استهوته الشياطين في الأرض حيران, وهو منصوب على الحال, أي في حال حيرته وضلاله وجهله, وجه المحجة, وله أصحاب على المحجة سائرون, فجعلوا يدعونه إليهم وإلى الذهاب معهم على الطريقة المثلى, وتقدير الكلام فيأبى عليهم, ولا يلتفت إليهم, ولو شاء الله لهداه ولرد به إلى الطريق, ولهذا قال "قل إن هدى الله هو الهدى" كما قال "ومن يهد الله فما له من مضل" وقال "إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين" وقوله "وأمرنا لنسلم لرب العالمين" أي نخلص له العبادة, وحده لا شريك له, "وأن أقيموا الصلاة واتقوه" أي وأمرنا بإقامة الصلاة وبتقواه في جميع الأحوال, "وهو الذي إليه تحشرون" أي يوم القيامة "وهو الذي خلق السموات والأرض بالحق" أي بالعدل فهو خالقهما ومالكهما, والمدبر لهما ولمن فيهما, وقوله "ويوم يقول كن فيكون" يعني يوم القيامة, الذي يقول الله كن فيكون, عن أمره كلمح البصر, أو هو أقرب, ويوم منصوب إما على العطف على قوله واتقوه, وتقديره واتقوا يوم يقول كن فيكون, وإما على قوله "خلق السموات والأرض" أي وخلق يوم يقول كن فيكون فذكر بدء الخلق وإعادته وهذا مناسب وإما على إضمار فعل تقديره واذكر يوم يقول كن فيكون, وقوله "قوله الحق وله الملك" جملتان محلهما الجر على أنهما صفتان لرب العالمين, وقوله "يوم ينفخ في الصور" يحتمل أن يكون بدلاً من قوله ويوم يقول كن فيكون يوم ينفخ في الصور ويحتمل أن يكون ظرفاً لقوله "وله الملك يوم ينفخ في الصور" كقوله "لمن الملك اليوم لله الواحد القهار" كقوله "الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوماً على الكافرين عسيراً" وما أشبه ذلك, واختلف المفسرون في قوله "يوم ينفخ في الصور" فقال بعضهم: المراد بالصور هنا, جمع صورة, أي يوم ينفخ فيها فتحيا. قال ابن جرير: كما يقال: سور لسور البلد, وهو جمع سورة, والصحيح أن المرد بالصور القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام, قال ابن جرير: والصواب عندنا ما تظاهرت به الأخبار, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, أنه قال "إن إسرافيل قد التقم الصور, وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر فينفخ" رواه مسلم في صحيحه, وقال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل, حدثنا سليمان التيمي, عن أسلم العجلي, عن بشر بن شغاف, عن عبد الله بن عمرو قال: قال أعرابي يا رسول الله ما الصور ؟ قال "قرن ينفخ فيه".
وقد روينا حديث الصور بطوله من طريق الحافظ ابن القاسم الطبراني, في كتابه المطولات, قال: حدثنا أحمد بن الحسن المقري الأيلي, حدثنا أبو عاصم النبيل, حدثنا إسماعيل بن رافع, عن محمد بن زياد, عن محمد بن كعب القرظي, عن أبي هريرة رضي الله عنه, قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في طائفة من أصحابه, فقال "إن الله لما فرغ من خلق السموات والأرض, خلق الصور فأعطاه إسرافيل فهو واضعه على فيه, شاخصاً بصره إلى العرش ينتظر متى يؤمر" قلت: يا رسول الله وما الصور ؟ قال: "القرن" قلت: كيف هو ؟ قال: "عظيم والذي بعثني بالحق إن عظم دارة فيه كعرض السموات والأرض, ينفخ فيه ثلاث نفخات: النفخة الأولى نفخة الفزع, والثانية نفخة الصعق, والثالثة نفخة القيام لرب العالمين, يأمر الله تعالى إسرافيل بالنفخة الأولى, فيقول: انفخ فينفخ نفخة الفزع, فيفزع أهل السموات والأرض إلا من شاء الله, ويأمره فيطيلها ويديمها ولا يفتر, وهي كقول الله "وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق" فيسير الجبال, فتمر مر السحاب فتكون سراباً, ثم ترتج الأرض بأهلها رجاً, فتكون كالسفينة المرمية في البحر, تضربها الأمواج تكفأ بأهلها كالقنديل المعلق في العرش ترجرجه الرياح, وهو الذي يقول "يوم ترجف الراجفة * تتبعها الرادفة * قلوب يومئذ واجفة" فيميد الناس على ظهرها وتذهل المراضع وتضع الحوامل, وتشيب الولدان, وتطير الشياطين هاربة من الفزع, حتى تأتي الأقطار فتأتيها الملائكة فتضرب وجوهها, فترجع ويولي الناس مدبرين, ما لهم من أمن الله من عاصم, ينادي بعضهم بعضاً, وهو الذي يقول الله تعالى: "يوم التناد" فبينما هم على ذلك إذ تصدعت الأرض, من قطر إلى قطر, فرأوا أمراً عظيماً لم يروا مثله, وأخذهم لذلك من الكرب والهول ما الله به عليم, ثم نظروا إلى السماء فإذا هي كالمهل, ثم انشقت السماء, فانتثرت نجومها وانخسفت شمسها وقمرها" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الأموات لا يعلمون بشيء من ذلك" قال أبو هريرة: يا رسول الله من استثنى الله عز وجل حين يقول "ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله" ؟ قال "أولئك الشهداء" وإنما يصل الفزع إلى الأحياء, وهم أحياء عند ربهم يرزقون, وقاهم الله فزع ذلك اليوم وآمنهم منه, وهو عذاب الله يبعثه على شرار خلقه ـ قال ـ وهو الذي يقول الله عز وجل: "يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد" فيكونون في ذلك العذاب ما شاء الله إلا أنه يطول, ثم يأمر الله إسرافيل بنفخة الصعق, فينفخ نفخة الصعق, فيصعق أهل السموات والأرض, إلا من شاء الله, فإذا هم قد خمدوا, وجاء ملك الموت إلى الجبار عز وجل, فيقول: يا رب قد مات أهل السموات والأرض, إلا من شئت, فيقول الله وهو أعلم, بمن بقي فمن بقي ؟ فيقول: يا رب بقيت أنت الحي الذي لا تموت, وبقيت حملة العرش, وبقي جبريل وميكائيل, وبقيت أنا, فيقول الله عز وجل: ليمت جبريل وميكائيل فينطق الله العرش, فيقول يا رب يموت جبريل وميكائيل, فيقول اسكت, فإني كتبت الموت على كل من كان تحت عرشي, فيموتان, ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار, فيقول يا رب: قد مات جبريل وميكائيل, فيقول الله وهو أعلم بمن بقي: فمن بقي ؟ فيقول: بقيت أنت الحي الذي لا تموت, بقيت حملة عرشك, وبقيت أنا, فيقول الله: لتمت حملة العرش فتموت, ويأمر الله العرش فيقبض الصور من إسرافيل, ثم يأتي ملك الموت فيقول: يا رب قد مات حملة عرشك, فيقول الله وهو أعلم بمن بقي: فمن بقي ؟ فيقول: يا رب بقيت أنت الحي الذي لا تموت, وبقيت أنا, فيقول الله: أنت خلق من خلقي, خلقتك لما رأيت فمت, فيموت, فإذا لم يبق إلا الله, الواحد القهار الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد, كان آخراً كما كان أولاً, طوى السموات والأرض, طي السجل للكتب, ثم دحاهما ثم يلقفهما ثلاث مرات, ثم يقول: أنا الجبار أنا الجبار أنا الجبار ثلاثاً, ثم هتف بصوته "لمن الملك اليوم" ثلاث مرات, فلا يجيبه أحد, ثم يقول لنفسه "لله الواحد القهار" يقول الله: "يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات" فيبسطهما ويسطحهما, ثم يمدهما مد الأديم العكاظي "لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً" ثم يزجر الله الخلق زجرة واحدة, فإذا هم في هذه الأرض المبدلة, مثل ما كانوا فيها من الأولى, من كان في بطنها كان في بطنها, ومن كان على ظهرها كان على ظهرها, ثم ينزل الله عليهم ماء من تحت العرش, ثم يأمر الله السماء أن تمطر فتمطر أربعين يوماً, حتى يكون الماء فوقهم اثني عشر ذراعاً ثم يأمر الله الأجساد أن تنبت فتنبت كنبات الطراثيث, أو كنبات البقل, حتى إذا تكاملت أجسادهم فكانت كما كانت, قال الله عز وجل: ليحي حملة عرشي فيحيون, ويأمر الله إسرافيل فيأخذ الصور فيضعه على فيه, ثم يقول: ليحي جبريل وميكائيل, فيحييان ثم يدعو الله بالأرواح فيؤتى بها تتوهج أرواح المسلمين نوراً, وأرواح الكافرين ظلمة, فيقبضها جميعاً, ثم يلقيها في الصور, ثم يأمر الله إسرافيل أن ينفخ نفخة البعث, فينفخ نفخة البعث, فتخرج الأرواح كأنها النحل قد ملأت ما بين السماء والأرض, فيقول وعزتي وجلالي ليرجعن كل روح إلى جسده, فتدخل الأرواح في الأرض إلى الأجساد, فتدخل في الخياشيم ثم تمشي في الأجساد, كما يمشي السم في اللديغ, ثم تنشق الأرض عنهم, وأنا أول من تنشق الأرض عنه, فتخرجون سراعاً إلى ربكم تنسلون, "مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر" حفاة عراة غلفاً غرلاً, فتقفون موقفاً واحداً مقداره سبعون عاماً لا ينظر إليكم ولا يقضى بينكم, فتبكون حتى تنقطع الدموع, ثم تدمعون دماً وتعرقون, حتى يلجمكم العرق أو يبلغ الذقان, وتقولون: من يشفع لنا إلى ربنا فيقضي بيننا, فتقولون: من أحق بذلك من أبيكم آدم خلقه الله بيده, ونفخ فيه من روحه, وكلمه قبلاً, فيأتون آدم فيطلبون ذلك إليه فيأبى, ويقول ما أنا بصاحب ذلك فيستقرئون الأنبياء نبياً نبياً, كلما جاؤوا نبياً أبى عليهم ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأتوني فأنطلق إلى الفحص, فأخر ساجداً. قال أبو هريرة يا رسول الله وما الفحص ؟ قال ـ قدام العرش, حتى يبعث الله إلي ملكاً فيأخذ بعضدي ويرفعني فيقول لي: يا محمد, فأقول: نعم يا رب, فيقول الله عز وجل: ما شأنك ؟ وهو أعلم ـ فأقول يا رب وعدتني الشفاعة, فشفعني في خلقك فاقض بينهم, قال الله: قد شفعتك, أنا آتيكم أقضي بينكم ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فأرجع فأقف مع الناس, فبينما نحن وقوف, إذ سمعنا من السماء حساً شديداً, فهالنا فينزل أهل السماء الدنيا بمثلي من في الأرض من الجن والإنس, حتى إذا دنوا من الأرض, أشرقت الأرض بنورهم وأخذوا مصافهم وقلنا لهم: أفيكم ربنا ؟ فيقولون: لا وهو آت, ثم ينزل أهل السماء الثانية بمثلي من نزل من الملائكة, وبمثلي من فيها من الجن والإنس, حتى إذا دنوا من الأرض, أشرقت الأرض بنورهم وأخذوا مصافهم. وقلنا لهم: أفيكم ربنا ؟ فيقولون: لا. وهو آت, ثم ينزلون على قدر ذلك من التضعيف, حتى ينزل الجبار عز وجل في ظلل من الغمام والملائكة, فيحمل عرشه يومئذ, ثمانية ـ وهم اليوم أربعة ـ أقدامهم في تخوم الأرض السفلى, والأرض والسموات إلى حجزهم, والعرش على مناكبهم, ولهم زجل في تسبيحهم يقولون: سبحان ذي العرش والجبروت, وسبحان ذي الملك والملكوت, سبحان الحي الذي لا يموت, سبحان الذي يميت الخلائق, ولا يموت, سبوح قدوس قدوس قدوس, سبحان ربنا الأعلى رب الملائكة والروح, سبحان ربنا الأعلى الذي يميت الخلائق ولا يموت, فيضع الله كرسيه حيث يشاء من أرضه ثم يهتف بصوته فيقول: يا معشر الجن والإنس, إني قد أنصت لكم منذ خلقتكم إلى يومكم هذا, أسمع قولكم وأبصر أعمالكم, فأنصتوا إلي فإنما هي أعمالكم وصحفكم تقرأ عليكم فمن وجد خيراً فليحمد الله, ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه, ثم يأمر الله جهنم. فيخرج منها عنق ساطع مظلم, ثم يقول " ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين * وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم * ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون * هذه جهنم التي كنتم توعدون " أو ـ بها تكذبون ـ شك أبو عاصم, "وامتازوا اليوم أيها المجرمون" فيميز الله الناس وتجثو الأمم. يقول الله تعالى: " وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون " فيقضي الله عز وجل بين خلقه إلا الثقلين الجن والإنس, فيقضي بين الوحوش والبهائم, حتى إنه ليقضي للجماء من ذات القرن, فإذا فرغ من ذلك, فلم تبق تبعة عند واحدة للأخرى, قال الله لها: كوني تراباً, فعند ذلك يقول الكافر "يا ليتني كنت تراباً" ثم يقضي الله بين العباد, فكان أول ما يقضي فيه الدماء, ويأتي كل قتيل في سبيل الله, ويأمر الله عز وجل كل من قتل, فيحمل رأسه تشخب أوداجه, فيقول: يارب فيم قتلني هذا ؟ فيقول ـ وهو أعلم ـ فيم قتلتهم ؟ فيقول: قتلتهم لتكون العزة لك, فيقول الله له: صدقت فيجعل الله وجهه مثل نور الشمس, ثم تمر به الملائكة إلى الجنة, ثم يأتي كل من قتل على غير ذلك يحمل رأسه وتشخب أوداجه, فيقول: يا رب فيم قتلني هذا ؟ فيقول ـ وهو أعلم ـ لم قتلتهم ؟ فيقول: يا رب قتلتهم لتكون العزة لي, فيقول: تعست, ثم لا تبقى نفس قتلها إلا قتل بها, ولا مظلمة ظلمها إلا أخذ بها, وكان في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء رحمه, ثم يقضي الله تعالى بين من بقي من خلفه حتى لا تبقى مظلمة لأحد عند أحد إلا أخذها الله للمظلوم من الظالم, حتى إنه ليكلف شائب اللبن بالماء ثم يبيعه أن يخلص اللبن من الماء, فإذا فرغ الله من ذلك, نادى مناد يسمع الخلائق كلهم: ألا ليلحق كل قوم بآلهتهم وما كانوا يعبدون من دون الله فلا يبقى أحد عبد من دون الله, إلا مثلت له آلهته بين يديه, ويجعل يومئذ ملك من الملائكة على صورة عزير, ويجعل ملك من الملائكة على صورة عيسى بن مريم. ثم يتبع هذا اليهود وهذا النصارى, ثم قادتهم آلهتهم إلى النار, وهو الذي يقول "لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون" فإذا لم يبق إلا المؤمنون, فيهم المنافقون, جاءهم الله فيما شاء من هيئته فقال: يا أيها الناس, ذهب الناس فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون, فيقولون: والله ما لنا إله إلا الله, وما كنا نعبد غيره, فينصرف عنهم, وهو الله الذي يأتيهم, فيمكث ما شاء الله أن يمكث ثم يأتيهم, فيقول: يا أيها الناس ذهب الناس فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون. فيقولون: والله ما لنا إله إلا الله, وما كنا نعبد غيره, فيكشف لهم عن ساقه, ويتجلى لهم من عظمته, ما يعرفون أنه ربهم فيخرون للأذقان سجداً على وجوههم, ويخر كل منافق على قفاه, ويجعل الله أصلابهم كصياصي البقر, ثم يأذن الله لهم فيرفعون ويضرب الله الصراط بين ظهراني جهنم, كحد الشفرة أو كحد السيف, عليه كلاليب وخطاطيف وحسك كحسك السعدان, دونه جسر دحض مزلة, فيمرون كطرف العين أو كلمح البرق, أو كمر الريح أو كجياد الخيل, أو كجياد الركاب, أو كجياد الرجال, فناج سالم, وناج مخدوش ومكردس على وجهه في جهنم, فإذا أفضى أهل الجنة إلى الجنة, قالوا: من يشفع لنا إلى ربنا فندخل الجنة ؟ فيقولون: من أحق بذلك من أبيكم آدم عليه السلام, خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه وكلمه قبلاً, فيأتون آدم فيطلب ذلك إليه فيذكر ذنباً ويقول: ما أنا بصاحب ذلك, ولكن عليكم بنوح فإنه أول رسل الله, فيؤتى نوح فيطلب ذلك إليه فيذكر ذنباً ويقول: ما أنا بصاحب ذلك, ويقول: عليكم بإبراهيم فإن الله اتخذه خليلاً, فيؤتى إبراهيم فيطلب ذلك إليه فيذكر ذنباً ويقول: ما أنا بصاحب ذلك ويقول: عليكم بموسى فإن الله قربه نجياً وكلمه وأنزل عليه التوراة. فيؤتى موسى فيطلب ذلك إليه, فيذكر ذنباً ويقول: لست بصاحب ذلك, ولكن عليكم بروح الله وكلمته عيسى ابن مريم, فيؤتى عيسى ابن مريم فيطلب ذلك إليه, فيقول: "ما أنا بصاحبكم ولكن عليكم بمحمد" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فيأتوني ولي عند ربي ثلاث شفاعات وعدنيهن, فأنطلق فآتي الجنة, فآخذ بحلقة الباب فأستفتح, فيفتح لي فأحيا ويرحب بي, فإذا دخلت الجنة فنظرت إلى ربي خررت ساجداً, فيأذن الله لي من تحميده وتمجيده بشيء ما أذن به لأحد من خلقه, ثم يقول: ارفع رأسك يا محمد واشفع تشفع, وسل تعطه, فإذا رفعت رأسي يقول الله ـ وهو أعلم ـ: ما شأنك ؟ فأقول: يا رب وعدتني الشفاعة فشفعني في أهل الجنة فيدخلون الجنة, فيقول الله: قد شفعتك وقد أذنت لهم في دخول الجنة" وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "والذي نفسي بيده, ما أنتم في الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم, من أهل الجنة بأزواجهم ومساكنهم, فيدخل كل رجل منهم على اثنتين وسبعين زوجة, سبعين مما ينشىء الله عز وجل, وثنتين آدميتين من ولد آدم لهما فضل على من أنشأ الله لعبادتهما الله في الدنيا فيدخل على الأولى في غرفة من ياقوتة على سرير من ذهب مكلل باللؤلؤ عليها سبعون زوجاً من سندس وإستبرق, ثم إنه يضع يده بين كتفيها ثم ينظر إلى يده من صدرها ومن وراء ثيابها وجلدها ولحمها, وإنه لينظر إلى مخ ساقها كما ينظر أحدكم إلى السلك في قصبة الياقوت, كبدها له مرآة وكبده لها مرآة. فبينا هو عندها لا يملها ولا تمله, ما يأتيها من مرة إلا وجدها عذراء, ما يفتر ذكره وما تشتكي قبلها, فبينا هو كذلك إذ نودي إنا قد عرفنا أنك لا تمل ولا تمل, إلا أنه لا مني ولا منية إلا أن لك أزواجاً غيرها, فيخرج فيأتيهن واحدة واحدة, كلما أتى واحدة قالت له: والله ما أرى في الجنة شيئاً أحسن منك, ولا في الجنة شيء أحب إلي منك. وإذا وقع أهل النار في النار, وقع فيها خلق من خلق ربك, أوبقتهم أعمالهم, فمنهم من تأخذه النار قدميه لا تجاوز ذلك, ومنهم من تأخذه إلى أنصاف ساقيه, ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه, ومنهم من تأخذه إلى حقويه, ومنهم من تأخذ جسده كله إلا وجهه, حرم الله صورته عليها" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فأقول يا رب شفعني فيمن وقع في النار من أمتي, فيقول: أخرجوا من عرفتم, فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد, ثم يأذن الله في الشفاعة, فلا يبقى نبي ولا شهيد إلا شفع, فيقول الله: أخرجوا من وجدتم في قلبه زنة دينار إيماناً فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد. ثم يشفع الله فيقول: أخرجوا من في قلبه إيماناً ثلثي دينار, ثم يقول: ثلث دينار, ثم يقول: ربع دينار, ثم يقول: قيراطاً, ثم يقول: حبة من خردل, فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد, وحتى لا يبقى في النار من عمل لله خيراً قط, ولا يبقى أحد له شفاعة إلا شفع, حتى إن إبليس يتطاول مما يرى من رحمة الله رجاء أن يشفع له. ثم يقول: بقيت وأنا أرحم الراحمين, فيدخل يده في جهنم, فيخرج منها ما لا يحصيه غيره, كأنهم حمم فيلقون على نهر, يقال له: نهر الحيوان, فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل, فما يلي الشمس منها أخيضر, وما يلي الظل منها أصيفر, فينبتون كنبات الطراثيث, حتى يكونوا أمثال الذر مكتوب في رقابهم الجهنميون, عتقاء الرحمن, يعرفهم أهل الجنة بذلك الكتاب وما عملوا خيراً لله قط, فيمكثون في الجنة ما شاء الله وذلك الكتاب في رقابهم, ثم يقولون: ربنا امح عنا هذا الكتاب فيمحوه الله عز وجل عنهم".
ثم ذكره بطوله, ثم قال: هذا حديث مشهور, وهو غريب جداً, ولبعضه شواهد في الأحاديث المتفرقة, وفي بعض ألفاظه نكارة, تفرد به إسماعيل بن رافع قاضي أهل المدينة, وقد اختلف فيه, فمنهم من وثقه ومنهم من ضعفه, ونص على نكارة حديثه غير واحد من الأئمة, كأحمد بن حنبل, وأبي حاتم الرازي, وعمرو بن علي الفلاس, ومنهم من قال فيه هو متروك, وقال ابن عدي: أحاديثه كلها فيها نظر, إلا أنه يكتب حديثه في جملة الضعفاء, قلت: وقد اختلف عليه في إسناد هذا الحديث على وجوه كثيرة قد أفردتها في جزء على حدة, وأما سياقه فغريب جداً, ويقال: إنه جمعه من أحاديث كثيرة, وجعله سياقاً واحداً فأنكر عليه بسبب ذلك, وسمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي يقول: إنه رأى للوليد بن مسلم مصنفاً قد جمعه, كالشواهد لبعض مفردات هذا الحديث, فالله أعلم ,
فكيف تخالفون أمره 73- "وهو الذي خلق السموات والأرض" خلقاً "بالحق" أو حال كون الخلق بالحق فكيف تعبدون الأصنام المخلوقة. قوله: "ويوم يقول كن فيكون قوله الحق" أي واذكر يوم يقول كن فيكون أو واتقوا يوم يقول كن فيكون، وقيل هو عطف على الهاء في "واتقوه" وقيل إن يوم ظرف لمضمون جملة "قوله الحق" والمعنى وأمره المتعلق بالأشياء الحق: أي المشهود له بأنه حق، وقيل قوله مبتدأ، والحق صفة له "ويوم يقول كن فيكون" خبره مقدماً عليه، والمعنى: قوله المتصف بالحق كائن يوم يقول كن فيكون، وقيل إن قوله مرتفع بيكون، والحق صفته: أي يوم يقول كن يكون قوله الحق. وقرأ ابن عامر "فنكون" بالنون، وهو إشارة إلى سرعة الحساب. وقرأ الباقون بالياء التحتية وهو الصواب. قوله: "وله الملك يوم ينفخ في الصور" الظرف منصوب بما قبله: أي له الملك في هذا اليوم، وقيل هو بدل من اليوم الأول، والصور قرن ينفخ فيه النفخة الأولى للفناء، والثانية للإنشاء، وكذا قال الجوهري: إن الصور القرن، قال الراجز:
لقد نطحناهم غداة الجمعين نطحاً شديداً لا كنطح الصورين
والصور بضم الصاد وبكسرها لغة، وحكي عن عمرو بن عبيد أنه قرأ "يوم ينفخ في الصور" بتحريك الواو، جمع صورة، والمراد: الخلق. قال أبو عبيدة: وهذا وإن كان محتملاً يرد بما في الكتاب والسنة. وقال الفراء: كن فيكون، يقال إنه للصور خاصة: أي ويوم يقول للصور كن فيكون. قوله: "عالم الغيب والشهادة" رفع عالم على أنه صفة للذي خلق السموات والأرض، ويجوز أن يرتفع على إضمار مبتدأ: أي هو عالم الغيب والشهادة، وروي عن بعضهم أنه قرأ ينفخ بالبناء للفاعل، فيجوز على هذه القراءة أن يكون الفاعل "عالم الغيب" ويجوز أن يرتفع بفعل مقدر كما أنشد سيبويه:
ليبك يزيد ضارع لخصومة ومختبط مما تطيح الطوائح
أي يبكيه مختبط. وقرأ الحسن والأعمش "عالم" بالخفض على البدل من الهاء في "له الملك"، "وهو الحكيم" في جميع ما يصدر عنه "الخبير" بكل شيء.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: "وكذب به قومك" يقول: كذبت قريش بالقرآن "وهو الحق" وأما الوكيل فالحفيظ، وأما " لكل نبإ مستقر " فكان نبأ القوم استقر يوم بدر بما كان يعدهم من العذاب. وأخرج النحاس في ناسخه عن ابن عباس في قوله: "لست عليكم بوكيل" قال: نسخ هذه الآية آية السيف "فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس "لكل نبإ مستقر" يقول: حقيقة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن أنه قال في قوله: "لكل نبإ مستقر" قال: حبست عقوبتها حتى عمل ذنبها أرسلت عقوبتها. وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله: "لكل نبإ مستقر" قال: فعل وحقيقة ما كان منه في الدنيا وما كان منه في الآخرة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم" ونحو هذا في القرآن قال: أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والفرقة وأخبرهم أنما أهلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا" قال: يستهزئون بها، نهى محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقعد معهم إلا أن ينسى، فإذا ذكر فليقم وذلك قول الله: "فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين". وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن سيرين أنه كان يرى أن هذه الآية نزلت في أهل الأهواء. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو نعيم في الحلية عن أبي جعفر قال: لا تجالسوا أهل الخصومات فإنهم الذين يخوضون في آيات الله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن محمد بن علي قال: إن أصحاب الأهواء من الذين يخوضون في آيات الله. وأخرج أبو الشيخ عن مقاتل قال: كان المشركون بمكة إذا سمعوا القرآن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خاضوا واستهزأوا، فقال المسلمون: لا تصلح لنا مجالستهم نخاف أن نخرج حين نسمع قولهم ونجالسهم فلا نعيب عليهم، فأنزل الله هذه الآية. وأخرج أبو الشيخ أيضاً عن السدي أنه قال: إن هذه الآية منسوخة بآية السيف. وأخرج النحاس عن ابن عباس في قوله: "وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء" قال: نسخت هذه الآية المكية بالآية المدنية، وهي قوله: "وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها" الآية. وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن مجاهد "وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء" إن قعدوا ولكن لا يقعدوا. وأخرج ابن أبي شيبة عن هشام بن عروة عن عمر بن عبد العزيز أنه أتى بقوم قعدوا على شراب معهم رجل صائم فضربه وقال: لا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: "وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً" قال: هو مثل قوله: "ذرني ومن خلقت وحيداً" يعني أنه للتهديد. وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه عن قتادة في هذه الآية قال: نسختها آية السيف. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه في قوله: "لعباً ولهواً" قال: أكلاً وشرباً. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "أن تبسل" قال: أن تفضح، وفي قوله: "أبسلوا" قال: فضحوا. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه في قوله: "أبسلوا بما كسبوا" قال: أسلموا بجرائرهم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: "قل أندعوا من دون الله" قال: هذا مثل ضربه الله للآلهة وللدعاة الذين يدعون إلى الله. وقوله: "كالذي استهوته الشياطين في الأرض" يقول: أضلته، وهم الغيلان يدعونه باسمه واسم أبيه وجده فيتبعها ويرى أنه في شيء فيصبح وقد ألقته في هلكة، وربما أكلته أو تلقيه في مضلة من الأرض يهلك فيها عطشاً، فهذا مثل من أجاب الآلهة التي تعبد من دون الله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: "كالذي استهوته الشياطين" قال: هو الرجل لا يستجيب لهدي الله، وهو الرجل أطاع الشيطان وعمل في الأرض بالمعصية وحاد عن الحق وضل عنه، و "له أصحاب يدعونه إلى الهدى" ويزعمون أن الذي يأمرونه به هدى يقول الله ذلك لأوليائهم من الإنس يقول: "إن الهدى هدى الله" والضلالة ما تدعو إليه الجن. وأخرج ابن المبارك في الزهد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث عن عبد الله بن عمرو قال:" سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصور: فقال:قرن ينفخ فيه" والأحاديث الواردة في كيفية النفخ ثابتة في كتب الحديث لا حاجة لنا إلى إيرادها ها هنا. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "عالم الغيب والشهادة" يعني أن عالم الغيب والشهادة هو الذي ينفخ في الصور.
73- " وهو الذي خلق السموات والأرض بالحق "، قيل: الباء بمعنى اللام، أي: إظهاراً للحق لأنه جعل صنعه دليلاً على وحدانيته، " ويوم يقول كن فيكون "، قيل هو راجع إلى خلق السموات والأرض والخلق، بمعنى: القضاء والتقدير، أي: كل شيء قضاه وقدره قال له: كن، فيكون.
وقيل: يرجع إلى القيامة،يدل على سرعة أمر البعث والساعة،كأنه قال: ويوم يقول للخلق: موتوا فيموتون، وقوموا فيقومون، " قوله الحق "، أي: الصدق الواقع لا محالة، يريد أن ما وعده حق كائن، " وله الملك يوم ينفخ في الصور "، يعني: ملك الملوك يومئذ زائل، كقوله: " مالك يوم الدين "، وكما قال: " والأمر يومئذ لله "، والأمر له في كل وقت، ولكن لا أمر في ذلك اليوم لأحد مع أمر الله، والصور: قرن ينفخ فيه، قال مجاهد : كهيئة البوق، وقيل: هو بلغة أهل اليمن، وقال أبوعبيدة: الصور هو الصور وهو جمع الصورة، وهو قول الحسن ، والأول أصح.
والدليل عليه ما أخبرنا محمد بن عبد الله[بن أبي توبة أنا أبو طاهر المحاربي أنا محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله]بن محمود أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال أنا عبد الله بن المبارك عن سليمان التيمي عن أسلم عن بشر بن شغاف عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال "جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما الصور ؟ قال: قرن ينفخ فيه ".
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي أنا أبو عبد الله بن محمد بن عبد الله الصفار أنا أحمد بن محمد بن عيسى البرتي أنا أبو حذيفة أنا سفيان عن الأعمش عن عطية بن سعد العوفي عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كيف أنعم وصاحب الصور قد التقمه، وأصغى سمعه وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر ؟ فقالوا: يا رسول الله وما تأمرنا ؟ قال: قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل" .
وقال أبو العلاء عن عطية : متى يؤمر بالنفخ فينفخ.
" عالم الغيب والشهادة "، يعلم ما غاب عن العباد وما يشاهدونه، لا يغيب عن علمه شيء، " وهو الحكيم الخبير ".
73 " وهو الذي خلق السموات والأرض بالحق "قائما بالحق والحكمة ، " ويوم يقول كن فيكون قوله الحق " جملة اسمية قدم فيها الخبر أي قوله الحق يوم يقول ، كقولك : القتال يوم الجمعة ، والمعنى أنه الخالق للسماوات والأرضين ، وقوله الحق نافذ في الكائنات . وقيل يوم منصوب بالعطف على السماوات أو الهاء في واتقوه ، أو بمحذوف دل عليه بالحق ، وقوله الحق مبتدأ وخبر أو فاعل يكون على معنى وحين يقول لقوله الحق أي لقضائه كن فيكون ، والمراد به حين يكون الأشياء ويحدثها أو حين تقوم القيامة فيكون التكوين حشر الأموات وإحياءها " وله الملك يوم ينفخ في الصور " كقوله سبحانه وتعالى : " لمن الملك اليوم لله الواحد القهار " " عالم الغيب والشهادة " أي هو عالم الغيب " وهو الحكيم الخبير " كالفذلكة للآية .
73. He it is Who created the heavens and the earth in truth. In that day when He saith: Be! it is. His word is the truth, and His will be the Sovereignty on the day when the trumpet is blown. Knower of the invisible and the visible, He is the Wise, the Aware.
73 - It is he who created the heavens and the earth in true (proportions): the day he saith, be, behold it is. his word is the truth. his will be the dominion the day the trumpet will be blown. he knoweth the unseen as well as that which is open. for he is the wise, well acquainted (with all things).